أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

اتجاه مضاد:

لماذا توجه إيران رسائل مزدوجة إلى الخارج؟

29 مارس، 2020


اعتادت إيران مع بداية كل عام هجري شمسي جديد، في 20 مارس، الإعلان عن ما تسميه "إنجازات" على الأصعدة المختلفة، لاسيما الصعيد العسكري. لكن في العام الحالي، توقعت اتجاهات عديدة أن تغير طهران وجهتها وتسعى إلى تقليص حدة التوتر مع الخارج، لاسيما القوى الدولية المعنية بالأزمات الإقليمية المختلفة، خاصة في ظل الضغوط التي تتعرض لها بسبب انتشار فيروس "كورونا" فضلاً عن الجهود التي تبذلها لرفع العقوبات المفروضة عليها من خلال حملة دبلوماسية تدعمها بعض تلك الدول على غرار روسيا والصين مستندة في هذا السياق إلى أن تلك العقوبات تخصم من قدرتها على مواجهة الفيروس. إلا أنها كانت حريصة على تبني السياسة نفسها، على نحو قد يضعف في النهاية من احتمالات نجاح تلك الجهود. 

تحركات مستمرة:

تبذل إيران جهوداً حثيثة في الفترة الحالية من أجل تقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها نتيجة العقوبات المفروضة عليها، حيث تستند في هذا السياق إلى أن رفع تلك العقوبات فضلاً عن استرداد أموالها المجمدة في الخارج من شأنه تعزيز قدرتها على مواجهة فيروس "كورونا". وفي هذا السياق، قال الرئيس حسن روحاني، في 26 مارس الجاري، أن "هناك مساعٍ في مجلس الأمن لرفع العقوبات والحظر عن أموالنا المجمدة"، مشيراً إلى أنه "تحدث هاتفياً مع رئيس إحدى الدول غير دائمة العضوية في مجلس الامن حيث قال أن مشروع ذلك جاهز للمناقشة في مجلس الأمن". وتوازى ذلك مع إشادة وزارة الخارجية بالرسالة التي وجهتها 8 دول إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشأن رفع العقوبات، وهى إيران وروسيا والصين وفنزويلا والعراق ونيكاراجوا وكوبا وكوريا الشمالية.

خطوات جديدة:

لكن في مقابل ذلك، حرصت طهران أيضاً على الإعلان عن خطوات جديدة سوف تؤدي إلى تصاعد حدة التوتر مع بعض القوى الدولية، بما فيها القوى التي يمكن أن تدعم أية جهود تبذل لرفع، أو على الأقل تقليص العقوبات التي تتعرض لها. إذ قال وزير الدفاع أحمد حاتمي، في 26 مارس الحالي، أن "المجال الصاروخي (في إشارة إلى الصواريخ الباليستية) سيشهد في العام الجديد تطوراً ملحوظاً، بما في ذلك زيادة تأثير الرؤوس الحربية مع زيادة قوتها التفجيرية وكذلك زيادة السرعة والقدرة على المناورة، فضلاً عن تحقيق قابلية إطلاق صواريخ كروز أثناء الحركة".

اللافت في هذه الخطوة هو أنه تم الإعلان عنها من قبل وزير الدفاع وليس الحرس الثوري، الذي يتولى الإشراف على برنامج الصواريخ الباليستية. وربما يكون ذلك في إطار عملية "توزيع أدوار" داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية بأفرعها المختلفة، دون استبعاد فرضيات أخرى خاصة بتغييرات داخل تلك المؤسسة على خلفية المعطيات الجديدة التي فرضها مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في 3 يناير الماضي. 

كما أعلنت وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، بعد ذلك بيوم واحد، عن قيام شركة "تكنولوجيا سنترفيوج" (تسا) الإيرانية بتصميم وصنع جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي سوف تزيح الستار عنه قريباً، مشيرة إلى أن الشركة عملت على إنتاج وتصميم أجهزة الجيل الجديد لإنشاء سلسلة أجهزة IR6 وإنتاج ثاني نموذج أولي لجهاز IR9، وإنتاج السلسلة الأولية من عشرة أجهزة من طراز IRS.

اعتبارات مختلفة:

يمكن تفسير حرص إيران على توجيه تلك الرسائل المزدوجة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- عدم التراجع: تسعى إيران عبر الإعلان عن الخطوات الجديدة الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية والبرنامج النووي إلى الإيحاء بأن الجهود التي تبذلها من أجل رفع العقوبات وتقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها في الوقت الحالي لن تدفعها إلى إجراء تغيير في سياستها إزاء تلك الملفات، والتي مثلت باستمرار محاور للخلاف مع القوى المعنية بالاتفاق النووي والأزمات الإقليمية بشكل عام. 

وبعبارة أخرى، فإن طهران تتعمد الترويج إلى أن حملتها لرفع العقوبات المفروضة عليها تنطلق من هدف إنساني خاص بمساعدتها في مواجهة انتشار فيروس "كورونا"، الذي أدى، حتى 28 مارس الجاري، إلى إصابة 35408 شخص ووفاة 2517 شخص، وأن ذلك لا يعني أنها سوف تكون مضطرة لتقديم تنازلات سياسية في الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانب القوى الدولية.

2- الرد على واشنطن: يكتسب الإعلان عن تلك الخطوات أهمية خاصة لجهة توقيته. إذ أنه يأتي في الوقت الذي تواصل الولايات المتحدة الأمريكية رفع سقف العقوبات التي تفرضها على إيران أو على بعض الأطراف التي تتهمها بمساعدتها في مواجهة تلك العقوبات والالتفاف عليها. ففي 19 مارس الحالي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على 5 شركات بتهمة شراء مئات الآلاف من الأطنان المترية من النفط الإيراني خلال عام 2019. كما أعلنت الوزارة، بعد ذلك بأسبوع، فرض عقوبات على 15 شخص و5 شركات لدورها في نقل أسلحة إيرانية إلى داخل العراق واليمن، كان في مقدمتها "منظمة إعادة إعمار الأماكن المقدسة في العراق"، التي كان يشرف عليها قاسم سليماني بشكل مباشر قبل مقتله.

3- احتواء الداخل: يبدي النظام في إيران اهتماماً خاصاً بتوجيه رسائل إلى الداخل مفادها أنه سوف يواصل سياسته الحالية القائمة على دعم الحلفاء في الخارج وتعزيز الأنشطة النووية والصاروخية، وهى المتغيرات التي سبق أن كان لها دور في اندلاع احتجاجات عديدة داخل إيران كان آخرها بالتوازي مع إسقاط الطائرة المدنية الأوكرانية في 8 يناير الماضي، حيث يتهم المحتجون النظام بمنح الأولوية لدعم الدور الإقليمي على حساب معالجة الأوضاع المعيشية في الداخل. وقد حرصت السلطات على استغلال انتشار الفيروس داخل إيران من أجل احتواء الاحتجاجات، ومنع تجددها مرة أخرى في الوقت الذي تواجه إيران ضغوطاً خارجية قوية، ربما تتصاعد حدتها في الفترة القادمة.

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن هذه السياسة المزدوجة سوف يكون لها دور في وضع حدود لمدى قدرة إيران على تحقيق أهداف الحملة الدبلوماسية التي تشنها حالياً على الساحة الدولية بهدف رفع العقوبات المفروضة عليها واسترداد أموالها المجمدة في الخارج.