أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

نتائج مفاجِئة:

هل تغير نتائج الانتخابات العراقية مستقبل كردستان العراق؟

23 مايو، 2018


أتت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة بعدة مفاجآت فيما يخص الحياة السياسية الداخلية في إقليم كُردستان العراق، وشكْل وطبيعة ارتباط الإقليم بالسُلطة والحكومة المركزية العراقية، إذ تمكن الحزبان الكرديان الرئيسيان من تحقيق نتائج متقدمة في الانتخابات التشريعية العراقية، مما سيؤدي لتعزيز سيطرتهما على السلطة في الإقليم، كما سيعزز من قدرة الإقليم على التفاوض مع الحكومة العراقية.

تقدم الحزبين الرئيسيين:

حقق الحزبان الكرديان الرئيسيان نتائج متقدمة ستمكّنهما من إعادة مركزة سُلطتهما في الإقليم. فمقاعدُهُما البرلمانية الراهنة صارت تتجاوز ما كانا قد حصلا عليه في الانتخابات البرلمانية العراقية السابقة عام 2014. إذ لم تتحقق توقعات المُتابعين للحياة السياسية في الإقليم، والتي كانت تعتقد أن الناخبين الكُرد سيوجهون ضربة للحزبين الحاكمين جراء خياراتِهما وسلوكياتهِما السياسية طوال العامين الأخيرين. حيث رأى العديد من المحللين أن الحزب الديمقراطي الكُردستاني، بزعامة رئيس إقليم كُردستان السابق "مسعود البرزاني"، قاد عملية استفتاء استقلال إقليم كُردستان العراق، والتي لم تُحقق نتائج موضوعية، ووضعت الإقليم في مواجهة تحالفٍ عراقي إقليمي دولي، أطاح بالتطلعات الكُردية، وجر الإقليم إلى أزمة سياسية واقتصادية. 

وفي السياق نفسه، فإن قيادة حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني اتُّهمت بتسليم كامل المناطق المُتنازع عليها بين إقليم كُردستان والحكومة المركزية العراقية لفصائل ميليشيات الحشد الشعبي، عبر اتفاق سياسي جانبي خاص غير مُتوافق عليه مع باقي القوى السياسية الكُردية، وغير مُتسق مع "المصالح" الكُردية العليا. 

واعتقد المتابعون أن الناخبين الكُرد سيُحمِّلون هذين الحزبين تبعات هذه الأزمات التي طالت الإقليم. لكنّ نتائج الانتخابات الأخيرة أثبتت أنهما الخيار الرئيسي للناخب الكُردي، خصوصًا في مستوى الانتخابات البرلمانية العامة، فهو يفضل الأحزاب الكُردية الأكثر استقرارًا وقُدرة على تحمل صعوبة الصراع السياسي والدفاع عن الحقوق الدستورية والاستحقاقات السياسية الكُردية في السُلطات المركزية، وأن الناخبين الكُرد لا يأخذون في الاعتبار الشكاوى الخدمية واتهامات الفساد التي تطال هذين الحزبين من قِبل أحزاب المُعارضة الكُردية أثناء تصويتهم في الانتخابات البرلمانية العراقية.

وقد سبق وأن تعرض حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني لـ"خسارة" قاسية في انتخابات برلمان إقليم كُردستان العراق عام 2013، لا سيما في معقله الرئيسي في مُحافظة السُّليمانية، حيث صارت كُتلته البرلمانية الثالثة في ترتيب الكُتل البرلمانية الكُردستانية، ولم يحصل مع الحزب الديمقراطي الكُردستاني على نصف مقاعد البرلمان الإقليمي. لكن بعد أقل من عامٍ واحد، وحينما جرت الانتخابات البرلمانية العراقية في ربيع عام 2014، فإن الاتحاد الوطني الكُردستاني استعاد موقعه السياسي الذي كان، واستطاع أن ينال مقاعد برلمانية ضعف ما حصل عليه خصمه وحزب المُعارضة الكُردية الرئيسي حركة التغيير "كوران"، خصوصًا في محافظة كركوك، حيث حصل الاتحاد الوطني الكُردستاني على ستة مقاعد كُردية من أصل ثمانية، وصارت كُتلة الحزبين الكُرديين الرئيسيين في البرلمان المركزي تُشكل أكثر من ثلاثة أرباع حجم الكُتلة الكُردية في ذلك البرلمان.

انتهاء "أزمة كركوك":

المفاجأة الثانية في هذه الانتخابات كانت في النتائج التي حققتها الأحزاب الكُردية في المحافظات والمناطق المُتنازع عليها؛ فالكُرد حصلوا على نصف المقاعد البرلمانية في محافظة كركوك، ستة من أصل اثني عشر مقعدًا، وبلغ عدد الناخبين الذين قاموا بالإدلاء بأصواتهم لصالح القوائم الكردية ما يزيد عن نصف عدد الناخبين في هذه المحافظة، قُرابة مائتي ألف ناخب من أصل حوالي أربعمائة ألف ناخب. 

وقد جاءت هذه النتائج بعد شهور قليلة مما سماه الكُرد بـ"نكسة كركوك"، فبعد سنوات من الهيمنة الإدارية والأمنية والعسكرية الكُردية على كامل تلك المحافظة، أعاد الجيش العراقي انتشاره التام في شهر أكتوبر من عام 2017، وبمشاركة واسعة من فصائل الحشد الشعبي الشيعية، وبرعاية إقليمية إيرانية أساسًا، وأخرج كافة الأجهزة الأمنية والمؤسسات الإدارية والتنظيمات السياسية الكُردية من المحافظة. ونزح جراء هذه الأحداث عشرات الآلاف من مواطني محافظة كركوك الكُرد. 

وذهبت التحليلات وقتها إلى أن ما سيحققه الكُرد في محافظة كركوك في هذه الانتخابات سيكون جزءًا من الانتكاسة الكُردية العامة في هذه المُحافظة، خصوصًا وأن الانتخابات ستُجرَى بعد شهور قليلة من ذلك. لكن ذلك لم يحدث بأي شكل. 

ولم يختلف الوضع فيما يتعلق بمحافظتي الموصل وديالي، حيث تعتبر أجزاء واسعة من المناطق المُتنازع عليها، فقد حصلت الأحزاب الكُردية في هاتين المُحافظتين على نفس المقاعد البرلمانية التي حصلت عليها في الدورات الانتخابية السابقة.

العلاقة مع الحكومة المركزية: 

شكلت نتائج الانتخابات العراقية الأخيرة مفاجأة أيضًا على المستوى المركزي، فبعدما كانت جميع التوقعات تذهب للاعتقاد بأن تحالف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء الحالي "حيدر العبادي" سيحقق فوزًا نوعيًّا يسمح له بتشكيل الحكومة المركزية العراقية القادمة، عبر مظلة توافقٍ محلية إقليمية ودولية، فإن النتائج أتت بقوتين سياسيتين استقطابيتين، هُما: تحالف "سائرون" بزعامة رجل الدين "مُقتدى الصدر"، وتحالف "فتح" بزعامة "هادي العامري" الذي يُعتبر الواجهة السياسية لفصائل ميليشيا الحشد الشعبي. 

وسيكون لهذا تأثير بالغ على شكل ووتيرة العلاقة بين إقليم كُردستان والحكومة المركزية المُستقبلية، فالقوى السياسية في الإقليم، خاصة الحزبين الرئيسيين، كانت قد هيأت نفسها لأن تنضم للحكومة العراقية الجديدة التي كان من المتوقع أن يُشكلها "حيدر العبادي"، وعبر أجواء تصالحية، متجاوزةً أزمة الاستفتاء الحادة التي جرت بين المركز وإقليم كُردستان، لكن ذلك يبدو وكأنه صار خارج الحُسبان.

وتبدو القوى السياسية الكُردية الرئيسية محتارة بين قوتين استقطابيتين سيشكل تحالف الكُرد مع أيٍّ منهُما الآلية التي سوف تُحدد عبرها هوية القرار الاستراتيجي العراقي، لا سيما فيما يخص شكل علاقة العراق بإيران.

ففي حالة قيام الكرد بالتوافق مع تحالف "سائرون"، وقيام هذا التحالف بتشكيل الحكومة المركزية العراقية بأغلبية سياسية لا تُراعي النفوذ والتدخلات الإيرانية، فإن القوى الكُردية ستكون قد اختارت شبه قطيعة مع تفاهماتها الأخيرة مع إيران، والتي حدثت عقب أحداث كركوك في شهر أكتوبر من عام 2017، حيث كان الطرف الإيراني قد تعهد للأطراف الكُردستانية بالضغط على الحكومة العراقية فيما يتعلق بسعيها لمُعاقبة إقليم كُردستان. 

أما إذا قبل الكُرد الضغوط الإيرانية، وشيدوا استراتيجيتهما على أساس التقارب التام مع قوى تحالف "فتح"، الواجهة السياسية لفصائل ميليشيات الحشد الشعبي، فإنهم سيكونون بذلك قد رسخوا النفوذ الإيراني، وخاصة لفصائل الحشد الشعبي، في العراق؛ وهو ما يراه الكُرد أساس معضلتهم في الوقت الحالي.

تداعيات نتائج الانتخابات:

من المتوقع أن تؤدي هذه النتائج إلى مجموعة من التداعيات التي يمكن توضيحها فيما يلي:

1- التفاوض مع القوى الكردية: ستدفع الأحزاب العراقية المركزية لأن تُعيد من شكل حساباتها وعلاقاتها مع هذين الحزبين. فطوال الشهور الستة الأخيرة كانت الأحزاب العراقية المركزية تعتقد أنها تستطيع أن تتجاوز هذين الحزبين في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، عبر تحالف "شكلي" مع أحزاب المُعارضة الكُردية في البرلمان المركزي في حال نجاحها في تحقيق نتائج قريبة من التي حققها الحزبان الرئيسيان.

2- دعم اتفاق 2005: ستشكل هذه النتائج أداة في يد الحزبين لإعادة التوازن لاتفاقِهِما الاستراتيجي الذي كان قد عُقد عام 2005، والذي شكل مظلة للتوافقات الكُردية/الكُردية طوال سنوات، لكنه كان قد "ترنح" نوعًا ما خلال الفترة الماضية، حيث ستكون إعادة الحياة لهذه الاتفاقية البنية الرئيسية التي سيقود بها الحزبان الرئيسيان حملتهُما الانتخابية خلال الانتخابات البرلمانية الكُردستانية المُقررة أن تُجرَى في سبتمبر 2018.

3- مراجعة حسابات المعارضة: سيكون لهذه النتائج دور في دفع أحزاب المُعارضة الكُردستانية لأن تُعيد حِساباتها، الإسلامية منها أو تلك الأحزاب التي انشقت عن الحزبين الرئيسيين، وأن تتأكد بأن الخِطاب "الشعبوي" الاعتراضي على كُل شيء يقوم به الحزبان الرئيسيان ليس كافيًا لمزاحمة هذين الحزبين الرئيسيين في القضايا "المصيرية".

4- حسم مصير المناطق المتنازع عليها: ستواصل الأحزاب الكُردية الضغط لأن تُنفذ الحكومة العراقية المركزية المادة 140 من الدستور العراقي، والتي تُحدد شكل وآلية تحديد تبعية المناطق المُتنازع عليها بين إقليم كُردستان والسُلطة المركزية.

5- تصاعد الضغوط الدولية: لن تستطيع الحكومة المركزية العراقية مواجهة الضغوط الدولية عليها، خصوصًا الأمريكية، والتي تُطالب بتوزيع السُلطات الأمنية والإدارية في تلك المناطق بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كُردستان العراق.