أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الدومينو الكردي:

دلالات الترتيبات الكردية الجديدة في الشمال السوري

09 أغسطس، 2017


تتواصل جهود حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني بزعامة "صالح مسلم" لاتخاذ المزيد من الإجراءات التنفيذية الجديدة الهادفة إلى تحويل النظام الفيدرالي الذي تم الإعلان عنه في 17 مارس 2016 في المناطق الخاضعة لسيطرتهم بشمال البلاد (مناطق روج آفا بالكردية) إلى أمر واقع. (يُشار إلى أن الخطوة السابقة لحزب الاتحاد الديمقراطي كانت طرح مسودة دستور للفيدرالية مكونة من 85 مادة تضمنت اعتبار أن هذا الدستور هو العقد الاجتماعي للفيدرالية الديمقراطية لروج آفا، واعتبار مدينة قامشلو (القامشلي) عاصمة ومركز للفيدرالية.

خطوات عملية: 

حددت الجمعية التأسيسية لـ"اتحاد شمال سوريا" في 29 يوليو الماضي مواعيد إجراء أول انتخابات محلية وتشريعية في شمال سوريا، وذلك بعد مصادقتها على قانوني التقسيمات الإدارية والانتخابات، ويتضمن ذلك ما يلي: 

1- تحديد 22 سبتمبر المقبل موعداً لإجراء انتخابات المؤسسات البلدية أو ما يُسمي الكومينات، وهي المستوى الأول للإدارة المحلية في شمال سوريا، وهي الوحدة الانتخابية الأصغر وتتم على صعيد الحارات والأحياء. 

2- تنظيم انتخابات في 23 نوفمبر المقبل لمجالس الإدارات المحلية والمقاطعات، وهي المستوى الثاني للإدارة المحلية في شمال سوريا.  

3- تحديد 19 يناير 2018 موعداً لإجراء انتخابات مجالس الشعب في أقاليم شمال سوريا، وانتخابات مؤتمر الشعوب الديمقراطي الذي هو بمنزلة البرلمان الاتحادي لعموم الشمال السوري. (تجدر الإشارة إلى أن المجلس التأسيسي للنظام الفيدرالي يتكون من 31 شخصاً وله رئيسان مشتركان، هما "هدية يوسف" وهي شخصية كردية، و"منصور السلومي" وهو شخصية عربية)

فيدرالية تشاركية: 

يقوم مفهوم الحكم لدى أكراد شمال سوريا وفقاً لمفهوم الفيدرالية التشاركية، والذي يتضمن ما يلي: 

1- إن نموذج الإدارة سيكون لا مركزياً موسعاً، بحيث تنتخب مختلف مقاطعات الشمال السوري مجالسها التشريعية والتنفيذية المحلية، يسبقها انتخاب مجالس الحارات والأحياء.

2- إن الممارسة الديمقراطية ستكون من القاعدة إلى القمة، بحيث يكون لكل مقاطعة ولكل إقليم مجلسه الخاص، تشريعياً وتنفيذياً، على أن يُنتخب مؤتمر الشعوب الديمقراطي الذي يشكل المظلة الجامعة والحلقة الناظمة لمختلف الأقاليم والمقاطعات والمناطق على اختلافها. (يُشار إلى أنه وفقاً للتقسيمات الجديدة، ستنقسم مناطق الشمال إلى ثلاثة أقاليم، هي إقليم الجزيرة المكون من مقاطعتي قامشلو والحسكة، وإقليم الفرات المكون من مقاطعتي كوباني وكري سبي، وإقليم عفرين المكون من مقاطعتي عفرين والشهباء)

محفزات دافعة: 

يأتي تحديد أكراد شمال سوريا مواعيد أول انتخابات محلية وتشريعية في مناطقهم استناداً لعدة أمور تراكمية ذاتية وخارجية مهدت لهذه الخطوة، ويتضح ذلك على النحو التالي:

1- المحفزات الذاتية:

أ- وجود سند عسكري قوي للأكراد، ويتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبر الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، والتي تشير التقديرات إلى أنها تضم 50 ألف مقاتل، فضلاً عن "قوات سوريا الديمقراطية" وهي عبارة عن فصائل عسكرية من المكونين الكردي والعربي، وقوات الأسايش الكردية (الشرطة الكردية)، حيث كان لهذه القوات دور أساسي في إقامة نظام الإدارات الذاتية بالجزيرة في الحسكة، وكوباني في ريف حلب الشمالي، وعفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، وتل أبيض في الرقة. كما أن لها دوراً بارزاً في مواجهة تنظيم "داعش" في الشمال السوري خاصة معركة الرقة الجارية. 

ب- توافر موارد اقتصادية، وتتمثل في سيطرة الأكراد على العديد من الحقول النفطية ومعامل الغاز ومحالج القطن في شمال سوريا، يُضاف لذلك إيرادات الضرائب والرسوم الجمركية التي يتم فرضها في مناطق الشمال وكذلك إيرادات المؤسسات الخدمية التابعة للأكراد. 

ج- إنشاء مؤسسات وأجهزة إدارية شبيهة بالمؤسسات الموجودة في الدول، وبصفة خاصة في المقاطعات الرئيسية (كوباني والجزيرة وعفرين وتل أبيض)، وأبرز تلك المؤسسات هي: هيئة التربية والتعليم، ووحدات حماية الشعب (بمنزلة وزارة دفاع) وقوات الأسايش (بمنزلة وزارة داخلية).

د- وضع أسس ثقافية ونظام تعليمي يدعم الهوية الكردية في الشمال السوري، ويتمثل ذلك بصورة أساسية في قيام هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية الكردية بتغيير معظم المناهج التي يتم تدريسها لتتضمن فرض اللغة الكردية على المدارس التابعة للإدارة الذاتية.

ه- نجاح الأكراد بصورة كبيرة في سياسات التغيير الديمغرافي، والتطهير العرقي، والتهجير للسكان العرب والتركمان في الشمال السوري، وتغيير التركيبة السكانية لهذه المنطقة، وتؤكد ذلك الأمر التقارير الدولية الصادرة في هذا الشأن، وبصفة خاصة تقارير منظمة العفو الدولية.

2- المحفزات الخارجية:

أ- الرغبة في استثمار إصرار إقليم كردستان العراق على تحقيق الانفصال عن الحكومة المركزية، في ضوء تكرار رئيسه "مسعود بارزاني" عزمه إجراء الاستفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر المقبل، وبالتالي يسعى أكراد سوريا من خلال تحديدهم توقيت استفتاء إقليم كردستان نفسه المرتقب إلى استغلال الزخم الدولي الذي سيحدثه هذا الاستفتاء. 

ب- استغلال الدعم الدولي للأكراد، خاصة من الجانب الأمريكي، في ضوء إدراك واشنطن أن القوات الكردية هي أكثر طرف مؤهل لتحقيق نجاح ميداني على الأرض في حالة دعمها بغطاء جوي. وفي هذا الإطار يستمر تركيز التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على مساعدة "قوات سوريا الديمقراطية" في استعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" ويتضح ذلك من معركة الرقة الجارية. (أكدت صحيفة "يني شفق" التركية أن اجتماع الجمعية التأسيسية الذي أقر قانوني التقسيمات الإدارية والانتخابات عُقد في قاعدة الرميلان العسكرية التابعة للولايات المتحدة في الحسكة).

دلالات الخطوة: 

تحمل خطوة إعلان أكراد سوريا عن مواعيد الانتخابات المحلية والتشريعية في الشمال السوري عدة دلالات، لعل أهمها ما يلي:

1- يعكس تحديد مواعيد انتخابات المحلية والتشريعية جدية أكراد سوريا في ترسيخ إعلانهم السابق عن الفيدرالية، كما يعكس ثقتهم في إقامة إقليم كردي في سوريا، والتمهيد لفرض النظام الفيدرالي كأمر واقع على باقي الأطراف وجعله الإطار العام الذي سيكون عليه شكل الدولة السورية في المستقبل.

2- يستهدف أكراد سوريا من هذه الخطوات طرح أنفسهم كطرف أساسي في أية معادلة سورية قادمة، وإيصال رسالة لباقي أطراف الصراع والدول الإقليمية والدولية أنه كان من الخطأ الإصرار على استبعادهم من المشاركة في مسار الحل السياسي والمؤتمرات المرتبطة به. 

3- جاءت الترتيبات الكردية الجديدة لاستباق نتائج المقاربة التركية الجديدة للأزمة السورية والتي أصبحت مرتبطة إلى حد كبير بالقضية الكردية، وليس باستراتيجيتها القديمة التي قامت على إسقاط النظام، وأن أولويتها حالياً أصبحت كيفية تطويق التهديد الكردي المتنامي وحماية الداخل التركي من تداعيات الصعود الكردي، وذلك كمحاولة استباقية لمنع قيام كيان كردي في الداخل التركي في المستقبل.

ملفات معرقلة: 

تعترض التحركات الكردية الساعية نحو تطبيق الفيدرالية عقبات عديدة، يمكن رصد أهمها على النحو التالي: 

1- ردود الفعل الرافضة التي سوف تبديها الأطراف السورية، ودول الجوار، لا سيما تركيا وإيران، والتي تسعى إلى عرقلة محاولات أكراد المنطقة نحو الانفصال، على اعتبار أن ذلك سيغذي الطموحات الانفصالية للأقليات الكردية في البلدين.  

2- رفض بعض أكراد سوريا تحركات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني نحو تطبيق الفيدرالية، خاصة "المجلس الوطني الكردي" وهو محسوب على تركيا وله قوات خاصة به تسمى "بيشمركة روج آفا". 

3- وجود رفض من جانب بعض الأوساط في المكون العربي في الشمال السوري، ويتضح ذلك من إعلان مجلس محافظة الرقة يوم 30 يوليو الماضي رفضه ضم منطقة تل أبيض إلى مناطق نفوذ الإدارة الذاتية الكردية، خاصة أن نسبة الأكراد لا تتجاوز 15% في محافظة الرقة، وتأكيده أنه سيتوجه إلى دول التحالف الدولي والأمم المتحدة لدعمهم، لافتاً إلى أنه في حال فشلت المساعي السياسية سيضطرون لحمل السلاح والدفاع عن مدنهم.

زخم متصاعد: 

يبدو أن تحركات أكراد سوريا تظهر عليها الجدية، وذلك في ضوء وجود بنية اقتصادية وعسكرية وثقافية قوية لهم في الشمال السوري، وهو ما قد يساهم في إنجاح تحركاتهم لفرض النظام الفيدرالي كشكل جديد للدولة، واستباق نتائج المفاوضات السياسية بين نظام "الأسد" والمعارضة، والتي من المفترض أن يتحدد على أساسها شكل الدولة الجديدة.

ومن الواضح أن تحركات أكراد العراق الأخيرة نحو الاستقلال عن الحكومة العراقية أعطت دفعه لأكراد سوريا لمناقشة التوجه الانفصالي في توقيت استفتاء كردستان العراق نفسه، ومحاولة تسويقه إقليمياً ودولياً.

وتعد تركيا المتضرر الأكبر من هذا التحرك، وذلك في ضوء التماس المباشر جغرافياً لأكراد سوريا مع الحدود التركية، وهو ما سيساهم في زيادة التصعيد والعنف بين الحكومة التركية والأكراد، وبالتبعية زيادة حالة عدم الاستقرار في الداخل التركي.

ومن المتوقع أن تكثف أنقرة جهودها خلال الفترة المقبلة لإفشال السعي الكردي لإقامة نظام فيدرالي، على اعتبار أن ذلك يعد خطاً أحمر بالنسبة لها، وقد يتطور هذا الأمر للاندفاع إلى التدخل العسكري في سوريا لمنع هذه الخطوة الكردية. 

ومما لا شك فيه أن تحرك أكراد سوريا القوي نحو الفيدرالية سينعكس بشكل مباشر على الأكراد في دول الإقليم، وسيعطي زخماً متصاعداً لمشروع الأكراد في تركيا والعراق وإيران، وهو ما قد يشكل تهديداً صريحاً لوحدة هذه الدول.