أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تقييم التقدُّم:

"كوب28".. رهانات عالمية على تجاوز خلافات مواجهة تغير المناخ

28 نوفمبر، 2023


تنطلق فعاليات النسخة الثامنة والعشرين لمؤتمر قمة الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب28" (COP28)، في دولة الإمارات العربية المتحدة، يوم 30 نوفمبر الجاري وتستمر حتى 12 ديسمبر 2023، وسط أجواء عالمية بالغة التعقيد، وأزمات عاصفة تطغى على المشهد السياسي على المستويين الدولي والإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط. 

وقد انعكس ذلك في تصريحات نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، في نهاية أكتوبر الماضي، أثناء المؤتمر التحضيري لقمة المناخ، بقولها: "نحن بحاجة إلى تجاوز الانقسامات الجيوسياسية، وإعادة بناء الثقة بين الدول المتقدمة والنامية". وهو أيضاً ما دعا إليه سيمون ستيل، الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، حين قال: "دعونا نتحد بمعرفة أن تغير المناخ هو التحدي المشترك الذي يواجهنا، وأننا هنا سنستفيد جميعاً من الحلول، وسنعاني جميعاً من الفشل في التصدي له".

قضايا رئيسية:

يركز الاهتمام العالمي خلال مؤتمر (كوب28) على مجموعة من القضايا التي لم يتم حسم أمرها في المؤتمرات السابقة، ومن أبرزها: تمويل العمل المناخي، وهيكلة صندوق الخسائر والأضرار، والحفاظ على حدود معينة لارتفاع درجة حرارة الأرض في السنوات المُقبلة، وتخفيض الانبعاثات الكربونية، وزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، والتقييم العالمي للتقدم الُمحرز في تنفيذ اتفاق باريس. وهناك العديد من النقاط الخلافية التي تتطلب التنسيق والتعاون بين الجميع من أجل تجاوز الخلافات وتوحيد الجهود لتحسين العمل المناخي وتسريع وتيرته خلال المرحلة المُقبلة.

وأكد معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة رئيس مؤتمر الأطراف (كوب28)، في مطلع نوفمبر الجاري، أن رئاسة المؤتمر تحرص على احتواء الجميع في العمل المناخي، وتفعيل مشاركة القطاع الخاص، وتضافر جهود كافة الأطراف؛ لبناء مستقبل أفضل للبشر وكوكب الأرض. وقد شهد المؤتمر التحضيري للقمة إطلاق "ميثاق الانتقال إلى الحياد المناخي" لتشجيع شركات القطاع الخاص على اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة تداعيات تغير المناخ، والالتزام بتعزيز الشفافية والنزاهة في تطبيق تعهداتها بتحقيق الحياد المناخي.

كما أوضح الجابر أن مشاركة القطاع الخاص شديدة الأهمية لدعم العمل الجاري وتحقيق الأهداف المناخية الطموحة، وتقديم المساعدات المطلوبة في إيجاد حلول عبر ركائز خطة عمل المؤتمر، التي تشمل: تسريع إنجاز انتقال منظم ومسؤول وعادل ومنطقي في قطاع الطاقة، وتطوير آليات التمويل المناخي، وحماية البشر والطبيعة وتحسين الحياة وسُبل العيش، وضمان احتواء الجميع بشكل تام.

نقاط خلافية:

على الرغم من مساعي إنجاح جهود التوافق حول العمل المناخي، فإن النقاط الخلافية تبرز بشكل واضح وتجعل من الصعب إدراك الطموحات الكبيرة المنتظرة في هذا الشأن. ففيما يتعلق باستخدام الوقود الأحفوري، ثمة تباين في الآراء بين الأطراف المعنية؛ ففي الوقت الذي يرى البعض ضرورة التخلص من المصادر الأحفورية بشكل نهائي خلال فترة زمنية محددة، ترى أطراف أخرى أن ذلك يتخطى حدود الواقعية، وأنه لا يمكن الاستغناء نهائياً عن مصادر الوقود الأحفوري في المدى المنظور.

وهناك خلاف من نوع آخر حول تحمُّل مسؤولية الانبعاثات، فالدول المتقدمة تُجادل بأنها ليست السبب الرئيسي للانبعاثات بدعوى أن كلاً من الصين والهند تتسببان وحدهما في نحو 38% من إجمالي الانبعاثات العالمية، ومن ثمَّ تطلب أن تكون المسؤولية مشتركة، وهو ما قد يتسبب في فجوة تمويلية كبيرة. إذ يبرز تمويل جهود التصدي للتغيرات المناخية كإحدى القضايا المُلِحَّة، فالأهداف التمويلية المُتفق عليها سابقاً لم تتحقق ولم يتم حتى الآن الوفاء بالتعهدات التي قطعتها الدول المتقدمة على نفسها. لذلك فإن قمة (كوب28) أمامها مهمة صعبة لإقناع الأطراف المعنية بضرورة تحقيق إنجاز ملموس في هذا المجال.

غليان عالمي:

ازدادت حدة تأثيرات تغير المناخ خلال السنوات القليلة الماضية بشكل غير مسبوق، ويبدو أن حالة التردِّي المناخي التي يشهدها العالم مؤخراً هي ما دفعت الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في يوليو 2023، إلى التعبير عن هذا الوضع، مُحذراً من أن "عصر الاحتباس الحراري قد انتهى وبدأ عهد الغليان الحراري العالمي"، وذلك تعليقاً على ما ذكره تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن درجات الحرارة العالمية قد سجَّلت في يوليو الماضي ارتفاعاً قياسياً جديداً، وأن متوسط درجة حرارة الأرض للسنوات الخمس المُقبلة سيكون أعلى من السنوات الخمس الماضية، وأن مستويات درجة حرارة القطب الشمالي ستكون أعلى بثلاث مرات من المتوسط العالمي خلال العقد الماضي.

واستمراراً لاتجاه درجات الحرارة المتزايدة منذ صيف العام الحالي، نشر "مرصد الأرض التابع لوكالة ناسا" تحديثاً حول متوسط درجة حرارة الأرض في سبتمبر 2023 باعتباره الأكثر سخونة على الإطلاق مقارنة بنفس الشهر خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن العالم ينتظر مزيداً من موجات الحرارة الملتهبة نتيجة التأثير المزدوج للاحتباس الحراري وظاهرة النينو التي تؤثر بدورها في درجات الحرارة العالمية وأنماط هطول الأمطار. وإذا كان العالم يسعى إلى تجنُّب ما هو أسوأ، فإنه ينبغي الحد -بشكل كبير- من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية. ويتطلب تحقيق مستهدفات اتفاق باريس، مواصلة العمل بجدية نحو خفض الانبعاثات، ويأتي ذلك وسط أجواء غير مُبشِّرة قد تحول دون تحقيق تلك المستهدفات.  

تقييم المسار:

في عام 2015، شرع العالم في تنفيذ أجندة طموحة للمناخ والتنمية المستدامة من خلال اعتماد اتفاق باريس وخطة التنمية المستدامة لعام 2030. والآن، بعد مرور ثماني سنوات، بلغت كلتا العمليتين مراحل مهمة من حيث تقييم التقدُّم المُحرز. ففي قمة المناخ المقبلة، سنشهد أول تقييم عالمي للتقدُّم الجماعي المُحرز نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس، والذي سيوضح كيف يسير العالم نحو إدارة أزمة المناخ ونحن في مُنتصف الطريق.

ووفق تعريف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، فإن التقييم العالمي لاتفاق باريس Global Stocktake (GST)، هو عملية لتقييم التقدُّم الجماعي للعالم نحو تحقيق الغرض من الاتفاقية وأهدافها طويلة الأجل، حيث يدعو الاتفاق كل دولة إلى وضع خطتها الخاصة لخفض الانبعاثات، والتكيف مع تأثيرات المناخ. كما أنشأ عملية لمواصلة الدول تعزيز خططها المناخية الوطنية والتي تُسمّى "المساهمات المحددة وطنياً" Nationally Determined Contributions (NDCs).

والجدير بالذكر أن "بروتوكول كيوتو" الذي تم توقيعه عام 1997، وضع إلزاماً على الدول الصناعية والاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية، للحد من الانبعاثات وخفضها وفقاً لأهداف فردية متفق عليها، مع الاعتراف بحقيقة أن الدول المتقدمة مسؤولة إلى حد كبير عن المستويات العالية من الغازات الدفيئة. كما يفرض اتفاق باريس إلزاماً قانونياً على البلدان المتقدمة لتوفير التمويل والدعم التكنولوجي لنظيرتها النامية من أجل التخفيف والتكيف، وتشجيع الدول الأطراف الأخرى على تقديم هذا الدعم بشكل طوعي فقط. وعلى الرغم من وضوح هذه الالتزامات القانونية، فإن مفاوضات تمويل المناخ لا تزال متعثرة في هذا الصدد.

وعلى صعيد التوقعات العالمية فيما يخص تقييم التقدُّم العالمي لاتفاق باريس، فإنه لا توجد مفاجآت سارة مُتوقعة، فمن الواضح أن التقدُّم المحرز في تحقيق أهداف الاتفاق لا يزال بعيداً عن المسار الصحيح، إذ إن "المساهمات المحددة وطنياً" للدول أضعف بكثير من أن تحقق أو حتى تقترب من تحقيق أهداف اتفاق باريس. ولا ينطبق ذلك على أهداف اتفاق باريس فحسب، إنما ينطبق أيضاً بالمثل على نتائج تقييم منتصف الطريق لتحقيق خطة التنمية المستدامة 2030 خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في نيويورك في سبتمبر 2023، فقد جاءت النتائج مُخيِّبة للآمال، حيث توقف التقدُّم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر على مدار السنوات الثلاث الماضية، بل شهدت بعض الأهداف تراجعاً عالمياً مقارنة بالسنوات السابقة، مما يثير تساؤلات حول الإرادة السياسية لتحقيق التقدُّم المأمول، فضلاً عن الخيارات المناسبة لتغيير المسار.

فجوة التمويل:

يشير التمويل المناخي إلى الموارد والأدوات المالية التي تُستخدم لدعم العمل بشأن مواجهة تغير المناخ، ويُعد صندوق الخسائر والأضرار إحدى الآليات المالية المهمة التي تهدف إلى تعزيز قدرة الدول النامية على التكيف مع التغير المناخي وتخفيف الآثار السلبية على المجتمعات المتضررة. ومع ذلك، فإن هناك تحديات تتعلق بمدى فعالية الصندوق وقدرته على تحقيق الأهداف المنشودة، ومدى استعداد الدول المتقدمة للوفاء بتعهداتها وتقديم الدعم المالي والتقني للدول النامية، مما يؤثر بدوره في قدرة الأخيرة على تنفيذ الإجراءات اللازمة للحد من تلك المخاطر وتسريع وتيرة العمل المناخي.

واتفقت الدول الأطراف خلال قمة (كوب27) في شرم الشيخ العام الماضي، على تشكيل لجنة لوضع الهيكل التنظيمي والمالي للصندوق، وسوف يتم تقديم التقرير الخاص بالصندوق في مؤتمر (كوب28)، وتمثل مصادر التمويل إحدى أهم القضايا المثارة. ونظراً لحجم الخسائر والأضرار التي تتخطى نحو نصف مليار دولار سنوياً بسبب تغير المناخ، أصبحت هناك حاجة ماسة إلى البحث عن مصادر تمويلية، وتمت دعوة كل من الصين والهند إلى المشاركة في تمويل الصندوق، لكن قُوبِلت تلك الدعوات بالرفض من الدولتين، دون البحث عن وسائل لسد فجوة التمويل. 

وبالنظر للقضايا الخلافية بين الدول النامية والمتقدمة بشأن تمويل العمل المناخي، فإنها ترجع إلى ضعف التنسيق وغياب الشفافية وعدم وضوح الرؤى لتمويل الخسائر والأضرار. فالدول المتقدمة تستهدف الحل دون النظر في حجم الأضرار التي تعرضت لها الدول النامية بفعل الانبعاثات الكربونية، وبالتالي توجه تمويلها نحو إجراءات التخفيف من الانبعاثات ودعم الاقتصاد الأخضر. بينما تركز الدول النامية اهتمامها على التعويضات عن الخسائر والأضرار التي تعرضت لها، دون وضع رؤية واضحة بشأن الإنفاق على هذا الجانب أو آليات التعافي والإيفاء بالتزاماتها بشأن الحد من الانبعاثات. ومن ثم فإن كلا الطرفين ينظر للموضوع من وجهة نظره، واستمرار الخلاف يعني التأثير سلباً في مستقبل فرص الأجيال القادمة في الحياة.

ختاماً، يمكن القول إن مؤتمر (كوب28) يأتي في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد، فالحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة التضخم، والتوترات بين الصين والولايات المتحدة، والحرب الإسرائيلية في قطاع غزة؛ كلها تُلقي بظلالها على أجواء ما قبل انعقاد هذا المؤتمر، وقد تؤثر في نجاح أول تقييم عالمي لمراجعة التقدُّم المُحرز نحو تحقيق أهداف اتفاق باريس، وربما تعوق سرعة التحرك العالمي نحو سد فجوة التمويل لتسريع العمل المناخي. بيد أن الآمال لا تزال موجودة لتحقيق تقدُّم في تلك الملفات من خلال تركيز المحادثات على مساحات التوافق، والخروج بآليات من شأنها دعم التقدُّم المطلوب وتحقيق الطموحات المُستهدفة.