أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الميتافيرس:

مستقبل "العمران البشري" في عالم ما بعد الإنترنت

14 نوفمبر، 2022

image

اتخذت التفاعلات البشرية خلال العقود الماضية أحد شكلين، إما تفاعلات واقعية ومحسوسة بين البشر وبعضهم أو تفاعلات رقمية غير محسوسة من خلال شاشات الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر، لكن بدأ يلوح في الأفق طريق ثالث يسد الفجوة بين هذين العالمين (الواقعي والرقمي)، ليأخذ من الواقع شيئاً، ومن الإنترنت والتقنيات الذكية أشياءً وخصائص أخرى، وبدا أن العالم بات وشيكاً أكثر من أي وقت مضى على الانتقال إلى مرحلة الحياة الافتراضية الكاملة؛ تلك الحياة التي أطلق عليها مارك زوكربرج، المؤسس والرئيس التنفيذي لموقع فيس بوك، "الميتافيرس" أو "العالم الماورائي".

والميتافيرس هو مجموعة لا متناهية من العوالم الافتراضية، يمكن إنشاؤها عبر مساحات مختلفة داخل الإنترنت، مثل تلك العوالم التي تحدث عنها فيلم  Ready player One الصادر عام 2018، حينما جسد الواقع الذي سوف يعيشه البشرية عام 2045، لكن يبدو أن البشرية سوف تصل إلى هذا الواقع بصورة أسرع مما توقع الفيلم، فتحدث التفاعلات البشرية والإنسانية كافة عبر أدوات الواقع الافتراضي VR والواقع المعزز  AR، يدعمها في ذلك شبكات الجيل الخامس للاتصالات اللاسلكية التي تمثل البنية التحتية لتطبيقات وبرمجيات الميتافيرس.

فبدلاً من الدخول إلى ذلك العالم الجديد عبر شاشات الكمبيوتر وأجهزة الهواتف الذكية، سوف يتم الدخول إليه عبر نظارات الواقع الافتراضي، تلك التي يتم استخدامها في ألعاب الفيديو حالياً، لكن بدلاً من استخدامها كوسيلة للعب، مثل أذرع البلايستيشن، ستتم إعادة تصميمها لكي تصبح بديلاً للهواتف الذكية، فتصبح متصلة بالإنترنت، وسيتم دمج تقنيات الواقع المعزز معها، تلك التقنيات التي تعرض المعلومات كافة الخاصة بأي شيء تقع عليه عيناك في الواقع الحقيقي، وبذلك يتم دمج تقنية الواقع الافتراضي التي تغلب عليها التصميمات الرقمية، مع الواقع المعزز الذي يغلب عليه الواقع، فينشأ عالم مختلط هو المتيافيرس.

هذا العالم وإن كان مُخيفاً، إلا أنه قادم لا محالة، ليس لأن العالم بات مهيأ له بالفعل من خلال انتشار ثقافة العمل والتعليم والتسوق عبر الإنترنت، وكون الحياة الإنسانية بات جزء كبير منها "أون لان"، وأصبحت الأجيال الأقل سناً مرتبطة بالتكنولوجيا أكثر من كونها مرتبطة بممارسة الهوايات التقليدية كالرياضة والرسم، ولكن لأن هذا العالم الجديد يقدم فرصاً حقيقية في إنشاء عوالم افتراضية وفق رغبات المستخدمين وأحلامهم، فيجدون فيه متنفساً عن الواقع الذي بات مزعجاً إلى حد كبير.

فإذا كان بإمكان المُستخدم إنشاء عالمه الخاص داخل "الميتافيرس"، وهو عالم خال من المشاكل أو الهموم، وعالم يحقق فيه طموحاته الشخصية، ويبني فيه منزله ومدينته المثالية، ويتعرف فيه على أصدقاء مشابهين له، ويستبعد منه من لا يروق له؛ فهو بذلك يبتعد كل البعد عن عمران الأرض وبناء الحياة الإنسانية، ويرتبط بعالم مادي رغم كونه غير حقيقي، فالبيئة كلها مصطنعة ومرتبة وفق خيال المستخدم ورغباته، كأنه يكتب رواية سعيدة ثم يعيش أحداثها بنفسه، فيُدمنُها ويصبح غير قادر على الخروج منها لمواجهة الواقع الذي قد يكون مريراً بالنسبة له، وحينما يشبع رغباته وملذاته فيها ويصل لنشوة هذا العالم الافتراضي يبدأ في البحث عن المزيد من المادية لتحقيق مزيد من المتعة.

فيتشكل لدينا عالم جديد، أو إن شئت قل عوالم جديدة، لكل منها مواطنيها ودستورها وقوانينها التي تحكمها بعيداً عن الواقع، يغالي كل عالم منها في التميز والتفرد لكي يقدم نفسه على أنه النموذج الأنجح والأفضل فيشت الجميع عن السنن الكونية وبدهيات الحياة الواقعية، فتظهر أنماط مختلفة من التفاعلات الإنسانية واللإنسانية، بين البشر وغير البشر، بين الأحياء والموتى، وتظهر قيم أكثر مادية وثقافات عابرة للهويات، وقوميات عابرة للحدود.

فيظهر لدينا مواطنو الميتافيرس الذين ينشؤون حكوماتهم المستقلة ورؤسائهم، بعضهم يعيش داخل عوالم افتراضية مغلقة، وبعضهم ينعكس ظل تحركاته الافتراضية على الواقع، حتى يعتقد الأفراد أنهم بدؤوا السيطرة على هذا العالم الجديد فيستفيقوا على نوع جديد من الديكتاتورية تحكمهم هي ديكتاتورية الشركات، فلا هم وجدوا حريتهم الحقيقية داخل الميتافيرس ولا اهتموا بواقعهم المادي في العالم الحقيقي.

هذا الارتباط بالعالم الجديد سوف تكون له تبعات على العمران البشري، بالإيجاب والسلب، فكما يساهم الميتافيرس في تطوير أشكال التعليم والعمل والابتكار، ويجعل حياة الأفراد أكثر رفاهية وسهولة، سوف يعزلهم أيضاً عن واقعهم فينشغلون بالعمران الافتراضي ويتركون عمارة الكون، يغالون في المادية ويبتعدون عن القيم المعنوية، ويصيغون قوانين وينشؤون ثقافات وعلاقات عجزوا عن بنائها في الواقع.