أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

كبح التهديدات:

حدود نجاح الضربات الأمريكية في ردع تهديدات إيران في العراق

07 يوليو، 2021


أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 28 يونيو الماضي عن شن ضربات جوية على منشآت تستخدمها مليشيات مدعومة من إيران على الحدود العراقية – السورية. واستهدفت الضربات منشآت عمليات وتخزين أسلحة في موقعين بسوريا وموقع واحد بالعراق، والجدير بالذكر أن هذه المنشآت يستخدمها عدد من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بما في ذلك كتائب حزب الله العراقي وكتائب سيد الشهداء.

وتشير التقديرات إلى أن هذه الضربة الأمريكية، وهي الثانية من نوعها خلال عهد الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، جاءت أشد وقعاً من سابقتها التي استهدفت أيضاً مواقع للمليشيات الموالية لإيران عند المنطقة الفاصلة بين سوريا والعراق في 26 فبراير الماضي. 

أسباب الضربات الأمريكية:

ثمة أسباب وراء القصف الجوي الأمريكي الذي نفذته القوات الأمريكية في 27 يونيو الماضي، يمكن تناولها فيما يلي: 

1- كبح تهديدات ميليشيات طهران: كان القصف الجوي الأمريكي بمثابة رسالة مفاداها أن الولايات المتّحدة في عهد الرئيس "جو بايدن" لم تتخلّ عن حزمها تجاه الميليشيات الإيرانية، خاصة وأن الأخيرة قد اتجهت إلى تصعيد هجماتها ضد القوات الأمريكية، وتوظيف الطائرات المسيرة في الهجوم على القواعد الأمريكية. 

فقد كشفت تقارير وزارة الدفاع الأمريكية عن شن الجماعات المرتبطة بإيران ما لا يقل عن خمس هجمات ضد منشآت عراقية تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية وقوات التحالف منذ أبريل الماضي. كما أنه، منذ بداية 2021، استهدفت القوات الأمريكية في العراق بأكثر من أربعين هجوماً، وطالت بعض هذه الهجمات محيط سفارة الولايات المتّحدة في بغداد وقوافل مدنية تحمل مؤناً لقوات التحالف الدولي ضدّ داعش. وفي هذا السياق، تؤكد الميليشيات الشيعية على ان الهدف المعلن من تلك الهجمات هو إخراج من بقي من الجنود الأمريكيين في العراق وعددهم حوالي 2500 جندي.

ويسعى الرئيس بايدن إلى الرد على هذه التهديدات والتأكيد أنه لا يقل حزماً عن سلفه الجمهوري "دونالد ترامب" إزاء الميليشيات التابعة لإيران، وأنه إذا كان ترامب، الذي وجه بتصفية قائد فيلق القدس الإيراني "قاسم سليماني" ورئيس أركان الحشد "أبو مهدي المهندس"، كان يضع خطاً أحمر لإيران يتمثل في مهاجمتها إذا قتل أي جندي أمريكي، فإن بايدن قد وضع "خط أحمر جديد"، وهو الرد على الاعتداءات الإيرانية على القواعد الأمريكية، حتى ولو لم يترتب عليها سقوط أي جنود أمريكيين. 

2- ردع اعتداءات إيران: كانت الضربات على المنطقة الحدودية بين سوريا والعراق بمثابة رسالة إلى طهران بأن واشنطن سوف تواصل جهودها لمنع الفصائل الشيعية في ربط الأراضي السورية والعراقية وإنشاء ممر عبرها للأسلحة والمقاتلين يمتد إلى ضفة البحر المتوسّط.

كما أنها تبعث برسالة ردع واضحة لإيران، بأن الإدارة الأمريكية لا يمكن أن تقبل بضرب مواقع أمريكية أو مواقع لقوات عراقية حليفة لأمريكا في العراق. وفي هذا السياق، أشار وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" إلى أن الضربات الأمريكية التي استهدفت مقاتلين موالين لإيران في سوريا والعراق يجب أن تمثّل رسالة قوية لردعهم عن مواصلة استهداف القوات الأمريكية، كما أنها تبعث برسالة مهمة وقوية إلى الفصائل المستهدفة بشأن القيام بما يلزم لمنع أي هجمات أخرى".

3- رسالة "حزم" إلى رئيسي: تأتي الضربة الأمريكية بالتزامن مع وصول الرئيس الإيراني المتشدد "إبراهيم رئيسي" إلى سدة الحكم في طهران، والذي أكد عقب انتخابه إلى أنه سيواصل دعم الميليشيات الشيعية، ومن ثم سعت واشنطن للرد مبكراً لكي تمنع أي خطأ في الحسابات من جانبه تجاه الولايات المتحدة.

ومن جهة أخرى، تسعى واشنطن للتأكيد لإيران بأنها لن تسمح لها باستخدام ميليشياتها في العراق كورقة ضغط في مفاوضات فيينا، والتي تهدف لإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران، كما تسعى واشنطن إلى التأكيد على أنها لن تتراجع عن الرد على التهديدات الإيرانية الإقليمية، حتى في حالة التوصل لاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي.

4- وقف التصعيد بالطائرات المُسيرة: يتنامى قلق القيادات العسكرية في واشنطن من إيعاز إيران لميليشياتها المسلحة في العراق باستخدام الطائرات المُسيرة. فقد صرح في وقت سابق قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال "كينيث ماكنزي" بأن استخدام هذه الطائرات يمثِّل تطور تكتيكي أكثر خطورة من ظهور العبوات الناسفة في العراق، ويضعف قدرتها على الاستهداف.

وتجدر الإشارة إلى أن البنتاجون وضع استراتيجية جديدة لمكافحة الطائرات بدون طيار في يناير الماضي، كما نشرت وزارة الدفاع الأمريكية رادارات وأجهزة استشعار ونظم الدفاع الجوي المناسبة في القواعد الأمريكية في العراق للرد على تهديدات الطائرات المسيرة.

5- إدراك عجز الكاظمي: عجز رئيس الوزراء العراقي عن ضمان أمن القواعد الأمريكية في العراق، إذ لم تستطع القوات الأمنية العراقية من ردع تهديدات ميليشيات الحشد الشعبي، نظراً لأنها تحتفظ بنفوذ عسكري قوي وغطاء سياسي. 

وفي ضوء إخفاق رئيس الوزراء العراقي عن ضبط الميليشيات، فإن الولايات المتحدة قد أخذت زمام المبادرة لتأمين قواعدها ومصالحها في العراق. وعلى الرغم من إدانة الكاظمي الهجوم الأمريكي، وتأكده رفضه تحوّل العراق إلى "ساحة لتصفية الحسابات"، فإن هذه التصريحات كانت تهدف لاستيعاب الضغوط التي سوف تمارس عليه من جانب ميليشيات الحشد الشعبي لا أكثر، خاصة في ضوء التناقض المصلحي بين الكاظمي وميليشيات إيران.



فرص ردع طهران:

يبدو من متابعة ردود فعل إيران وميليشياتها في العراق، أن طهران سوف تتجه إلى مواصلة التصعيد، وهو ما يتضح في التالي:

1- تهديدات الفصائل الشيعية: توعد المتحدث باسم "كتائب حزب الله" في العراق، محمد محيي، بعملية مباغتة ضد القوات الأمريكية في العراق باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، وذلك في تصريح إلى وكالة "أنباء فارس" الإيرانية، في 5 يوليو. وأرجع ذلك إلى ضرورة إخراج قوات الاحتلال الأمريكي غير الشرعي. ويلاحظ أن إصدار مثل هذه التصريحات من وكالة تابعة لإيران تعد بمثابة رسالة ضمنية من الأخيرة للولايات المتحدة بأنها سوف تواصل التصعيد.

وعلى الجانب الآخر، فإن تنصل طهران من هجمات ميليشياتها على القواعد الأمريكية في العراق جاء في رسالة موجهة إلى مجلس الأمن، وذلك للرد على الاتهامات الأمريكية لها بالتورط في هذه العمليات، أي أن طهران كانت تسعى لتجنب إدانتها دبلوماسياً، ولا تهدف إلى التراجع عن موقفها.  

2- مهاجمة القواعد الأمريكية: قامت ميليشيات إيران في أعقاب الهجوم الأخير ضدها بشن هجمات صاروخية ضد قاعدة عين الأسد التي تتواجد فيها قوات أمريكية غربي البلاد، دون أن تسفر عن أي أضرار. وكان أخر هذه الهجمات في 5 يوليو. كما تعرضت القاعدة الأمريكية في حقل العمر النفطي بريف دير الزور الشرقي لهجوم بالقذائف الصاروخية في 4 يوليو.

ويؤشر ما سبق على استمرار تصعيد إيران ضد الوجود الأمريكي في العراق وسوريا. ولكن على الجانب الآخر، فإن هذه الهجمات نفذت باستخدام القذائف الصاروخية، وليس الطائرات المسيرة، وهو ما قد يكون مؤشراً على تهدئة إيرانية، ولو بشكل محدود.

وفي الختام، يمكن القول إن طهران سوف تواصل تحريك ميليشياتها في سوريا والعراق لاستهداف القواعد والمصالح الأمريكي في العراق، وذلك في محاولة للضغط على إدارة بايدن لسحب القوات الأمريكية المتبقية في العراق. وفي المقابل، سوف تتجه واشنطن إلى تجاهل الرد على الهجمات "الإيرانية" غير المؤثرة، غير أن سقوط أي جندي أمريكي قد يدفع واشنطن لتغيير استراتيجيتها في العراق، وتصعيد الرد ضد ميليشيات طهران. 

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط