أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

حشد دولي:

أهداف اتجاه إيران نحو تطوير علاقاتها مع القوى الآسيوية

18 ديسمبر، 2016


يبدو أن إيران قد بدأت في الاستعداد مبكرًا للتصعيد المحتمل في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية مع تولي إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مهامها في 20 يناير 2017. إذ تسعى طهران إلى تأكيد أن إقدام واشنطن، في عهد الإدارة الجديدة، على وضع مزيدٍ من العقبات أمام الاستمرار في العمل بالاتفاق النووي، في ظل عدم قدرتها على إلغائه، سوف يواجه تحديات لا تبدو هينة، ليس فقط بسبب تلويح إيران بإمكانية العودة من جديد إلى تطوير برنامجها النووي من خلال رفع مستوى عمليات تخصيب اليورانيوم وزيادة عدد أجهزة الطرد المركزي، بحسب ما أشار إليه بعض المسئولين الإيرانيين خلال الفترة الأخيرة، وإنما أيضًا بسبب المواقف الرافضة التي سوف تُبديها القوى الدولية الأخرى، سواء التي شاركت في المفاوضات التي أُجريت مع إيران في إطار مجموعة "5+1" التي انتهت بالوصول إلى الاتفاق النووي في 14 يوليو 2015، مثل الصين وروسيا وبعض الدول الأوروبية وهي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، أو التي سارعت إلى استثمار رفع العقوبات المفروضة على إيران في 16 يناير 2016، من أجل العودة من جديد إلى السوق الإيرانية، وزيادة معدلات التبادل التجاري مع إيران، على غرار الهند واليابان وكوريا الجنوبية.

ورقة ضغط

رغم المخاوف التي تبديها دوائر سياسية عديدة داخل إيران من التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب، إلا أن ذلك لا ينفي -في الوقت ذاته- أنها تضع في اعتبارها في الفترة الحالية أن ثمة أوراق ضغط يمكن أن تستخدمها طهران لدفع واشنطن، في عهد الإدارة الجديدة، إلى عدم عرقلة العمل بالاتفاق النووي، ويتمثل أهمها في أن هذا الاتفاق لم يكن اتفاقًا ثنائيًّا بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، وإنما كان اتفاقًا دوليًّا بين إيران ومجموعة من القوى الدولية التي تسعى في الفترة الحالية إلى دعم فرص مواصلة العمل بالاتفاق على أساس أن ذلك يمكن أن يجنب منطقة الشرق الأوسط، التي تحظى باهتمام خاص من جانبها لاعتبارات أمنية واقتصادية، مخاطر اندلاع حرب جديدة، ويدعم من فرص رفع مستويات التبادل التجاري بينها وبين إيران، التي تتطلع في الوقت الحالي إلى العودة من جديد للاندماج في الاقتصاد العالمي بعد مرحلة العزلة التي فرضتها العقوبات الدولية بسبب برنامجها النووي، وهو ما يعني أن تلك القوى الدولية سوف تعارض أي توجه أمريكي محتمل لعرقلة الاتفاق، وسوف تساهم في تقليص الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها إيران بسبب هذه السياسة الأمريكية المحتملة.

ومن هنا، ربما يُمكن تفسير اهتمام إيران بتطوير علاقاتها مع بعض القوى الآسيوية، وهو ما بدا جليًّا في قيام وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بجولة آسيوية في بداية شهر ديسمبر 2016، شملت كلا من الصين والهند واليابان، وهي الجولة التي أدلى خلالها بتصريحه البارز حول احتمال اتجاه إيران إلى تعليق العمل بالاتفاق النووي في حالة إقرار الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما للعقوبات التي مددها الكونجرس الأمريكي في الفترة الأخيرة.

أهداف اقتصادية

لكن إلى جانب ذلك، كان لافتًا أن ظريف اصطحب في جولته الآسيوية رؤساء 38 شركة رئيسية تابعة لغرفة التجارة الإيرانية، و15 شركة معلومات، و8 بنوك إيرانية، بالإضافة إلى بعض المسئولين في القطاعات الصناعية والتجارية والعلمية. ومن هنا يمكن القول إن إيران سعت من خلال تلك الجولة إلى تحقيق أهداف اقتصادية عديدة، يتمثل أهمها في الاتفاق مع بعض تلك الدول على المشاركة في مشروع تطوير ميناء "تشابهار" الذي سيوفر لها الدخول إلى مناطق آسيا الوسطى، وسيُمكِّنها من الوصول إلى الأسواق الإقليمية في المنطقة.

كما تسعى إيران من خلال تلك الجولة إلى رفع مستوى التعاملات المصرفية مع تلك الدول، خاصةً بعد أن ساهم رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها في تسوية قضية مستحقاتها المالية التي كانت متأخرة لدى بعض تلك الدول مثل الهند، حيث اتفق الطرفان، في مايو 2016، على الاستعانة ببعض البنوك الأوروبية في نقل المستحقات المالية المتأخرة لإيران والتي وصلت إلى 6.4 مليارات دولار.

أيضًا تسعى إيران إلى رفع نسبة صادراتها النفطية إلى تلك الدول؛ حيث تحولت إيران إلى أكبر مورد للنفط إلى الهند في أكتوبر 2016، بعد أن ارتفعت الصادرات الإيرانية إلى الهند إلى أكثر من ثلاثة أضعافها مقارنة بأكتوبر 2015 لتصل إلى نحو 789 ألف برميل نفط يوميًّا. كما أن صادراتها النفطية إلى اليابان وصلت إلى 216 ألف برميل يوميًّا خلال الفترة من يناير إلى أغسطس 2016، بما يعني أنها ارتفعت بنحو 25.8% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. فيما زادت واردات الصين من النفط الخام الإيراني بنسبة 129% على أساس سنوي، حيث وصلت إلى نحو 774 ألف برميل نفط يوميًّا في أكتوبر 2016.

ملفات أخرى

 فضلا عن ذلك، يبدو أن ثمة أهدافًا أخرى سعت إيران إلى تحقيقها عبر تلك الجولة، مثل رفع مستوى التنسيق حول بعض الملفات الإقليمية، وفي مقدمتها الملف السوري، حيث يبدو أن إيران تابعت بدقة تطورات الموقف الصيني من الأزمة السورية تحديدًا، لا سيما بعد أن حرصت الصين على الامتناع عن التصويت على مشروع القرار الذي قدمته فرنسا في 8 أكتوبر 2016، والذي أجهضته روسيا باستخدام حق الفيتو، وهو ما فسرته اتجاهات عديدة في إيران بأنه ربما يكون مؤشرًا إلى احتمال إقدام بكين على إجراء تغيير في موقفها من الأزمة السورية باتجاه الاقتراب تدريجيًّا من مواقف الدول الغربية وبعض القوى الإقليمية. لكن عودة الصين، مع روسيا، إلى استخدام حق الفيتو في التصويت على مشروع القرار الذي قدمته كل من مصر وإسبانيا ونيوزيلاندا في 6 ديسمبر 2016، وجّه رسائل طمأنة إلى طهران بأن بكين لا تسعى، على الأقل في الفترة الحالية، إلى تبني سياسة جديدة تجاه الأزمة السورية، بما يعني أنها ما زالت حتى الآن حريصة على تشكيل ظهير دولي داعم للنظام السوري، يمنع صدور أية قرارات إدانة من مجلس الأمن يمكن أن تفتح الباب على مسارات أخرى قد لا تتوافق مع مصالحها في المنطقة.

وهنا، فإن اتجاهات عديدة داخل إيران اعتبرت أن هذه الخطوة الأخيرة التي اتخذتها بكين ربما تؤشر إلى أنها تسعى إلى الحفاظ على دورها كقوة دولية لها تأثير في التفاعلات الدولية الخاصة بالأزمة السورية، وذلك قبل أن تتولى إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب مهامها في يناير 2017.

وفي ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن إيران سوف تسعى خلال الفترة الحالية إلى محاولة تكوين حشد دولي مناوئ لأي اتجاه قد تتبناه إدارة ترامب لوضع عقبات أمام الاتفاق النووي، من خلال العمل على فرض مزيدٍ من القيود على التعاملات المصرفية بين إيران والخارج، باعتبار أن هذا الحشد الدولي ربما يكون الخيار الأكثر ملاءمة في رؤيتها، قبل أن تُضطر إلى تبني خيارات أخرى أكثر صعوبةً، على غرار تعليق العمل بالاتفاق النووي، الذي ستكون أول الأطراف التي سوف تتضرر مصالحها منه.