أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

محور التوازن:

أهداف الدعم الأمريكي والفرنسي للجيش اللبناني

01 يونيو، 2021


قام قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون بزيارة فرنسا يومى 25 و26 مايو الفائت، حيث التقى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ووزيرة الدفاع فلورنس بارلي ونظيره الجنرال فرنسوا لوكوانتر، لبحث حاجات الجيش وسبل دعمه في ظل التدهور الذي تمر به لبنان. وفي هذا السياق، انصبت تصريحات المسئولين الفرنسيين على أهمية دعم الجيش اللبناني، حيث أكد كل من ماكرون وبارلي على مواصلة دعم باريس للقوات المسلحة اللبنانية لكونها الركيزة الحقيقية لاستقرار البلاد، وكذا شدد لوكوانتر على ضرورة دعم الجيش في شتى الوسائل لمساعدته على الاستمرار بالقيام بمهامه العديدة. وقد ذكرت تقارير عديدة أن باريس تعمل لترتيب مؤتمر في يونيو الحالي سيسعى لحشد الدعم من المجتمع الدولي للجيش اللبناني.

يأتي التحرك الفرنسي في إطار محاولات باريس دعم الدولة اللبنانية في المقام الأول ووقف انهيارها، وذلك بعد فشل مبادرتها السياسية الرامية لتأسيس مشهد سياسي جديد في الداخل اللبناني بعد احتجاجات أكتوبر 2019 وتفجيرات مرفأ بيروت في أغسطس 2020، حيث ترى فرنسا أن الجيش اللبناني هو المؤسسة الوحيدة المتماسكة حالياً، ولكن التدهور الحادث في الدولة سيطولها، وهو ما انعكس في تصريحات القائد جوزيف عون في مارس الماضي التي حذر فيها المسئولين من الانهيار الداخلي.

مهمة صعبة:

سياسياً، قد ترى فرنسا أن هناك فرصة لقيام قائد الجيش اللبناني جوزيف عون بترشيح نفسه لانتخابات الرئاسة عام 2022، على خلفية أنه مسيحي ماروني ويتمتع بقبول في الشارع من كافة الطوائف، وقد يكون اختياره رئيساً في مجلس النواب لتلافي حدوث شغور رئاسي جديد في ظل المنافسة المحتدمة بين التيار الوطني الحر وباقي التيارات المسيحية، خاصة وأن رئيس الوطني الحر جبران باسيل فُرضت عليه عقوبات أمريكية، مما يقلص فرص ترشحه للرئاسة، وبالتالي إيجاد رئيس يتوافق عليه الشارع المسيحي أولاً، والرأي العام اللبناني ثانياً، سيكون مهمة صعبة للغاية، ولن تتحمل الدولة شغوراً رئاسياً في ظل الأوضاع الراهنة، علماً بأن هناك العديد من النماذج التي أكدت عدم وجود أزمة في تولي قيادات الجيش مناصب سياسية.

ويُعد استقبال ماكرون لجوزيف عون بمثابة رسالة للفرقاء السياسيين الذين يؤثرون مصالحهم الضيقة على المصلحة العليا، وذلك على خلفية عدم النجاح في تشكيل حكومة جديدة منذ أكتوبر 2020 (بعد تكليف سعد الحريري)، وتؤكد الرسالة أن هناك بدائل لباريس يمكن اعتمادها للضغط على الداخل اللبناني، على رأسها دعم الجيش تمهيداً لتشكيل حكومة مؤقتة تنقذ الدولة من الانهيار، وتقوم في نفس الوقت بإصلاحات ضرورية تدفع المجتمع الدولي لدعمها عبر المساعدات المالية، كما أنه بإمكانية فرنسا إقناع العديد من الدول والمؤسسات لكي يصبح الجيش اللبناني هو المنوط باستقبال وتوزيع المساعدات المالية، وذلك لعدم الثقة في الجهات الرسمية الأخرى التي تتولى ذلك، مما يرجح أن يكون للجيش دور أكبر في الداخل اللبناني خلال الفترة المقبلة، إلا إذا تداركت القوى السياسية ذلك الأمر وقامت بالتنازل عن تطلعاتها ودعم تشكيل حكومة تنفذ الإصلاحات المطلوية. 

وتشير اتجاهات عديدة إلى أن لبنان قد تشهد في الفترة المقبلة تزايداً في الاضطرابات الأمنية بسبب التوجه لرفع الدعم عن المواد الأساسية، الأمر الذي سينتج حراكاً اجتماعياً وشعبياً، خاصة في حالة حدوث مواجهات بين أنصار القوى السياسية والطوائف المختلفة بسبب الاحتقان الداخلي، وبالتالي تدفع فرنسا لتجهيز الجيش لمثل ذلك السيناريو، لأن ارتدادات ذلك على المنطقة سيكون له تأثير سلبي، خاصة وأنه سيسفر عن تزايد حركة الهجرة غير الشرعية إلى الدول الأوروبية.

حسابات واشنطن:

أعلنت السفيرة الأمريكية في بيروت دورثي شيا (في ختام تمرين "الاتحاد الحازم" الذي جمع بين الجيشين الأمريكي واللبناني خلال الفترة بين 17 و28 مايو الفائت)، اعتزام بلادها، عبر وزارتي الخارجية والدفاع، تقديم 120 مليون دولار إلى الجيش اللبناني في مجال التدريب والوسائل الدفاعية، إضافة إلى تقديم ثلاثة زوارق خفر سواحل للدوريات، و59 مليون دولار لدعم قدرات الجيش في حماية الحدود الشرقية وضبطها، كما أكدت أن بلادها تواصل النظر بسلطات إضافية تمكنها من تقديم مساعدات استثنائية للجيش اللبناني. 

وأشارت السفيرة الأمريكية إلى أنه تم عقد المؤتمر الأمريكي - اللبناني لموارد الدفاع في 21 مايو الفائت، بمشاركة كبار القادة من وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين والجيش اللبناني، وكان على رأس جدول الأعمال نقاش حول سبل دعم الجيش اللبناني اقتصادياً في هذه الأوقات الصعبة، لافتة إلى أن الجيش اللبناني تسلم مؤخراً من الولايات المتحدة 95 حاوية ذخيرة تُقدر قيمتها بأكثر من 55 مليون دولار بهدف تجهيز عمليات الجيش اللبناني ومساعدته في أداء مهامه.

ومن المعروف أن الولايات المتحدة تقدّم القسم الأكبر من المساعدات الدولية للجيش اللبناني، وقد بلغت قيمة ما قدمته بين العامين 2006 و2016 حوالى 1.2 مليار دولار، شملت أسلحة، ومعدات، وصيانة، وقطع بدل وتدريب وغيرها، علماً بأن الدعم الأمريكي للجيش اللبناني يتم عبر آليتين: الأولى، دعم سنوي من خلال عدة برامج أبرزها برنامج FMS Foreign Military Sales ، وتتراوح قيمة ما يتلقاه الجيش اللبناني سنوياً ما بين 70 و150 مليون دولار أمريكي، حيث ستشهد المساعدة الأخيرة في 2021 نمواً بنحو 15% عن السنوات السابقة. والثانية، مساعدات ظرفيّة غير دورية، وبشكل عام لا يتلقى الجيش اللبناني من الولايات المتحدة مساعدات مالية مباشرة، إلا من خلال البرنامج سابق الذكر.

ويُعد الدافع الرئيسي للتحرك الأمريكي تجاه الجيش اللبناني أمنياً بالأساس، حيث يرتبط بالحفاظ على استقرار الحدود مع إسرائيل، خاصة بعد التحركات الشعبية تجاه الحدود، وإطلاق العديد من الصواريخ تضامناً مع الفلسطينيين خلال الحرب مع إسرائيل التي انطلقت في 10 مايو الفائت، علماً بأن الجيش اللبناني كان هو الرادع الوحيد لتلك التحركات.

وفي السياق نفسه، تعد مواجهة حزب الله وسلاحه داخلياً من إحدى المهام التي تأمل واشنطن أن يكون للجيش اللبناني دور مهم فيها، وكذا مواجهة التهريب عبر الحدود السورية- اللبنانية، الأمر الذي يقوَض من دور الحزب داخلياً، وهو ما يدفع لمزيد من الاحتقان داخل بيئته الحاضنة، لأن فعالية الحزب تعتمد في الأساس على تلك البيئة.

وترى الإدارة الأمريكية الحالية أنه لا يمكن الاعتماد على القوى السياسية اللبنانية، خاصة مع استمرار تنامي دور حزب الله وحلفاءه، وتراجع دور قوى 14 آذار، وبالتالي البديل الأمثل هو الجيش اللبناني غير الطائفي وغير المرتبط بالمصالح السياسية، كما أنه هو الضمانة إلى الآن في توفير الأمن الداخلي، خاصة وأن غالبية القوى السياسية تستخدم الشارع كمناص أخير للتعبير عن رأيها والضغط على خصومها، مما يؤدي إلى اندلاع مواجهات وتهديد السلم والأمن، ويؤجج من ذلك عدم سيطرة الدولة على السلاح ووجود بؤر قابلة للانفجار في الداخل، خاصة المناطق التي تجمع أكثر من طائفة، وأيضاً تلك التي ينتشر فيها الفقر مثل مدينة طرابلس التي تضم غالبية سنية.