أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

حدود الحركة:

خيارات إيران في مواجهة الضغوط الأمريكية

24 مايو، 2018


أربكت الضغوط المتتالية التي تفرضها السياسة الأمريكية حسابات إيران ووضعتها أمام خيارات محدودة، كل منها سوف ينتج تداعيات مباشرة على مصالحها، خاصة بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في 21 مايو 2018، عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاهها، والتي تضمنت 12 شرطًا للوصول إلى اتفاق جديد معها.

ورغم التهديدات المستمرة وأحيانًا المتضاربة التي يوجهها بعض المسئولين الإيرانيين، إلا أن طهران فضلت التمهل قبل اتخاذ قرارات نهائية للتعامل مع السياسة الأمريكية الجديدة وحرصت على كسب مزيد من الوقت خاصة في محادثاتها مع الدول الأوروبية وكل من روسيا والصين، التي تسعى من خلالها إلى بلورة موقف دولي داعم قد يساعدها في تقليص حدة تلك الضغوط وتوسيع حرية الحركة وهامش المناورة المتاح أمامها، على نحو بدا جليًا في الزيارات الأخيرة التي أجراها وزير الخارجية محمد جواد ظريف في بكين وموسكو وبروكسل في الفترة من 13 إلى 15 مايو الجاري، والتي سيتبعها اجتماع آخر للجنة المشتركة في الاتفاق بفيينا في 25 مايو الجاري لبحث الأفكار التي تطرحها الدول الأوروبية لتعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق.

واللافت هو أن إيران استبقت هذا الاجتماع الأخير بمحاولة رفع سقف ضغوطها على الدول الأوروبية، على نحو انعكس في 5 شروط مقابلة وضعها المرشد علي خامنئي للاستمرار في تنفيذ الاتفاق في اجتماعه مع رؤساء ومسئولي السلطات الثلاث في الدولة في 23 مايو الجاري.

عقبات عديدة:

لكن هذه السياسة التي تتبناها إيران قد لا تنتج في النهاية تداعيات إيجابية على مصالحها، لاعتبارات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- سياق غير مواتٍ: تواجه إيران سياقًا دوليًا وإقليميًا مناوئًا لدورها في منطقة الشرق الأوسط، على نحو يزيد من قوة الضغوط الأمريكية عليها، ويعزز من فرص تعرضها لعزلة دولية وإقليمية على غرار ما كان قائمًا في عقود سابقة.ومع أن الدول الأوروبية تؤيد استمرار العمل بالاتفاق النووي لدرجة قد تؤدي إلى توتر علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ذلك لا ينفي أن الأولى ما زالت تبدي تحفظات عديدة تجاه الدور الذي تقوم به إيران في المنطقة، خاصة في دول الأزمات وفي مقدمتها سوريا ولبنان واليمن، بشكل يساهم في توسيع نطاق توافقاتها مع السياسة الأمريكية إزاء تلك القضية تحديدًا.

وقد انعكس ذلك في الدعوات التي وجهها العديد من المسئولين الأوروبيين لإيران بتقليص حدة تدخلاتها الإقليمية بالتوازي مع وقف الأنشطة الخاصة بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية. بل إن بعض المسئولين الأوروبيين تبنوا اقتراحات جديدة، حسب ما كشفت تقارير عديدة في الآونة الأخيرة، تشير إلى إمكانية تقديم مساعدات مالية لإيران مقابل التراجع عن هذه التدخلات، على غرار النهج الذي اتبع مع تركيا في التعامل مع أزمة اللاجئين والمهاجرين القادمين من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا خلال الأعوام الأخيرة.

لكن من الصعب على إيران، على الأقل في المرحلة الحالية، القبول بمثل تلك المبادرات، لاعتبارات ترتبط بإصرارها على مواصلة تمددها في المنطقة الذي استنزفت بسببه الخزينة الإيرانية لعقود عديدة، ولعدم ثقتها بشكل كامل في مدى جدية تلك النوعية من المبادرات ومدى قدرتها على التحول إلى قرارات على الأرض، خاصة في ظل الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية على الدول الأوروبية لتغيير سياستها إزاء طهران.

2- شكوك متواصلة: رغم العلاقات القوية التي أسستها إيران مع كل من روسيا والصين، إلا أن اتجاهات عديدة داخل طهران لا تعول بشكل كبير على إمكانية تحول الدولتين، أو أى منهما، في مرحلة لاحقة، إلى ظهير دولي يستطيع مساعدة إيران على مواجهة الضغوط التي تفرضها السياسة الأمريكية.

ففضلاً عن مصالح موسكو وبكين وحساباتهما الخاصة، فإن الولايات المتحدة تبدو مدركة لأهمية الوصول إلى تفاهمات مع الطرفين فيما يتعلق بآليات التعامل مع طموحات إيران النووية والإقليمية، خاصة بعد الإعلان عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة.  

واللافت هنا، أن عدم ثقة طهران في التعويل على روسيا تحديدًا بدت جلية خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد مسارعتها إلى تأكيد أنه "لا يمكن لأحد أن يجبرها على الخروج من سوريا"، وذلك عقب تصريحات الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين التي أدلى بها خلال لقاءه الرئيس السوري بشار الأسد في سوتشي، في 20 مايو 2018، ودعا فيها إلى "خروج القوات الأجنبية من سوريا".

ومع أن وسائل الإعلام الإيرانية سارعت إلى تفنيد التصريحات الروسية وتأكيد أنها ليست موجهة إلى إيران، إلا أن حرص الأخيرة على الرد بقوة عقب تلك التصريحات يشير إلى أنها تبدي مخاوف عديدة من اتجاهات السياسة التي تتبناها موسكو في سوريا والتفاهمات المستمرة التي تجريها مع قوى مناوئة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن محاولاتها المستمرة التأكيد على أنها القوة الرئيسية التي تتحكم في مسارات الصراع في سوريا.

3- ضغوط الداخل: تتوازى الضغوط التي تتعرض لها إيران على الساحتين الإقليمية والدولية مع استمرار الأزمات الداخلية، التي أدت إلى اندلاع مزيد من الاحتجاجات المعيشية ضد سياسات النظام، وكان آخرها احتجاجات مدينة كازرون بمحافظة فارس، التي تصاعدت حدتها منذ 22 مايو الجاري بسبب قرار تقسيم إداري اتخذته الحكومة في الفترة الماضية.

استمرار الأزمات الداخلية التي أججتها السياسات التي يتبناها النظام على الساحتين الداخلية والخارجية لا يوفر خيارات متعددة أمامه للتعامل مع الضغوط التي تفرضها السياسة الأمريكية الجديدة، لا سيما في ظل الاهتمام الملحوظ الذي تبديه الولايات المتحدة بقضايا الداخل الإيراني، والذي انعكس في التصريحات الأمريكية المتتالية الداعمة للمحتجين.

وهنا، فإن النظام يبدو مدركًا إلى أن أى خيار تصعيدي مع واشنطن سوف تكون له ارتدادات مباشرة على الداخل، خاصة بعد التهديدات التي وجهها بومبيو بفرض "العقوبات الأقسى في التاريخ" في حالة العودة إلى تنشيط البرنامج النووي ورفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20%.

وبمعنى آخر، فإن المغامرة بالتعرض لعزلة دولية جديدة والدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة قد تؤدي إلى تأجيج الأزمات الداخلية، باعتبار أن تلك العقوبات الجديدة سوف تؤثر على الاقتصاد الإيراني وتفرض حدودًا ربما لا تكون مرتفعة للاستثمارات الأجنبية بشكل سوف يقيد من قدرة الحكومة على التعامل مع تلك الأزمات.

وانطلاقًا من ذلك، فإن طهران لن يكون أمامها خيار سوى الرهان على إمكانية نجاح الدول الأوروبية في الوصول إلى صيغة توافقية يمكن أن تسمح بمواصلة العمل بالاتفاق النووي واستمرار حصول إيران على عوائد اقتصادية منه. لكن هذا الخيار قد لا يستمر لفترة طويلة، في ظل العقبات العديدة التي تواجهه. وهنا تكمن المشكلة، أو بمعنى أدق المأزق الذي تواجهه إيران. إذ أن فشل هذا الخيار معناه أن إيران لم يعد أمامها سوى وقف العمل بالاتفاق والعودة إلى رفع مستوى تخصيب اليورانيوم، بكل ما يمكن أن يفرضه ذلك من عواقب وخيمة، أو الإذعان للضغوط الأمريكية والأوروبية بإجراء مفاوضات جديدة لن تنحصر في البرنامج النووي فقط وإنما ستمتد إلى الدور الإقليمي، وهو خيار سوف تكون له أثمان داخلية وإقليمية قد لا يستطيع النظام دفعها في النهاية.