أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

جهود حثيثة:

هل تتجه ليبيا إلى تشكيل حكومة جديدة بديلة عن حكومة الدبيبة؟

24 يونيو، 2023


تصاعد الحديث مرةً أخرى خلال الأيام الأخيرة عن إمكانية تشكيل حكومة جديدة في ليبيا، خاصةً بعدما توصلت لجنة "6+6" المشتركة بين مجلسي النواب والدولة إلى التوافق حول بعض القوانين الانتخابية، بما في ذلك النص على تشكيل حكومة جديدة قبل إجراء الانتخابات، فضلاً عن إعلان قائد الجيش الوطني الليبي، خليفة حفتر، عن دعمه لذلك.

حراك الحكومة الجديدة: 

كشفت تقارير محلية عن وجود مشاورات مكثفة بين بعض الأطراف الليبية لتشكيل حكومة جديدة في البلاد، بديلة عن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- دعم حفتر للحكومة الجديدة: أعلنت قيادة الجيش الوطني الليبي، بقيادة خليفة حفتر، عن دعمها لمخرجات لجنة "6+6" المشتركة بين مجلسي النواب والدولة، بما في ذلك مقترح تشكيل حكومة جديدة في البلاد، تضطلع بمهمة التحضير للانتخابات المقبلة، وهي الخطوة التي رفضها الدبيبة.

وجاء هذا الإعلان في أعقاب اجتماع حفتر مع رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، في مقر قيادة الجيش الوطني الليبي بالرجمة، وهو الاجتماع الذي استهدف تسوية الخلافات الراهنة بين الرجلين، خاصةً بعد وساطة مصرية لإنهاء هذه الخلافات بينهما. 

وشهدت مشاورات الرجمة كذلك محاولة للتوصل إلى تفاهمات بين حفتر وصالح حول مشروع القوانين التي انبثقت عن لجنة "6+6"، وما إذا كان البرلمان سيدفع نحو المصادقة على هذه القوانين، على غرار موقف مجلس الدولة، أم أنه سيجري مشاورات جديدة بشأنها لتعديل بعض البنود، خاصةً تلك المتعلقة بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

2- تداول أسماء لرئاسة الحكومة: شهدت الأيام الأخيرة تداول عدد من الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة الجديدة، فقد أعلن بعض أعضاء مجلس الدولة الليبي، في 18 يونيو 2023، عن دعمهم للمرشح الرئاسي السابق، محمد المزوغي، لتولي رئاسة الحكومة الجديدة، كما برز اسم المرشح الرئاسي السابق الذي ينتمي لمدينة مصراته، عبدالحكيم بعيو، بعدما أبدى بعض أعضاء مجلسي النواب والدولة وأطراف من شرق وغرب ليبيا دعمهم له لتولي رئاسة الحكومة الجديدة.

3- تحركات مجلسي النواب والدولة: ثمة تحركات راهنة لمجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة جديدة، وهو ما انعكس في تعمد تضمين نص داخل قوانين الانتخابات التي صاغتها لجنة "6+6" يفرض تشكيل هذه الحكومة قبل إجراء الانتخابات، مما يضفي على الخطوة قوة تشريعية.

وبدأ أعضاء مجلس الدولة بالفعل في طرح أسماء لتولي رئاسة الحكومة المرتقبة. وعلى الرغم من وجود تحفظات لدى مجلس النواب على بعض نصوص القوانين التي تمخضت عن لجنة "6+6" في بوزنيقة المغربية، فإن صالح أكد وجود مشاورات مع مجلس الدولة لتشكيل حكومة جديدة مصغرة خلال الفترة المقبلة.

إعادة نسج التحالفات: 

يعكس الحراك الراهن وجود تبدل في التحالفات التي كانت قائمة في السابق بين الدبيبة وحفتر، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- نكوص حفتر عن تحالفه مع الدبيبة: شهدت الفترة الماضية وجود تفاهمات بين حفتر والدبيبة، بيد أن تصريحات حفتر الأخيرة، والتي دعم خلالها مقترح لجنة "6+6" لتشكيل حكومة جديدة، كشفت عن تراجع التفاهمات بينهما، كما أنها قد تعكس محاولة من حفتر للضغط على الدبيبة لانتزاع مزيد من التنازلات في حالة القيام بتعديل وزاري في حكومته، أو محاولة من الأطراف الليبية إثارة عقبات مقصودة لتأجيل الانتخابات، وإن كان التفسير الأول هو الأكثر معقولية. 

2- تلويح الدبيبة بالانتخابات البرلمانية: أعلن الدبيبة، في 17 يونيو 2023، ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية كأولوية في المرحلة الحالية، وذلك لتمهيد الطريق نحو إجراء الانتخابات الرئاسية. وجاءت هذه التصريحات في أعقاب إعلان حفتر ترحيبه بفكرة تشكيل حكومة جديدة، وهو ما يُعد مؤشراً إضافياً على تصدع التفاهمات السابقة بين الدبيبة وحفتر.

وسعى الدبيبة كذلك لعرقلة جهود تشكيل الحكومة الجديدة، إذ عقد اجتماعاً، في 18 يونيو 2023، مع المشري في طرابلس بهدف خلخلة تفاهمات مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة جديدة، عبر محاولة استقطاب المشري لكتلة الدبيبة.

3- تحركات لبحث بدائل للدبيبة: شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات في مدينتي مصراته والزاوية لطرح بدائل للدبيبة، إذ يسعى رئيس حكومة الإنقاذ الوطني السابقة، خليفة الغويل، لحشد دعم مصراته لصالح تشكيل حكومة جديدة في البلاد. والأمر ذاته يسعى له الرئيس السابق للشركة العامة للكهرباء الليبية، علي ساسي، والذي تربطه علاقات وثيقة بالعديد من رجال الأعمال في مصراته، خاصةً محمد طاهر عيسى، والذي يحظى بشبكة علاقات وثيقة في شرق وغرب ليبيا، بما في ذلك محافظ البنك المركزي الليبي، الصادق الكبير، ونجل قائد الجيش الليبي، صدام حفتر.

وبالإضافة لما سبق، كانت هناك تحركات أخرى داخل مصراته من قبل محمد عبداللطيف المنتصر، وهو ابن عم رئيس وزراء ليبيا السابق في فترة القذافي، عمر المنتصر، بغية تشكيل تكتل يدعم مساعيه لتولي رئاسة الحكومة المرتقبة. وشهدت الزاوية كذلك تحركات مماثلة من قبل بعض كبار الشخصيات في المدينة لطرح نفسها كبدائل محتملة للدبيبة، لعل أبرزها علي بوزريبا، والذي يشكل ثقلاً مالياً كبيراً هناك، ويحظى بشبكة علاقات واسعة في غرب ليبيا، وهو شقيق وزير الداخلية في حكومة طبرق المكلفة من قبل البرلمان، عاصم بوزريبا، وأدت الضربات الجوية التي شنتها مسيرات حكومة الدبيبة ضد الزاوية إلى إثارة سخط متزايد هناك، وهو ما يسعى بوزريبا لتوظيفه لدعم جهوده الرامية إلى بحث بدائل للدبيبة. 

4- استقطاب مليشيات غرب ليبيا: يحتاج تشكيل حكومة جديدة دعم المجموعات المسلحة في غرب ليبيا، التي لا تزال موالية للدبيبة، لذلك عقد المشري اجتماعات مع قادة بعض المجموعات المسلحة في غرب ليبيا، وذلك لحشد دعم هذه المجموعات لفكرة تشكيل حكومة جديدة، واستغلال الخلافات داخل هذه الكتلة، والتي ارتبطت بقيام الدبيبة بتشكيل جهاز أمني جديد، وهو "الجهاز الوطني للقوى المساندة"، وهو ما أثار غضب بعض المجموعات المسلحة في المنطقة الغربية.

5- تمسك أممي وغربي بالدبيبة: يبدو المبعوث الأممي في ليبيا، عبدالله باتيلي، متمسكاً باستمرار حكومة الدبيبة، وهو ما انعكس في إحاطة باتيلي أمام مجلس الأمن الدولي، في 19 يونيو 2023، والتي أكد خلالها أن مخرجات لجنة "6+6" الخاصة بالقوانين الانتخابات تبدو غير كافية لإنجاز العملية الانتخابية، رغم أنها تشكل خطوة إضافية يمكن البناء عليها، معتبراً أن هناك أربع إشكاليات رئيسة تتعلق بمخرجات اللجنة، تتمثل في استمرار الخلاف حول شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، بالإضافة للبند الخاص بالتمسك بإجراء الاستحقاقات الرئاسية على جولتين حتى وإن حصل أحد المرشحين على الأغلبية في الجولة الأولى، وكذلك النص على إلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية حال تعثر الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن التمسك بفكرة تشكيل حكومة جديدة قبل الانتخابات.

وبناءً عليه، رأى باتيلي أنه يتعذر إجراء الانتخابات اعتماداً على قوانين لجنة "6+6"، مطالباً المجتمع الدولي بممارسة ضغوط على القوى الليبية لإجراء الانتخابات، وهو ما قد يكون مؤشراً على دعوة باتيلي للقوى الدولية للضغط على مجلسي النواب والدولة، ورفض فكرة تشكيل حكومة جديدة، وهو ما دفع صالح إلى توجيه انتقادات لباتيلي متهماً إياه بمحاولة فرض إرادته على الشعب الليبي. 

وعلى المنوال ذاته، تبدو القوى الأوروبية والولايات المتحدة أقرب لدعم استمرار حكومة الدبيبة في الوقت الراهن، والعمل على دمج حكومة شرق ليبيا المكلفة من قبل البرلمان داخل حكومة الدبيبة، من أجل تشكيل حكومة موحدة تتولى التحضير للانتخابات المقبلة، بيد أن الموقف الغربي ربما يبدي انفتاحاً على فكرة تشكيل حكومة جديدة، حال نجاح قوى شرق وغرب ليبيا في التوافق على بديل للدبيبة. 

مسارات الأزمة الليبية:

تكشف مجمل التحركات السابقة عن انعكاسات محتملة على الساحة الليبية، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تجميد مبادرة باتيلي: شكلت إحاطة باتيلي أمام مجلس الأمن الدولي، في 19 يونيو 2023، الأولى له منذ إحاطته السابقة منتصف إبريل الماضي، وإعلانه آنذاك عن ملامح مبادرة جديدة لتسوية الأزمة الليبية والتحضير للانتخابات، وإمهال مجلسي النواب والدولة حتى منتصف يونيو 2023 من أجل الانتهاء من القوانين الانتخابية، مهدداً بأنه في حال استمرار عجز المجلسين عن صياغتها، فإنه سيقوم بتشكيل لجنة توجيهية رفيعة المستوى.

ولم تتضمن إحاطة باتيلي الأخيرة أمام مجلس الأمن الإعلان عن تشكيل مثل هذه اللجنة، وهو ما قد يرتبط بدعم بعض القوى الإقليمية لجهود مجلسي النواب والدولة في إنجاز القوانين الانتخابية، فضلاً عن الإعلان المفاجئ لحفتر بدعم تشكيل حكومة جديدة، وهو ما أربك حسابات باتيلي.

2- تأجيل الانتخابات الليبية: تتراجع فرص إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال العام الجاري، وهو ما قد يدفع القوى الليبية المؤثرة للتركيز على تشكيل حكومة موحدة. وساعد على ذلك أن الولايات المتحدة، صارت أقل قدرة على ممارسة ضغوط على الأطراف الليبية للإسراع بإجراء الانتخابات.

3- إمكانية التوصل لتفاهمات موسعة: قد ينجح الدبيبة في استعادة تفاهماته السابقة مع حفتر، وإشراك رئيسي مجلسي النواب والدولة في هذه التفاهمات، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة، برئاسة الدبيبة، وبالتوافق بين الأطراف السابقة، بما يضمن نصيباً فاعلاً لها فيها. وعلى الرغم من صعوبة مثل هذا السيناريو، فإنه لا يمكن استبعاده تماماً بالنظر إلى  سرعة تبدل التحالفات بين الأطراف الليبية.

وفي الختام، اعتاد المشهد الليبي، منذ عام 2011، على عملية الفك والتركيب المستمرة للتحالفات والتوازنات القائمة، والدفع لاستبدال دوري للحكومات المتنافسة، ولذلك فإنه على الرغم من الدعم الخارجي، والداخلي، وإن بدرجة أقل، لحكومة الدبيبة، فإنه لا تزال فرص نجاح التحركات الليبية الراهنة لتشكيل حكومة جديدة بديلة لحكومة الدبيبة قائمة، رغم العقبات التي قد تواجهها.