أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

السلام أو الانتقام.. لماذا حان الوقت لمبادرة سلام شاملة؟

16 نوفمبر، 2023


في إطار الأحداث الحالية والتوترات المتصاعدة وإراقة الدماء المستمرة في غزة، أصبح من الضروري القيام بمحاولة جريئة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل كامل. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال مبادرة سلام شاملة، تؤخذ كاملة أو تترك كاملة. وعلى مثل هذه المبادرة أن تعالج الأزمة مباشرة من خلال وقف إطلاق النار، ووقف المناوشات عبر الحدود، إلى جانب معالجة الجوانب الإنسانية، وتوفير المساعدات، وتبادل الرهائن بين الجانبين. علاوة على ذلك، يتعين على هذه المبادرة أن تتعمق في القضية الأساسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق حل الدولتين.

الدبلوماسية الطموحة:

إن التدابير الجزئية لن تكون كافية لنزع فتيل الأزمة مع الأوضاع الحالية، إذ إن التوترات الشديدة والمصائب المفجعة الواقعة بالمنطقة تتطلب دبلوماسية جريئة وطموحة وخلاقة. إن غياب حل جوهري في ظل هذه الأزمة سيؤدي إلى استمرار دائرة العنف وإلى المزيد من سفك الدماء. إن المسألة الآن ليست مسألة "هل" ستندلع أحداث عنف جديدة؟ بل هي بالأحرى "متى" ستندلع هذه الأحداث؟ وخاصة في ضوء القرارات السياسية التي تواجه حماس وزعماء إسرائيل، والتي تجعل من العودة إلى الوضع السابق لما قبل الحرب أمراً غير قابل للتصور. وهكذا فإن كلا الجانبين سيسعى إلى تحقيق نصر كامل أو أن ينتقم على حساب الآخر، وهو أمر غير ممكن. وعلى هذا فإن المبادرة المقترحة لا بد أن تكون كبيرة بالقدر الكافي لتحقق تحولاً كبيراً في الديناميكيات السياسية عند كلا الجانبين، ولتشجعهما على تجاوز الانتقام ونبذ الزعماء المتصلبين إذا لزم الأمر.

الحلول المتاحة:

إن الحلول المتاحة على الساحة الآن متضادة: فإما تحقيق السلام الكامل أو الغرق في موجات انتقام مستنزفة للذات. وهذا من شأنه أن يعزز اعتقاد الفلسطينيين بأن الخسارة المأساوية التي أسفرت عن سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل في غزة لم تذهب سدى، وأن يتيح الفرصة للإسرائيليين بأن يزعموا أنهم على الرغم من الخسائر البشرية، فإنهم قد نجحوا في ضمان أمنهم إلى الأبد. وتهدف المبادرة المقترحة إلى تحقيق تطلعات الهوية الوطنية للفلسطينيين والإسرائيليين من خلال تنفيذ حل إقامة الدولتين على حدود عام 1967، مع تعديلات طفيفة متفق عليها بين الطرفين. وعلى هذه المبادرة أن تقدم حلولاً دقيقة ومحددة لوضع القدس ولحق الفلسطينيين في العودة أو التعويض. ويجب أن تتضمن المبادرة خطة بروتوكولات أمنية مفصلة لحماية الجانبين من الهجمات المفاجئة في الضفة الغربية أو غزة أو إسرائيل.

علاوة على ذلك، يجب أن تؤكد المبادرة ما تم إعلانه من قبل مبادرة السلام العربية التي تبنتها قمة جامعة الدول العربية في بيروت عام 2002، والتي أكدت أن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية من شأنه أن يمهد الطريق لعلاقات إسرائيلية طبيعية مع الدول العربية بشكل عام. والوثائق المعاصرة التي تتناول تفاصيل المفاوضات العربية الإسرائيلية مليئة بالصيغ والتسويات التي تشمل كل هذه الجوانب. ومع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي كان ينقصنا هو الإرادة لدى القيادات السياسية المعنية. ببساطة، فإن المبادرة المقترحة غير القابلة للتفاوض هنا من شأنها أن تعالج السبب الجذري للصراع وتداعيات أزمة غزة.

الرعاة المحتملون:

إن قرارات زعماء المنطقة، باستثناءات قليلة للغاية، هي التي حددت أوضاع الحرب والسلام في الشرق الأوسط. ولذلك فإن الخيار الأفضل هو أن ترعى دولة عربية هذه المبادرة. ولكن العنف الذي لا يتوقف، واستمرار سقوط ضحايا من المدنيين قد يجعل الرِعاية الإقليمية لهذه المبادرة غير مجدية. 

كان الخيار الثاني الممكن لرعاية هذه المبادرة هو رعاية الولايات المتحدة لها نظراً لدورها البارز في المنطقة منذ حرب عام 1973، ولكن عجزها حتى عن الدخول في حوار مع روسيا ودعمها الثابت لإسرائيل جعل هذا الخيار متعذراً، وحرم الولايات المتحدة من أداء دور الوسيط المحايد للسلام. 

والاحتمال الآخر هو القيام برعاية مشتركة للمبادرة بين كل من: الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الأمريكي جو بايدن. وفي حين أن هذا الاحتمال قد يبدو غير مألوف في البداية، إلا أن تنوع الرعاة قد يجعل المبادرة أكثر قبولاً للأطراف المعنية على الرغم من التوترات الأخيرة بين المسؤولين الإسرائيليين وغوتيريش.

إن حل الدولتين كان قراراً من ضمن قرارات الأمم المتحدة، والتي كان لها دائماً دور وحضور مهم في المنطقة، وقد تبنت المبادئ الأساسية لعملية السلام منذ عدة عقود. وكذلك الصين، فهي تحتفظ بعلاقات جيدة مع جميع الدول العربية، وكذلك مع إسرائيل. وقد توسطت مؤخراً في الاتفاقات السعودية الإيرانية، وربما تتسع شهيتها السياسية في المستقبل كما استنتج مبعوثها الخاص للشرق الأوسط، تشاي جون، والذي أكد مؤخراً دعم الصين لعملية السلام وحل الدولتين. وقد تشعر الولايات المتحدة في البداية بالقلق من شراكة الصين في رعاية مبادرة السلام في الشرق الأوسط، فقد تظن أن هذا سيأتي هذا على حساب التفوق الأمريكي بالمنطقة، ولكن في الحقيقة قد يوفر هذا السيناريو الفرصة لقيام حوار بناء متبادل المنفعة بين الدولتين يمتد إلى ما هو أبعد من منطقة الشرق الأوسط.

في النهاية، من المؤكد أن النجاح ليس مضموناً لهذه المبادرة المقترحة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط شديدة التقلب، ووسط العلاقات غير المستقرة بين القوى العالمية الكبرى. ولكن تكرار ممارسات الماضي أو الاستسلام للامبالاة لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانتهاكات وسفك الدماء. والخيار الصعب هنا يتلخص في بذل جهود دبلوماسية كبيرة على الرغم كل الصعاب بهدف حل الأسباب الجذرية للصراع، أو فإن المنطقة بأكملها ستشهد "تسونامي" من العنف الانتقامي بين المقاتلين والمدنيين على حد سواء.