أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الأفضل قادم:

رسائل "إكسبو دبي".. تعافٍ عالمي وانطلاق إماراتي

03 أكتوبر، 2021


كانت دولة الإمارات خلال الأيام القليلة الماضية على موعد مع التاريخ مع انطلاق الحدث الأبرز في العالم، والأول الذي يتم تنظيمه في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو معرض "إكسبو 2020 دبي" الذي اُفتتح بحفل أسطوري أبهر العالم كله، كما تعهدت القيادة الإماراتية الرشيدة بذلك، وعزز من تفاؤل العالم كله بأن تكون النسخة الإماراتية من هذا المعرض بداية النهاية للاتجاهات التشاؤمية التي أفرزتها جائحة كوفيد-19.

وهذا التفاؤل مرده ليس فقط ما ينطوي عليه معرض "إكسبو 2020 دبي" من رسالة واضحة ببداية التعافي العالمي اقتصادياً، وإنما يرتبط أيضاً بالجوانب الثقافية والإنسانية والسياسية لهذا الحدث العالمي المهم والتي تعزز من روح التعاون الدولي وقيم الاتصال والتواصل والتسامح والتعايش التي تدفع باتجاه خلق عالم أكثر أمناً وتسامحاً يعزز من فرص التنمية والازدهار والرخاء للجميع.

تعافٍ اقتصادي:

أول الدوافع المهمة لتعزيز التفاؤل العالمي بالنجاح المتوقع لمعرض "إكسبو 2020 دبي"، هو ما يحمله هذا المعرض من رسالة بأن موجة الإغلاق والتقييد التي فرضتها جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد العالمي قد تكون في طريقها للتراجع أو الانتهاء. فهذا الحدث العالمي الذي تشارك فيه أكثر من 190 دولة، وهي المشاركة الأكبر في تاريخ المعرض منذ انطلاقه قبل 170 عاماً، والعدد الكبير المتوقع للزائرين والذي يُقدر بنحو 25 مليون زائر على مدى الشهور الستة القادمة؛ يشير بوضوح إلى أن دول العالم بدأت في التخفيف من الإجراءات التقييدية التي تم فرضها تحت وطأة جائحة كورونا، وهو ما يبشر بعودة حركة الاقتصاد العالمي للدوران من جديد، ومن ثم عودة مؤشرات النمو والتشغيل لمعدلاتها السابقة.

لقد أحدثت جائحة كوفيد-19 أزمة عالمية مركبة غير مسبوقة؛ وهي أزمة صحية عالمية، علاوة على خسائر بشرية هائلة أفضت إلى أشد ركود شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في يونيو 2020. وقد دفع هذا الركود والانكماش الاقتصادي ما يقارب 100 مليون شخص جديد حول العالم إلى براثن الفقر، وشهدت معدلات البطالة ارتفاعات غير مسبوقة، وتعرضت قطاعات اقتصادية حيوية مثل السياحة والسفر والطيران وحتى التجارة الخارجية لضربات لم يشهدها العالم في تاريخه الحديث. وبالرغم من التوقعات الإيجابية التي أصدرتها المؤسسات الاقتصادية العالمية في منتصف العام الحالي بشأن معدلات النمو والتعافي الاقتصادي بسبب تراجع وطأة الجائحة بعد بدء إنتاج وتوزيع اللقاحات حول العالم؛ فإن العديد من المناطق لا تزال تعاني جائحة كورونا وما تمخضت عنه من تداعيات طويلة الأجل.

وضمن هذا السياق، يمكن النظر إلى معرض "إكسبو 2020 دبي" باعتباره عاملاً مهماً من العوامل المعززة للتفاؤل بمزيد من تعافي الاقتصاد العالمي وكسر اتجاهات التشاؤم التي فرضتها جائحة كوفيد-19. فهذا المعرض الذي رفع شعار تحويل المخاطر إلى فرص، سيوجد على مدى 6 أشهر منصة للحوار والتعاون بين الشركات والحكومات للبحث في إيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي فرضتها جائحة كورونا، والتعريف بالفرص الاستثمارية، واستعراض المقومات التنافسية، وفتح آفاق جديدة للصادرات الوطنية، ومشاركة الخبرات، وتعزيز الشراكات القديمة، وإبرام صفقات تجارية واستثمارية جديدة، بالإضافة إلى الترويج للمنتجات السياحية، وغير ذلك الكثير من الفرص التي سيوفرها لإعادة التعافي من جديد للاقتصاد العالمي.

وسيوفر المعرض كذلك فرصاً مهمة للشركات، الكبيرة والصغيرة على السواء، لتعزيز أنشطتها. فحتى أغسطس 2021، تم تسجيل أكثر من 30 ألف شركة من 179 دولة للقيام بأعمال تجارية مع إكسبو، من بينها 13700 شركة متوسطة وصغيرة. كما حصلت الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتي تعد محركاً اقتصادياً مهماً على مستوى العالم عامة ودولة الإمارات خاصة، على عقود أعمال بنسبة 52% بنسبة 28.5% من إجمالي الإنفاق، الأمر الذي يجعل تأثير إكسبو اقتصادياً ممتد الأثر.

ولا شك، سيكون التأثير أكثر أهمية على اقتصاد الإمارات، فهذا المعرض سيشكل عامل جذب مهماً وكبيراً للمستثمرين وكبار رجال الأعمال من جميع أنحاء العالم، ومن ثم سيوفر فرصة مهمة للاطلاع على البيئة الاستثمارية والاقتصادية في الدولة، وهو ما سيسهم في تعزيز حجم الشراكات التي تربط الاقتصاد الاماراتي بالعالم، وزيادة فرص الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد المحلي، لاسيما في قطاعات مهمة مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. 

كما سيسهم "إكسبو 2020 دبي" في تنشيط القطاع السياحي في الدول؛ بالنظر إلى حجم السياح والزائرين الضخم المتوقع من الخارج، فلأول مرة في تاريخ إكسبو ستبلغ نسبة القادمين من الخارج 70% من إجمالي زوار المعرض، وستشمل هذه النقلة المهمة القطاعات المرتبطة بالسياحة والسفر كافة. علاوة على ذلك، سيسهم المعرض في تعزيز مستوى كفاءة وجودة البنية التحتية في دبي؛ بالنظر إلى حجم الاستثمارات الضخمة التي تم توجيهها لهذا القطاع استعداداً لاستضافة المعرض. فهذه البنية التحتية ستعزز من قوة الاقتصاد الإماراتي، وسيتم استغلالها حتى في مرحلة ما بعد انتهاء فعاليات المعرض في خدمة جهود التنمية المستدامة للدولة ومشروعاتها المستقبلية الطموحة.

ترسيخ التسامح:

تتجاوز العوامل المُحفزة للتفاؤل بمستقبل أفضل بفعل تأثير "إكسبو 2020 دبي"، الجوانب الاقتصادية، لتصل إلى الجوانب الثقافية والسياسية. فالعالم الذي عانى الكثير من الصراعات والأزمات والتوترات ومن انتشار الجماعات المتطرفة والمنحرفة نتيجة غياب الحوار البناء والفهم المشترك لثقافة الآخر وقيمه، هو أحوج ما يكون لتعزيز قيم التسامح والتعايش والحوار والتعاون الثقافي لعكس الاتجاهات التشاؤمية الحالية والانطلاق نحو المستقبل.

وهذا بالضبط ما يستهدفه معرض "إكسبو 2020 دبي"؛ فهذا المعرض يعد ساحة عالمية للحوارات البناءة بين الثقافات المختلفة التي ستجد كل منها في إكسبو دبي المكان الأنسب لعرض قيمها ومكوناتها من خلال أكثر من 60 فعالية يومية، وهو ما سيعزز من الحوار الثقافي بين الدول والأمم والشعوب، ومن ثم فرص الازدهار والسلام العالمي. كما سيوفر إكسبو فرصة مثالية للقاء والنقاش حول أهم المواضيع المستجدة في العالم، وتطوير حلول مبتكرة للمشكلات العالمية لصنع مستقبل أفضل للبشرية كلها.

مشروعات الخمسين:

لا شك أن تزامن انعقاد معرض "إكسبو 2020 دبي" مع الذكرى الـ 50 لتأسيس دولة الإمارات، وإطلاق مشروعات الخمسين التي تستهدف تعزيز الانطلاقة الاقتصادية للدولة، سيعزز من التفاؤل بمستقبل الإمارات وبقدرة شعبها وقيادتها الرشيدة على تحقيق أهدافها الطموحة في المستقبل.

فاستضافة معرض إكسبو الدولي تمثل في حد ذاتها تتويجاً لمسيرة التقدم والإنجاز التي حققتها دولة الإمارات على مدار الـ 50 عاماً الماضية، والتي جعلت العالم كله يصوت للإمارات لتكون أول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا تستضيف هذا الحدث العالمي الفريد، كما أنه يعكس رؤية قيادتنا الرشيدة "حفظها الله" للمستقبل المبني على التعاون والتعايش وقبول الآخر. 

ولذا اختارت الدولة شعار "تواصل العقول وصُنع المستقبل" ليكون هو الشعار الرسمي للمعرض، فالعمل من أجل المستقبل هو محور رئيسي من محاور الرؤية الإماراتية. ومن هنا يأتي معرض "إكسبو 2020 دبي" ليكون نقطة الانطلاق نحو الـ 50 عاماً المقبلة، والتي مهدت لها الدولة أيضاً بالإعلان عن وثيقة "مبادئ الخمسين".

فهذه الوثيقة بمبادئها العشرة، التي تحدد المسار الاستراتيجي الذي ستسلكه دولة الإمارات لتحقيق رؤيتها المستقبلية الطموحة، تٌظهر الرؤية الشاملة لقيادتنا الرشيدة وإدراكها العميق للأسس والتوجهات التي ستحقق لإمارات المستقبل ما تنشده من تميز وطموح، سواء فيما يتعلق بضرورة ترسيخ أركان دولة الاتحاد، أو فيما يتعلق بتأكيدها الواضح على أن المسار القادم للإمارات اقتصادي بالأساس، والتأكيد على ضرورة بناء الاقتصاد الأفضل والأنشط في العالم، وتعزيز منظومة القيم الحضارية التي ترتكز عليها الدولة منذ البداية والقائمة على التسامح والتعايش واحترام الثقافات وترسيخ الأخوّة الإنسانية والتضامن الإنساني في صناعة وترسيخ صورة الإمارات الإيجابية في أذهان شعوب ودول العالم كافة في الماضي، ومواصلة الاستثمار في الإنسان بوصفه المحرك الرئيسي المستقبلي للنمو وذلك من خلال تطوير التعليم، واستقطاب المواهب، والحفاظ على أصحاب التخصصات، والبناء المستمر للمهارات، وغيرها من المبادئ المهمة التي ترسم طريق المستقبل المشرق للإمارات وشعبها، وهي جميعها تتفق في مضمونها مع شعار "إكسبو 2020 دبي" "تواصل العقول وصنع المستقبل".

ختاماً، لا خلاف على أن "إكسبو 2020 دبي" سيكون علامة فارقة في تاريخ هذا الحدث الدولي الممتد لأكثر من 170 عاماً، وفي تاريخ منطقة الشرق الأوسط التي يُعقد فيها لأول مرة، وربما العالم كله، ليس من جهة مستوى التنظيم وحجم المشاركة والنتائج فحسب، ولكن أيضاً من زاوية ما يحمله من مؤشرات تعزز تفاؤلنا وتفاؤل العالم كله بأن القادم أفضل، وبأن إكسبو دبي سيكون هو البداية لعالم متعافٍ اقتصادياً ومتعاون سياسياً ومتعايش ثقافياً.