أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الدياركية الهشة:

دلالات المحاولة الانقلابية الفاشلة في السودان

23 سبتمبر، 2021


في ظل أزمة السودان المركبة والمعقدة المرتبطة بتجربة الانتقال المتعثر وإقليم الجوار المضطرب في القرن الأفريقي، شهدت البلاد محاولة انقلابية فاشلة فجر يوم 21 سبتمبر 2021. وطبقاً للرواية الرسمية، تم اعتقال جميع المتورطين بزعامة اللواء الركن عبدالباقي بكراوي المقرب من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، ويتم الآن التحقيق معهم، حيث قد استهدف مدبرو الانقلاب – وهم ضباط من المدرعات ومنطقتي وادي سيدنا وأم درمان العسكريتين - السيطرة على الإذاعة والتلفزيون الرسميين في أم درمان، ثم اعتقال أعضاء مجلس السيادة برئاسة عبدالفتاح البرهان، وأعضاء حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك. 

توصلت الحكومة لعدة معلومات استخباراتية، وهو ما جعلها في وضع الاستعداد، حيث قامت قوات الجيش بإغلاق الجسر فوق النيل الأبيض الذي يربط الخرطوم، العاصمة السودانية، بأم درمان لتجنب مرور المتمردين، كما تمت استعادة جميع المواقع التي سيطر عليها الانقلابيون. وبالنظر إلى طبيعة المركب العسكري الذي يجمع بين القوات المسلحة النظامية وقوات الانتشار السريع، فإن مسألة الانقلاب من دون توافق بين هذه المكونات تمثل انتحاراً سياسياً، وقد تدفع إلى الحرب الأهلية. 

ويكرر هذا المشهد السيناريو الانقلابي المرجعي نفسه في أفريقيا منذ أعوام الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهو ما يجعله عبثياً ويعبر عن حالة الهشاشة التي تعانيها المرحلة الانتقالية في السودان. ولعل ذلك كله يطرح العديد من التساؤلات حول طبيعة المحاولة الانقلابية ودوافعها (عوامل الدفع وعوامل الجذب) وأزمة الدياركية الحاكمة في السودان ومعالم المستقبل القريب.


عوامل الدفع: 

- الدياركية الهشة: يقولون إن "الحكم الرشيد لا يعتمد أبداً على مجرد وجود نصوص قانونية، بل على الصفات الشخصية للحكام، إذ تخضع آلية الحكم دائماً لإرادة أولئك الذين يديرون تلك الآلية. ولذلك فإن أهم عنصر في نظام الحكم هو أسلوب اختيار القادة".  وعندما عانت أفريقيا أزمة الانقلابات العسكرية في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تم اقتراح "الدياركية"، كطريقة برجماتية لحل إشكالية عدم الاستقرار السياسي المزمن في العديد من الدول الأفريقية، مثل نيجيريا والسودان. إنها صيغة يتقاسم بموجبها المدنيون والعسكريون حكم البلاد على قدم المساواة. لذلك يتم إدخال الجيش في الإدارة السياسية للبلاد على أساس دائم. ولعل الأساس المنطقي لهذا الترتيب الغريب، الذي يرجع إلى تقاليد أسبرطة القديمة وروما وقرطاج وكذلك القبائل الجرمانية، هو الأمل في أنه من خلال هذه المشاركة، قد يتم التخلص من الطموحات السياسية للجيش.

بعد أكثر من عامين من توقيع اتفاق تقاسم السلطة في السودان، بات من الواضح أن دور القادة المدنيين يتراجع بينما يظل الجيش مهيمنا، حيث أطاح الجيش السوداني بالرئيس عمر البشير، واحتجزه في أبريل 2019 بعد شهور من الاحتجاجات الجماهيرية ضده. وقد وقع جنرالات الجيش وفصائل المجتمع المدني الرئيسية اتفاقاً بعد أربعة أشهر لتأسيس حكومة مدنية ومجلس تشريعي لقيادة الفترة الانتقالية في مرحلة ما بعد البشير. لكن المجلس التشريعي لم يتم تشكيله بعد، كما ازدادت الانقسامات داخل قوى الحرية والتغيير، وتضاءل دعم حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الانتقالية، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الإصلاحات الاقتصادية التي ألحقت خسائر فادحة بالعديد من الأسر السودانية. 

كما أن التأخير في تحقيق العدالة لعائلات الشهداء في عهد البشير، وحتى خلال احتجاجات 2019 التي أعقبت الإطاحة به، ترك الحكومة عرضة لمزيد من الانتقادات. كما أن المكون العسكري في الحكم يعاني هو الآخر الضعف والانقسام بسبب وجود وقوات الدعم السريع والجماعات المسلحة وتباطؤ الجيش في تحقيق الإصلاحات الأمنية. وعليه فإننا أمام دياركية هشة وضعيفة في الحالة السودانية.

- صعوبة تحقيق الرقابة المدنية على الجيش: إن الانقسامات الداخلية والتشظي الفكري والأيديولوجي، وعقم القدرات والكفاءات قد أضر بقدرة المدنيين على التحكم في مسار المرحلة الانتقالية. لقد حدد اتفاق 2019 في البداية فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، لكن تلك الفترة أعيد تحديدها مرة أخرى عندما وقع السودان اتفاق سلام مع تحالف من الجماعات المتمردة في أكتوبر الماضي. ومن الواضح أن المكونين المدني والعسكري يعملان بشكل منفصل وفي حالة من غياب التنسيق في كثير من الأحيان. ومن المحتمل أن يكون تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي أساسياً لبدء الرقابة على الجيش. لكن كلاً من القوات الأمنية والعسكرية والأحزاب السياسية التقليدية، التي تشعر بالقلق من إضعاف سلطاتها الحالية، سوف تمثل عقبة أمام هذا الإصلاح الحاسم.

في العام الماضي، أعلن السودان عن خطط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل حيث وافقت الولايات المتحدة على إزالة الخرطوم من قائمة الإرهاب. ولا شك أن الصفقة مع إسرائيل لن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد موافقة المجلس التشريعي الذي لم يتم تشكيله بعد، لكن المهم هنا أن هذا التوجه تم تحديده من قبل الجيش. كما قام الجيش بدور رئيسي في الاتفاق مع الجماعات المتمردة، فقد وقع نائب رئيس المجلس الانتقالي الحاكم، محمد حمدان دقلو (حميدتي) اتفاق السلام في أكتوبر الماضي، مع تحالف رئيسي للمتمردين نيابة عن الخرطوم، كما اشتملت المحادثات هذا العام مع مجموعة متمردة رافضة على شخصيات عسكرية بارزة، وهو ما يعني أن مشاركة المدنيين في محادثات السلام مع المتمردين كانت محدودة، حيث إنهم تركوا القضية بالكامل للجيش.

وفوق ذلك كله لايزال الجيش يهيمن أيضاً على الشركات المربحة المتخصصة في كل شيء من الزراعة إلى مشاريع البنية التحتية، وهو ما أكده حمدوك العام الماضي بقوله إن 80 % من الموارد العامة للبلاد "خارج سيطرة وزارة المالية".

- معضلة الإصلاح الأمني: لايزال القادة المدنيون والفصائل المتمردة السابقة يضغطون من أجل إصلاحات حاسمة تشمل دمج الجماعات شبه العسكرية والجماعات المسلحة في القوات المسلحة النظامية. إلا أن القادة العسكريين لا يزالون غير متحمسين للتدخل المدني في الشؤون العسكرية باعتبار أن ذلك يمثل مسألة حساسة للغاية. وعليه فإن الدعوات المدنية الأخيرة لإصلاح قطاع الأمن قد تستمر وفقاً لذلك في مواجهة المقاومة بما يجعلها صعبة المنال. 

ومن اللافت للانتباه أن اتفاق تقاسم السلطة لعام 2019 فشل في تحديد من سيشرف على الإصلاحات الأمنية. ويقضي الاتفاق بأن يمارس المدنيون "في نهاية المطاف الرقابة على الجيش"، ومع ذلك لا توجد أي مؤشرات على وجود إرادة عسكرية للابتعاد عن دورهم المهيمن في البلاد، أو على الأقل التخلي عن مكتسبات الدياركية الحاكمة.

- تبعات قرار تخفيف الديون: بعد الإصلاحات الاقتصادية المستمرة، أصبح السودان الآن مؤهلاً لتخفيف أعباء الديون في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وربما يمثل ذلك من المنظور الاقتصادي البحت تطوراً إيجابياً في مسيرة العملية الانتقالية في السودان، حيث إن هذه الخطوة ستطلق العنان لموارد مالية مهمة لتعزيز الاقتصاد ومعالجة الفقر وتحسين الظروف الاجتماعية. 

ومع ذلك يستمر التضخم في دفع الزيادات في أسعار السلع الأساسية، مما يجعلها تفوق طاقة الفئات السكانية الضعيفة اقتصادياً، كما أثار التضخم أيضاً احتجاجات على مستوى البلاد، أدت إلى إعلان سبع ولايات حالة الطوارئ، وفرض حظر التجول، وإغلاق المدارس، والحد من الوصول إلى الأسواق. ومن جهة أخرى يتعرض السودان بشكل كبير للمخاطر الطبيعية. حيث تؤدي الكوارث بطيئة الحدوث، مثل الجفاف، إلى تدهور شديد في الظروف الزراعية وزيادة انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء البلاد. كما أن السودان عرضة للكوارث المفاجئة، مثل الفيضانات. ففي عام 2020، تضرر ما يقرب من 900 ألف شخص في أسوأ فيضانات شهدتها البلاد منذ 100 عام، والتي دمرت المنازل والأراضي الزراعية، وألحقت أضراراً بالبنية التحتية، وعرقلت وصول المساعدات الإنسانية. وفوق ذلك كله نزح حوالي 418 ألف شخص هذا العام في أعقاب القتال والهجمات المسلحة، لا سيما في دارفور وكردفان والنيل الأزرق. كما يستضيف السودان أيضاً أكثر من 1.1 مليون لاجئ، بما في ذلك 763000 لاجئ من جنوب السودان وأكثر من 61000 لاجئ إثيوبي، ويعمل كدولة عبور رئيسية للمهاجرين من القرن الأفريقي المتجهين إلى أوروبا.

- أزمة شرق السودان: تصاعدت الاحتجاجات على مسار شرق السودان لاتفاق جوبا للسلام مع إغلاق المجلس الأعلى لنظارات البجا الموانئ والأسواق، وتعليق الإيرادات، واستمرار إغلاق الطرق السريعة الرئيسية في شرق السودان.  ولعل ذلك يدخل مرة أخرى المتغير القبلي في عملية الانتقال المتعثرة في السودان. وتتمثل أبرز مطالب البجا في إلغاء مسار شرق السودان، وهو جزء من اتفاق جوبا للسلام 2020، واعتماد منصة تفاوضية جديدة لشرق السودان. كما يطالب المجلس الأعلى بتشكيل حكومة تكنوقراط عوضاً عن حكومة عبدالله حمدوك.  ومع ذلك فإن منبر البطانة الحر ولجان المقاومة بولاية البحر الأحمر، وكسلا والقضارف، ومبادرة إنقاذ القضارف، لم تؤيد استخدام العنف في التعبير عن رفضهم للمسألة الشرقية في اتفاق سلام جوبا.  وقد اتهم قادة حركة البطانة الوطنية، الذين وصفوا بأنهم تابعون للنظام السابق، بالوقوف وراء إغلاق الطرق. ودعوا إلى معالجة أوجه القصور في المسار الشرقي من خلال عقد مؤتمر استشاري شامل في أقرب فرصة. ولعل ذلك كله يعني خلط الأوراق في مسيرة الحكومة الانتقالية في السودان.

عوامل الجذب:

- نظرية العدوى الانقلابية: منذ أول انقلاب ناجح في توغو عام 1960، شهدت إفريقيا أكثر من 200 محاولة انقلاب، وحقق نصفها تقريباً نجاحاً. كان للسودان نصيب الأسد بحصة تفوق أكثر من 15محاولة نجحت خمسة من بينهم. وتعد محاولة الانقلاب الأخيرة في السودان أحدث تحرك من قبل العسكريين للسيطرة على السلطة في أفريقيا. ولا شك أن نجاح الانقلابات التي وقعت في مالي وتشاد وغينيا مؤخراً تمثل دافعا لضباط الجيش من أجل التدخل والسيطرة على السلطة بحجة تنظيف البيت من الفساد وتحقيق طموحات الجماهير.

- دعم فلول النظام السابق: لم تكن تلك المحاولة الانقلابية الأولى التي تعرض لها النظام الانتقالي في الخرطوم على الرغم من أنها الأخطر، ودائماً ما يلقى باللوم على أنصار النظام البائد. لقد قال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في رسالة للأمة بعد احباط الانقلاب إن "فلول النظام السابق" كانوا "عازمين على إجهاض التحول الديمقراطي المدني" ووصفها بأنها "محاولة انقلاب مدبرة". وكان اللوم واضحاً فهم الفلول من عيال البشير، وهم أعضاء في سلاح المدرعات. فثمة مخاوف من إمكانية تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، ما قد يؤدي إلى سقوط قادة آخرين وفقاً لنظرية الدومينوز. وهذا يعني أن هناك أطرافاً كثيرة نافذة في جهاز الدولة العميقة يكون من مصلحتها تغيير الوضع القائم أو على الأقل وضع العراقيل أمام عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد.

- استغلال حالة السيولة والفوضى الإقليمية والدولية: لا شك أن منطقة القرن الأفريقي تمر بمرحلة من عدم الاستقرار والعنف التي قد تهدد أمن المنطقة وما حولها. فثمة حرب أهلية في كل من أثيوبيا وجنوب السودان، ونقاط حدودية ملتهبة على طول المنطقة، وتذمر شعبي واسع النطاق بسبب الصراعات العنيفة من جهة وتبعات جائحة كوفيد_19 من جهة أخرى. ولعل ذلك كله يمثل فرصة سانحة للعناصر التي تسعى إلى تغيير الأوضاع وتحقيق مآرب شخصية بالتحرك والاستيلاء على السلطة بينما الجميع مشغولون بقضايا أكثر أهمية ربما تكون متمثلة في النزعة الغربية نحو الانسحاب من أفريقيا على غرار الحالة الأفغانية أو إحياء الحلف الأنجلوفوني بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.

مساوئ الدياركية في الخبرة الأفريقية:

1- ترتيب "نفعي": الدياركية هي ببساطة مجرد ترتيب نفعي لصالح الأطراف المشاركة فيه، على عكس ما يتوقعه أنصاره بأنه سوف يمثل حلاً سحرياً لأزمة الاستقرار المستعصية في الدولة الأفريقية في مرحلة ما بعد الاستقلال، ويمنح الشعوب الأفريقية متنفساً للمضي قدماً. ولكن من واقع التجربة، هل وفر هذا الترتيب الخاص بثنائية السلطة حلاً دائماً للأزمة السياسية في الدول التي أخذت به من قبل مثل نيجيريا؟ الدياركية، في أحسن الأحوال، مسكن وليس حلاً. إذا كان الجيش كمؤسسة يتم إشراكه في الحكم باعتباره حقاً مكتسباً بقوة السلاح، فلماذا لا يتم إدخال المؤسسات أو المهن الأخرى؟  لقد أظهرت التجربة السودانية أن الدياركية قد خلقت مشاكل أكثر مما تحل. 

فعلى الجندي المهتم بالسياسة الحزبية أن يتخلى عن منصبه ويدخل في السياسة مثل أي مواطن آخر. هذا هو النمط المطبق في عدد من الدول الأفريقية التي سلكت طريق التحول الديمقراطي مثل غانا وزامبيا وكينيا وغيرها، وهي طريقة أفضل من المشاركة في الحكم من الباب الخلفي.

2- تحفيز الانقلابات المضادة: جانب سلبي آخر في الدياركية، هو أن وجود بعض العسكريين في الحكومة لن يمنع آخرين خارجها، من محاولة تحقيق طموحاتهم السياسة بالانقلاب على السلطة الحاكمة. وقد شهدت أفريقيا انقلابات ضد الحكومات العسكرية. ولعل محاولة الانقلاب الأخيرة في السودان تؤكد ما نقول. في واقع الأمر، عادة ما تكون مثل هذه الانقلابات الفئوية التي تعكس مصالح بعض قيادات الجيش أكثر دموية من الثورات ضد الحكومات المدنية. إن الرغبة في الاستحواذ على السلطة والثروة والمناصب تدفع العسكريين إلى الاستيلاء على السلطة بكل الوسائل. ومن الواضح أن المكون العسكري والمدني في الحكم يعكس مركباً غريباً ومتناقضاً. هناك اختلاف أساسي في الثقافة والتوجه بين الحكام العسكريين والمدنيين. الجيش بحكم تكوينه المهني والاحترافي، يتجه نحو فرض النظام والقيادة وتبني نهج غير سياسي للمشاكل (نفذ الأوامر أولاً ثم تظلم ثانياً). أما المدنيون فهم مستعدون للمساومة والتوفيق في المواقف المتضاربة، وعليه قد لا يعمل النظام الدياركي- الذي يجمع بين أشخاص غير متوافقين في الرؤى والمنهج – بشكل فعال ومتناغم.

3- احتمالات فساد النخبة العسكرية. ومن جهة أخرى يصر أنصار الدياركية على أنه، بصرف النظر عن المشاركة المباشرة للجيش في الحكومة، فإن هذا الترتيب يضمن قيام الجيش بمهمة "الرقابة على تسيير السياسة والحياة العامة". يفترض المدافعون عن هذا الخيار الدياركي أن نخب الجيش بالضرورة ليسوا متحيزين، أو محصنين من الفساد. بينما أثبتت تجارب الحكم العسكري في دول كثيرة، مثل السودان ونيجيريا وغينيا وغامبيا مدى فساد النخبة العسكرية الحاكمة التي تظل بمنأى عن مفهوم السيطرة والرقابة المدنية.

4- حرمان الأفارقة من تعلم دروس الديمقراطية. على الرغم من تعثر عملية الانتقال الديمقراطي في العديد من المجتمعات الأفريقية، فإنه أفضل طريقة هي محاولة إنجاح التجربة، والتعلم من الأخطاء والاخفاقات. إنها ثقافة تتطور بالتجربة والخطأ كما يعلمنا التاريخ السياسي لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا دروساً في النضال من أجل إقامة نظام ديمقراطي قابل للحياة. النظام الدياركي بأي شكل من الأشكال لن يؤدي إلا إلى حرمان الناس من فوائد عملية التعلم. فقد لا تكون التجربة الديمقراطية مثالية، لكن النظام الدياركي بالتأكيد ليس بديلاً لها.

وختاماً، فإن نجاح عملية الانتقال السياسي في السودان والقضاء على الظواهر الانقلابية يتوقف على، دعم عمليات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام المستقبلية، والمساعدة في بناء السلام وحماية المدنيين وسيادة القانون في دارفور وكل من جنوب كردفان والنيل الأزرق، ودعم حشد المساعدة الاقتصادية والإنمائية وتنسيق المساعدات الإنسانية. ولا شك أن ذلك كله يحتاج إلى تضافر الجهود الدولية والإقليمية، لاسيما في مواجهة تحديات الانتقال من العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور إلى يونيتامس. ومن ناحية أخرى، فثمة حاجة ملحة لتنسيق الجهود مع السودان في حالة تدهور الوضع الأمني في دارفور، أو حدوث فوضى في المناطق المهمشة.