أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تجنب الهاوية :

ماذا يعني استئناف المُباحثات العسكرية بين الولايات المتحدة والصين؟

10 يناير، 2024


أعُيد إحياء المحادثات العسكرية الأمريكية الصينية يوم 21 ديسمبر 2023، حينما أجريت مُحادثة عبر تقنيات الفيديو بين كل من رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الجوية الأمريكية الجنرال سي كيو براون، ونظيره الصيني الجنرال ليو تشنلي. 

سياقات مُصاحبة:

جدير بالذكر أن توقيت ذلك التطور على صعيد العلاقات العسكرية الثنائية جاء في إطار عدد من التحولات، الأمر الذي يمكن إيجازه على النحو التالي:

1. استمرار حالة الترقب والحذر، تستمر حالة الترقب والحذر على العديد من الأصعدة في ظل التصعيد السياسي والتكنولوجي من جهة خصوصاً فيما يتعلق بتصنيع الرقائق الإلكترونية وتشريع الذكاء الاصطناعي، ومن جهة أخرى ثمّة مساعٍ للتقارب النسبي على الصعيد التجاري برغم التوترات الاقتصادية والتي يمثل العديد منها استمراراً لسياسات ترامب. 

2. انتخابات تايوان الرئاسية، والتي يُترقب إجراؤها في 13 يناير 2024، والتي تُعد أحد أهم نقاط الخلاف بين الجانبين الصيني والأمريكي حتى على الصعيد العسكري، إذ يُخشى من لجوء الصين للأداة العسكرية لضم تايوان لسيادتها، وقد أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال خطاب للأمة بمناسبة العام الميلادي الجديد، أن إعادة توحيد الصين وتايوان هي حتمية تاريخية. واتصالاً، اتهمت وزارة الدفاع الصينية تايوان بالمُبالغة في الترويج لاحتمالية التدخل الصيني في تلك الانتخابات. في حين أن رئيسة تايوان حذرت من ممارسات التدخل الصيني والمتمثلة في تفضيل حزب الكومينتانغ، ذي الصلة القوية بالحزب الشيوعي الصيني.

3. التوترات العسكرية الراهنة، خاصة في منطقة محيط تايوان وبحر الصين الجنوبي، ورُصد في نهاية شهر ديسمبر 2023 دخول حاملة طائرات أمريكية بحر الصين الجنوبي في وقت تتفاقم فيه التوترات بين الصين والفلبين بشأن الجزر الصينية والشعاب المرجانية في المنطقة، وفُسرت تلك الخطوة من قبل الصين بأنها بمثابة رسالة أمريكية خاطئة إلى الفلبين. واتصالاً، تتفاقم المخاوف الصينية بشأن تنامي العلاقات الأمريكية الفلبينية، والذي من شأنه أن يوطّد قدم الولايات المتحدة ببحر الصين الجنوبي وعلى مقربة من تايوان.

الأسباب والمُؤشرات: 

ثمّة عدد من الأسباب والدوافع التي يمكن من خلالها تقدير تداعيات الخطوة الصينية الأخيرة وأسبابها، ونشير في هذا الصدد لما يلي: 

1. قطع الاتصالات العسكرية، جاء ذلك القرار الصيني رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس 2022، فقد أثارت تلك الزيارة غضب بكين التي قررت تقليص قنوات الاتصال مع واشنطن في العديد من المجالات، وفي مُقدمتها المجال العسكري، بل استعرضت الصين قوتها العسكرية حينها كي تؤكد سيادتها على تايوان، واستمرت القطيعة بين المسؤولين العسكريين بالبلدين منذ ذلك الحين، فعلى سبيل المثال، تخلف وزير الدفاع الصيني عن لقاء نظيره الأمريكي على هامش منتدى شانغريلا الأمني في يونيو 2023.

2. التحرشات العسكرية في بحر الصين الجنوبي، كثيراً ما أعرب القادّة العسكريون الأمريكيون عن مخاوفهم المتكررة بشأن انسداد قنوات الاتصالات مع نظرائهم الصينين، خاصة في ظل تزايد وتيرة تبادل استهداف السفن والطائرات في منطقة بحر الصين الجنوبي وما يحيطها، بفعل غياب التنسيق، الأمر الذي يُنذر بإمكانية وقوع تصعيد قد يجر الطرفين لمواجهة عسكرية جراء غياب التفاهمات والاتصالات العسكرية.

3. الرغبة في تهدئة التوترات، والتي يمكن إيجازها في السعي الأمريكي لاستعادة التفاهم من أجل تجنب أي تصعيد في منطقة المحيط الهندي الهادئ وبحر الصين الجنوبي ومحيط تايوان. إدراكاً لأهمية الحوار المُستمر والمُوضوعي بين الطرفين. في حين أن الصين يهمها أن تسفر المحادثات عن فهم صحيح للصين ومصالحها وشواغلها الرئيسية، من أجل تعميق التعاون والتفاهم بينهما على أسس مستقرة ومستدامة.

وجدير بالذكر أن الحلحلة الدبلوماسية بين البلدين، قد بدأت، خلال قمة "أبيك" في سان فرانسيسكو في نوفمبر 2023، حينما التقى الرئيسان شي وبايدن، وتم حينها تدشين مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين عبر استعادة العلاقات المُباشرة وقنوات الاتصال المفتوحة بمختلف المجالات ومنها المجال العسكري، كما تعهد الجانبان بالتعاون بموجب الاتفاقية التشاورية العسكرية البحرية، والتي تم استخدامها حتى عام 2020 لتحسين سلامة الملاحة في الجو والبحر.

نتائج مُحتملة: 

يمكن في هذا الصدد الإشارة إلى النتائج التي أفضت إليها تلك الخطوة الرامية نحو استئناف المحادثات العسكرية، وما قد يترتب على ذلك الأمر، وذلك على النحو التالي:

1. فتح قنوات اتصال بين القادة العسكريين: تُشير التقديرات إلى أن المحادثات أكدت أهمية العمل المشترك بين البلدين لإدارة المنافسة بينهما بشكل مسؤول وتجنب الحسابات الخاطئة وسوء الفهم، وذلك عبر الحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة ومباشرة لتنسيق السياسات الدفاعية، وتم التوافق على عقد مُحادثات بشأن الاتفاقية التشاورية العسكرية البحرية، وفتح خطوط اتصال بين قائد قيادة الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وقادة قيادات المسرح الشرقي والجنوبي لجيش التحرير الشعبي الصيني.

2. استمرار الخلاف حول تايوان، فخلال ذات المحادثات، تم التطرق للمسألة التايوانية، واحتجت الصين على قانون تفويض الدفاع الوطني الأمريكي للسنة المالية 2024، والذي يقترح مساعدات عسكرية أكبر لتايوان ويتضمن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى مواجهة النفوذ العسكري الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ووصف المسؤول الصيني القانون بأنه يثير ضجة لا أساس لها حول ما يسمى بـ"التهديد العسكري الصيني"، فهو بمثابة تدخل بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للصين، ويضر بشدة بالسيادة الوطنية للصين وأمنها ومصالحها التنموية، فالتعامل الأمريكي مع تلك المسألة هو من قبيل المقامرة شديدة الخطورة. كما تتنامى التحذيرات بشأن إمكانية خروج المحادثات عن مسارها وانهيار التقدم المحرز في حال تفاقمت التوترات بين الجانبين خصوصاً في البؤر القابلة للتأجج مثل: تايوان والفلبين.

3. التفاؤل رغم الحذر، ثمّة حالة من التفاؤل الحذر بشأن تلك المحادثات وما خلصت إليه من مخرجات، إذ ترى إدارة بايدن أن المحادثات خطوة في الاتجاه الصحيح للعلاقات الأمريكية الصينية، التي توترت بشكل كبير في العامين الماضيين. بينما قالت وزارة الدفاع الصينية إن المحادثات أسفرت عن نتائج إيجابية وبناءة. بيد أن وزارة الدفاع الصينية انتقدت الولايات المتحدة بعد أسبوع من تلك المحادثات، بفعل التدخل الأمريكي المستمر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فهي توجهات تمثل استمراراً لعقلية الحرب الباردة، وتأمل بكين أن تتخذ واشنطن إجراءات ملموسة على أساس المساواة والاحترام لتعزيز التطور السليم والمطرد للعلاقات العسكرية بين البلدين.

4. التطلع نحو الانتقال لمستوى أعلى، بحيث يمكن أن تتم المباحثات لاحقاً بين وزيري الدفاع، إلا أن ذلك المنصب شاغر في الصين في ظل التغيرات الراهنة بالمؤسسة العسكرية بعد إقالة لي شانغ فو، في أكتوبر2023. وتعول الولايات المتحدة على المرشح الجديد لشغل هذا المنصب من أجل تحقيق نقلة نوعية في الدبلوماسية العسكرية بين البلدين، لكن دون توقع حدوث تغيرات جوهرية في التوجهات الرئيسة لتلك السياسات، إذ يؤمل أن تسهم تسمية القائد البحري دونغ جون، وزيراً للدفاع في تمهيد السبيل من أجل استئناف الحوار العسكري الوزاري. بل تُشير بعض التقديرات إلى أن اختيار دونغ، قد يسمح لواشنطن وبكين بمناقشة قضية تدهور الأمن البحري بعمق. خاصة وأنه قد شغل منصباً رفيعاً في القيادة العسكرية البحرية الشرقية التي تشرف على مضيق تايوان والقيادة الجنوبية التي تشرف على بحر الصين الجنوبي.

وفي التقدير، يُمكن القول إن خطوة استئناف المحادثات العسكرية الصينية الأمريكية تمثل نقطة تحول إيجابية في مسار العلاقات الثنائية. ومع ذلك، فثمّة حالة من التفاؤل الحذر بشأن ذلك الإنجاز المُتحقق على الصعيد الدبلوماسي العسكري، إذ لم تتم تلك المحادثات على المستوى الوزاري بعد، ولم يخرج عنها مُكتسبات بشأن الملفات الخلافية التي ما تزال قائمة وعرضة للتفاقم في أي وقت على نحو قد يُخرج تلك المحادثات عن مسارها ويقوضها لو وصلت المخاطر إلى مستوى غير مسبوق في ملف تايوان والفلبين وغيرها من النقاط المتأججة في بحر الصين الشرقي والجنوبي. فما يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به لضمان وجود خطوط اتصالات مفتوحة ومُوثوقة ومُستدامة بين القادة العسكريين الأمريكيين والصينيين لتجنب الوصول لحافة الهاوية.