أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الأبعاد الأربعة:

مقومات الدور الاستراتيجي التركي في المنطقة

09 يوليو، 2015


إعداد: نوران شريف مراد


على مدى الأعوام القليلة الماضية، مرت منطقة الشرق الأوسط بعدد من الاضطرابات التي أثَّرت على دول المنطقة بصفة عامة، ومنها تركيا، فتنامي قوة تنظيم "داعش" قد يجبر أنقرة على التعاون مع القوى الكردية لمحاربة التنظيم. ومن المعروف أن الأكراد دائماً ما كان لديهم نزعة انفصالية عن تركيا، ومن ثم شكلوا مصدر تهديد للأمن القومي التركي.

كما أنه منذ اشتعال الحرب السورية، بدأت تنشأ سلسلة من التوترات ما بين أنقرة ودمشق، فضلاً عن أن بيئة الجوار التركي غير المستقرة قد شجعت على تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين إلى الأراضي التركية.

وإلى جانب تلك التحديات الإقليمية، مرت تركيا بعدد من الاضطرابات الداخلية مثل الاحتجاجات الشعبية، والاعتقالات، وتجاوزات حزب العدالة والتنمية الحاكم في مجال احترام الحريات المدنية.

وفي سياق تحليل الوضع التركي، تتجاهل أغلب الدراسات التركيز على المقومات الاستراتيجية لأنقرة، وهي المقومات التي تكفل لها استمرارية ممارستها لأدوارها في المنطقة، حتى في ظل ما تتعرض له من ضغوط على كافة الأصعدة.

في هذا الإطار، نشر معهد أبحاث السياسة الخارجية Foreign Policy Research Institute دراسة تحت عنوان: "دور تركيا المستمر كحليف محوري في منطقة سريعة التغيير"، وهي الدراسة التي أعدها Arthur I.Cyr زميل بارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية.

وضع استراتيجي تركي قوي

يرى الكاتب أنه على الرغم من التحديات الداخلية والخارجية التي تتعرض لها تركيا، بيد أنها تتمتع بوضع استراتيجي قوي، حيث يكفل لها تاريخها ونظامها الاقتصادي المعاصر، وموقعها الجغرافي، وتطوراتها السياسية، وعوامل النظام الدولي قدراً كبيراً من القوة والبقاء.

ويشير موقع تركيا الجغرافي، مقروناً بالتطورات الاقتصادية خاصةً في مجال إنتاج الغاز والبترول، إلى أن تأثير أنقرة سوف يشهد مزيداً من النمو، فاهتمام تركيا بالنمو السريع في مجال التصنيع والتجارة من الممكن أن يساهم في ممارستها لأدوار أكثر تأثيراً في المنطقة.

وعلى الصعيد السياسي، يتسم النظام التركي بعدد من مظاهر القوة، منها؛ التزام القيادة التركية بالمبادئ التي يقرها الدستور العلماني، الأمر الذي يرجع الفضل فيه إلى إرث "مصطفى كمال أتاتورك". ويُضاف إلى ذلك، الدور الذي يلعبه الجيش التركي كحارس للنظام العلماني، حيث يتدخل في بعض الأحيان لحماية ذلك النظام.

وفيما يتعلق بالسياق التاريخي، فإن الإلمام بأبعاده المختلفة يعد أمراً غاية في الأهمية - من وجهة نظر الباحث - حيث يكفل فهم القدرات التركية وأدوارها المستقبلية المحتملة.

وفي هذا الصدد، أشار الكاتب إلى ثلاثة ملامح أساسية وثيقة الصلة بموقع الدولة الاستراتيجي في النظام الدولي المعاصر، وهى كالتالي:

1 ـ تركيا لها تاريخ طويل من التدخلات في كل من أوروبا وآسيا الوسطى، فلقد كانت الإمبراطورية العثمانية تتسم بالقوة والسيطرة، الأمر الذي كثيراً ما يُغفل بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في مطلع القرن العشرين، والعزلة النسبية التي اتسمت بها الدولة التركية الناشئة في أعقاب ذلك.

2 ـ لم تعش تركيا في حالة عداء واضح مع أي دولة باستثناء صراعها مع اليونان، فلقد حرصت على علاقاتها الطيبة بالدول الأوروبية على الرغم من عدم قبول الاتحاد الأوروبي انضمام تركيا إليه. وكذلك حرصت على علاقاتها التعاونية مع الولايات المتحدة على الرغم من الغزو الأمريكي للعراق 2003، الذى خشيت منه تركيا كثيراً. وحتى بالنسبة لليونان، فلقد كان هناك تقارب جزئي ما بين البلدين في أعقاب زلزال تركيا المدمر عام 1999. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تقل حدة الصراع التقليدي ما بين الدولتين على قبرص.

3 ـ تعد تركيا مثالاً استثنائياً على الموازنة ما بين الإسلام والثقافة الغربية، فالتقاليد العثمانية اعتادت على الجمع ما بين الأبعاد الدينية والعلمانية، كما عكست قدراً كبيراً من التسامح.

وبالإضافة لما سبق، أكد الباحث على دور القيادة السياسية مُمثلة في دور "أتاتورك"، فالأخير لم ينف أو يتجاهل التاريخ العثماني، بل على العكس من ذلك، فقد اتخذ من هذا التاريخ أساساً قامت عليه المؤسسات التركية الحديثة.

العلاقات التركية مع حلف الناتو وواشنطن

يشير الكاتب إلى أنه على نقيض علاقة تركيا المضطربة بالاتحاد الأوروبي، فإن علاقتها بحلف الأطلسي "الناتو"  تبدو أوثق. ومن مظاهر ذلك؛ أنه في إطار قمة الناتو التي عُقدت في اسطنبول خلال يونيو 2004 تم التأكيد على أهمية تركيا كقائد محوري، فهي تلعب أدواراً استراتيجية في الحلف، الأمر الذى تجسد على سبيل المثال من خلال مشاركتها في عدد من عمليات الناتو في أفغانستان. وتشير الدراسة إلى أن أدوار أنقرة الاستراتيجية لا تنحصر فقط على صعيد الناتو، بل تظهر تركيا كدولة مستقلة لها علاقاتها القوية ببلدان أوروبا وغرب آسيا.

أما فيما يتعلق بالعلاقات الأمريكية - التركية، يشير الكاتب إلى أن حرب العراق 2003 كانت قد أثارت الشكوك التركية حول الأهداف الأمريكية. ومن ثم، تأثرت علاقات البلدين بتلك الحرب. فالقيادة التركية كان لديها الاعتقاد بأن عراقاً غير مستقر سوف يؤثر بصورة مباشرة على المصالح التركية، خاصةً في ظل وجود الأقلية الكردية ذات العناصر الانفصالية العنيفة التي تتمركز في أجزاء من البلدين. وفي هذا السياق، مثَّل رفض أنقرة - إبان الحرب الأمريكية على العراق - لعبور عدد من القوات الأمريكية براً عبر أراضيها للوصول إلى العراق نقطة ضعف في العلاقات الأمريكية – التركية.

ومع ذلك، يرى الباحث أن ثمة ثلاثة عناصر أساسية تشير إلى استمرارية قوة العلاقة ما بين واشنطن وأنقرة على المدى البعيد، وهي كالتالي:

1 ـ المبادئ الدستورية العلمانية التي يستند إليها حزب العدالة والتنمية تجعل منه جسراً  للتواصل ما بين تركيا والولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، وصف الكاتب زيارة الرئيس الأمريكي "أوباما" إلى أنقرة في يوليو 2009 بكونها كانت حركة ذكية تستهدف جني أرباح سياسية للولايات المتحدة.

2 ـ امتناع الجيش التركي منذ عام 1997 عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة، حتى في ظل الاستفزازات التي تُمارس من قبِل حزب العدالة والتنمية، بما في ذلك قيامه بمقاضاة وحبس عدد من العسكريين بتهمة التآمر في مواجهة النظام.

3 ـ محافظة تركيا على استقرارها المؤسسي، وذلك بفضل جهود حزب العدالة والتنمية، الأمر الذي جعلها قوية في مواجهة تنظيم "القاعدة" وغيره من التنظيمات والحركات المتطرفة. كما ساهم كلُ من النمو والتنمية الاقتصادية للدولة في ضمان أمن البلاد والحفاظ عليه.

ومن ثم، يتوقع الكاتب أن تستمر العلاقات التعاونية ما بين الولايات المتحدة وتركيا، فالحفاظ على تلك العلاقة قضية استراتيجية بالنسبة لواشنطن. بالإضافة لذلك، فإن التعاون الأمريكي- التركي له جذور تاريخية ممتدة، ولن يتزعزع بسهولة؛ فالقوات التركية كان لها تواجد نشط في أفغانستان، وأيضاً إبان الحرب الخليجية الأولى كان هناك انسجام وتوافق في المصالح ما بين واشنطن وأنقرة، علاوة على أن تركيا لعبت دوراً محورياً في دعم الولايات المتحدة خلال الحرب الكورية.

الدور الاستراتيجي التركي

يشير الكاتب إلى وجود أربعة أبعاد مُفتاحية لفهم مكانة تركيا الاستراتيجية الحالية. وفي واقع الأمر، فإن تلك الأبعاد تجمع ما بين التاريخ العثماني والأمن الاقتصادي والأمن العسكري التقليدي، وهي كالتالي:

1 ـ إن الموقع الجيواستراتيجي للدولة التركية سيظل ذو أهمية حيوية، بفضل تحكم أنقرة في العديد من الممرات المائية. ومن ثم، فتركيا لها القدرة على ممارسة تأثير مستمر على منطقة جنوب شرق أوروبا، والشاطئ الشرقي للبحر المتوسط والجزء الشمالي من منطقة الشرق الأوسط، فتركيا قادرة على التأثير على مسار التاريخ بموجب ما تمتلكه من مقومات جغرافية.

2 ـ إن انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى عدد من الجمهوريات الجديدة، أوجد فرصاً جديدة لتركيا، حيث بدأت في بناء عدد من العلاقات التجارية والاستثمارات مع تلك الجمهوريات الجديدة. وثمة عوامل ساهمت في توطيد هذه العلاقات التعاونية، وعلى رأسها الانسجام الثقافي ما بين تلك البلدان.

3 ـ على الرغم من العلاقة المعقدة ما بين تركيا والاتحاد الأوروبي، فإنها تضمنت مجموعة من الأبعاد التعاونية؛ فإذا كانت أنقرة فشلت في الحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، إلا أن هناك عدد من العناصر التي قللت من الشعور التركي بالعزلة عن البلدان الأوروبية، ومنها على سبيل المثال: تحرير قوانين الجنسية الألمانية، والذي كان بمثابة اعتراف بأهمية العمال الأجانب في ألمانيا خاصةً من ذوي الجنسية التركية. وبالإضافة لذلك، ترتبط أنقرة بعلاقات إيجابية قوية مع الولايات المتحدة والناتو، كما تحرص على استمرارية تلك العلاقات.

4 ـ العلاقات الاستراتيجية التركية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بدأت تبدو أكثر أهمية عما كانت عليه في الماضي. وفي واقع الأمر، فإن سماح أنقرة بوجود قواعد لطائرات الأمم المتحدة على أراضيها، كان عنصراً أساسياً في تحقيق العديد من النجاحات لقوات التحالف في حرب الخليج في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وفيما يتعلق بإسرائيل، فلقد سعت تركيا إلى تقديم العديد من الخدمات لها، مثل تدريب الطيارين، إلا أنه في الوقت ذاته، حدثت العديد من التوترات ما بين البلدين، كاعتراض تل أبيب لطريق سفينة المساعدات التركية المتجهة إلى غزة، والادعاءات الإسرائيلية القائلة بأن قيادات حماس يتخذون من تركيا ملجأً لهم. ويرى الكاتب أن الأهمية الاستراتيجية لتركيا سوف تستمر في التزايد لدي الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يرتبط ذلك الأمر بتزايد النفوذ الإسرائيلي.

وفي نهاية دراسته، يؤكد الكاتب على ضرورة تحديد القادة الأوروبيين لسياساتهم ولتحركاتهم تجاه تركيا، مع أخذ الإطار الاستراتيجي الأوسع في الاعتبار. فنمو الاقتصاد التركي واستمرارية دور الحكومة، هي عوامل تؤكد على أهمية دور العوامل الهيكلية والتاريخية في تحركات تركيا المعاصرة. كما يؤكد الباحث على ضرورة استغلال العلاقات التعاونية التاريخية بين أنقرة وواشنطن من أجل إكساب الدور التركي الاستراتيجي المتنامي مزيداً من الاعتراف على الساحة الدولية.


* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "دور تركيا المستمر كحليف محوري في منطقة سريعة التغيير"، والصادرة عن معهد أبحاث السياسة الخارجية، خريف 2015.

المصدر:

Arthur I.Cyr, Turkey’s continuing role as a pivotal ally in a rapidly changing region (Philadelphia, Foreign Policy Research Institute, spring 2015).