أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

التوافقات الصعبة:

هل تقود القاهرة مبادرة لحل الأزمة السورية؟

02 يناير، 2015


على مدى ما يزيد عن عشرة أيام، تحولت القاهرة إلى بؤرة اهتمام من قبل المهتمين بالأزمة السورية، وتردد أن هناك مبادرة مصرية يتم عرضها على أطراف الأزمة، وأن لقاءً قريباً يجمع قوى المعارضة السورية ونظام بشار الأسد قد صار وشيكاً. وحتى زيارة عماد الأسد رئيس الأكاديمية البحرية في اللاذقية، وابن عم الرئيس السوري إلى القاهرة في ١٧ ديسمبر الماضي، جرى تفسيرها على أنها خطوة في نفس الاتجاه رغم نفي الأكاديمية في بيان رسمي أن تكون زيارة عماد الأسد لها أي ارتباط بملف الأزمة السورية، وأنها زيارة مهنية في إطار فاعليات وأنشطة مؤسسات الجامعة العربية التي تتبعها الأكاديمية.

وسرعان ما نفى هادي البحرة - رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية - وجود مثل هذه المبادرة، كما نفى وجود أي ترتيبات لعقد اجتماعات بالقاهرة بين الائتلاف وبين النظام. لكن هذا النفي ربما لن يغلق المسار الذي يرشح القاهرة لتكون عنواناً لمبادرة جديدة من أجل حل الأـزمة السورية، سواءً لأن القاهرة في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي لديها تطلعات لاستعادة الدور الإقليمي لمصر بعد فترة اضطراب طويلة في أعقاب سقوط الرئيس مبارك ومن بعدها عزل محمد مرسي، أو لأن تداعيات الأـزمة السورية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي المصري، علاوة على التهديد الإرهابي الأبرز الذي تتعرض له، من قبل فصائل تيار الإسلام السياسي، وما يمكن أن تلحقه الأزمة السورية من أضرار إقليمية بالغة في هذا الشأن.

الموقف الرسمي المصري من الأزمة السورية

بعد عزل محمد مرسي إثر شعبية في 3 يوليو ٢٠١٣، لم تستطع القاهرة تعديل السياسة التي اتبعها نظام مرسي حيال الأزمة السورية سريعاً، خاصة القرار الذي أصدره مرسي في فبراير من نفس العام بقطع العلاقات مع سوريا. ومازالت مصر تعلن أنها تقف على الحياد بين أطراف الأزمة، حيث  ذكر الدكتور بدر عبد العاطي، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصريةـ أن عناصر الموقف المصري مازالت كما هي منذ يوليو ٢٠١٣، وهي: التأكيد على أهمية الحل السياسي وعدم إمكانية حل الأزمة عسكرياً في سوريا، وضرورة التوصل إلى نقطة توافق يرتضيها الشعب السوري لحل الأزمة سلمياً. كما أكد على أن الدور المصري لن يكون منفصلا عن أدوار أخرى تسعى نحو نفس الهدف، أو حسب نص تصريحاته في ٢٣ ديسمبر الماضي، فإن مصر "تبذل قصارى جهدها وتتفاعل مع كافة الأطراف السورية والإقليمية والدولية لحماية وحدة التراب السوري ومواجهة الإرهاب".

ويلاحظ هنا أن تأكيد مصر على البعد السياسي لحل الأزمة يتفق نسبياً مع ما يطرحه نظام الأسد الذي ما يزال يخشى حدوث تدخل عسكري لفرض مناطق حظر جوي في سوريا، كما أنه أيضاً لا يشترط رحيل الأسد كما تطالب المعارضة السورية، ولكنه في الوقت نفسه يرضي المعارضة كونه لم يعد العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، أي أن الموقف المصري يحتوي نقاطاً في صالح النظام، وأخرى في صالح المعارضة؛ بما يجعل دوره في التوسط بين الطرفين أمراً مقبولاً على الأقل من الناحية النظرية.

وقد بدا بوضوح أن الجهد المصري يتركز في محاولة جمع المعارضة السورية وإقناعها بتوحيد موقفها أولاً قبل الدخول في حوار مع النظام. ولكي لا تستفز خطوة استضافة مصر لمؤتمر المعارضة السورية نظام الأسد، اقترح السفير بدر عبد العاطي إمكانية إقامة حوار سوري ـ سوري، يستضيفه أحد مراكز الأبحاث بالقاهرة بين الأطراف السورية المعارضة؛ للتوصل إلى وثيقة موحدة تعكس رؤيتهم لكيفية التوصل إلى حل سياسي في سوريا.

وفي حين يطرح النظام السوري عقد مؤتمر تحضره المعارضة على أن تكون موسكو هي المقر المقترح لذلك، فإن المعارضة ترفض ذلك على اعتبار أن موسكو طرفاً في الأزمة وليست وسيطاً كونها تدعم نظام بشار الأسد. لكن هذا الخلاف يمكن أن يتم حله بشرط أن تتوافق القوى الإقليمية والدولية على دعم الجهد المصري.

الموقف المصري وعلاقته بالمواقف الإقليمية والدولية

لكي تنجح مصر في جعل دورها محورياً في الأزمة السورية، لابد من معرفة مواقف القوى الإقليمية والدولية من حدود هذا الدور. ولنبدأ بالموقفين الروسي والإيراني على اعتبار أنهما جزء من الأزمة بسبب تأييدهما المطلق لنظام الأسد، بمعنى أن معارضة أي من روسيا وايران للدور المصري يمكن أن يكون عائقاً حقيقياً أمامه.

لقد شهدت العلاقات الروسية - المصرية تحسناً ملحوظاً في أعقاب سقوط محمد مرسي، ومن المتوقع أن تتسع آفاق التعاون بين البلدين في السنوات المقبلة على الصعيدين الاقتصادي والعسكري (هناك تقديرات تشير إلى أن مصر جادة في شراء بعض أنواع السلاح الروسي للتغلب على الصعوبات التي واجهتها مع المورد الرئيسي للسلاح للجيش المصري، أي الولايات المتحدة الأمريكية)؛ ومن ثم لا يتوقع أن تعترض روسيا على قيام مصر بجهد رئيسي في الأزمة السورية، وقد تتنازل عن عرضها استضافة الحوار بين أطراف الأزمة السورية، وتقبل بأن تكون القاهرة هي المقر المحتمل لاستضافة هذا الحوار.

أما فيما يتعلق بإيران، فإن العلاقات المصرية - الإيرانية لم تشهد تطوراً كبيراً، بل ربما تراجعت بعد سقوط محمد مرسي، ولكن يبدو أن هناك جهود تبذل في الوقت الحالي لتحسين العلاقات بين البلدين، حيث ذكر رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، محمد محموديان، في تصريحات له يوم ٢٥ ديسمبر الماضي، أن "بلاده تحترم وجهة نظر ورؤية الشعب المصري وتسعى لإقامة العلاقات الدائمة مع القاهرة على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون بعضهما البعض". ومن جانبها ما تزال القاهرة متمسكة بموقفها الخاص بحق إيران في الحصول علي التقنية النووية السلمية وتدعم الحوار القائم بين إيران والدول الكبرى من أجل حل الخلافات بين الجانبين حول الملف النووي الإيراني.

إن عدم اعتراض إيران على اضطلاع مصر بدور كبير في الأزمة السورية قد يقتضي رفع مستوى العلاقات بين البلدين كبادرة من جانب مصر على أمل أن تتطور العلاقات لاحقاً إلى مرحلة "التطبيع"، ولو شبه الكامل بين البلدين.

على الجانب الأخر هناك أيضاً قوى أخرى قد توافق، وقد لا توافق على هذا الدور المصري وهذه الصيغة المبدئية المقترحة، بالموقفين السعودي والقطري من الأزمة السورية يقومان على حتمية رحيل الأسد عن السلطة قبل الشروع في السير نحو الحل السياسي، ولا يتوقع أن تقدم كلتا الدولتان الدعم للدور المصري ما لم تحسم هذه القضية، وذلك على نقيض الموقف المصري الذي يقوم على أن مسألة تحديد رحيل أو بقاء الأسد هو شأن الشعب السوري، أي يمكن أن يرحل الأسد إذا ما تم التوافق بين المعارضة ونظام الحكم السوري، على أن يكون ذلك في أعقاب التوصل لخريطة طريق لا قبل ذلك.

وبطبيعة الحال لا تريد مصر الابتعاد بأي حل مقترح عن السعودية، الحليف المركزي لمصر منذ ثورة 30 يونيو، كما لا تريد أيضاً التضحية بالإنجاز البسيط المتمثل في التحسن الطفيف في العلاقات مع قطر، ولكن ما قد توضحه الأيام المقبلة هو وروود بعض التوقعات التي تشير إلى أن دولا أخرى في مجلس التعاون الخليجي هي أميل للحل السياسي للأزمة السورية لوقف إراقة الدماء، بل ربما لا تشترط رحيل الأسد مقدماً؛ وهذا ما قد يدفع مصر وسائر أطراف دول مجلس التعاون إلى التوافق حول آليات المبادرة المقترحة في الوساطة المصرية بين نظام الحكم  والمعارضة السوريين، خاصة مع ما تشعر به كافة دول الإقليم من القلق حيال إمكانية سقوط سوريا وتقاسمها بين المتطرفين من داعش والنصرة في حالة سقوط النظام دونما ترتيب مسبق من أطراف المعارضة والدول الإقليمية والقوى الكبرى المتداخلة مع الأزمة.

يتبقى هنا حساب الموقفين الأوروبي والأمريكي حيال الدور المصري المحتمل، وهو الأصعب بكل المقاييس؛ فالدول الأوروبية الكبرى، ومعها واشنطن، لم تبن حتى الآن جسور ثقة كبيرة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتود واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي أن تجري ترتيبات إجراء الانتخابات النيابية المصرية بأسرع وقت، على أن يسبق ذلك وضع خطة للتصالح مع جماعة "الإخوان المسلمين" قد تتضمن إعادة إدماجها في الحياة السياسية المصرية، وذلك في وقت ترفض فيه القوى السياسية والاجتماعية الكبيرة في مصر مثل هذا الطرح تحت أي شروط.

وعلى الرغم من ذلك، يمكن توقع أن تعيد الولايات المتحدة وأوروبا حساباتها إذا ما تمت الانتخابات البرلمانية المصرية، خاصة إذا ما تغاضت الحكومة المصرية عن ترشح بعض الشخصيات الإخوانية على القوائم الفردية، وإذا ما تمكن تيار الاسلام السياسي، الإخواني والسلفي، من الحصول على بعض التمثيل في البرلمان الجديد.

وفي كل الأحوال، يمكن القول إنه إذا ما اقتنعت دول الخليج العربية وايران وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأن الأزمة السورية غير مرشحة للحل في وقت قريب، وأن نزيف الدماء قد  يستمر، وربما بوتيرة أعلى من السابق، وأن تحجيم تمدد "داعش" يبدو صعباً.. في مثل ذلك الوضع قد تكون القاهرة هي الأقرب لرعاية المصالحة السورية.