أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تأليب المتصارعين:

هل تتعاون إسرائيل مع النصرة وداعش؟

04 أكتوبر، 2014


من الوجهة النظرية يبدو استمرار الحرب بين نظام الأسد في سوريا وحلفائه: إيران وحزب الله من جانب، وبين المجموعات الجهادية مثل جبهة النصرة وتنظيم داعش من جانب آخر؛ أمراً مفيداً بالنسبة لإسرائيل، فرغم أن نظام الأسد يستغل هذه الفرضية لصالحه على اعتبار أن ما يفيد إسرائيل - في الذهنية العربية والإسلامية - هو بالضرورة شراً للعالمين العربي والإسلامي، ووصماً لمن يتقبل معادلته بالخيانة الوطنية والقومية، فإن الحسابات التكتيكية لأطراف الصراع في سوريا يمكن أن تحقق الفرضية النظرية المشار إليها، إذ تأتي الغارة الإسرائيلية التي أسقطت ١٢ قتيلاً من قادة حزب الله والحرس الثوري الإيراني يوم 19 يناير الجاري، لتزيد من فرص تحقق هذه الفرضية أيضاً.

إسرائيل قلقة من الرد المضاد

عقب الغارة الإسرائيلية التي وقعت على مسافة ٧ كيلومترات من داخل الأراضي السورية المتاخمة لخط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان، أجمعت التعليقات الواردة في الصحف الإسرائيلية على أن الرد من جانب إيران وحزب الله سيأتي إن عاجلاً أم آجلاً، وان استبعدت هذه التعليقات أن يكون الرد بمستوى يؤدي إلى نشوب حالة حرب بين إسرائيل وحزب الله على غرار حرب صيف عام ٢٠٠٦، وكتب المعلق العسكري لصحيفة يديعوت أحرونت " أليكس فيشمان " مقالاً بتاريخ ٢٣ يناير الجاري قال فيه: ""التقدير هو أنهم سيوجهون - يقصد حزب الله وإيران - العملية الانتقامية باتجاه العسكريين وذلك كي يحصلوا من إسرائيل على ثمن مؤلم هو أكبر قدر من القتلى والجرحى، وذلك من أجل المعاقبة والانتقام وتعليمهم درساً وردعهم".

ويستند تقدير فيشمان إلى أن ضرب حزب الله لتجمعات المدنيين الإسرائيليين سيعني أن اسرائيل سترد بدورها بقصف الأراضي اللبنانية، وهو ما لا يريده حزب الله الذي يعلم مدى حساسية اللبنانيين لتكرار مأساة الدمار الشامل الذي أحدثته إسرائيل عام ٢٠٠٦  في البنية الأساسية اللبنانية، ويخشي الحزب كذلك من أين يؤدي قصفه للمدن الإسرائيلية ليس فقط إلى خسارته للرأي العام اللبناني بل أيضاً انتهاز إسرائيل هذه الفرصة لحشد التأييد الدولي من حولها كون ردها بقسوة في لبنان سيكون عملاً دفاعياً مشروعاً لحماية مواطنيها.

على الجانب الآخر، ورغم أن ايران لا تريد السكوت على الغارة الإسرائيلية، ومن صالحها أن ترد سريعاً لتأكيد مصداقية ردعها التي كفلت لها حماية مشروعها النووي من التهديدات الإسرائيلية بتدميره؛ فإنها تخشى بدورها أن تتورط في حرب مع إسرائيل إذا ما شجعت حزب الله على الرد بقصف أهداف مدنية في إسرائيل.

غير أن ما يتوقعه فيشمان ومعلقون وخبراء إسرائيليون آخرون هو أن العمل المضاد سيكون عسكرياً، لا يجيب على أسئلة كثيرة منها: كيف يستطيع حزب الله ضرب أهداف عسكرية في إسرائيل حتى لو كانت قريبة من الحدود المشتركة مع لبنان وسوريا في ظل حالة الاستنفار التي أعلنتها إسرائيل في أجهزتها الأمنية والعسكرية عقب الغارة على سوريا؟

بافتراض أن حزب الله سيتمكن من تنفيذ غارة مماثلة داخل إسرائيل - كما هدد حسن نصر الله زعيم حزب الله حينما ذكر أن قوات الحزب قادرة على الدخول إلى منطقة الجليل في شمال إسرائيل - فكيف سيكون الرد الإسرائيلي سوى بحرب شاملة ضد لبنان؛ مما يؤكد أن خيار الضربة الموجهه ضد أهداف مدنية يتساوى في نتائجه مع توجيه نفس الضربة إلى أهداف مدنية إسرائيلية؟

في إطار ذلك لن يكون أمام حزب الله سوى تنفيذ عدد من العمليات المحدودة بالقرب من الحدود المشتركة بين إسرائيل وسوريا ولبنان كما فعل يوم 28 يناير في مزارع شبعا، ولكن مثل هذا الرد رغم أهميته لن يكون كافياً لاسترداد مصداقية الردع لا بالنسبة لحزب حزب الله ولا بالنسبة لإيران؛ ومن ثم فإن احتمالات الرد القوي والعاجل من جانب إيران وحزب الله ربما تبقى مستبعدة في الوقت الراهن حيث يبقى خيار تأجيل الرد القوي أقل تكلفة من مغامرة الرد عبر ضرب أهداف مدنية أو عسكرية كبيرة في إسرائيل.

إسرائيل ستواصل استنزاف حزب الله وايران

رغم اطمئنان إسرائيل النسبي إلى أن حزب الله وايران لن يردان بقوة على الغارة الإسرائيلية، سواء للحسابات الخاصة بكليهما على الجبهة السورية الداخلية، أو لعدم قدرتهما على الرد بسبب رفع حالة الاستنفار الأمني في إسرائيل، فإن هناك تخوفات أخرى من أن يأتي الرد أيضاً من جانب ما تعتقد إسرائيل بأنه "خلايا نائمة" تتبع حزب الله في أوساط عرب 48.

بيد أن هذا الاحتمال يحتاج لتجهيز طويل قبل القيام بعملية مؤثرة، كما أن دونه عقبات كبيرة بسبب الاختراقات الكبرى لجهاز الشاباك للوسط العربي هناك، والتي مكنته من كشف خلايا جهادية داخلية في السابق.

من جانب آخر، لم تعتد إسرائيل أن تكون استراتيجيتها الردعية قائمة على سياسة رد الفعل؛ ومن ثم فإن إدراكها بأن حزب الله وإيران لا يريدان فتح جبهة معها بسبب انشغالهما في القتال ضد الحركات الجهادية في سوريا، وعلى الأخص جبهة النصرة وتنظيم داعش، يفتح نافذة فرص هامة بالنسبة لإسرائيل، وذلك بتغذية هذه الحرب التي تستنزف اهتمام حزب الله وقدرات إيران العسكرية والاقتصادية؛ ولذا لا يستبعد أن تحاول إسرائيل إقامة قناة سرية لإجراء اتصالات مع النصرة وداعش وتعرض عليهما معلومات استخبارية عن قوات  حزب الله في سوريا، بل ربما تسهل لهما الحصول على أسلحة وذخائر تضمن إطالة أمد الحرب لفترة غير منظورة.

وقد سبق لإسرائيل أن اتبعت نفس الاستراتيجية أثناء الحرب الأهلية اللبنانية (١٩٧٥ - ١٩٨٩) عندما تعاونت مع الموارنة اللبنانيين وحزب الكتائب  ضد قوات منظمة التحرير الفلسطينية والقوى اللبنانية المتحالفة معها آنذاك. كما كررت الاستراتيجية ذاتها أثناء الحرب العراقية - الإيرانية (١٩٨٠ - ١٩٨٨) حيث أظهرت فضيحة إيران - جيت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق "رونالد ريحان" أن تل أبيب كانت وراء تسهيل بيع ونقل أسلحة وقطع غيار طائرات للمقاتلات الإيرانية عندما بدا أن كفة الميزان العسكري تميل لصالح العراق.

إن استراتيجية تأليب القوى المتناحرة على السلطة في سوريا ضد بعضها البعض يمكن أن تنجح بنفس الكيفية التي حققتها إسرائيل في الحالتين المشار إليهما أعلاه، إذ إنها تضمن لإسرائيل أن يغرق حزب الله في هذه العملية الطويلة بما يجعله غير قادر على تنفيذ عملية انتقام واسعة النطاق ضدها الآن أو لفترة طويلة قادمة، كما أن إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" على تحريض الكونجرس الأمريكي من أجل تبني منظومة عقوبات جديدة ضد إيران سيجعل الرئيس الأمريكي أوباما الحريص على إنجاح المفاوضات الخاصة بالمشروع النووي الإيراني، يضغط على الرئيس حسن روحاني لمنع أي عمل انتقامي ضد إسرائيل في ذلك التوقيت حتى لا يتذرع الكونجرس في حالة وقوع مثل هذا العمل بما يدفع في اتجاه فرض العقوبات، ومن ثم ينسف المفاوضات بين إيران وكل من الولايات المتحدة والدول الكبرى.

خلاصة ونتائج

لأسباب عديدة يصعب على كل من إيران وحزب الله الرد القوي الذي يقود إلى فتح جبهة للمواجهة مع إسرائيل حالياً، وذلك رداً على الغارة الإسرائيلية التي أسقطت ١٢ من قادة الحزب والحرس الثوري الإيراني داخل الأراضي السورية. وفي إطار الهجوم الاستباقي غير المباشر لضمان تقييد يد الحزب والإيرانيين، فقد تسعى إسرائيل إلى فتح قناة سرية للاتصال بالقوى التي تقاتل نظام بشار الأسد المدعوم من إيران وحزب الله، وذلك بهدف دعمها والإبقاء على حالة الاستنزاف المستمرة لهما.

ويبقى من الضروري مراقبة التحركات الإسرائيلية على الأراضي السورية في ظل تقارير تتحدث عن وجود لعناصر أمنية إسرائيلية داخل سوريا يمكنها أن تقوم بمهمة خلق هذه القناة السرية ليس فقط لدعم جماعات جهادية مثل النصرة وداعش في مواجهة حزب الله وإيران، بل أيضاً لمنع تكرار وجود حزب الله - سوري على الحدود بين سوريا وإسرائيل.