أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

الإغاثة المقيدة:

سياسات النظام السوري لتوظيف المساعدات الإنسانية الدولية

05 أغسطس، 2019


عرض: محمد بسيوني عبدالحليم - باحث في العلوم السياسية

شكّلت قضية المساعدات الدولية واحدة من القضايا المثيرة للجدل في مسار الصراع السوري، ولا سيما مع المكاسب العسكرية التي حققها نظام "بشار الأسد" خلال السنوات الأخيرة. فثمة تقارير تتحدث عن أدوار معقدة باتت تلعبها السلطة في تنظيمها، ومحاولات لتوظيف ورقة المساعدات سياسيًّا من أجل خدمة النظام وأهدافه في الصراع، ناهيك عن سعيه لإسناد الكثير من الأعمال المرتبطة بالمساعدات والإعمار للشركات والمؤسسات الموالية له، وذلك كجزء من استراتيجية تثبيت شرعيته والحفاظ على شبكة الولاءات الخاصة به.

وفي هذا الصدد، يتعرض "حايد حايد" في دراسته المعنونة "المساعدات المبدئية في سوريا: إطار عمل للوكالات الدولية"، والمنشورة من قبل المعهد الملكي للشئون الدولية (شاثام هاوس)، للآليات والسياسات التي يستخدمها النظام السوري للتحكم في نطاق وكيفية توزيع المساعدات داخل سوريا، ومن ثمّ تأطير عمل المنظمات الإنسانية العاملة داخل الدولة. ويقدم "حايد" أيضًا إطار عمل وممارسات معينة يمكن أن تلجأ إليها تلك المنظمات لتقديم المساعدات دون تقويض مبادئ المساعدات الإنسانية. وفي الوقت ذاته، تخفف من وطأة القيود المفروضة عليها من جانب النظام السوري.

تعتمد الدراسة على عددٍ من المصادر الرئيسية المتمثلة في البيانات الأولية التي تم جمعها من خلال 35 مقابلة مع موظفي وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات غير الحكومية الدولية، والمنظمات الإنسانية المحلية التي تعمل أو سبق لها العمل داخل سوريا. وكذلك مع ممثلي المانحين، والدبلوماسيين، والخبراء. كما لجأت الدراسة إلى أكثر من عشر وثائق داخلية سرية خاصة بالمنظمات غير الحكومية الدولية، علاوة على الاتصالات الرسمية مع بعض المسئولين الحكوميين.

السياسات التدخلية للنظام

يشير "حايد" إلى أن النظام السوري بات يستخدم المساعدات الدولية كأداة لتأكيد سلطته وشرعيته. ويؤسس النظام السوري سياساته التدخلية على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46/182 والذي يعطي للدول المتضررة من الصراع الدور الرئيسي في إدارة المساعدات الإنسانية داخل أراضيها. وكان هذا القرار المدخل الذي أنتج النظامُ من خلاله أنماطًا مختلفة من الممارسات والسياسات للتأثير على عمل المنظمات الإنسانية الدولية. ويمكن بلورة هذه السياسات فيما يلي:

أولًا- تقييد بيئة العمل: وذلك من خلال منع المنظمات الإنسانية الدولية من إجراء تقييم مباشر للاحتياجات. ولذا، اضُّطرت للاعتماد -إلى حدٍّ كبير- على البيانات التي يُقدمها النظام السوري.

وفي هذا السياق، تعتقد كثير من المنظمات الإنسانية أن البيانات المقدمة من النظام غير دقيقة، وهو ما سمح للحكومة السورية بالتأثير على أولوياتها وبرامجها وطبيعة ميزانياتها.

كما استخدمت الحكومة السورية إجراءات إدارية معقدة للسيطرة على أماكن توزيع المساعدات الإنسانية، إذ رفضت بشكل منهجي تقديم الأذونات للمنظمات الإنسانية الدولية لإجراء عمليات عبر الخطوط الأمامية لتوصيل المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. وقد بررت الحكومة ذلك الأمر بأن العمليات الإنسانية في الخطوط الأمامية تتسم بالخطورة؛ إلا أنها في الواقع كانت تسعى إلى تقييد حركة المنظمات الإنسانية في المناطق خارج سيطرة النظام.

ثانيًا- فرض شركاء محليين: قام النظام السوري بفرض عدد من الفاعلين والشركاء المحليين على المنظمات الدولية على النحو الذي يتيح له السيطرة على عملها، حيث أصبح كل من: الهلال الأحمر السوري، والأمانة السورية للتنمية، برئاسة زوجة الرئيس السوري "أسماء الأسد"؛ جهتي التنسيق الإلزامية لأغلب المنظمات الإنسانية الأجنبية العاملة داخل الأراضي السورية. 

بعبارة أخرى، يجب على المنظمات الإنسانية الدولية التعامل مع الشركاء المحليين، لأن عدمَ التوصّل إلى اتفاقٍ معهم يعني -بشكل أو بآخر- عدم السماح لها بالعمل في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري. 

وتشكل العلاقة بين النظام السوري والشركاء المحليين الذين يتم اعتمادهم للتعامل مع المنظمات الدولية قضية مثيرة للجدل، تُلقي بظلالها على مدى نزاهة وحيادية برامج المساعدات الإنسانية. فعلى سبيل المثال، تُشير الدراسة إلى أن إحدى أكثر المنظمات المحلية المثيرة للجدل هي جمعية "البستان" الخيرية التي أسسها "رامي مخلوف"، وهو من عائلة الرئيس "بشار الأسد"، وقد تلقت قبل عام 2016 ما يقرب من 268 ألف دولار من منظمة "اليونيسف" لإنفاقها على برامج الصرف الصحي والنظافة والتعليم، وذلك بالرغم من الإدانات الموجهة لـ"مخلوف" بدعم ميليشيات مسلحة موالية للنظام متهمة بارتكاب جرائم حرب في الصراع السوري. 

 ثالثًا- تقويض الاستقلالية وعرقلة الرصد: إذ تتدخل الحكومة -في بعض الأحيان- بشكل مباشر في اختيار موظفي المنظمات الإنسانية الدولية، حيث يحتاج جميع العاملين في تلك المنظمات إلى تأشيرات دخول من جانب وزارة الخارجية السورية. 

وفي السياق ذاته، توضح الدراسة أن الحكومة السورية تتدخل في عملية مراجعة وصياغة مسودة خطة الاستجابة الإنسانية السنوية التي تضعها منظمة الأمم المتحدة من أجل التأثير على العمليات الإنسانية، وبرامج الإنفاق، وجعلها أكثر اتساقًا مع مصالح النظام السوري.

وتمتدّ القيود المفروضة من النظام السوري، بحسب الدراسة، إلى تقييد قدرة المنظمات الإنسانية على رصد وتقييم تأثير مشاريعها، وذلك من خلال اللوائح وإجراءات العمل التي تنصّ على عدم إمكانية قيامها بأي زيارات للرصد والتحقق من توزيع المساعدات ووصولها إلى الفئات المستهدفة بدون موافقة السلطات الحكومية. ومثل هذه الإجراءات تُعزز من قدرة النظام السوري على التأثير على برامج المساعدات، خصوصًا وأن تنفيذها يتم من خلال شركاء محليين يحظون بدعم النظام. 

رابعًا- التأثير في إجراءات الشراء: يفترض "حايد" أن الحكومة السورية تستخدم نفوذها للتأثير في إجراءات الشراء الخاصة ببرامج المساعدات، والضغط على المنظمات الإنسانية الدولية لمنح العقود للشركات المرتبطة بنظام "الأسد"، وحتى للأفراد الخاضعين لعقوبات دولية.

وفي بعض الأحيان، تقوم الحكومة السورية من خلال مؤسساتها المختلفة بتزويد بعض الشركات المرتبطة بها بمعلومات أساسية حول مناقصات الشراء لتكون في وضعية مميزة مقارنة بغيرها. علاوة على ذلك، تستخدم الحكومة أدوات أخرى من قبيل ترهيب الشركات المنافسة أو الضغط عليها من خلال الأذونات والتصاريح التي تُمنح للمنظمات الإنسانية للعمل داخل الدولة.

وتكشف الممارسة العملية عن استفادة عددٍ من رجال الأعمال المحسوبين على النظام السوري من برامج إنفاق المنظمات الدولية، وذلك على غرار شركة "سيرتيل" للهواتف المحمولة المملوكة لـ"رامي مخلوف"، حيث تلقت حتى عام 2016 نحو 700 ألف دولار من منظمة الأمم المتحدة. كما منحت وكالة الأونروا عقدًا لتوفير مولدات بقيمة 88 ألف دولار تقريبًا لمجموعة "التون" المملوكة لرجل الأعمال السوري "سليم التون" الذي فُرضت عليه عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي منذ عام 2012 بسبب علاقته بالنظام السوري. 

إطار للعمل الإنساني

تقترح الدراسة إطارًا لعمل المنظمات الإنسانية الدولية في سوريا بهدف إيجاد تحالف موحد بينها قادر على التفاوض مع النظام السوري لتقليل مساحة التدخل والضغوط المفروضة عليها من جانبه، وبالتالي تعزيز كفاءة عملها وقدرتها على تنفيذ برامجها من جانب آخر. 

وبوجه عام، يستند إطار العمل المقترح إلى عدد من المحاور الرئيسية المتمثلة فيما يلي: 

أولًا- تقليل الموافقات الإدارية والتدخل البيروقراطي الهائل من جانب السلطة: فعلى سبيل المثال، يمكن أن تطالب المنظمات الإنسانية الدولية السلطة بالحصول على تصاريح عامة أو على أساس المناطق للوصول والدخول المتكرر بدلًا من الموافقات والتصاريح الفردية القائمة في الوقت الراهن، والتي تمنح بشكل منفصل لكل طلب دخول أو حركة للشحنات.

ثانيًا- مواجهة قيود السلطة في رفض إصدار التصريحات: حيث يمكن للمنظمات الإنسانية الدولية أن تستدعي المادة الثالثة من اتفاقية جنيف التي لا تُجيز للدول رفض منح الموافقات والتصاريح لأسباب تعسفية. ومن ثم، يمكن لتلك المنظمات إنشاء نظام مشترك لجمع المعلومات حول جميع طلبات التصريح التي رفضتها السلطة، والمطالبة بتفسير رسمي كتابي بأسباب الرفض.

وفي ضوء أن السلطة تبرر رفضها في الغالب لأسباب أمنية؛ فيتعين السماح للمنظمات الإنسانية بإجراء تقييمات مستقلة للأوضاع الأمنية في المناطق التي تعمل بها.

ثالثًا- تدعيم الاستقلال التشغيلي للمنظمات عبر توسيع قدراتها على إجراء تقييمات منتظمة وشاملة ونزيهة للاحتياجات، وذلك من خلال الوصول المباشر إلى مناطق العمل. وربما يتطلب هذا الأمر التوسع من جانب المنظمات في إقامة مكاتب ميدانية لزيادة مساحة وجودها على أرض الواقع.

وفي هذا الإطار، يمكن للمنظمات الإنسانية إضافة شرط إلى أي مذكرة تفاهم مع الحكومة السورية بالسماح بفتح مكاتب ميدانية عن طريق إخطار الحكومة بدلًا من التقدم للحصول على موافقات إضافية. 

رابعًا- مواجهة محاولات السلطة التدخل في عمليات التوظيف، وبالتالي استبعاد المنظمات الإنسانية لأي مرشح مفروض عليها من جانب السلطة. ويمكن إبلاغ هذه الحالات بصورة رسمية للسلطة كآلية للتوثيق وإثبات محاولات التدخل من جانبها.

بالإضافة إلى ذلك، يتعين على المنظمات الإنسانية الدولية الالتزام بمعايير الكفاءة في اختيار الموظفين المحليين، والامتناع عن تعيينهم كتكتيك لإرضاء السلطة. وكذلك، ينبغي عليها بذل العناية اللازمة لضمان عدم تورط الأشخاص الذين يعملون لديها في انتهاكات لحقوق الإنسان والترويج لخطاب الكراهية. 

خامسًا- تطوير المنظمات الإنسانية لآليات أكثر شفافية للمشتريات، وهو ما يتطلب التوقف عن مشاركة ملفات المشتريات مع الحكومة، أو أي كيان آخر تابع لها؛ لتجنب إعطاء الأفراد المنتسبين للنظام السوري ميزة غير عادلة في المناقصات. بالإضافة إلى صياغة عملية فحص شاملة لدراسة كافة الجوانب والثغرات القانونية الخاصة بالمناقصات. كما تتضمن هذه العملية استبعاد الأشخاص المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، ومنعهم من الحصول على أي تعاقدات.

ختامًا، إن قضية المساعدات الإنسانية ستظل واحدة من قضايا الصراع السوري الرئيسية في خضم التنازع بين نظام "الأسد" والمنظمات الإنسانية الدولية على مساحات التحرك والنفوذ، حيث إن النظام يتعامل مع المساعدات كآلية لإثبات شرعيته والحصول على المزيد من المكاسب في الصراع العسكري.

وفي المقابل، ترى المنظمات الإنسانية أن ممارسات النظام بمثابة ضغوط تؤثر سلبًا في عملها، ولعل هذا ما قد يدفعها في المستقبل إلى تطوير آليات جديدة للتعامل معه، وتخفيف الضغوط التي يفرضها عليها، ولا سيما مع إدراكها أن النظام يحتاج إليها على أقل تقدير لتخفيف السخط الناجم عن نقص الخدمات والسلع الأساسية.

المصدر: 

Haid Haid, “Principled Aid in Syria: A Framework for International Agencies”, Chatham House, 4 July 2019.