أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

فجوة المصالح:

دوافع الخلاف الفرنسي- الإيطالي حول معركة طرابلس

21 مايو، 2019


شهدت الآونة الأخيرة صعودًا في حدة الخلافات الفرنسية-الإيطالية، لا سيما مع بدء الجيش الوطني الليبي عملية طوفان الكرامة لاستعادة السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، إذ أدى التباين بين روما وباريس إلى تفجر سجالات حادة بينهما، واتهام إيطاليا لفرنسا بالسعي لتحقيق مصالحها على حساب الأمن والاستقرار في ليبيا، وهو ما يُثير تساؤلات حول دوافع ومسارات تطور الخلافات الفرنسية-الإيطالية حول ليبيا.

الخلافات الفرنسية-الإيطالية:

تزايدت حدة الخلافات بين روما وباريس في عددٍ من القضايا، وهو ما انعكس بالسلب على الملف الليبي. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أبرز مؤشرات الخلافات بينهما فيما يلي: 

1- تصريحات تصعيدية: اتهم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الإيطالي "ماتيو سالفيني" في أبريل 2019 فرنسا بأنها تحاول تصعيد الحرب في ليبيا لتحقيق مصالحها الاقتصادية، وقد سبق وأدلى "سالفيني" بالعديد من التصريحات التصعيدية تجاه باريس، فعلى سبيل المثال صرح في يناير 2019 قائلًا: "في ليبيا، فرنسا لا ترغب في استقرار الوضع ربما بسبب تضارب مصالحها النفطية مع إيطاليا"، كما سبق وأشار في سبتمبر 2018 إلى الدور الفرنسي في تجدد اندلاع المعارك في ليبيا، مما ينتج عنه "تهديد استقرار شمال إفريقيا وبالتالي أوروبا". 

2- الدعوة لفرض عقوبات: دعا نائب رئيس الوزراء الإيطالي الثاني وزعيم حركة خمسة نجوم "لويجي دي مايو" في يناير 2019 الاتحاد الأوروبي إلى توقيع عقوبات على فرنسا بسبب انتهاجها سياسات استعمارية تؤدي إلى الإمعان في إفقار إفريقيا، وبالتالي دفع المهاجرين نحو أوروبا، كما صرّح قائلًا: "لولا اعتماد فرنسا على هذا الشكل الجديد من الاستعمار لكانت فرنسا في المرتبة الخامسة عشرة اقتصاديًّا في العالم، في حين أنها حاليًّا ضمن الخمسة الأوائل"، متهمًا باريس بعدم الرغبة في استقرار ليبيا. وعقب هذه التصريحات، قامت وزارة الخارجية الفرنسية باستدعاء سفيرة إيطاليا في فرنسا "تيريزا كاستالدو"، وإبلاغها بأن هذه التصريحات غير مقبولة. 

3- تحذيرات إيطالية: أعلن وكيل وزارة الداخلية الإيطالية "كارلو سيبيليا" في مارس 2019 أن "تقويض استقرار ليبيا أدى إلى خلق مشاكل على إيطاليا التعامل معها، من بينها قضية الهجرة، مما رتب عليها مسئوليات أمام المجتمع الدولي كانت في غنى عنها لولا تسبب فرنسا بذلك". كما حذرت وزيرة الدفاع الإيطالية "إليزابيتا ترينتا" نظيرتها الفرنسية "فلورنس بارلي" في يوليو 2018 في اجتماع في مقر الناتو في بروكسل من التوسع الفرنسي في ليبيا، مشيرةً إلى أنه على فرنسا التسليم بأن "إيطاليا هي الدولة القادرة على قيادة الدولة الليبية، والقيادة في ليبيا يجب أن تكون بيدها".

4- قضية السفينة أكواريوس: انتقد الرئيس الفرنسي "ماكرون" في يونيو 2018 رفض السلطات الإيطالية استقبال 630 لاجئًا على متن السفينة "أكواريوس" بعد أن تم إنقاذهم في البحر المتوسط، حيث بقيت السفينة قرب صقلية قبل أن تتوجه إلى إسبانيا التي قبلت باستقبالهم. وفي هذا الإطار، وصف الرئيس الفرنسي "ماكرون" هذا الموقف بأنه: "تصاعد الجذام في أوروبا، وخيانة حق اللجوء، وإحياء القومية، وسياسة الحدود المغلقة التي يقترحها البعض"، وردت الحكومة الإيطالية على هذه التصريحات بأنه ليس على فرنسا إعطاء إيطاليا دروسًا في كيفية استقبال اللاجئين.

مصالح متعددة:

يمكن توضيح المصالح الفرنسية-الإيطالية في ليبيا التي تدفعهما إلى الصراع حولها فيما يلي:

1- الصراع على النفط: سعت إيطاليا للحفاظ على علاقة جيدة مع ليبيا لتأمين صادراتها من الطاقة، يضاف إلى هذا أن شركة إيني الإيطالية تُعتبر أكبر منتج أجنبي للمحروقات في ليبيا، ويرى بعض الساسة الإيطاليين أن هدف فرنسا هو استبدال إيني الإيطالية بتوتال الفرنسية. 

وساهم في تعزيز المخاوف الإيطالية شراء توتال الفرنسية في مارس 2018 حصةَ شركة "ماراثون أويل" الأمريكية التي تمتلك 16.33% من امتياز حقل الواحة في جنوب شرق ليبيا، مما يزيد حصة إنتاج توتال بحوالي 50 ألف برميل يوميًّا، بالإضافة إلى امتلاك توتال 27٪ من حقل شرارة في الجنوب الغربي لليبيا، والذي يُعد ثالث أكبر حقل في ليبيا، وقد توقف عن الإنتاج في ديسمبر 2018 بعد تمكن الميليشيات المحلية من وضع يدها عليه، وعمل الجيش الوطني الليبي لاستعادة السيطرة عليه في فبراير 2019.

ويبدو أن خيار الحكومة الإيطالية بدعم حكومة الوفاق الوطني الليبي المتواجدة في طرابلس منسجم مع رغبتها في تأمين وحماية منشآتها وامتيازاتها النفطية التي تخضع لسيطرة حكومة الوفاق، وخصوصًا في حقل "مليتة"، يضاف إلى هذا أن مقر المؤسسة الوطنية للنفط يقع في طرابلس، حيث تدخل معها إيني الإيطالية في شراكة ضخمة، فيما تتواجد الامتيازات النفطية الفرنسية ضمن نطاق الرقعة الجغرافية في شرق وجنوب ليبيا.

2- أمن الساحل الإفريقي: صدرت توصيات من بعض الخبراء العسكريين الفرنسيين، نظرًا لارتفاع تكلفة عملية برخان العسكرية التي تضطلع بها في دول الساحل الإفريقي الخمس، بأن الحل الأمثل لمنع انتشار التنظيمات الإرهابية في دول الساحل الإفريقي يكون بضبط الوضع في جنوب ليبيا الذي يمثل معبرًا لانتقال المقاتلين. وفي هذا الإطار، قام الطيران الفرنسي في فبراير 2019 بشن هجمات على مواكب الثوار التشاديين المنطلقين في جنوب ليبيا بعد طلب الرئيس التشادي "إدريس ديبي" للدعم.

3- قضية اللاجئين: ساهم تزايد اللاجئين في صعود اليمين المتطرف في إيطاليا بعد تعهداتهم بوضع حد لتدفقات اللاجئين، وسرعان ما ظهرت توجهات الحكومة الإيطالية الجديدة في يونيو 2018 بعد رفضها استقبال لاجئي سفينة "أكواريوس" الليبية، وهو ما رأته فرنسا مخالفًا لقيم وقواعد الاتحاد الأوروبي التي تقضي بوجوب تقدم اللاجئين بطلبات اللجوء في أول دولة يصلون إليها كما تنص اتفاقية دبلن. 

وفي المقابل، ترى إيطاليا أن فرنسا لم تحترم تعهداتها المتفق عليها بإعادة توزيع اللاجئين بين الدول الأوروبية، وأنه على الرغم من أن الكوتة الفرنسية تقدر بحوالي 20 ألفًا، إلا أن باريس لم تستقبل أكثر من 5000 لاجئ، 600 منهم فقط من إيطاليا، فيما تؤكد فرنسا أنها قامت بمنح حق اللجوء لما يزيد عن 40575 لاجئ، فيما قامت إيطاليا بمنحه لحوالي 35130 لاجئ، وذلك بالاستناد إلى إحصاءات Eurostat. 

تداعيات الانقسام:

يمكن أن يؤدي استمرار الخلافات بين باريس وروما إلى مجموعة من التداعيات التي تتمثل فيما يلي:

1- تزايد الانقسام الأوروبي: يرجح بعض المحللين أن تقوم ألمانيا بالوساطة بين الطرفين لرأب الصدع، لا سيما في ظل وجود علاقات بين ألمانيا وفرنسا، حيث تدعو برلين لتبني موقف مشترك في ليبيا يراعي مصالح كلا الطرفين، لا سيما وأن التحرك بشكل منفرد سيؤدي لمزيد من الانقسام في الموقف الأوروبي، وهو الأمر الذي تؤكده الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية "فيدريكا موجريني" عندما أشارت إلى أن موقف الاتحاد الأوروبي تجاه ليبيا موحد، وهو إقامة هدنة إنسانية، وتفادي أي عمل عسكري، والعودة إلى المسار السياسي.

كما دعا رئيس البرلمان الأوروبي "أنطونيو تاياني" في أبريل 2019 إلى إنهاء ما وصفه بموسم "لي الأذرع" بين فرنسا وإيطاليا، وأشار إلى أنه حتى لو كانت فرنسا قد ارتكبت أخطاء في ليبيا فإن اتهامها بأنها تسعى إلى عدم الاستقرار بعيد عن الواقع، وشكك في إمكانية أن تستطيع إيطاليا بمفردها إنهاء الأزمة في ليبيا، داعيًا دول الاتحاد الأوروبي للحديث بصوت واحد منعًا للانقسام.

2- إطالة أمد الصراع: سيؤدي استمرار الانقسام الفرنسي-الإيطالي حول ليبيا إلى عرقلة المبادرات المطروحة لأي تسوية ممكنة مما قد يطيل من أمد الأزمة، حيث أدى التصعيد الحالي إلى إلغاء مؤتمر الحوار الوطني الذي كان يفترض أن ينعقد في أبريل 2019، كما أدى هذا الخلاف إلى تعطيل العديد من المبادرات التي كان من الممكن أن تساهم في تخفيف حدة الأزمة في ليبيا، مثل اعتراض إيطاليا على مخرجات مؤتمر باريس في مايو 2018 التي نصت على إجراء انتخابات في ديسمبر 2018، ووضع دستور جديد لليبيا قبل الانتخابات، كما خفضت فرنسا مستوى تمثيلها في مؤتمر باليرمو في نوفمبر 2018. 

3- ارتفاع أسعار النفط: تؤكد بعض التحليلات أن التنافس الفرنسي-الإيطالي قد يؤثر على حجم الإنتاج الليبي من النفط، وبالتالي فإن القدرة على إيجاد بدائل للنفط الإيراني والفنزويلي ستقل حتمًا مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط.

4- سرديات اليمين المتطرف: قد توظف بعض حركات اليمين المتطرف الخلافات الفرنسية-الإيطالية حول العديد من القضايا ومنها ليبيا لضمان استمرار صعودها. فعلى سبيل المثال، يقوم "ماتيو سالفيني" بالضغط على الرئيس الفرنسي "ماكرون" المنهك داخليًّا والذي يحاول تصوير نفسه كقائد لمشروع الوحدة الأوروبية، ويدعي "سالفيني" أن استهدافه لماكرون هو استهداف للمشروع الأوروبي الذي تسبب في تدهور أحوال الشعب الإيطالي. ويستغل اليمين المتطرف في إيطاليا تعاطي القيادة الفرنسية مع الملف الليبي للادعاء بأن عدم قدرة باريس على التعامل مع هذا الملف يؤدي إلى صعود عدد اللاجئين.