أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

القيادة البديلة:

آليات حلفاء واشنطن لحماية النظام الدولي من "ترامب"

15 نوفمبر، 2018


عرض: شيماء أحمد ميدان

يواجه النظام الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، تحديات عدة على كافة الأصعدة (السياسية، والاقتصادية، والأمنية) التي تهدد بقاءه، حيث تتخلى واشنطن تحت حكم الرئيس "دونالد ترامب" عن دورها القيادي كقوة عظمى مهيمنة عليه منفردة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق. فخلال الأشهر العشرين الأولى من ولايته، شكك الرئيس الأمريكي في الالتزامات الأمريكية الأمنية تجاه الحلفاء، وفي المقابل أبدى إعجابه بزعماء يستهدفون القيم الأمريكية، واعتمد سياسات اقتصادية حِمائية تُقيّد الأسس الاقتصادية التي تأسس عليها النظام الدولي، في اعتقادٍ منه أن ذلك من شأنه أن يجعل بلده أكثر أمنًا وازدهارًا.

وفي مقابل إنهاء الرئيس "ترامب" سياسة أمريكية ترجع إلى سبعة عقود تبناها كافة الرؤساء الأمريكيين، بدايةً من "هاري ترومان" وصولاً إلى "باراك أوباما"، رغم اختلاف أولوياتهم وسياساتهم، تؤمن بأهمية توطيد التحالفات، وتعزيز الديمقراطية، وفتح الأسواق، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون؛ فإن الصين وروسيا تسعيان لإعادة صياغة القواعد الدولية بما يتواءم مع مصالحهما الخاصة. 

وفي هذا السياق، يحاول "آيفو دالدر" (رئيس مجلس شيكاجو للشئون العالمية)، و"جيمس ليندسي" (زميل زائر بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى)، في مقالهما المعنون "لجنة إنقاذ النظام الدولي: يجب على حلفاء الولايات المتحدة أن يتولوا قيادة النظام الدولي"، المنشور بدورية "الشئون الخارجية" عدد شهري نوفمبر/ديسمبر ٢٠١٨، الإجابة على تساؤل بدأ يُطرح كثيرًا في الأوساط الغربية مفاده: كيف يمكن لحلفاء الولايات المتحدة قيادة النظام الدولي الليبرالي وحمايته بدون الاعتماد على "ترامب"؟

في مستهل المقال، قال الباحثان إن على حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين الاتحاد عسكريًّا واقتصاديًّا من أجل إنقاذ النظام الدولي الليبرالي، حيث حضّا الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة في أوروبا، وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية في آسيا، وكندا في أمريكا الشمالية؛ على تسلمّ دفة قيادة النظام الدولي التي تركها "ترامب".

ونوّه الكاتبان إلى أن على كافة الدول المذكورة آنفًا، والتي أطلقا عليها اسم "مجموعة التسع"، أن تأخذ على عاتقها مهمّتين: الأولى هي حماية النظام الدولي الراهن إلى حين انتخاب رئيس أمريكي قادر على استعادة دور واشنطن القيادي، أي إنه سيكون على كل عضو في تلك المجموعة أن يتحمل مسئوليات عالمية أكبر. أما المهمة الثانية فتتمثل في أن تسعى دول المجموعة لتعزيز التعاون التجاري والعسكري والأمني فيما بينها لتستقل بذاتها عن الولايات المتحدة.

وفي هذا الصدد قالا إنه إذا نجحت مجموعة التسع في أن تحل محل الولايات المتحدة في قيادة النظام الدولي، فإنها ستوقف بذلك تآكل النظام الذي خدمها وخدم العالم على مدى عقود فحسب، وستجعله نظامًا أكثر قوةً وأكثر ملاءمةً لعلاقات اليوم والمستقبل.

تراجع الدور الأمريكي التقليدي:

يرى الباحثان أن النظام الدولي لم يُخلق من عدم، وإنما هو نتاج اختيارات متعمَّدة. ففي محاولة لتلافي الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى، أسس الرئيس الأمريكي الثالث والثلاثون "هاري ترومان" وخلفاؤه نظامًا يرتكز على قيم الديمقراطية، والأمن الجماعي، والأسواق المفتوحة، والتعاون فيما بين الحلفاء.

ويرى الباحثان أنه رغم انتهاج الولايات المتحدة سياسات مضلِّلة، وتفضيلها مصالحها الخاصة على مصالح الدول الأخرى إبان الحرب الباردة؛ فقد نجح النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب نجاحًا تاريخيًّا؛ إذ أُعيد بناء أوروبا واليابان، واتسع نطاق الحرية والديمقراطية في العالم، إلا أن هذا النجاح ولّد بدوره ضغوطًا جديدة، فانضمام المزيد من الدول إلى النظام الدولي بعد الحرب رافقه نمو مطرد في السلع والأموال والسكان والأفكار عبر الحدود، ما خلق بدوره مشاكل جديدة عانت الحكومات الوطنية في حلّها، وكان من بين تلك المشاكل تغير المناخ، واستشراء الهجرة الجماعية، والإرهاب، على حد قول "دالدر" و"ليندسي" اللذين لفتا في الوقت ذاته إلى أنه ظهرت تشكيكات في قدرة الولايات المتحدة على قيادة النظام الدولي بعد غزوها العراق في عام 2003 وبعد الأزمة المالية العالمية في عام ٢٠٠٨.

ويذكر الباحثان أن الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" ترك قبل مغادرته البيت الأبيض رسالة لخلفه يحضه فيها على دعم النظام الدولي الذي أُقيم منذ الحرب الباردة، والذي يرتبط به ازدهار وأمن الولايات المتحدة، لكن "ترامب" لم يُلقِ بالاً لذلك، واتبع نهجًا مغايرًا لنهج أسلافه، فعارض قيادة دولته للنظام الدولي لكونها مصدرًا للأزمات من وجهة نظره، وقلل من أهمية حلف الناتو، وفضّل المنافسة على التعاون والتقارب، وجادل بأن الحلفاء كانوا يتقربون من واشنطن ليستفيدوا من قوتها العسكرية، وكانوا يستغلون الصفقات التجارية متعددة الأطراف لسرقة الوظائف الأمريكية.

ويرى "دالدر" و"ليندسي" أن نهج "ترامب" العدائي والتنافسي يوفر فرصة أمام الصين لإعادة كتابة قواعد النظام الدولي لصالحها، ويؤكدان على رؤيتهما بالإشارة إلى تصريح لمسئول عسكري صيني بارز مفاده: "ساهم تخلي الولايات المتحدة عن دورها القيادي في سطوع نجم الصين". فإلى جانب تشييدها محطات طاقة تعمل بوقود الفحم، وتوسيعها نفوذها في بحر الصين الجنوبي؛ بدأت بكين تقف موقف المدافع عن نظام التجارة العالمي، والقانون الدولي، والبيئة.

ومع ذلك، من غير المُرجَّح أن تنجح الصين بسهولة في مسعاها للحلول محل الولايات المتحدة في قيادة النظام الدولي؛ لأن حلفاءها محدودون، وتحدياتها الداخلية كثيرة، ونظامها السياسي هش، وفقًا لـ"دالدر" و"ليندسي" اللذين قالا: "إن عالمًا بلا قائد يعني مخاطر كثيرة، مثلما أظهر التاريخ المأساوي لأوروبا. ولن تدفع الولايات المتحدة وحدها ثمن العودة إلى عالم ما قبل الحرب".

الحرس الجديد:

يرى الباحثان أن على حلفاء الولايات المتحدة أن يدرسوا كيفية المضي قُدمًا بدونها، بدلاً من التفكير طوال الوقت في كيفية التقرب منها والعمل معها. فكما قال وزير الخارجية الألماني "هيكو ماس" في طوكيو في يوليو المنصرم: "إذا استجمعنا قوانا.. يمكننا أن نصبح من صائغي القواعد الذين يصممون نظامًا عالميًّا، ويقودونه بطريقة تلبّي احتياجات العالم".

واقترح "دالدر" و"ليندسي" أن تتعاون دول "مجموعة التسع" في مجال التجارة، لا سيما أن ناتج المجموعة يشكل ثلث الناتج العالمي، أي أكثر من ضعف حصة الصين وأكبر بنحو 50% من حصة الولايات المتحدة، هذا بالإضافة إلى أن واردات وصادرات المجموعة تشكل نحو 30% من الواردات والصادرات العالمية، أي أكثر من ضعف حصة الصين والولايات المتحدة.

كما أوصى الكاتبان دول "مجموعة التسع" بإبرام المزيد من الصفقات التجارية فيما بينها، على غرار اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي واليابان، واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي (TPP)، وذلك لكي يتفوقوا بسهولة على منافسيهم الأمريكيين، ولكي يحصل مصدرّوهم على امتيازات تتيح لهم الولوج إلى الأسواق بسهولة.

تحدي التعاون الأمني:

بحسب المقال، سيشكل التعاون الأمني بين الدول التسع تحديًا كبيرًا للمجموعة؛ فالحلفاء الأوروبيون لديهم الآليات اللازمة للتعاون من خلال الناتو والاتحاد الأوروبي، لكنهم لا ينفقون أموالاً كافية على الدفاع. أما الحلفاء الآسيويون فينفقون أكثر على الدفاع لمواجهة القوة المتنامية للصين، والمخاوف بشأن مصداقية الولايات المتحدة كشريك عسكري، لكن ليس لديهم ما يوازي الناتو والاتحاد الأوروبي، ومن غير المحتمل أن يكون لديهم شيء مماثل في المستقبل القريب.

وعليه ستحتاج الدول الأوروبية والآسيوية إلى البحث عن أرضية مشتركة يعززون من خلالها التعاون الأمني فيما بينهم، وسيكون على القوى العسكرية الأوروبية أن تضطّلع بدور دفاعي كبير في آسيا، لا سيما أن تهديدات كوريا الشمالية النووية تثير ذعر العواصم الأوروبية، وأن فرنسا واليابان أيّدتا حرية الملاحة في منطقة آسيا والمحيط الهادي لضمان استقرار هذه المنطقة. ويُذكر أن هذا التأييد جاء بعد تحدث الصين عن أحقيتها في السيادة على بحر الصين الجنوبي، وتصعيدها وجودها العسكري في الممر المائي. وإبان زيارة لمدينة سيدني في مايو 2018، دعا الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" إلى تحالف أستراليا وفرنسا والهند من أجل تحقيق هذا الهدف، وقال: "إذا كنا نريد أن نحظى باحترام الصين كشريك موازٍ لنا، فعلينا أن ننظم صفوفنا ونتحد".

تصعيد للمهام والمسئوليات:

على مدى سبعين عامًا، حرص الحلفاء الغربيون على تعزيز الديمقراطية الليبرالية، وحماية الحريات، والدفاع عن حقوق الإنسان، وعلى إرساء السلام والاستقرار في العالم. ولا بد أن تأخذ "مجموعة التسع" على عاتقها تنفيذ تلك المهام أيضًا، حتى لو تخلّت الولايات المتحدة عن مبادئها، وأن تصارع من أجل ذلك في كافة المؤسسات الدولية التي تلاشى فيها صوت الولايات المتحدة، مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي.

هذا، وينبغي على المجموعة أن تستعرض قوتها الاقتصادية من خلال استخدام التفضيلات التجارية والمساعدات الإنمائية كوسيلة ضغط (وهي استراتيجية لا تحيد عنها الصين أبدًا). وبحسب ما ورد في المقال، أنفقت دول المجموعة في عام 2017 أكثر من 80 مليار دولار على المساعدات الإنمائية الرسمية، أي أكثر من ضعف ما أنفقته الولايات المتحدة، ما يعني أن دول المجموعة هي أنسب دول يمكن أن تدافع عن القيم الأساسية التي اضطّلع الحلفاء الغربيون بحمايتها على مدى سبعة عقود، على حد قول "دالدر" و"ليندسي".

ومن الناحية العسكرية، يرى الباحثان أنه ينبغي على "مجموعة التسع" السعي لإنشاء قوة عسكرية مشتركة للتدخل في أوقات الأزمات، مثلما فعلت فرنسا وبريطانيا وسبعة حلفاء آخرين من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2018.

وفي الختام، قال "دالدر" و"ليندسي" إن على "مجموعة التسع" أن توقن أنها لن تتمكن من حماية النظام الدولي إلى الأبد بدون مساعدة الولايات المتحدة، وإن أفضل ما يمكن أن تفعله على المدى الطويل هو إبقاء الباب مفتوحًا أمام عودة واشنطن في نهاية المطاف إلى قمرة القيادة العالمية، فالتحديات التي تواجه "نظام ما بعد الحرب" صعبة للغاية، وستعجز دول المجموعة غالبًا عن حماية التحالفات والأسواق المفتوحة والديمقراطية إلى أجل غير مسمى، وذلك على حد قول الكاتبين اللذين أشارا -في الوقت ذاته- إلى أن مجموعة الدول التسع -على عكس الولايات المتحدة- تتكون من تسعة كيانات سياسية مختلفة، وأن كل كيان لديه ضغوط كبيرة، ويضطلع بمسئوليات غير هيّنة، لذا ستظل قيادة "مجموعة التسع" للنظام الدولي دائمًا أقل فعالية من قيادة قوة عظمى واحدة للعالم أجمع.

ونوّه الباحثان إلى أن اضطلاع "مجموعة التسع" بمسئوليات أكبر في القيادة العالمية سيساعد في حماية النظام الدولي وفي جعله أكثر استقرارًا، وقالا إنه سيتمخّض عن ذلك شراكة أكثر توازنًا مع حلفاء أوروبيين وآسيويين، ويطرح كل من فيها الأفكار المناسبة لتطوير النظام الدولي بصورة تمكّنه من مواجهة التحديات الجديدة.

المصدر: 

Ivo H. Daalder and James M. Lindsay, “The Committee to Save the World Order: America’s Allies Must Step Up as America Steps Down”, Foreign Affairs, Volume 97, Number 6, November/December 2018, p. 72-83.