أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

ارتدادات أمنية:

جدل أمريكي حول مخاطر مبيعات الأسلحة

24 مايو، 2018


عرض: نسرين جاويش - باحث في العلوم السياسية

لا تزال مبيعات شركات السلاح الأمريكية، التي شهدت ازدهارا خلال إدارتي الرئيس باراك أوباما، تستمر في تحقيق مكاسب مالية ضخمة مع تفاقم المخاطر الأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وتنامي التوترات في آسيا وأوروبا. وعلى خلفية نمو وازدهار صادرات الأسلحة الأمريكية بوتيرة قياسية ومتسارعة، وتخطي صفقاتها خلال أول عام لإدارة الرئيس دونالد ترامب حاجز مئات المليارات من الدولارات، نشر مركز كاتو ورقة بحثية في الثالث عشر من مارس المنصرم؛ بعنوان "أعمال محفوفة بالمخاطر: دور مبيعات الأسلحة في السياسة الخارجية الأمريكية".

يري الباحثان تريفور ثيرال، الأستاذ المساعد بجامعة جورج ماسون وكبير الباحثين بمعهد كاتو وكارولين دورمينى، المحلل بالمعهد، أن تحليل مبيعات الأسلحة الأمريكية منذ عام 2002 يكشف بأنها عمل محفوف بالمخاطر، وأن الفائدة الإستراتيجية المرجوة من تلك المبيعات لا تزال أكثر غموضاً؛ خاصة مع تزامن زيادتها  بحالات عدم الاستقرار في كثير من الدول. وعليه فإن الأثار السلبية المباشرة لها وعواقبها على الولايات المتحدة تتخطي فوائدها المعلنة وغير المعلنة. ولهذا، فإنهما يوصيان بضرورة تقييم مخاطر مبيعات الأسلحة الأمريكية؛ إضافة إلى حظرها للدول التي تشهد صراعات بما يُعزز الأمن الأمريكي.

تياران رئيسيان:

في إطار مناقشة الورقة البحثية لكيفية دعم مبيعات الأسلحة الأمريكية السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عرضت لتيارين حول زيادة مبيعاتها عالميا. يطرح التيار الأول المؤيد لزيادة المبيعات ثلاث حجج رئيسية يتمثل أولها في أن زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية للحلفاء تمكنهم من ردع واحتواء خصومهم، والمساعدة على تعزيز الاستقرار في المناطق المتوترة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. 

ويتعلق ثانيها: بأن مبيعات الأسلحة الأمريكية تساعد الولايات المتحدة في التأثير على سلوك الدول التي تشريها؛ بما يعزز الأمن القومي الأمريكي، حيث يري أنصار هذا التيار أن واشنطن من الممكن استخدام مبيعات أسلحتها كأحد أدوات التأثير لانهاء الصراعات، وتشجيع الحراك الديمقراطي في الدول التي تشتري تلك الأسلحة. 

وينصرف ثالثها إلى الأثر الإيجابي لزيادة مبيعات السلاح على الاقتصاد الأمريكي، وضمان استمرار القاعدة الصناعية الدفاعية للولايات المتحدة.

ويدلل المدافعين عن السياسة التى تنتهجها الولايات المتحدة في بيع الأسلحة لحلفائها، وجعل ذلك أحد أولويات سياستها الخارجية، بأن مبيعات الأسلحة الأمريكية للدول الأعضاء في حلف شمال الأطلنطي (حلف الناتو) ساعدتهم على الدفاع عن غرب أوروبا، ومواجهة حملات التمرد والجريمة المنظمة في المحيط الهادىء. فضلا عن أن مبيعات الأسلحة لحلفاء واشنطن بمنطقة الشرق الأوسط ساهمت في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي بالمنطقة.

كما يؤكد أنصار التيار المدافع عن زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية على أن تعزيز مبيعات الأسلحة ساهم في إنجاح الحرب الدولية التي تقودها الولايات المتحدة على الإرهاب والتطرف،  وكسب الحروب، وردع الأعداء، والترويج المحلي والاقليمى للاستقرار، ودعم الحكومات الصديقة فى مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. 

أما التيار الثاني فيري أن زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية لها أثار سلبية مباشرة على الأمن العالمي عامة، والأمن الأمريكي خاصة. ويؤكد هذا التيار أن عدم وضوح الاستراتيجية التي تتبعها الولايات المتحدة بشأن تلك المبيعات، سيكون له عواقب سلبية مباشرة على أمنها القومي، كما أن هذا قد يدفعها للتدخل في بعض الدول، ومواجهة المسلحين المستخدمين لأسلحتها ضدها؛ ومنها ما هو غير مباشر من خلال خلق حالة من التنافس الدولي على بيع الأسلحة؛ ومن ثم زيادة حالة عدم الاستقرار في الكثير من الدول، والذى يهدد بطبيعته الأمن الأمريكي.

ويري أنصار التيار الرافض لزيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية عالميا أن حجج التيار المؤيد في حقيقتها غير مؤكدة، وأن نتائجها محدودة للغاية. ويضيفون أنه في معظم الحالات لم تكن مبيعات الأسلحة الوسيلة المُثلي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ولهذا يفضل أنصار هذا التيار الأداة الدبلوماسية باعتبارها الأكثر فعالية من مبيعات الأسلحة والتى تصب مباشرة في تعزيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة والأمن القومي الأمريكي على حد سواء وخاصة على المستوي الاستراتيجي. ويرون أن مقارنة مبيعات الأسلحة بالخيار الدبلوماسي أثبت أن الأخير هو الأكثر فعالية في عالم ما بعد الحرب الباردة من خلال القدرة على التوغل في سياسات الدول، والانخراط في أنشطة اقتصادية ديناميكية وتجارية ما من شأنه ربط الأمن القومي الأمريكي بأمن تلك الدول من خلال علاقات تفاعلية ذات أبعاد غير عسكرية.   

توصيات عدة:

يؤكد الباحثان على أن زيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بشكل كبير لها نتائج سلبية متعددة منها، التورط في النزاعات الخارجية، والانخراط في حروب ليست في صالح الولايات المتحدة، وعدم القدرة على التنبؤ بكيفية استخدام تلك الأسلحة ضد المصلحة الأمريكية، الأمر الذي يزيد من المخاطر التى تواجه واشنطن داخلياً وخارجياً. ولهذا فقد أنهي الباحثان ورقتهما البحثية بعدد من التوصيات هي النحو الآتي:

أولاً- ضرورة اجراء كافة المؤسسات الأمريكية المنخرطة في الموافقة على مبيعات الأسلحة الأمريكية (البيت الأبيض، وزارتي الدفاع والخارجية، والكونجرس) تقييم لمخاطر صفقات الأسلحة الأمريكية.

ثانيا- أن تكون هناك اشتراطات رئيسية لعملية بيع الأسلحة الأمريكية، بحيث تخفض من خطر تورط الولايات المتحدة في النزاعات الخارجية، مثل أن يتم توريد الأسلحة للدول التي تشهد صراعات تمثل تهديداً مباشراً للأمن الأمريكي، وعدم بيع أسلحة الدمار الشامل، وأن لا يكون تسليح الدول هو الخيار الأول والمفضل لمواجهة التهديدات الناشئة.

ثالثا- التوقف الفوري عن مبيعات الأسلحة الى الدول الهشة والتى في الغالب تسيء استخدام الأسلحة الأمريكية أو تفقد السيطرة عليها، وكذلك إلى الدول التي  تشارك مباشرة في دعم اى صراع داخلي او خارجي. وهذا الاجراء من شأنه وفقا للباحثين الحد من العواقب السلبية لمبيعات الأسلحة الأمريكية، وعدم مساهمة الولايات المتحدة في دعم النزاعات في الدول الأخري.

رابعا- تحسين وسائل المراقبة على استخدام الأسلحة الأمريكية، حيث يؤكد الباحثان على ضرورة أن تتبع الولايات المتحدة استخدام الأسلحة التى تقوم ببيعها، لرصد الاستخدام النهائي لتلك الأسلحة، وجمع ما يكفي من البيانات حول كيفية استخدامها بمجرد نقلها للدول الأخري، وهو ما يمنع حالات استخدام تلك الأسلحة من قبل الدول في مواجهة المدنيين، وضد الولايات المتحدة ومصالحها. 

وتري الورقة البحثية أن بتحليل تلك البيانات ستتمكن واشنطن من بناء استراتيجية فعالة نحو تقييم مبيعات الأسلحة، وتحديد الدول التي يجب على واشنطن الاستمرار فيتوريد أسلحتها إليها، وتلك التي تأجج الصراعات باستخدام الأسلحة الأمريكية، الأمر الذي يفرض عليها وقف توريد الأسلحة الأمريكية لتلك الدول.

خامسا- اجراء التعديلات التشريعية اللازمة التى تزيد من دور مجلسي الكونجرس (مجلس النواب والشيوخ) في الموافقة على كل مبيعات الأسلحة، ما يخضغ صفقات مبيعات الأسلحة الى التدقيق المكثف حول إيجابيات وسلبيات الصفقة المقترحة. 

المصدر: 

Trevor Thrall and Caroline Dorminey, Risky Business: The Role of Arms Sales in U.S. Foreign Policy, Cato Institute, Policy Analysis, March 13, 2018, Number 836.