أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ضغوط مركبة:

لماذا تزايدت دعوات "العصيان المدني" في دول الإقليم؟

04 ديسمبر، 2016


 تصاعدت أنماط دعوات العصيان المدني في دول الشرق الأوسط، التي تقوم بها أقليات في مناطق جغرافية محددة، أو تيارات إسلامية مسيسة، أو كتائب إلكترونية، أو مؤسسات موازية حكومية، أو بدون هوية مجتمعية، لأسباب متباينة، تتمثل في إسقاط النظم القائمة، أو المطالبة بالانفصال والحصول على الاستقلال، أو الاحتجاج على السياسات العامة، أو الاعتراض على هيمنة الميليشيات المسلحة، أو الضغط على السلطات الموازية، أو الإسراع لحل القضايا الفئوية.

 غير أن هناك حزمة من المعوقات في اتجاه نجاح القائمين بالعصيان المدني في دول الإقليم في تحقيق أهدافهم، وهي الانقسامات الداخلية بين الأطراف الداعية إليه، وضعف الثقافة المجتمعية المتعلقة بالعصيان، والتخوف من سيناريوهات الفوضى الإقليمية، ومقاومة التدخلات الخارجية.

 ويُشير مفهوم "العصيان المدني" في أدبيات النظم السياسية المقارنة إلى "رفض قطاعات مجتمعية الخضوع لقانون أو قرار أو لائحة أو تنظيم صادر عن السلطة التي ينتمون إليها، نظرًا لكونها جائرة وفقًا لرؤية هؤلاء المعترضين". وقد استخدمت حركات المقاومة السلمية هذا الأسلوب في الهند وجنوب إفريقيا ومصر والولايات المتحدة الأمريكية، في فترات زمنية مختلفة ولأسباب متباينة، تتعلق بالاستقلال عن الحكومات الاستعمارية، ومقاومة النزعة العنصرية، وتأكيد حركة الحقوق المدنية وتحقيق العدالة الاجتماعية، على نحو يعكس اقتران العصيان المدني بتبلور إدراك مجتمعي عام بمقاومة عدم العدالة أو إجحاف القوانين، شريطة عدم استخدام العنف المسلح، أو الإضرار بالمرافق العامة أو تعطيل دوائر الدولة، الأمر الذي يوضح محورية "شرعية الهدف".

أنماط متعددة:

  هناك عدة أنماط للعصيان المدني كما حددتها الخبرات المدنية لدول الشرق الأوسط، على النحو التالي:

1- عصيان الأقليات: تقوم بعض الفئات المجتمعية على أساس عرقي بالاحتجاج على سياسة الحكومة في ملف بعينه على نحو ما فعله سكان ولاية تيزي وزو الجزائرية في 5 يونيو 2016 حينما دخل عدد من أبنائها وأنزلوا العلم الوطني الجزائري في عدد من مؤسسات الدولة، ورفعوا "علم القبايل" بدلا منه، فضلا عن الخروج في مسيرات حاشدة للمطالبة بالاستقلال. وقد سبقه أيضًا رفض طلاب المؤسسات التعليمية بهذه المنطقة ترديد النشيد الوطني.

2- عصيان التيارات الإسلامية المسيسة: تلجأ بعض الجماعات المحسوبة على تيارات الإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان، إلى استغلال الوسائل التكنولوجية في التعبير عن مطالبهم واحتجاجاتهم التي يوجد قواسم مشتركة مع قوى مجتمعية بشأنها، حيث تم على مواقع التواصل الاجتماعي تدشين حملات في مصر للتحريض على عدم سداد فواتير المرافق، وإطلاق تظاهرات ضد ارتفاع الأسعار، ومن بينها حملة "مش دافعين" و"جوعتونا"، ولم تلق استجابة ملموسة، لا سيما مع دور الجيش ووزارة التموين بالدفع بسيارات محملة بمواد غذائية لمكافحة الغلاء بمختلف المحافظات.

  كما سبق أن دعت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، في عام 2015، في بيان معنون "سجن العلويين.. وما تزال المفاتيح بأيديكم" أبناءَ الطائفة العلوية لإعلان العصيان المدني، والانشقاق عن الجيش السوري، والانضمام إلى القوى المناهضة لنظام الأسد. وأكدت الجماعة في البيان "أنها تقدر المواقف التي اتخذها عدد غير قليل من العلويين والمسيحيين والدروز والإسماعيليين والأكراد والتركمان باصطفافهم إلى جانب الشعب السوري ضد نظام الأسد، بخلاف السواد الأعظم من طوائفهم التي تساند النظام"، وهو ما يعكس سعي جماعة الإخوان لأن تكون البديل لنظام الأسد بعد سقوطه.

3- عصيان الكتائب الإلكترونية: يلجأ الداعون للعصيان المدني إلى الإنترنت للترويج للدعوة، حيث يَستخدم الإنترنت في السودان نحو 11 مليون شخص وفقًا لإحصاءات الهيئة القومية للاتصالات، إلى درجة أن البعض يعتبرها حربًا إلكترونية ضد نظام البشير.

 على جانب آخر، تتسم الحركات الداعية للاعتصام المدني في بعض دول الإقليم بأنها إلكترونية لا تستند إلى قوى شعبية داعمة لأفكارها وخياراتها، على نحو ما تعكسه حركة "عصيان" حينما دعت على مواقع التواصل الاجتماعي، في 4 نوفمبر 2016، للعصيان على خلفية قرار الحكومة المصرية تعويم العملة ورفع أسعار الوقود.

 ولم تكن هذه المرة الأولى التي تطلق فيها الحركة دعوات للإضراب العام والعصيان المدني في مصر، حيث دعت للعصيان المدني بشكل جزئي، على مدى ساعتين من الواحدة ظهرًا حتى الثالثة عصرًا في 2 يونيو 2015. غير أن هذه الدعوة لم تلق استجابة من قطاعات الرأي العام المصري في ظل الطابع الإخواني الحاكم لتحركاتها، لا سيما أن مطالبها تزامنت مع دعوات وقف إعدام قيادات الإخوان.

4- عصيان الحكومات: يُعد ذلك نمطًا مغايرًا لما تم الاعتياد عليه، وهو مقصور على الحالة الليبية فقط، حيث دعت حكومة عبدالله الثني في بيان نشرته على صفحتها على موقع "فيسبوك"، في 21 أكتوبر 2014، الجيش الليبي الذي يقوده خليفة حفتر إلى التقدم نحو مدينة طرابلس لتحريرها، وفك هيمنة الميليشيات المسلحة عليها، كما طلبت من المواطنين إعلان العصيان المدني في مختلف أنحاء المدينة انتظارًا لتحرك الجيش.

5- عصيان السجناء: تشير بعض الاتجاهات إلى حالات لممارسة عصيان مدني داخل أحد السجون، وهو ما ينطبق جليًّا على العصيان الذي قام به المعتقلون في سجن السويداء المدني في سوريا، في 4 أغسطس 2016، نظرًا لسوء المعاملة من قبل القوات الداعمة لنظام الأسد. وقد استطاعوا السيطرة على أجزاء من السجن، واحتجزوا ضباطًا من رتب مختلفة، بخلاف عدد من عناصر الشرطة، غير أنه تم التوصل لتفاهمات بين إدارة السجن وممثلي المعتقلين الذين تم القبض عليهم من محافظات السويداء ودرعا وريف دمشق.

6- عصيان بدون هوية: قد تكون الدعوة للعصيان المدني مجهولة لأسباب تتعلق بالخوف من بطش أجهزة الأمن بما يؤثر على مستوى الاستجابة الشعبية لها. وهنا، فإن المبادرات الفردية غير كافية لمواجهة السلطة السياسية. فقد أعلن ناشطون سوريون -دون تحديد هويتهم الشخصية- حملة عصيان مدني، في ديسمبر 2011، لزيادة الضغط على نظام الأسد عبر شل الحركة الاقتصادية، وتقليص الإيرادات الحكومية، بما يؤدي إلى عجز النظام عن تمويل نفقاته، وتكرر ذلك أيضًا مع عصيان خافت لمجموعات التجار الذين يشكلون مركز قوة رئيسيًّا في النظام السوري.

تفسيرات متباينة:

  ثمة مجموعة من الأسباب التي تُفسر دعوات العصيان المدني في الإقليم، وتتمثل في:

1- إسقاط نظام الحكم: أطلق نشطاء سياسيون وحزبيون وصحفيون ومطربون حملة عصيان مدني ضد نظام الرئيس السوداني عمر البشير، خلال الفترة من 27 إلى 29 نوفمبر 2016، حيث خلت الشوارع في اليومين الأولين من المارة وغالبية حافلات النقل العام، وأغلقت المحال التجارية والمطاعم والصيدليات أبوابها، وتم توظيف المساجد ومواقف المواصلات العامة والأسواق لتفعيل الدعوة، لا سيما بعد إعلان الحكومة رفع أسعار المشتقات النفطية وسلع أخرى، علمًا بأن الاقتصاد السوداني يواجه تحديات ضاغطة منذ انفصال جنوب السودان في عام 2011، حيث استحوذ الأخير على ثلاثة أرباع إنتاج النفط. 

 وعلى الرغم من أن هناك اتجاهًا يرى أن هذه الدعوة للعصيان بمثابة إنذار لنظام الحكم للتراجع عن بعض سياساته الاقتصادية والاجتماعية، مثلما حدث بتراجع الحكومة عن رفع الدعم عن الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، وإقالة الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم، إلا أن هناك اتجاهًا آخر يعتبر أن هدف الدعوة هو التمهيد لإسقاط النظام. وقد دعا رئيس حزب الأمة الصادق المهدي في بيان إلى "التحرك تظاهرًا واعتصامًا وإضرابًا ضد الاستبداد والفساد، من دون عنف أو تخريب، ليقف شعبنا موحدًا كما فعل في كل مفاصل التاريخ لتحقيق السلام العادل الشامل، والتحول الديمقراطي الشامل".

  كما قالت حركة "خلاص" في بيان لها: "إنها تخطط ليكون العصيان المدني عبر مراحل تمهيدية حتى مرحلة العصيان المفتوح الذي يبدأ في 19 ديسمبر القادم الموافق لذكرى إعلان الاستقلال من داخل البرلمان"، وأضافت: "العصيان سيكون تحت شعار يوم البرلمان يوم الخلاص، ويستمر حتى سقوط النظام لنرفع راية الاستقلال الحقيقي في أول يناير".

  فضلا عن ذلك، رفع المحامون لافتات كتب عليها "لا للغلاء.. لا للفساد.. لا للاعتقال" أمام المحكمة العليا بالخرطوم، ووضع عشرات الصحفيين من منسوبي شبكة "الصحافيين السودانيين" (وهي تنظيم موازٍ لاتحاد الصحفيين الحكومي) ديباجات "صحافي مضرب عن العمل" بحيث يتم الامتناع عن تنفيذ المهام اليومية، ومقاطعة التغطيات ودوائر الأخبار، أو أي نشاط تحريري داخل هذه الصحيفة أو تلك.

 وقد حددت مذكرة تحالف قوى المعارضة المعروف بـ"قوى الإجماع الوطني" (الذي تأسس في عام 2009 من 17 حزبًا، أبرزها حزب الأمة، وحزب المؤتمر الشعبي، والحزب الشيوعي السوداني)، في 30 نوفمبر 2016، أهداف السلطة الانتقالية التي تطالب بها، بتصفية نظام الحزب الواحد، وتوصيل الإغاثة للمتضررين، ووقف التدهور الاقتصادي والمعيشي، وتنظيم مؤتمر اقتصادي، وعقد المؤتمر الدستوري لتحديد شكل الحكم في البلاد، وإجراء انتخابات حرة نزيهة خلال الفترة الانتقالية.

  وهنا يُعوِّل الداعون للعصيان المدني في السودان، على الذاكرة النضالية، حيث لعب السودانيون من خلال عصيان مدني دورًا في إسقاط حكم الرئيس الأسبق إبراهيم عبود الذي حكم البلاد خلال الفترة (1958-1964)، كما أدى عصيان مدني آخر إلى الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق جعفر النميري الذي حكم البلاد في الفترة (1969 – 1985).

2- المطالبة بالانفصال والحصول على الاستقلال: يعد الحراك الجنوبي في اليمن الحالة المعبرة عن ذلك، حيث احتشد عشرات الآلاف من محافظات الجنوب اليمني، في 30 نوفمبر 2016، لإحياء ذكرى الاستقلال عن بريطانيا في عام 1967، ورفعوا أعلام دولة الجنوب السابقة على أسطح المنازل والسيارات وفي مختلف أنحاء المدينة، ورددوا هتافات تعبر عن رغبة الجنوبيين في حق تقرير المصير، أو ما يُسمى فك الارتباط عن الشمال، وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

 وسبق أن شهد جنوب اليمن عصيانًا مدنيًّا، في ديسمبر 2014، استجابةً لدعوة أطلقها الحراك الجنوبي لاستعادة دولة الجنوب، حيث حدث شلل في غالبية المرافق الحكومية والمنشآت التعليمية والمؤسسات الأهلية والمحلات التجارية. كما طالبت مجموعات من قاطني مدينة "تالة" التونسية الواقعة على خطوط الحدود مع الجزائر، خلال الفترة من 8 إلى 16 أكتوبر 2012، بالعصيان المدني والانفصال عن محافظة القصرين، وتحويلها إلى محافظة مستقلة بذاتها للخروج من حالة التهميش. 

3- الاحتجاج على السياسات العامة: على نحو ما تُعبّر عنه حملة "طلعت ريحتكم" في لبنان بعد تفاقم أزمة النفايات خلال عامي 2015 و2016، لا سيما مع احتدام أزمة الشغور الرئاسي. ودعا المحتجون إلى عصيان مدني تقود نتائجه إلى استقالة وزير البيئة محمد المشنوق، بل تحول الاحتجاج على أداء الحكومة في ملف البيئة إلى احتجاج على السياسات المعتمدة في لبنان، وتحديدًا في ملفي الكهرباء والصحة.

 وقد برز أيضًا العصيان المدني في محافظة معان في الأردن، في يونيو 2015، احتجاجًا على سوء الإدارة الحكومية وخاصة في الملف الأمني بعد عدم الكشف عن وفاة اثنين من أبناء المدينة. كما أن العصيان المدني الذي قام به قاطنو مدينة عين الصالح في جنوب الجزائر (نظرًا لأنها الأقرب جغرافيًّا إلى موقع حفر أول بئر تجريبية للغاز الصخري)، في 22 إبريل 2015، هو رسالة احتجاج للسلطات المركزية لمنعها من الاستمرار في التنقيب عن الغاز الصخري، وتوقيف الأشغال التي تلوث المياه الجوفية.

4- الاعتراض على سيطرة الميليشيات المسلحة: برزت بوادر عصيان مدني في العاصمة الليبية طرابلس، في 27 نوفمبر 2016، وهو الأول من نوعه منذ وصول حكومة الوفاق الوطني المدعومة من بعثة الأمم المتحدة إلى الحكم في نهاية مارس 2016، حيث دعا ناشطون سياسيون إلى إجبار السلطات على إعادة النظر في الأوضاع الاقتصادية والأمنية بعد سيطرة الميليشيات المسلحة على العاصمة منذ عامين، وكانت الاستجابة للعصيان لافتة في الجامعات والمدارس، فضلا عن محدودية تنقلات المواطنين في معظم مناطق العاصمة.

5- الضغط على السلطة الموازية: يظهر ذلك جليًّا في الدول التي تشهد نمط اقتسام السلطة أو السيادة المتعددة. فقد شهدت مؤسسات حكومية ليبية عصيانًا مدنيًّا في بنغازي، في 6 إبريل 2014، للضغط على المؤتمر الوطني العام للموافقة على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وتجميد عمل المؤتمر، وانتخاب رئيس للدولة بالانتخاب المباشر، وتعديل قانون الانتخابات مع ضرورة تضمينه آلية التمثيل الانتخابي، وتقسيم الدوائر التي اعتمدت في قانون انتخابات المؤتمر الوطني.

6- الإسراع لحل بعض القضايا الفئوية: قام قاطنو مدينة البتراء الأردنية بعصيان مدني، في 23 نوفمبر 2015، للمطالبة بحقوق البيع الآجل، حيث تعد تلك المدينة والمناطق المحيطة بها منكوبةً جراء استثمار معظم أهالي تلك المناطق أموالهم في تجارة البيع الآجل "التعزيم"، وكانت تقوم هذه التجارة على بيع السيارات والعقارات وربما الثروة الحيوانية إلى التجار بما يزيد عن قيمتها الأصلية بنحو 40% بموجب شيك بنكي يصرف بعد أربعة أشهر. 

 ولم تقم البنوك الأردنية بإعادة هذه الشيكات لشهور بعد إصدار المدعي العام المنتدب لدى هيئة مكافحة الفساد قرارًا بالحجز التحفظي على أموال وممتلكات تجار البيع الآجل، ولا تزال لهذه القضية تداعيات مستمرة رغم أنها تعبر عن أجندات فئوية. وكادت هذه القضية أن تهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي لمناطق واسعة من الجنوب، حيث عُطل عدد واسع من الدوائر الحكومية والبنوك، وأُغلقت المحال التجارية. 

عقبات مستحكمة:

 هناك مجموعة من المعوقات بشأن نجاح العصيان المدني في دول الشرق الأوسط، يمكن تناولها في الآتي:

1- الانقسامات الداخلية للداعين للعصيان المدني: تتمثل إحدى العقبات الرئيسية التي تواجه نجاح العصيان المدني في الخلافات بين الجهات الداعية إليه، سواء بالنسبة للقضايا موضع الاحتجاج أو الأسلوب الذي سوف ينفذ به. فعلى سبيل المثال، برزت الانقسامات الداخلية وسط الحراك الاحتجاجي اللبناني بشأن تكدس النفايات في الشوارع بما جعله خارج معادلة السلطة، وتشير بعض الكتابات إلى أن هذا التصعيد لم يكن مدروسًا، حيث انسحبت منه مجموعات مثل "بدنا نحاسب" و"جمعية الحراك المدني الديمقراطي" و"من أجل الجمهورية" و"حقوقيون ضد الفساد".

2- التخوفات من سيناريوهات الفوضى الإقليمية: ترجع حالة الاستجابة الجزئية للعصيان الأخير في السودان إلى تخوفات قطاعات مجتمعية من المآل الذي قد ينتهي إليه السودان مثلما خرجت الأوضاع عن السيطرة في الدول المنهارة بعد تحول الثورات الشعبية إلى صراعات داخلية في ليبيا وسوريا واليمن، حيث بثت القنوات التلفزيونية الرسمية نشرات إخبارية تحذر من حالة الفوضى التي يمكن أن تواجهها البلاد في حال حدوث مواجهات بين القوى الداعية للعصيان المدني والأجهزة المدنية.

3- ضعف الثقافة المجتمعية المتعلقة بالعصيان: تفتقر قطاعات المجتمع في دول الإقليم إلى ما يطلق عليه "ثقافة العصيان المدني"، باستثناء إضرابات فئوية يقوم بها الصحفيون أو الأطباء أو المحامون أو العمال، على نحو يجعلها تندرج ضمن العصيان الجزئي، وهو ما يعود إلى غياب الوسائل السلمية لتعريف المواطنين بالعصيان المدني في غالبية دول الإقليم، لأنه قد ينحرف عن المسار مع استخدام العنف، بما يتناقض مع جوهر هذا العصيان.

4- تشكل حملات مجتمعية معارضة للعصيان: تشن بعض وسائل الإعلام وأعضاء مجلس النواب هجومًا حادًّا على دعوات العصيان المدني في مصر عبر الامتناع عن دفع فواتير المياه والكهرباء لمدة طويلة، وتوازى مع ذلك تهديد وزير الكهرباء د. محمد شاكر بأنه في حال امتناع أي مواطن عن سداد الفواتير المستحقة عليه فسوف تقوم الوزارة بقطع التيار عنه. كما أعلن عرقي اتخاذ إجراءات قانونية ضد القائمين على حملات مقاطعة دفع الفواتير بعد زيادة أسعار استهلاك الكهرباء. وفي الحالة الليبية، كانت بلدية طرابلس تستبق العصيان بدعوة العاملين في القطاع العام بمختلف إداراته ومؤسساته إلى تجاهل العصيان والاستمرار في العمل، خاصةً في قطاعات التعليم والصحة والمرافق الخدمية. 

5- مقاومة التدخلات الخارجية: وهو ما برز في غياب الاستجابة المجتمعية لحملة "مش دافع" التي أطلقها ما يسمى "المجلس الثوري المصري" في 3 سبتمبر 2016 للامتناع عن دفع الفواتير في البلاد (مصر). وعلى الرغم من امتناع حالات داخل المجتمع المصري عن دفع فواتير الكهرباء والمياه، فإنها لا تعكس توجهًا عامًّا أو حتى مناطقيًّا، لا سيما أنها تحمل، في رؤية اتجاهات عديدة، تدخلا من الدولة المستضيفة لأعمال هذا المجلس (تركيا) في الشئون الداخلية المصرية. فمقاومة العصيان المدني في تلك الحالة واجبة نظرًا لتحريض الإخوان على العصيان المدني في مصر.

خيارات أخرى:

  خلاصة القول، إن الرسالة الأساسية للدعوة للعصيان المدني في دول عدة بالإقليم مفادها أن المجتمعات تملك خيارات أخرى للمقاومة لن تستطيع الحكومات مواجهتها بالأداة الأمنية بمفردها، وهو ما يتطلب من تلك الحكومات التقاط الرسائل الرئيسية لهذا العصيان أو ذاك تجنبًا لخيارات فجائية قد تجعل الأمن الوطني على المحك في لحظة ما قد تكون قادمة.