أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

"لوك سابها 18":

خمسة عوامل أساسية تقود مودي لرئاسة وزراء الهند للمرة الثالثة

09 مايو، 2024


لا يدور الحديث داخل الهند حول انتخابات مجلس النواب "لوك سابها" رقم 18 في تاريخ البلاد منذ الاستقلال عن بريطانيا في عام 1947، عن تنافس حقيقي بين الائتلافين الحزبيين الكبيرين قد يقود أحدهما إلى السلطة؛ ولكنه يدور فقط حول عدد مقاعد الأغلبية التي سوف يستحوذ عليها حزب بهاراتيا جاناتا، قائد ائتلاف "التحالف الوطني الديمقراطي" الذي يحكم الهند منذ عام 2014، ومدى قدرة المعارضة فقط على الحفاظ على الفارق الراهن منذ انتخابات 2019 أو تقليله إن أمكن.

وفي الوقت الذي يحتاج فيه أي حزب أو ائتلاف أن يحصل على 272 مقعداً من أصل 543 مقعداً هي إجمالي عدد نواب "لوك سابها" كي يحقق الأغلبية؛ فإن التوقعات واستطلاعات الرأي العام في الهند ترجح أن يحصل الائتلاف الحاكم بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا، والذي يتكون من حوالي 38 حزباً وطنياً وإقليمياً، على ما بين 370 إلى 400 مقعد، في مقابل حصول بقية أحزاب المعارضة الأخرى مجتمعة، بما فيها التحالف الوطني التنموي الهندي بقيادة حزب المؤتمر الوطني، والذي يضم حوالي 25 حزباً على ما بين 143 إلى 173 مقعداً فقط، منها 55 إلى 60 مقعداً لحزب المؤتمر؛ ما يعني في كل الأحوال حصول الحزب الحاكم على الأغلبية المطلقة للمرة الثالثة على التوالي بعد انتخاباتي 2014 و2019.

وقد بلغت ثقة حزب بهاراتيا جاناتا في الفوز درجة جعلت رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، يصرح في 5 فبراير 2024، بالقول إنه يمكن للائتلاف الحاكم أن يحقق أكثر من 400 مقعد؛ وهو ما يرجع إلى أن الناخبين الهنود يرون فيه الشخصية القوية والخيار الأفضل لتحقيق التنمية والبرامج الاجتماعية وقيادة الهند نحو دور عالمي أكبر باعتباره زعيماً قومياً يعلي الخطاب الذي يمنح المواطن الهندي العادي الفخر بمسار الأمة.

في هذا السياق، يمكن القول إن هناك خمسة عوامل أساسية تجعل نتائج الانتخابات العامة الهندية لعام 2024 محسومة سلفاً من حيث حصول حزب بهاراتيا جاناتا على الأغلبية، وإعادة انتخاب مودي لولاية ثالثة على التوالي، وهي أسباب يمكن إيجازها في الآتي:

1 - التعويل على تأثيرات برامج الرعاية الاجتماعية: ترتكز حكومة مودي والحزب الحاكم على برامج الرعاية الاجتماعية التي قدمتها خلال السنوات الماضية كإحدى الركائز الأساسية في تعزيز حظوظه الانتخابية؛ إذ يوجد نحو 300 برنامج في كافة ولايات الهند لدعم الاحتياجات الأساسية لنحو 950 مليون شخص.

وقد مثلت قيمة مخصصات الدعم لتلك البرامج 270 مليار دولار من الإنفاق الحكومي منذ عام 2017، وقامت حكومة مودي بدعم السلع والخدمات الأساسية كالكهرباء والإسكان والحسابات المصرفية، وتقديم الدعم النقدي من خلال سياسة التحويلات النقدية المباشرة للمواطنين، والتي وصلت إلى 2.4 تريليون روبية، استفاد منها حوالي 700 مليون فرد في عامي 2019 و2020، هذا علاوة على 1.4 تريليون روبية إضافية من المزايا العينية. كما أعلنت حكومة مودي في نوفمبر 2023 عن تمديد خطة توفير الحبوب الغذائية المجانية لـ 800 مليون مواطن لمدة 5 سنوات إضافية.

وبشكل عام، فقد تحسنت البنية التحتية بشكل كبير في عهد مودي، وأصبح أكثر من نصف السكان متصلين بالإنترنت، وتضاعف حجم شبكة الطرق السريعة الوطنية، وقامت الهند أيضاً ببناء شبكة من القطارات شبه عالية السرعة. علاوة على تعزيز برامج الوصول إلى الخدمات الأساسية التي يفتقدها غالبية الهنود، ولاسيما مياه الشرب والصرف الصحي.

2 - الأجندة الهندوسية القومية كعامل جذب: يستقطب الخطاب القومي الأغلبية الهندوسية للتصويت للحزب الحاكم؛ إذ يُعد الانحياز المطلق للهندوس من بين الركائز الأساسية لحزب بهاراتيا جاناتا، ورئيس الوزراء مودي في تعزيز شعبيته خلال العقد الماضي، في ظل تبني الحكومة الحالية عقيدة الهندوتفا، الداعية إلى النقاء القومي الهندوسي والهادفة إلى زيادة دور الهندوس في السياسة الهندية. 

وقد عزز هذا التوجه قيام مودي، في يناير 2024، بافتتاح معبد كبير للإله "رام"، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الهندوس، في مدينة أيوديا، والذي أُقيم في موقع مسجد هدمته حشود هندوسية في عام 1992. كما أعلنت الهند في مارس 2024، دخول قانون الجنسية الجديد حيز التنفيذ، والذي يوفر مساراً سريعاً لتجنيس الهندوس والبارسيين والسيخ والبوذيين والجاينيين والمسيحيين، الذين فروا إلى الهند من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان قبل ديسمبر 2014، ويستثني القانون المسلمين، الذين هم الأغلبية في الدول الثلاث.

ويصب في الاتجاه ذاته قرار المحكمة العليا في الهند، في ديسمبر 2023، المؤيد لإلغاء الحكم الذاتي في ولاية جامو وكشمير؛ الأمر الذي يُعد بمثابة انتصار للحزب الحاكم وخطابه القومي والأيديولوجي. ويُعد هذا النهج من المرتكزات الأساسية للحزب الحاكم لتعزيز فرصه الانتخابية، خاصة أن الهندوس يمثلون نحو 80% من سكان الهند؛ ما يضمن للحزب كتلة تصويتية مؤثرة.

3 - دور ناريندرا مودي في تعزيز مكانة الهند عالمياً: على الرغم من أن السياسة الخارجية لا تأتي ضمن قمة أولويات الناخبين في أغلب دول العالم، فإنها تشغل حيزاً كبيراً ومحورياً في انتخابات الهند 2024؛ لدرجة أنها باتت وكأنها قضية انتخابية داخلية، ربما بفضل الجهود الدعائية لحزب بهاراتيا جاناتا؛ فقد شهدت الفاعليات الانتخابية ترويج الحزب ومرشحيه لدور رئيس الوزراء مودي، في إعادة رسم دور الهند على الساحة الدولية وجعلها قوة رائدة في العالم خلال العقد الماضي، وركزت الحملات الانتخابية على ظهوره كقائد يُشرف على صعود الهند عالمياً.

وتجد هذه الرسالة قبولاً لدى الناخبين الذي يطمحون في استكمال مودي مسيرته للإيفاء بوعوده بجعل الهند دول متقدمة بحلول عام 2047، والمضي قدماً في وضع الهند كقوة مؤثرة في الساحة الدولية، وقائدة للجنوب العالمي، بجانب المطالبة بالعضوية الدائمة للهند في مجلس الأمن، وتوسيع نطاق الدبلوماسية الهندية في جميع أنحاء العالم. ويضاف لذلك التزام مودي بإنشاء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط، وهي الوعود التي ذكرها البرنامج الانتخابي للحزب الحاكم.

4 - الانتصار على حزب المؤتمر في الانتخابات الإقليمية الأخيرة: حقق حزب بهاراتيا جاناتا فوزاً كبيراً في انتخابات 3 ولايات كبرى من أصل 4 ولايات في ديسمبر 2023؛ إذ تمكن من الإطاحة بحزب المؤتمر الوطني وانتزع السلطة منه في ولايتي تشاتيسجاره وراجستان، واحتفظ بالسيطرة على الحكومة في ماديا براديش، فيما فاز حزب المؤتمر المعارض بولاية تيلانجانا الجنوبية.

وتشير هذه النتائج إلى استمرار سيطرة وصعود نفوذ الحزب الحاكم؛ إذ يحكم الحزب بمفرده 12 ولاية من أصل 28 ولاية، هذا علاوة على مشاركته في حكم ولايات أخرى في ظل ائتلافات حزبية مختلفة؛ ما يعزز حظوظه في الفوز بالانتخابات العامة الجارية، لكن المعارضة تقول إن النتائج في الولايات الأربع لن يكون لها أي تأثير في الانتخابات العامة، وهي تصريحات لا تخرج عن نطاق رفع المعنويات، خاصة وأن هذه النتائج أثبتت عدم قدرة المعارضة على توسيع نفوذها وتحقيق نتائج إيجابية في تلك الولايات، كما أن توقيتها جاء في وقت كانت تعمل المعارضة فيه على حشد وتعبئة الناخبين ضد الحزب الحاكم.

وعليه يعول حزب بهاراتيا جاناتا على شعبيته وقدرته على إلحاق هزيمة بالمعارضة، وانتزاع الحكم منها في ولايات كانت خاضعة لها، كما أن إخفاق حزب المؤتمر في الانتخابات الإقليمية أضاع عليه فرصة الترويج لإعادة ترتيب أوراقه من الداخل وإقناع الناخبين بقدرته على الإطاحة بالحزب الحاكم.

5 – محدودية مساحة المناورة السياسية لدى المعارضة: يبدو أن مساحة المناورة لدى أحزاب المعارضة محدودة للغاية، وأن ما تمتلكه من أوراق تسعى إلى توظيفها ضد الحزب الحاكم لن تؤتي ثمارها؛ إذ تظل رهانات الأخير وأوراقه الانتخابية أكثر فعالية وتأثيراً من المعارضة في ظل ارتفاع شعبية مودي من جانب، وضعف التنسيق بين أحزاب المعارضة من جانب آخر.

تنصب رهانات المعارضة الأساسية على استهداف وجذب أصوات الفئات التي تأثرت نتيجة ارتفاع معدلات البطالة وندرة فرص العمل، والفئات المتأثرة بالسياسات القومية التي يتبناها الحزب الحاكم؛ لكنها مع ذلك لا تقدم طرحاً بديلاً متماسكاً لعلاج هذه الاختلالات. كما تعمل المعارضة على استغلال ضعف شعبية حزب بهاراتيا جاناتا في ولايات شرق وجنوب الهند، فعلى سبيل المثال، لم يتمكن الحزب سوى من الفوز بــ 29 مقعداً من أصل 129 مقعداً في "لوك سابها" في انتخابات 2019 في الولايات الجنوبية الخمس، ولم يفز بأي مقاعد في ثلاث من تلك الولايات؛ وهو التحدي الذي حاول مودي التعامل معه عشية الانتخابات الجارية؛ إذ قام بزيارة ولايات الجنوب نحو 17 مرة في عام 2023، وغيَّر لغة خطابه السياسي تجاه الجنوب من خلال التركيز على الجوانب التنموية والابتعاد عن الخطاب الأيديولوجي.

أما فيما يتعلق بالتنسيق بين أحزاب ائتلاف المعارضة، فيمكن القول إن كل ما فعله حزب المؤتمر الوطني قبل الانتخابات بشهرين لا يصب في خانة منافسة الائتلاف الحاكم، ولكنه يصب في خانة محاولة تضييق الفارق في عدد المقاعد فقط، وذلك بعد أن أسهم الخلاف على تقاسم المقاعد بين أحزاب المعارضة قبل الانتخابات في انسحاب بعض الشخصيات الفاعلة، ففي يناير الماضي أعلنت ماماتا بانيرجي، رئيسة حزب مؤتمر ترينامول عموم الهند أن حزبها سيخوض الانتخابات بشكل مستقل، وهو ما اعتبر ضربة قوية لتحالف المعارضة؛ إذ يحكم هذا الحزب ولاية البنغال الغربية شرق الهند، والتي لها 42 مقعداً برلمانياً كانت سوف تحسب أغلبيتها لصالح المعارضة. كما تخلى نيتيش كومار، رئيس حزب جاناتا دال، عن تحالف المعارضة، وشكَّل حكومة جديدة بقيادته كرئيس للوزراء في ولاية بيهار مع حزب بهاراتيا جاناتا في 28 يناير الماضي.

وفي محاولة من حزب المؤتمر الوطني لمنع المزيد من الانقسام داخل المعارضة والحصول على أكبر عدد من المقاعد في بعض الولايات المهمة كي لا يتسع الفارق مع الائتلاف الحاكم؛ توصل الحزب في شهري فبراير ومارس، لاتفاقات بشأن تعديل المقاعد مع بعض أحزاب المعارضة الرئيسية مثل حزب آم آدمي وحزب ساماجوادي وحزب درافيدا مونيترا شازهاجام، وهي أحزاب تحظى بشعبية في عدة ولايات مهمة أبرزها: أوتار براديش، وماديا براديش، وغوجارات، وهاريانا، ودلهي، وغوا، وإقليم شانديغار الاتحادي، والتي لديها 148 مقعداً من إجمالي 543 مقعداً في "لوك سابها".

ومن هنا يمكن القول إن ائتلاف المعارضة لم يستفد كثيراً من تجربة وأخطاء الانقسام والخلاف حول توزيع المقاعد التي حدثت في انتخابات 2019، وأنه لا يملك الآن سوى محاولة الحفاظ على فارق عدد المقاعد الراهن، وأن حزب بهاراتيا جاناتا سوف يحكم الهند لولاية ثالثة على التوالي ربما كمقدمة لاحتكار الحزب منصب رئاسة الوزراء لفترات طويلة كما حدث سابقاً مع حزب المؤتمر الوطني الذي احتكر هذا المنصب منذ عام 1947 وحتى عام 2014.