عاد التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر بشكل لافت ليبرز بقوة في تفاعلات المشهد السياسي العراقي، وذلك بعد فترة من الانكفاء، بدأت تقريباً مع استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي في 30 نوفمبر 2019. ويمكن رصد أبرز المؤشرات الدالة على حرص التيار الصدري على الظهور بقوة في تفاعلات الساحة العراقية في الفترة الماضية، وذلك من خلال ما يلي:
1- التراجع عن قرار عدم المشاركة في الانتخابات والتطلع لرئاسة الحكومة: قرر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، في 22 نوفمبر الماضي، خوض الانتخابات المبكرة، وذلك بعد أشهر على قراره بعدم المشاركة فيها. كما أكد الصدر أنه يستهدف النجاح في الحصول على أغلبية في مجلس البرلمان ومن ثم تعزيز فرص أحد مرشحي التيار في تولي منصب رئيس الوزراء لإكمال ما وصفه بمشروع الإصلاح من الداخل ولـ"تخليص العراق من الفساد والتبعية والانحراف".
2- عودة التظاهرات الحاشدة التي ينظمها التيار: تجمع عشرات الآلاف من أنصار التيار الصدري في بغداد في 27 نوفمبر الماضي للتظاهر ضد الفساد ولأداء صلاة الجمعة في ساحة التحرير ببغداد والشوارع المحيطة بها. من جانبه، أكد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدري، في خطبة تلتها لجنة الاحتجاجات الشعبية في ساحة التحرير، أنه "ملزم بالدفاع عن العراق من الانحلال"، مبيناً أن ذلك يأتي وفق تحقيق الأغلبية الصدرية داخل قبة البرلمان في الانتخابات المقبلة. كما دعا الصدر أنصاره، عبر الخطبة، إلى التمسك بالإصلاح لـ"الوصول إلى رئاسة وزراء أبوية عادلة".
3- رعاية جهود توحيد "البيت الشيعي": دعا الصدر، في 2 ديسمبر الجاري، إلى ترميم "البيت الشيعي" للتصدي لما وصفه بـ "التعدي الواضح والوقح ضد الله ودينه ورسوله وأوليائه من قبل ثلة صبيان لا وعي لهم ولا ورع تحاول من خلاله تشويه سمعة الثوار والإصلاح والدين والمذهب، مدعومة من قوى الشر الخارجية ومن بعض الشخصيات في الداخل". وأضاف: "أجد من المصلحة الملحة الإسراع بترميم البيت الشيعي من خلال اجتماعات مكثفة لكتابة ميثاق شرف عقائدي وآخر سياسي".
أهداف مختلفة:
يأتي حرص التيار الصدري على إبراز دوره الفاعل في المشهد العراقي من جديد ارتباطاً بمسعاه لتحقيق جملة من الأهداف، والتي يتمثل أبرزها في:
1- العمل على تكرار إنجاز انتخابات عام 2018: يستهدف التيار الصدري بصورة أساسية من تحركاته الحالية تكرار النجاح الكبير وغير المسبوق الذي حققه تحالف "سائرون" التابع للتيار في الانتخابات البرلمانية عام 2018، وذلك في الانتخابات المبكرة المرتقبة في يونيو المقبل. ويُشار في هذا الصدد إلى أن التيار الصدري كان قد حصد أكثرية المقاعد في مجلس النواب عام 2018، وذلك بحصوله على 54 مقعد من أصل 329. كما حصل التيار خلال الانتخابات التشريعية في عام 2014 على المركز الثاني بعد بحصوله على 34 مقعد.
2- إظهار الرصيد الشعبي المتجذر: يسعى التيار من خلال تحركاته الأخيرة إلى إظهار رصيده الشعبي، الذي يرى أنه يؤهله لصدارة خريطة التنظيمات السياسية الموجودة على الساحة العراقية ويساعده في تحقيق نتائج بارزة في الانتخابات التشريعية القادمة.
3- التصدي للتيارات المناهضة للصدريين: من الملاحظ أن محاولة التيار الصدري زيادة دوره في المشهد العراقي الحالي جاءت كرد فعل على استياء بعض الأوساط الشعبية في الأيام الأخيرة من التيار، على خلفية الاتهامات التي وُجهت له في 27 نوفمبر الماضي بأنه السبب وراء مقتل 4 متظاهرين وإصابة 90 آخرين في ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار بعد الاشتباكات التي وقعت بين أنصاره وبعض المتظاهرين.
جدير بالذكر أن العلاقة بين الصدر والمتظاهرين من غير تياره كانت قد توترت في يناير الماضي مع قرار الأول بسحب أنصاره من ساحات التظاهر للدرجة التي تم فيها تخوينه واتهامه بـ"المتاجرة بدماء المتظاهرين"، وهو الأمر الذي قُوبل بهجوم من الصدر على المتظاهرين.
وقد كشفت تقارير عديدة في 4 ديسمبر الجاري عن قيام عناصر سرايا السلام، وهى الجناح المسلح للتيار الصدري، بشن هجوم على متظاهري ساحة التحرير وسط بغداد نتيجة رفع شعارات "عراق العراقيين والبيت العراقي" وتنظيم وقفة تضامنية مع أحداث الناصرية الأخيرة، لتتطور بعدها إلى هتافات مناوئة لزعيم التيار الصدري. وأضافت تلك التقارير أن غضب المتواجدين وحنقهم من تصرفات التيار الصدري جعلهم يرفعون شعارات تندد بالصدر والتيار الصدري.
جدير بالذكر أن أنباء هجوم "سرايا السلام" على المتظاهرين تأتي على الرغم من تجميد هذا الفصيل العسكري، وكذلك "لواء الفي الموعود" التابع للتيار، من قبل مقتدى الصدر.
4- التنافس على زعامة الكتلة الشيعية: تكشف محاولة الصدر لتوحيد البيت الشيعي من جديد عن تجدد مسعاه لأن تكون زعامة التيار الشيعي للتيار الصدري على حساب المكونات الأخرى خاصة تيار عمار الحكيم. جدير بالذكر أن الأخير قام في يوليو الماضي بتأسيس تحالف "عراقيون" والذي أعلن أنه يهدف مرحلياً إلى دعم الكاظمي وفق توجهاته الحالية، خاصة في كل ما يتعلق بتقوية مسار الدولة ومؤسساتها وتطبيق القانون وإعادة الثقة بالنظام السياسي. وبطبيعة الحال، ينظر الصدر لتحركات الحكيم بشكل مستمر على أنها منافسة له على الصعيد الشيعي، ومن الوارد أن تكون تلك التحركات أحد دوافع الصدر لإبراز دوره الحالي في المشهد العراقي.
دائرة الضوء:
تأتي التحولات الأخيرة في مواقف التيار الصدري وطريقة تعاطيه مع المشهد السياسي عبر الانخراط المكثف في هذا المشهد بعد فترة طويلة من السكون استجابة لتوجهات زعيمه مقتدى الصدر، الذي يحرص بشكل دائم على أن يكون في دائرة الضوء. ومن اللافت هذه المرة أنه على الرغم من رفض الصدر سابقاً لأن يكون رئيس الوزراء من تياره، على غرار ما حدث بعد انتخابات 2018 وكذلك بعد إقالة عادل عبد المهدي، إلا أن هذا الموقف قد يتغير في الفترة المقبلة، لاسيما بعد إجراء الانتخابات المبكرة.