أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

حرب متعددة الجبهات:

السيناريوهات الثلاث للتأزم السياسي في لبنان

16 نوفمبر، 2017


ثمة تأثيرات خطرة يُحتمل أن تشهدها الساحة اللبنانية في أعقاب إعلان رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته، وهجومه غير المسبوق على إيران، في 4 نوفمبر الجاري، لا سيما بعد أن أوضح أن استقالته تأتي على خلفية استمرار انتهاك إيران للسيادة اللبنانية، معتبرًا أنها (أي طهران) تمثل الفتنة أينما حلّت، وأن شرورها سترتد عليها وستُقطع يدها، في إشارة ضمنية إلى حزب الله باعتباره إحدى تلك الأيادي.

وفي حين لا تزال تفاعلات الأزمة داخليًّا تحاول استيعاب المفاجأة؛ فإن مستوى تفاعل الأزمة واتساع دائرتها أسرع بكثير نظرًا لتشابكاتها الإقليمية، وهو ما يُتوقع معه العديد من السيناريوهات التي قد يكون من بينها اندلاع وشيك لحرب متعددة الجبهات في المنطقة، خاصة على جبهتي لبنان واليمن حيث تتنامى القواسم المشتركة الدافعة للتصعيد على الجبهتين.

وتُشير تفاعلات الأزمة الداخلية اللبنانية إلى عدة ملامح رئيسية، هي:

1- مسارات متناقضة سياسيًّا: يبدو أن هناك مسارين متناقضين بالنظر إلى ردود الأفعال على مستوى الجبهة الداخلية، فالخطابات السياسية لحزب الله وحلفائه تصدر عدة رسائل مفادها أن هناك حاجة إلى التماسك الداخلي وعدم الانزلاق إلى الفوضى، وأنه يسعى بالتالي إلى احتواء الأزمة. 

ولكن في المقابل فإن أداء حزب الله والرئيس ميشيل عون يشير إلى ملمحين أساسيين؛ أولهما تحميل الحريري تبعات الأزمة، وأنه لم يكن هناك خطر على حياته، أما الثاني فهو تشكيل حكومة تكنوقراط لتجاوز الأزمة مؤقتًا. وبين الخطاب والأداء السياسي يظهر أن هناك تناقضًا الهدف منه محاولة تكتيكية لكسب الوقت. 

2- مشهد مُركَّب أمنيًّا: المشهد أكثر تعقيدًا على المستوى الداخلي، فلا شك أن السنوات الأخيرة أظهرت اختلالًا واضحًا في موازين القوى الأمنية في داخل لبنان، فقوة حزب الله وقدراته العسكرية تتنامى في داخل لبنان وخارجه في الوقت الذي تتراجع فيه قدرات وإمكانيات الجيش، خاصة في ظل صعوبة توفير تمويل للتسلح، وهو ما ظهر مؤخرًا في محاولات سعد الحريري نفسه الحصول على دعم أمريكي من جهة وروسي من جهة أخرى، لكن يبدو الوضع عمليًّا أصعب من ذلك في ظل تهميش حزب الله للجيش والأجهزة الأمنية، وهو ما ظهر في أكثر من مشهد بدأت ملامحه من قراره الحرب على الساحة السورية دون توافق لبناني، وحتى إبرام صفقتي الجرود اللتين أبرمهما الحزب مع جبهة النصرة وداعش على الرغم من القرار المختلف للجيش.

3- العودة إلى نقطة الصفر: يردد تيار 14 آذار مقولة عودة شبح عام 2005 الذي شهد عملية اغتيال الحريري الأب، بينما الواقع الراهن يشير إلى أن الوضع السياسي عاد إلى نقطة الصفر، أي ما قبل التسوية التي قبلها سعد الحريري قبل أقل من عام، والتي أنهت الفراغ السياسي في لبنان. لكن في ظل هذه الاختلالات في موازين القوى السياسية والأمنية، سواء في ظل تراجع أحد أقطاب العملية السياسية وهو تيار 14 آذار عن الاستمرار في العملية السياسية وفقًا للقواعد التي يفرضها حزب الله على لبنان، أو في ظل ظروف اختلال الموازين الداخلية، بالإضافة إلى صعوبة القبول الإقليمي بالأدوار التي ينخرط فيها حزب الله خارج حدود البلاد. 

وصاية طهران:

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الوصاية الإيرانية على لبنان هي كلمة السر التي ساقها الحريري في بيان الاستقالة في دلالة أكثر تلميحًا إلى الطابع الإقليمي للأزمة، وإن كانت تُمثِّل تحصيل حاصل لتكرار إيران صيغ الوصاية على لبنان ضمن عواصم عربية أخرى، لكن تصدى لها الحريري مؤخرًا. 

والفارق في هذا المشهد هو زيارة علي ولايتي (مستشار المرشد الإيرانى) ولقاؤه الحريري، وهو اللقاء الذي زعمت وسائل الإعلام الإيرانية أن الحريري كان يسعى من ورائه للتدخل كوساطة في الأزمة اليمنية، بحسب وكالة فارس، وهو ما لا يستقيم ومشاهد السجالات السابقة. 

لكن في المقابل، بدت هناك تسريبات أخرى تُشير إلى أن الحريري تلقّى تهديدًا من ولايتي، وهو ما عزز سيناريو أن الحريري كان في دائرة الاستهداف الشخصي، وهو ما ألمح إليه في بيان الاستقالة بقوله: "لمست ما يُحاك سرًّا لاستهداف حياتي". 

نقل الجبهة:

تتفادى طهران أن تطالها الحرب مباشرة في الوقت الذي تسعى فيه إلى تعزيز مشروعها في سوريا، خاصة وأن الميدان السوري قد يشهد تكتل خصوم إيران، سواء من الولايات المتحدة أو إسرائيل التي ستجد لنفسها مصلحة في نقل هذه الجبهة إلى اليمن والبحر الأحمر، وبالتالي تسعى إلى تقليل الخسائر الممكنة، وفي الوقت نفسه قد يساعدها ذلك على المضي في مشروعها في سوريا، لكن وفقًا لحسابات التطورات الراهنة فإن إيران وأذرعها الإقليمية قد تشهد حربًا متعددة الجبهات متزامنة من أطراف مختلفة.

مسارات ثلاثة:

السيناريوهات القادمة -وفقًا لهذه المعطيات- تشير إلى أن حاصل التأزم السياسي والاختلال الأمني في لبنان سيقود إلى مشهد الحرب وفقًا للحسابات التقليدية على نحو ما تُشير إليه الخبرة اللبنانية، والتي تأتي في سياق ثلاثة مسارات، على النحو التالي: 

1- اندلاع احتجاجات محلية على تطورات المسار السياسي الذي يهدف إلى تجاوز التسوية السياسية التي أفشلها حزب الله وحلفاؤه، وصعوبة احتوائها وتفاقمها تدريجيًّا، خاصة وأن استقالة الحريري تشكك في إمكانية قبوله بالعودة إلى شراكة سياسية مع حزب الله بأي حال من الأحوال.

2- وقوع تفجيرات أو اغتيالات سياسية بالنظر إلى الخبرات اللبنانية السابقة، وهو ما سيقود إلى نتيجة لا تختلف عن السيناريو السابق، ويعزز هذا السياق التسريبات الخاصة بعملية اغتيال كانت تستهدف الحريري شخصيًّا. 

3- دفع مسارات الأزمة قُدمًا إلى مواجهة إقليمية بسبب تفاعلاتها الخارجية بالنظر إلى انعكاسات تمدد أدوار حزب الله الإقليمية وتشابكها مع الأزمة الحالية.

انفجار أمني: 

في المجمل، ذهبت الأطراف ذات الصلة بالأزمة اللبنانية إلى نقطة اللا عودة، فلن يكون بمقدور الحريري أو أي طرف يمثل هذا التيار المشاركة في أي عملية تسوية سياسية، بل السير باتجاه قاعدة "قطع يد" الأذرع التي أشار إليها الحريري، وهو ما يعني أن لا عودة قبل الحرب الشاملة أو المتقطعة على الجبهات المختلفة، وبالتالي فإن انفجار الوضع السياسي على النحو الذي تتصاعد به الأزمة في الوقت الراهن يعني بالتبعية انفجارًا أمنيًّا على التوالي مع عدم القدرة على احتوائه حتى يُعاد تشكل ميزان القوى مرة أخرى في الساحة الإقليمية، وتظهر تداعياته على الساحة في لبنان.

ولكن في هذا الصدد من الضروري الإشارة إلى أن حزب الله ليس هو نفسه الميليشيا التي خاضت حروبًا سابقة في الإقليم في مواجهة إسرائيل، بالنظر إلى قدراته العسكرية في لبنان وخارجه، وخبراته التي اكتسبها من الانخراط في تفاعلات الأزمة السورية، وكذلك الأمر بالنسبة لإيران بالنظر إلى تأسيسها نسخًا مكررة من حزب الله في العراق واليمن وسوريا، فإذا كان المسار المعتاد بشأن الأزمة اللبنانية هو مسار متكرر، لكن من المهم الإشارة إلى أن المواجهة القادمة لن تكون فقط "حربًا بالوكالة" وإنما ستكون "حربًا مباشرة" أيضًا.