أعلنت عناصر من الجيش في بوركينا فاسو، في 24 يناير 2022، عن استيلائهم على السلطة وعزل الرئيس البوركينابي، روش مارك كابوري، من منصبه، حيث ألقى أحد الضباط الذين سيطروا على الحكم بياناً من خلال التلفزيون الرسمي، حمل توقيع الكولونيل، بول هنري سانداوغو دامبيا، زعيم "الحركة الوطنية للحماية والاستعادة"، أعلن خلاله الإطاحة بالحكومة، لتنضم بذلك بوركينا فاسو إلى كل من مالي وغينيا، في ثالث انقلاب عسكري يشهده غرب أفريقيا خلال نحو ثمانية أشهر فقط.
سياق داخلي مأزوم:
شهدت بوركينا فاسو انقلاباً ضد الرئيس البوركينابي، روش مارك كابوري، والذي كان قد وصل إلى السلطة في 2015، في أول انتخابات رئاسية في البلاد، بعد الإطاحة بالرئيس السابق، بليز كومباوري، في انتفاضة شعبية أجتاحت البلاد في 2014، ويمكن توضيح أبعاد الانقلاب وأبرز المواقف الصادرة تجاهه على النحو التالي:
1- إخفاق جهود منع الانقلاب: شهدت الأسابيع الأخيرة توتراً حاداً بين الجيش البوركينابي والرئيس كابوري، بلغت ذروتها بإعلان بعض الجنود في الثكنات العسكرية عن تمردهم، قبل أن يتطور الموقف بانتشار دوي إطلاق نار في محيط القصر الرئاسي، فضلاً عن رصد طائرة هليكوبتر فوق منزل الرئيس، وهو ما تزامن مع انتشار شائعات باستيلاء الجيش على السلطة.
ونفت الحكومة وجود أي تحركات من قبل الجيش، مؤكدة أن الأوضاع تحت السيطرة، قبل أن يصدر الرئيس البوركينابي، في 23 يناير الجاري، قراراً بحظر التجوال الليلي، غير أنه في 24 يناير، ألقت مجموعة من ضباط الجيش بيان صادر عن "الحركة الوطنية للحماية والاستعادة" التي قادت الانقلاب العسكري الأخير في بوركينا فاسو، والتي يقودها الكولونيل، بول هنري سانداوغو داميبا.
وأعلن البيان أن الجيش أطاح بالرئيس كابوري، كما حل البرلمان والحكومة وعلّق العمل بالدستور وأغلق حدود البلاد. وأشارت بعض التقارير إلى أنه كابوري تم احتجازه، مع عدد كبير من المسؤولين الحكوميين، في الثكنة العسكرية "سانغولي لامبزانا".
2- إدانات إقليمية ودولية: أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن إدانته الشديدة للانقلاب العسكري، مطالباً قوات الجيش بضرورة تأمين سلامة الرئيس وتسليم أسلحتهم. كما أعرب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي محمد، عن إدانته الانقلاب الأخير، وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" (إكواس) والتي حملت العناصر الانقلابية مسؤولية سلامة رئيس الجمهورية.
كذلك، دعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في 24 يناير الجاري، إلى الإفراج الفوري عن رئيس بوركينا فاسو وبقية أعضاء مؤسسات الدولة المدنيين، واحترام الدستور وتغليب الحوار. كما أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكورن، عن إدانته الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو.
دوافع الانقلاب العسكري:
هناك عدد من العوامل المفسرة للانقلاب العسكري الأخير في بوركينا فاسو، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- تصاعد الاحتقان داخل المؤسسة العسكرية: شهدت الأشهر الأخيرة تزايد حالة السخط داخل الجيش البوركينابي، بدعوى تقصير النظام الحاكم في تزويدهم بالامدادات اللازمة لمواجهة هجمات الجماعات الإرهابية. وترى عناصر الجيش أن هذا التقصير كان أحد أسباب الهجوم الإرهابي الذي استهدف قاعدة "إيناتا" العسكرية في شمال البلاد، في نوفمبر الماضي، والذي أسفرت عن أكثر من 50 قتيلاً من عناصر الأمن.
وتفاقمت حدة الاحتقان الداخلي في الجيش بعد سلسلة الإقالات التي نفذها الرئيس كابوري في نوفمبر الماضي، للعديد من قيادات الجيش، فضلاً عن قيام كابوري باعتقال نحو 12 شخصاً قبل أسبوع واحد من الانقلاب الأخير، بينهم قيادي كبير في الجيش، وهو الكولونيل إيمانويل زونغرانا، وذلك بدعوى الاشتباه في تورط هذه العناصر في التخطيط لزعزعة الاستقرار الداخلي، وهو ما يؤشر إلى امتلاك الرئيس معلومات تفيد بوجود تحركات للإطاحة به، غير أن هذه المعلومات لم تكن كافية للكشف عن المجموعة التي نفذت الانقلاب الأخير.
2- تنامي الغضب الشعبي: تعهد الرئيس كابوري، منذ توليه السلطة في 2015، بتكثيف جهود مكافحة الإرهاب، غير أن وتيرة الهجمات الإرهابية قد زادت أثناء فترة حكمه بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي ترتب عليه مقتل الآلاف ونزوح أكثر من مليون ونصف شخص.
كما خرجت الكثير من الأراضي الريفية عن سيطرة الدولة، مما أدى إلى تنامي الاحتجاجات الداخلية ضد الرئيس كابوري خلال الأشهر الأخيرة، والتي وصلت إلى حد المطالبة برحيله. وكان آخر هذه التظاهرات تلك التي اندلعت في العاصمة وجادوجو وعدة مدن أخرى، في 22 يناير الجاري، والتي شهدت قيام المحتجين بإشعال النيران في مقر الحزب الحاكم.
دلالات داخلية وإقليمية:
تعكس التطورات الأخيرة في بوركينا فاسو عدداً من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- خطوة متوقعة: يعد هذا الانقلاب هو الثامن في تاريخ بوركينا فاسو منذ استقلالها عن فرنسا في 1960. كما يلاحظ أن الانقلاب لم يكن مفاجئاً تماماً، بل كانت متوقعاً منذ فترة طويلة، في ظل حالة الاضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد في الفترة الأخيرة، خاصة بعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف قرية سولهان، في يونيو 2021، والتي أسفرت عن أكثر من 100 قتيل، مما أثار غضباً داخلياً واسعاً ضد الرئيس البوركينابي.
وتشير تقارير فرنسية، في 25 يناير الجاري، إلى أن الحكومة الفرنسية كانت تتوقع فكرة الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو منذ سبتمبر الماضي، حيث كانت في حالة تأهب قصوى منذ عدة أشهر تحسباً لهذه الخطوة.
2- دعم شعبي للانقلاب: شهدت واجادوجو، احتفالات واسعة من قبل مئات الأشخاص بسيطرة الجيش على الحكم في البلاد، كما أظهرت نتائج استطلاع حديث أجرته شبكة أفروباروميتر (Afrobarometer) أن هناك نحو 50% من السكان في بوركينا فاسو يؤيدون الحكم العسكري، مقابل 31% في حالة مالي، وهو ما سيعزز من نفوذ السلطات العسكرية الجديدة.
3- دور روسي محتمل: أشارت تقارير محلية إلى أن الأسابيع الأخيرة شهدت مطالبات من قبل بعض عناصر الجيش للرئيس كابوري بالتعاقد مع شركة "فاجنر" الروسية لدعم جهود مكافحة الإرهاب، وهو ما قد يدعم التقديرات التي رجحت احتمالية وجود دور غير معلن لمرتزقة "فاجنر"، نظراً لدورهم المتصاعد في مالي ووسط أفريقيا، فضلاً عن تطلع موسكو لتوسيع حضورها في منطقة الساحل وغرب أفريقيا باستخدام "فاجنر".
وتجدر الإشارة إلى أن المتظاهرين الذين خرجوا دعماً للانقلاب العسكري الأخير، كانوا قد حملوا شعارات داعمة لروسيا، وطالبوا بدور أكبر من قبل موسكو لدعم البلاد، وتكرار سيناريو أفريقيا الوسطى ومالي في بلادهم، وهو ما يؤشر إلى احتمال أن تشهد الفترة المقبلة انخارطاً روسياً كبيراً في بوركينا فاسو.
تداعيات إقليمية ممتدة:
يكشف الانقلاب في بوركينا فاسو عن جملة من التداعيات الداخلية والإقليمية، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:
1- قلق من عودة الانقلابات: تزداد حالة القلق من إمكانية عودة مرحلة الانقلابات المتتالية التي كانت قد شهدتها بوركينا فاسو خلال حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وهو الأمر الذي قد يدخل البلاد في دوامة من عدم الاستقرار الممتد.
2- عدوى الانتشار الإقليمي: ثمة تخوفات من استمرار ظاهرة "كرة الثلج" في منطقة غرب أفريقيا، إذ يبدو أن نموذج مالي مرشح للتكرار في حالات عدة، خاصةً في ظل غياب أي موقف إقليمي أو دولي صارم. وربما يدعم من هذا الطرح التشابه بين انقلاب مالي في أغسطس 2020 والانقلاب الأخير في بوركينا فاسو.
وقد تكون النيجر من الدول المرشحة لمثل هذا السيناريو، خاصة أنها شهدت محاولة انقلابية فاشلة ضد الرئيس محمد بازوم في مارس 2021، بعد أيام قليلة من توليه السلطة بعد الانتخابات العامة التي شهدتها البلاد. كذلك هناك قلق من احتمالية تأزم الأوضاع في نيجريا وكوت ديفوار.
3- تهديد الوجود الفرنسي: حذرت صحيفة "لا كروا" (La Croix) الفرنسية في 24 يناير الجاري، من مستقبل الحضور الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي، حيث أشار التقرير إلى أن الحضور الفرنسي الراهن في بوركينا فاسو بات مقتصراً فقط على مجموعة مكونة من 350 جندياً من القوات الخاصة، والتي تقتصر مهمتها على توجيه ضربات للعناصر الإرهابية.
واستبعد التقرير تدخل هذه العناصر لتأمين الرئيس البوركينابي على غرار تدخل هذه القوات في 2014 عندما وفرت خروجاً آمناً للرئيس السابق، بليز كومباوري، إذ إن أي تدخل غير محسوب من قبل باريس سوف يهدد خطوط قوافل تموين قواتها في قاعدة "جاو" في مالي وقاعدة "ميناكا" في النيجر، خاصة في ظل تنامي الغضب الشعبي ضد الوجود الفرنسي، في منطقة غرب أفريقيا ككل.
ومن جانب ثانٍ، فإن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، يتجنب اتخاذ أي خطوات في منطقة الساحل خلال الفترة الراهنة، قبل نحو ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية، كما أن الانقلاب الأخير في بوكينا فاسو يمثل انتكاسة جديدة للوجود الفرنسي في الساحل، ويفتح الباب أمام النفوذ الروسي المتصاعد لملء الفراغ الجديد في وجادوجو.
ومن جانب آخر، فإن التطورات الراهنة في مالي وبوركينا فاسو ربما تدفع الدول الأوروبية إلى مراجعة استمرارها في المنطقة من خلال قوات تاكوبا. وتجدر الإشارة هنا إلى أن السويد كانت قد أعلنت في منتصف يناير الجاري عن إنهاء مشاركتها في هذه القوات.
وفي التقدير، تكشف التطورات الأخيرة في بوركينا فاسو عن هشاشة الأوضاع الأمنية في غرب أفريقيا، وتصاعد احتمالات تكرار هذا السيناريو في دول أخرى. وعلى الرغم من إمكانية تعرض بوركينا فاسو خلال الفترة المقبلة لعقوبات إقليمية أو دولية، فإن الدعم الشعبي الكبير للقيادات العسكرية التي نفذت الانقلاب ربما يعزز من نفوذ السلطات الانتقالية، كما سيفتح المجال أمام تقارب محتمل مع موسكو خلال الفترة المقبلة.