التقى رئيس جهاز المخابرات السعودي، الفريق خالد الحميدان، بنظيره السوري، اللواء حسام لوقا، في مصر على هامش المنتدى العربي الاستخباري في مطلع نوفمبر الجاري. وشهدت الفترة الأخيرة، خاصة منذ مايو الماضي، مؤشرات على بداية الانفتاح العربي على سوريا، حيث عقدت العديد من اللقاءات الثنائية والاتفاقيات الاقتصادية بين سوريا من جانب، وكل من الأردن، ومصر، والإمارات من جانب آخر. كما أعلن أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن رغبة عدة دول عربية وهي الأردن والجزائر والعراق، في عودة سوريا إلى الجامعة.
مؤشرات الانفتاح على سوريا
ظهرت العديد من المؤشرات على انفتاح مزيد من الدول العربية على إقامة علاقات مع دمشق، وهو ما يتضح في التالي:
1- إقامة الأردن علاقات كاملة مع سوريا: تعد الأردن من أكثر الدول العربية تأييداً للانفتاح على سوريا، فقد تلقى الملك الأردني، عبد الله الثاني، مكالمة هاتفية من الرئيس السوري، بشار الأسد، في أكتوبر الماضي، والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين الجانبين، خاصة بعد تعدد اللقاءات الأمنية والاقتصادية بينهما في الفترة الأخيرة.
فقد زار وزير الدفاع السوري، العماد علي أيوب، عمّان في سبتمبر الماضي، في أول زيارة منذ عام 2011، والتقى برئيس الأركان الأردني، اللواء يوسف الحنيطي، وناقشا أمن الحدود ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات، كما ترتب على هذه المحادثات إعادة فتح معبر جابر – نصيب الحدودي، لتعيد الأردن في سبتمبر الفتح الكامل للحدود بين البلدين أمام حركة التجارة، كما كانت عمّان هي القوة الدافعة وراء اتفاق لضخ الغاز الطبيعي المصري إلى لبنان عبر سوريا بعد التوصل لتفاهمات أمريكية حول هذه النقطة.
2- تعزيز مصر العلاقات مع سوريا: كانت مصر من أكثر الدول العربية حرصاً على تعزيز العلاقات مع دمشق، ووقف عزلتها العربية، لاعتبارات ترتبط برغبتها في استعادة دمشق سيطرتها على أراضيها في مواجهة التدخلات التركية والإيرانية السلبية، كما أن القاهرة تنظر إلى دمشق باعتبارها عمق استراتيجي لها.
وأكد الرئيس السوري، بشار الأسد، إن العلاقات بين سوريا ومصر لم تنقطع خلال السنوات الماضية، وحتى عندما كان رئيس مصر هو الرئيس الإخواني محمد مرسي، إذ أصرت المؤسسات المصرية على إبقاء شيء من هذه العلاقة. كما صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري، بترحيب مصر بعودة سوريا كطرف فاعل في إطار الدول العربية، والتقى شكري نظيره السوري، فيصل المقداد في سبتمبر الماضي أثناء المشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
3- استكشاف سعودي لمسار العلاقات مع دمشق: بدت مؤشرات على انفتاح السعودية على سوريا بعد قطع العلاقات الدبلوماسية في فبراير 2012، وهو ما وضح في استقبال وزير السياحة السوري، محمد رامي مرتيني، لحضور مؤتمر بالرياض.
كما زار رئيس جهاز المخابرات السعودي، الفريق خالد الحميدان، دمشق في مايو 2021، والتقى بالرئيس بشار الأسد واللواء على المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني، والتي هدفت لمناقشة سبل إحياء العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. وقد تواصلت هذه الجهود في نوفمبر 2021، حيث التقى رئيس جهاز المخابرات السعودي الفريق خالد الحميدان بنظيره السوري اللواء حسام لوقا في مصر على هامش المنتدى العربي الاستخباري، والتي يبدو منها أنها لاتزال تسعى لمناقشة عودة العلاقات الدبلوماسية.
ومن الواضح أنه لاتزال هناك تحديات تواجه هذا الانفتاح، فقد صرح وزير الخارجية السعودي، فيصل الفرحان، في 2 نوفمبر، بأن "بلاده لا تفكر في التعامل مع النظام السوري في الوقت الحالي".
4- اتجاه إماراتي لتعزيز العلاقات مع سوريا: تعددت اللقاءات والتفاعلات الثنائية بين أبوظبي ودمشق خلال السنوات السابقة، خاصة بعد إعادة دولة الإمارات فتح سفارتها في دمشق في 2018. كما شاركت سوريا في معرض إكسبو دبي، وجرى اتصال بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والرئيس السوري في أكتوبر الماضي بحثا فيه سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين، وأخيراً، زار سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي دمشق، حيث التقى بالأسد في نوفمبر الجاري، في مؤشر على اتجاه أبوظبي لإقامة علاقات كاملة، دبلوماسية واقتصادية، مع دمشق.
أهداف الانفتاح العربي
تتنوع الأهداف وراء اتجاه الدول العربية لاستعادة علاقاتها بدمشق، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1- إخفاق السياسة الأمريكية: كانت من محفزات التعاون بين عدد من الدول العربية وسوريا تراجع الدور الأمريكي في الأزمة السورية، فضلاً عن انتهاء التعويل على إمكانية إزالة الحكومة السورية بالقوة المسلحة، خاصة بعد تدخل موسكو لدعم الجيش السوري في قتاله ضد المعارضة المسلحة، وتمكن دمشق من استعادة السيطرة على مناطق واسعة من البلاد.
ويلاحظ أن السياسة الأمريكية حيال سوريا تعاني قصوراً واضحاً، فهي لا تمتلك رؤية لتطورات الأوضاع هناك، سوى محاولة فرض مزيد من العقوبات على الحكومة السورية لانتزاع تنازلات لصالح المعارضة المسلحة، والتي ترى دمشق أنه يغلب عليها التنظيمات الإرهابية. كما أنه في ظل إعادة واشنطن لانتشارها العسكري في منطقة الشرق الأوسط، تتحسب بعض الدول العربية من إمكانية انسحاب الجيش الأمريكي من شرق سوريا، وهو التطور الذي سوف يفتح المجال لمزيد من الهيمنة الإيرانية على المعابر الحدودية بين سوريا والعراق.
ومن جهة أخرى، فإن السياسة الأمريكية الإقليمية تبدو غير متسقة، ففي الوقت الذي تنفتح فيه على التفاوض مع إيران، على الرغم من انتهاكها القيود المفروضة عليها بموجب الاتفاق النووي، فضلاً عن تدخلاتها الإقليمية السلبية، وتهديدها لأمن الدول المجاورة، وصولاً إلى تورط ميليشياتها في محاولة تصفية رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي في نوفمبر، فإنها تعرقل الانفتاح العربي على دمشق.
2- وقف الهيمنة الإيرانية على سوريا: يمثل الحد من النفوذ الإيراني في سوريا واحداً من أهداف إعادة التطبيع مع الحكومة السورية، وظهر ذلك في الوثيقة التي وضعها ملك الأردن مع الرئيس السوري، واقترح بأن تكون أساس التفاهمات لإعادة العلاقات، ليس فقط بين دمشق وعمّان، ولكن كذلك مع باقي الدول العربية، بل والقوى الدولية المعنية بالأزمة، وهو ما يتضح من مناقشة الملك عبدالله هذه الوثيقة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
وتبدي دمشق تجاوباً مع هذه الجهود، وهو ما وضح في إنهاء الرئيس الأسد مهمة جواد الغفاري، قائد فيلق القدس في سوريا، وهو الأمر الذي اعترفت به إيران. فقد قام الغفاري بتهريب بضائع وخلق سوق سوداء منافسة للسوق السورية، كما قام بوضع أسلحة إيرانية في مناطق حظر النظام السوري ذلك فيها، وكان على وشك إدخال سوريا في حرب بعد القيام بأنشطة معادية ضد الولايات المتحدة انطلاقاً من الأراضي السورية.
ويلاحظ أن أحد مجالات التنافس في سوريا بعد الحرب هو إعادة الإعمار، ولا شك أن تعزيز الدور العربي الاقتصادي في سوريا سوف يحد كثيراً من النفوذ الإيراني الاقتصادي على دمشق، ويفتح الباب أمام اتجاه دمشق لاستعادة سيادتها تدريجياً في وجه طهران.
3- تحجيم النفوذ التركي: تمارس أنقرة أدواراً سلبية في سوريا، إذ إنها تتبنى سياسة "استعمارية" تقوم على التوسع على حساب الأراضي العربية باستخدام الجماعات الإرهابية، خاصة المرتبطة بالقاعدة وداعش، وهو ما يتضح في الجيب التركي في شمال شرق سوريا، والذي يشهد هيمنة واضحة لهذه الفصائل.
وتبدي العديد من العواصم العربية قلقاً من هذه السلوكيات، خاصة القاهرة ودولة الإمارات، والتي ترى أن تعزيز الدور العربي في سوريا، سوف يكفل استعادة سوريا سيادتها على أراضيها كافة مستقبلاً، خاصة في ضوء الدعم الروسي لهذا الأمر.
تحديات عودة دمشق
تتمثل أبرز التحديات أمام إقامة الدول العربية علاقات طبيعية مع دمشق في التالي:
1- المعارضة الأمريكية: أعرب وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، عن قلق بلاده من عودة التطبيع مع النظام السوري، مشيراً إلى أنه: "ما لم نفعله ولا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات مع الأسد".
وعلى الرغم من ذلك، فإن الدول العربية ترى أن السياسة الأمريكية القائمة على العقوبات على دمشق لن تنجح في إبعاد الأسد عن طهران، وأشارت تقارير إلى أن المسؤولين السعوديين ناقشوا هذه المسألة مع المسؤولين الأمريكيين لإقناعهم بأن معاودة التعامل مع نظام الأسد قد تقنع سوريا بتقليل اعتمادها على إيران.
ومن أكبر التحديات الأمريكية في هذا الإطار، العقوبات الأمريكية على دمشق، بموجب قانون قيصر، إذ انتقد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي القانون في مارس الماضي، مشيراً إلى أنه يعقد عودة سوريا إلى محيطها العربي.
وليس من الواضح ما إذا كانت واشنطن سوف تفعل عقوباتها بموجب قانون قيصر ضد الدول التي تنفتح على دمشق أم لا، وإن كان من المستبعد أن تقدم على ذلك، خاصة أن إدارة بايدن لم تفرض أي عقوبات منذ وصولها للحكم بمقتضى قانون قيصر، كما أن واشنطن لم تفرض أي عقوبات على الأردن لاستعادة علاقاته التجارية بدمشق، بل أعلن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن الأردن أجرت مباحثات مع الولايات المتحدة حول جهود التقارب مع سوريا، في مؤشر على وجود تنسيق أو تفاهمات ضمنية بين الجانبين حول ذلك.
2- الرفض القطري: أكد وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن موقف بلاده لن يتغير من الأزمة السورية، ما لم تتخذ دمشق خطوات جادة لإصلاح الأوضاع في سوريا. ويعود موقف الدوحة إلى حقيقة أنها تنسق سياستها تجاه سوريا بالتعاون مع تركيا، إذ قامت الدوحة وأنقرة بدعم جماعات المعارضة المسلحة، بما في ذلك تلك المرتبطة بالقاعدة في سوريا. ويلاحظ أن الموقف القطري لن يكون له أي تأثير على اتجاه الدول العربية الأخرى لإقامة علاقات مع دمشق.
وفي التقدير، تكشف مجمل التطورات السابقة عن وجود مسعى عربي لاستعادة العلاقات مع سوريا، وذلك لوقف التدخلات الإقليمية السلبية، النابعة من إيران وتركيا. وعلى الرغم من تردد بعض الدول العربية في استعادة علاقاتها الدبلوماسية بدمشق، فإنها سوف تتجه للانفتاح عليها، إذا ما رأت هناك مؤشرات جدية على اتجاه دمشق لاستعادة استقلاليتها في مواجهة إيران.