أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

شرقاً أم غرباً؟

مستقبل السياسة الباكستانية بعد إقالة حكومة "عمران خان"

13 أبريل، 2022


تواصلت فصول الأزمة السياسية في باكستان على مدار الأيام الماضية، إلى أن وصلت إلى سحب البرلمان الثقة من حكومة عمران خان، صباح يوم 10 أبريل 2022، ثم في اليوم التالي موافقة البرلمان على اختيار المعارض شهباز شريف، زعيم حزب الرابطة الإسلامية، رئيساً جديداً للوزراء. وهذه الأزمة لا يمكن فصلها عن مُجمل ما يدور على الساحة الدولية من تفاعلات، وتحديداً الجانب الصراعي والتنافسي منها، خاصة في ظل ما أعلنه خان صراحة حول إسقاطه من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية موقفه من الحرب الروسية – الأوكرانية.

بداية التصعيد:

كانت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني المُقال، عمران خان، إلى موسكو عشية بدء الحرب على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، هي الحلقة الأحدث في الخلافات الباكستانية - الأمريكية، لاسيما في عهد حكومة خان السابقة. وإذا كانت باكستان قد بدأت تشعر منذ سنوات بتحول تدريجي في الاهتمام الأمريكي بها، في مقابل تعاظم الاهتمام بالهند؛ إلا أن إسلام آباد ظلت حريصة على استمرار علاقاتها مع واشنطن، والعمل على تطويرها، وهو الموقف ذاته الذي سار عليه خان أيضاً. لكن رئيس الوزراء المُقال لم يكن يخفي انتقاداته لما يمكن تسميته الإهمال الأمريكي لبلاده، وتضحياتها في الحرب ضد الإرهاب. وكان ذلك جلياً في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في العام الماضي، عندما تحدث خان عن العمليات العسكرية الأمريكية داخل الأراضي الباكستانية وما أدت إليه من ضحايا بالآلاف. 

كما جاءت زيارة عمر خان الأخيرة إلى موسكو في وقت كانت الولايات المتحدة تشدد من لهجتها تجاه روسيا قبيل تدخلها العسكري في أوكرانيا. ومن ثم، فإن واشنطن قد تكون حاولت بالفعل منع هذه الزيارة في ذلك التوقيت، لكنها لم تجد آذاناً صاغية في ضوء ما هو معروف من توجهات لرئيس الوزراء الباكستاني المُقال، وفي ظل الحالة العامة للعلاقات المتوترة بين الجانبين.

اتهامات المؤامرة:

طبقاً لادعاءات عمران خان، فإن الولايات المتحدة غير الراضية عن سياسات حكومته، عمدت إلى الإطاحة به من منصبه. ولم يكتف خان بالتلميح إلى ذلك، بل أعلن عن وجود وثيقة من مسؤول أمريكي بهذا الشأن، معتبراً ذلك تدخلاً سافراً في شؤون باكستان الداخلية، ومؤامرة عليه وحكومته، على حد وصفه. كما ادّعى خان أن واشنطن عمدت إلى الساحة السياسية الداخلية في باكستان، ممثلة في أحزاب المعارضة وبعض من أنصاره، لكي تحشدهم ضده، وأن مساعيها تلك هي التي أوصلت إلى مذكرة حجب الثقة في البرلمان عن حكومته.

ومن جانبها، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الولايات المتحدة انطلاقاً من مصالحها الضيقة تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وأن هذا ما حدث من دون أدنى خجل في حالة باكستان، حيث مارست واشنطن ضغطاً كبيراً على عمران خان لإلغاء زيارته إلى موسكو أو اختصارها، وعندما رفض ذلك قررت واشنطن معاقبته، وفجأة التحقت مجموعة من أعضاء حزبه بالمعارضة، وتم التقدم بمذكرة للبرلمان لحجب الثقة عنه. ولم يفت موسكو التأكيد على استعدادها الدائم للعمل مع إسلام آباد، وباحترام لمصالح كل طرف، وبمساواة تامة. ولا يخفى ما تحمله تلك الجملة من دلالات بالنسبة للسياسة الأمريكية وتعاملها مع باكستان.

وبدورها، نفت الولايات المتحدة بصورة قاطعة، وفي أكثر من مناسبة، اتهامات المؤامرة التي ذكرها عمران خان، معلنة استمرارها في متابعة الأوضاع داخل باكستان، واحترامها ودعمها لما أسمته العملية الدستورية وقواعد القانون، مع التأكيد أنها لا تدعم حزباً سياسياً معيناً في مقابل أحزاب أخرى، وأن هذا مبدأ تطبقه مع جميع الدول وليس باكستان فقط.

ومن ناحيتها، لا يمكن للصين أن تغض الطرف عن التفاعلات في باكستان، وما يرتبط بها من أبعاد خارجية سواء لناحية واشنطن أو موسكو. فالعلاقات الصينية - الباكستانية تمر بأزهى مراحلها، ورئيس الوزراء الباكستاني المُقال، عمران خان، كان من بين الذين حضروا افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين مطلع شهر فبراير الماضي؛ وهي الدورة التي قاطعتها واشنطن وبعض حلفائها دبلوماسياً. وقد تكون هذه الخطوة من خان عنصراً إضافياً لحالة الغضب الأمريكي منه. ولم يكتف خان بذلك، بل تمت دعوة وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، لحضور اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي في إسلام آباد كضيف خاص؛ في سابقة هي الأولى من نوعها بالنسبة لبكين. وكما هو معلوم، فإن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على الصين بداعي انتهاكها حقوق أقلية الإيغور المُسلمة. ومن ثم، فإن حضور مسؤول صيني لاجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي التي من بين اهتماماتها بشؤون الأقليات الإسلامية في العالم، يعد بمنزلة تحدٍ للإدارة الأمريكية.

سحب الثقة: 

عندما تقدمت المعارضة الباكستانية بطلب حجب الثقة عن حكومة عمران خان، لم يتم في البداية الاستجابة لها بعقد اجتماعات البرلمان لمناقشة الطلب، وقُدمت مبررات لتأجيل هذه الاجتماعات؛ من قبيل استضافة البلاد لاجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي. ثم كان رفض رئاسة البرلمان السير في إجراءات سحب الثقة من الحكومة. وبعد ذلك جاء قرار الرئيس الباكستاني، عارف علوي، يوم 3 أبريل 2022، بحل البرلمان بناءً على دعوة خان الذي طالب بإجراء انتخابات مبكرة. ويبدو أن هذا كان ما يصفه خان بالمفاجأة التي تنتظر قوى المعارضة، لكن الأخيرة فاجأته باللجوء إلى المحكمة العليا، والتي أعادت الأمور إلى حيث كانت قبل قرار حل البرلمان، وأمرت يوم 7 أبريل الجاري بضرورة إجراء التصويت على حجب الثقة عن حكومة خان.

وعند عقد جلسة البرلمان، كان السؤال المطروح؛ هل يتم الشروع مباشرة في التصويت على سحب الثقة أم تسبقها مناقشات؟ وما هو المدى الزمني للمناقشات؟ وكان من الواضح أن رئاسة البرلمان تسعى للاستغراق في المناقشات، والتي احتدمت وطالت، وشهدت ضغطاً متوالياً من المعارضة من أجل الدخول مباشرة في صُلب تنفيذ قرار المحكمة العليا؛ وهو التصويت على سحب الثقة. وبعد ساعات طوال، استقال رئيس البرلمان، ثم نائبه. وجرى التصويت على سحب الثقة من الحكومة، وحاز الطلب على موافقة 174 نائباً بزيادة نائبين عن الحد الأدنى المطلوب لإقراره. ليصبح بذلك خان أول رئيس وزراء لباكستان يتم الإطاحة به في اقتراع برلماني على حجب الثقة، وذلك في بلد لم يعتد أي رئيس وزراء فيه على إكمال ولايته الكاملة (خمس سنوات).  

ثم اختار البرلمان الباكستاني، يوم 11 أبريل الجاري، شهباز شريف، شقيق رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف، رئيساً للوزراء خلفاً لخان، وذلك بعد حصوله على تأييد 174 من مجموع 342 نائباً، مع ملاحظة تقدم حزب خان باستقالة جماعية من البرلمان؛ احتجاجاً على تشكيل خصومه السياسيين حكومة جديدة.

اتجاهات مُحتملة:

يُطرح سؤال رئيسي حول تداعيات إقالة حكومة عمران خان على باكستان، وينسحب ذلك إلى مسائل تتعلق بتفاعلات القوى السياسية الباكستانية داخلياً من ناحية أولى، ومن ناحية ثانية ما إذا كانت المواقف الرسمية لباكستان إزاء القوى الدولية والقضايا الساخنة على غرار حرب أوكرانيا، سوف يطالها تغيير على ضوء إقالة خان. ويتضح ذلك كما يلي:

1- الأوضاع الداخلية في باكستان: إذا كانت المعارضة في باكستان قد وحدت صفوفها للإطاحة بحكومة خان، فإن ذلك لا يعني بالضرورة استمرار حالة الوحدة فيما بينها، ومن ثم قد تظهر خلافات في المستقبل بعد اختيار شهباز شريف لرئاسة الحكومة. وربما يُقال إن استمرار خان ومناصريه في الحلبة حتى بعد الإقالة، من شأنه أن يُبقي على وحدة المعارضة التي باتت تمتلك السلطة، فيما تحول حزب عمران "الإنصاف" إلى صفوف المعارضة.

ولكن هل سيستمر خان في مطالبة أنصاره بالنزول إلى الشارع أم سيكتفي بالمعارضة المؤسسية؟ وهل ستتوقف الأحزاب التي اُتهمت بتنفيذ مؤامرة خارجية ضد الحكومة السابقة عند حد الإطاحة بهذه الحكومة ورئيسها أم أنها ستلجأ إلى مقاضاة خان ومن ناصره في تلك الاتهامات؟ وبالنسبة للانتخابات المقبلة، هل ستستمر الحكومة الجديدة في الحكم إلى أن تنقضي مدة الخمس سنوات التي كان يُفترض أن تقضيها حكومة خان أم ستكون هناك انتخابات مبكرة؟ 

وتتوقف إجابات هذه التساؤلات وغيرها على الكثير من الأمور، من بينها الطريقة التي ستُدار بها الحياة السياسية في باكستان، وما إذا كانت ستظل في الإطار السلمي أم أنه يمكن أن تنزلق الأمور إلى احتقان وتوتر وربما عنف جراء تحشيد كل طرف لأنصاره مما يؤدي إلى وقوع اشتباكات. كما أن التحسن أو التدهور في الشق الاقتصادي سيلعب دوراً مهماً فيما يمكن أن تحظى به الحكومة الجديدة من رضا أو سخط. وهنا يتخوف البعض من أنه إذا احتقنت الأمور وساءت الأحوال الاقتصادية، فإن احتمالات تدخل الجيش الباكستاني قد تزيد. لكن ربما تكون هناك عوامل تساعد في عدم حدوث الاحتقان السياسي والاقتصادي، من بينها حصول الحكومة الجديدة الأكثر وداً مع الغرب على قروض ومساعدات وتيسيرات خارجية سواء من دول بعينها أو من المؤسسات الدولية، علاوة على تراجع الضغوط قليلاً على الميزانية الباكستانية في حال انتهت حرب أوكرانيا وبدأت الأسعار العالمية في التراجع، خاصة بالنسبة للمواد والسلع التي تستوردها باكستان بكثافة.

2- سياسة إسلام آباد الخارجية: السؤال المحوري في هذا الصدد يتعلق بالقضية التي بنى عليها خان سلوك المعارضة تجاهه، وهي المرتبطة بعدم انصياعه لما تريده واشنطن، خاصة بالنسبة للمسألة الأوكرانية، وبالتالي هل سيتغير الموقف الباكستاني حيالها؟ وهنا تلخص إسلام آباد موقفها في ضرورة وقف الحرب الروسية - الأوكرانية، والاهتمام بالأوضاع الإنسانية، وحل الأزمة بالطرق السلمية. لكن لم تقدم باكستان على إدانة موسكو، وامتنعت عن التصويت على القرارات التي أدانت روسيا في الأمم المتحدة، وطبعاً لم تنضم لقائمة الدول التي فرضت عقوبات على موسكو.

وبناءً عليه، يمكن القول إنه سيكون من الصعب على حكومة الجديدة برئاسة شهباز شريف إحداث تحول أو تغير في الموقف الباكستاني من الحرب الأوكرانية؛ نظراً لأن ذلك سيكون بمنزلة تأكيد لمزاعم عمران خان بشأن وجود مؤامرة خارجية على حكومته المُقالة، ومن ثم سيؤدي إلى تآكل في شرعية حكومة شريف، وربما ينفض من حولها ليس فقط أنصارها في الشارع، وإنما داخل البرلمان ذاته، مما يجعلها عُرضة لما حل بحكومة خان. كما أن باكستان لا يمكنها التضحية بهذه السهولة بعلاقاتها مع روسيا، إضافة إلى أن مثل هذا التحول في المواقف قد يثير المخاوف لدى الصين. ولا يجب إغفال أن الهند تتخذ موقفاً مشابها لباكستان من الحرب الأوكرانية، بالرغم من تمتعها بعلاقاتها قوية ومتنامية مع واشنطن والغرب. وكل هذه الأمور ستكون أوراقاً في يد الحكومة الباكستانية الجديدة وهي تفاوض واشنطن بخصوص موقفها من الحرب الروسية - الأوكرانية.