أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

خيارات محدودة :

فرص أنقرة في تنفيذ عمليات عسكرية ضد الأكراد في شمال سوريا

24 أكتوبر، 2021


أسفر انفجار عدة قذائف في 11 أكتوبر الجاري عن مقتل شرطيين تركيين وسقوط نحو 40 مدنياً بين قتيل وجريح في منطقتين في كركاميش بمحافظة غازي عنتاب الجنوبية، وانطلقت هذه القذائف من منطقة تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة أمريكياً، والتي تصنفها تركيا كجماعة إرهابية. وتأتي هذه التطورات بعد يوم واحد من تعرض الشرطة التركية في منطقة أعزاز بشمال سوريا لهجوم صاروخي. واتهمت أنقرة وحدات حماية الشعب السورية بشن الهجوم.

 ورداً على هذه التطورات، حملت تركيا الولايات المتحدة وروسيا مسؤولية وقوع هذه الهجمات، خاصة أنها كانت قد أبرمت اتفاقات منفصلة مع واشنطن وموسكو في 2019 لإبعاد عناصر وحدات حماية الشعب السورية لمسافة 30 كيلومتراً بعيداً عن الحدود التركية. ونددت أنقرة باستمرار واشنطن في تسليح وتدريب وحدات حماية الشعب الكردية. كما هددت أنقرة بالتدخل العسكري في شمال شرق سوريا ضد الأكراد، وقامت بعدد من التحركات أبرزها دمج الفصائل المسلحة السورية تحت مظلة واحدة، والقيام بتدريبات مكثفة لهم في الآونة الأخيرة.

أبعاد التصعيد التركي:

هددت تركيا على مدار الأيام السابقة بتنفيذ عملية عسكرية واسعة في شمال شرق سوريا ضد الأكراد، غير أنه من الواضح أن هذه الإعلانات كانت مجرد تهديدات، حيث اقتصرت التحركات التركية الفعلية على ما يلي:

1- تهديدات تركية لفظية: توعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحدات حماية الشعب الكردية بالتصعيد العسكري، للقضاء على تهديداتها، كما توعد وزير الخارجية التركي في 13 أكتوبر الجاري، بطرد الإرهابيين، في إشارة إلى وحدات الشعب وأن بلاده ستفعل كل ما يلزم من أجل تطهير المناطق في شمال سوريا منها.

كما ندد وزير الخارجية التركي في 9 أكتوبر، بقرار الرئيس الأمريكي بتمديد حالة الطوارئ في سوريا، وتوجيهه انتقادات إلى أنقرة، حيث دعا الولايات المتحدة للتخلي عن سياساتها الخاطئة، حيث أعلن أن هدف الأمريكيين في سوريا، ليس مكافحة داعش كما هو معلن؛ بل تقديم الدعم الكبير لوحدات حماية الشعب الكردية.

وأعلن وزير الدفاع التركي في 14 أكتوبر، خلال افتتاحه لجامعة الدفاع الوطني في مدينة اسطنبول، قيام بلاده بكل الإجراءات اللازمة لحماية حقوقها ومصالحها والحفاظ عليها في كل مكان وزمان تحت قيادة أردوغان. كما أعلن عن متابعة الحكومة التركية لجميع التطورات في شمال العراق وسوريا وبحر إيجة وشرق البحر المتوسط وقبرص، في تصريحات موجهة بالأساس للاستهلاك المحلي، وتهدف إلى التغطية على إخفاقها في تنفيذ تهديداتها المرسلة حتى الآن. 

2- القيام بتحركات عسكرية رمزية: تبنت فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا، في 13 أكتوبر، عملية إسقاط طائرة استطلاع روسية بين جبهتي مارع وعبلة، ضمن مناطق نفوذ القوات التركية والفصائل الموالية لها، وذلك بعد قيامها بقصف قرية شيخ عيسى في عفرين بريف حلب الشمالي بطائرة تركية مسيرة، فضلاً عن قيام القوات التركية بإنشاء نقطة عسكرية جديدة لها في قرية بينين في جبل الزاوية بجنوب إدلب، والتي تعد النقطة الثالثة التي أسستها في أسبوع واحد.

وتزامنت هذه التحركات مع قصف المدفعية التركية مناطق انتشار القوات الكردية في ريفي حلب الشمالي والشمالي الغربي، وتحديداً محيط مطار منج العسكري وأطراف تل رفعت وريف عفرين. كما أعلنت وزارة الدفاع التركية، في 14 أكتوبر، أن قواتها حيدت 16 إرهابياً من تنظيم "وحدات حماية الشعب / حزب العمال الكردستاني" في إشارة إلى تعمد أنقرة الخلط بين التنظيمين، إلى جانب تحييد 13 إرهابياً في منطقة عملية درع الفرات، و3 إرهابيين في منطقة عملية نبع السلام، وذلك عبر 3 عمليات عسكرية.

مواقف أمريكية – روسية رافضة: 

في مواجهة التصريحات التركية، والتحركات العسكرية المحدودة، اكتفت واشنطن وموسكو بالتحركات التالية لردع أنقرة، وهو ما يمكن توضيحه في التالي: 

1- رفض موسكو العملية العسكرية التركية: وجهت موسكو تهديداً لأنقرة على لسان، سيرجي فيرشينين، نائب وزير خارجيتها، بشأن العمليات التركية المحتملة في سوريا، حيث شددت موسكو على ضرورة احترام تركيا سيادة سوريا وحماية أراضيها من أي هجمات محتملة.

ويلاحظ أن المتحدث باسم الجيش الوطني السوري المعارض، الرائد يوسف حمود، المدعوم من تركيا، زعم وجود ارتباط بين القصف الجوي والمدفعي من قبل الجيش الروسي والحكومة السورية في شمال غرب سوريا، وبين العمليات التي تنفذها قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في ريف حلب، واعتبر ذلك بأنه رسالة من الطرفين إلى أنقرة. ويمكن القول إن مضمون هذه الرسالة يتمثل في أنه في حالة هجوم الأخيرة على الأكراد، فإن روسيا قد تتجه لدعمهم. 

2- مضي واشنطن في مكافحة الإرهاب المدعوم تركياً: أعلن الجيش الأمريكي في 23 أكتوبر أنه قتل قيادياً في تنظيم القاعدة يدعى عبد الحميد المطر بغارة شنّتها طائرة أمريكية مسيرة، في منطقة خاضعة لسيطرة فصائل سورية معارضة مدعومة من الجيش التركي في ريف الرقة. 

كما أضاف جون ريغسبي المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي "سنتكوم" في بيان أن القاعدة لا تزال تشكل تهديداً للولايات المتحدة وحلفائنا، إذ تستخدم سوريا كملاذ آمن لإعادة تشكيل نفسها والتنسيق مع الأفرع خارجية والتخطيط لعمليات في الخارج.

ولا شك أن تنفيذ هذه العملية في هذا التوقيت يعد رسالة لأنقرة بأن استمرار تحالفها مع القاعدة لن يثني واشنطن عن تصفية قياداتها في محاولة لإضعاف هذه التنظيمات، كما أنه يمثل رسالة كذلك بأن واشنطن لن تقبل مساواة القاعدة بوحدات حماية الشعب السورية، ومن ثم، فإنها لن المطالب التركية بإضعاف وحدات حماية الشعب السورية، خاصة في الوقت الذي تعتمد عليها واشنطن في محاربة التنظيمات الإرهابية المدعومة من تركيا. 

تفسير تحركات أنقرة:

يمكن تفسير التحركات العسكرية التركية في سوريا بأنها جاءت كرد فعل للسياسات التالية، ومحاولة أنقرة للتأثير عليها، وهو ما يتضح على النحو التالي: 

1- غضب تركيا من الولايات المتحدة: أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في 7 أكتوبر 2021، تمديد سلطات الطوارئ الوطنية في التعامل مع سوريا لمدة عام آخر، والتي تعتبر الوضع في سوريا يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي. ومن ثم يتطلب انخراطاً ووجوداً عسكرياً أمريكياً في المنطقة لدعم الأكراد في مواجهة تنظيم داعش، وذلك رداً على محاولة أنقرة شن هجوم عسكري على الأكراد في شمال شرق سوريا. فقد أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن صراحة بأن الاستعدادات العسكرية التركية تقوض "حملة هزيمة داعش في شمال شرق سوريا".

2- استباق الضغوط الروسية: أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان في 7 أكتوبر الحالي، إلى أن الطيران الحربي الروسي قد استهدف محيط القاعدة العسكرية التركية في منطقة التويس بمنطقة مارع في ريف حلب الشمالي، من خلال شن 3 غارات جوية، في رسالة تحذير من موسكو لأنقرة بأن الأولى سوف تمضي قدماً في التصعيد العسكري في أدلب وحلب، ما لم تنفذ أنقرة الاتفاقات التي سبق وأن أبرمتها تركيا مع روسيا، ولكنها ماطلت في تنفيذها، حتى الآن، خاصة فيما يتعلق بسحب التنظيمات الإرهابية من أدلب، والابتعاد عن الطريق الدولي "أم 4".

وأشارت مصادر إعلامية إلى أن جزءاً من ميليشيات لواء الباقر المدعومة من إيران قد تحركت نحو إدلب، وذلك في الوقت الذي أفادت فيه تقارير أخرى بأن الجيش السوري دفع بحشود كبيرة معززة بدبابات ومدفعية تجاه خطوط التماس مع فصائل المعارضة في محافظتي إدلب وريف حلب المجاور، بما ينذر بأن معركة عسكرية كبيرة في إدلب قد تنطلق في أي لحظة بدعم روسيا لدمشق، وهو ما أقلق تركيا، ودفعها للتلويح بشن هجمات ضد الأكراد. 

إخفاق ضغوط أنقرة: 

سعى أردوغان أثناء زيارته إلى روسيا ومقابلته بوتين في 29 سبتمبر التوصل لتفاهمات معه حول سوريا، حيث عقد الطرفان اتفاقاً مبدئياً على عودة أنقرة لتنفيذ التزاماتها في سوريا، والتي يأتي في مقدمتها إخلاء محافظة إدلب من العناصر الإرهابية، بالإضافة إلى ضمان أمن جانبي الطريق الدولي المعروف باسم "إم 4"، وذلك في مقابل ضبط موسكو لأكراد سوريا. 

ويبدو أن أردوغان هدف من هذه التوافقات المبدئية مع موسكو الضغط على الموقف الأمريكي، وذلك عبر التأكيد بأن عدم استجابة واشنطن لضغوط أنقرة في الملف السوري سوف يترتب عليه ابتعاد الأخيرة عن المواقف الأمريكية في سوريا، والتحالف أكثر مع موسكو، ومن ورائها الحكومة السورية. ويبدو أن هذه السياسة لم تحقق أي نتائج بارزة مع واشنطن، والتي لم تتجاوب بعد مع هذه الضغوط. 

ولذلك يسعى أردوغان إلى تصعيد تهديداته بشن هجوم عسكري على الأكراد للضغط على الموقف الأمريكي، ودفعه للتجاوب مع أنقرة، خاصة أن أي تفاهمات روسية – تركية سوف تصب في النهاية في دعم الحكومة السورية، ومن ثم إفقاد واشنطن القدرة على الضغط على نظام الأسد. 

وفي الختام، تكشف كل التحركات العسكرية التركية الأخيرة، والتحركات المضادة من جانب روسيا والولايات المتحدة عن تبلور مواقف مشتركة من الجانبين رافضة لأي عملية عسكرية تركية، وهو ما يعني أنه حتى في حالة اتجاه أنقرة لتنفيذ تهديداتها بشن عملية واسعة ضد وحدات حماية الشعب السورية، فإن الأكراد سوف يجدوا دعماً أمريكياً – روسياً بما يحد من أي مكاسب تركية محتملة من هذه العملية العسكرية، على نحو يثبط أنقرة في النهاية عن تنفيذ تهديداتها.