أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

معاقل خطرة:

تركيا مركز للعبور الآمن للمقاتلين في سوريا

25 سبتمبر، 2014


إعداد : دعاء الجهيني

تمثل قضية المقاتلين الأجانب في الصراع السوري إحدى أهم القضايا المطروحة على الساحة الإقليمية والدولية بشكل عام، نظراً لما تحتويه من انعكاسات سلبية كونها ظاهرة عابرة للحدود ومهددة لاستقرار الدول داخلياً وخارجياً. وضمن ذلك تثار التساؤلات حول المقاتلين الأجانب الأتراك ودرجة ارتباط تركيا بشكل رئيسي بتمدد هذه الظاهرة التي تفرز مجموعة من العوامل والدوافع التي جعلت من تركيا بمثابة "منبع مثالي" لتدفق وعبور المقاتلين الأجانب والأتراك إلى الحدود السورية والعراقية للانضمام إلى التنظيمات الجهادية المتطرفة والمشاركة في الحرب ضد الحكومات السورية والعراقية.

في هذا الإطار يقدم الصحفي والكاتب ستيفن ستار، رؤيته حول "ارتباط تركيا بأنشطة "الجهاديين" في سوريا"، في مقال نشره مركز مكافحة الإرهاب في أكاديمية ويست بوينت بالولايات المتحدة، حيث يتناول قضية المقاتلين الأتراك وماهية العوامل والدوافع التي سهلت عبور هذه الجماعات إلى داخل الأراضي السورية.

أبرز المعاقل التركية لتجنيد المقاتلين

قدم ستيفن ستار في مقالته حول النشاط الجهادي في تركيا إحصاءً بأعداد المقاتلين الأجانب الأتراك في سوريا، معتمداً في هذا التحليل الرقمي على التقارير الرسمية الصادرة عن بعض المراكز البحثية، علاوة على مقابلاته الشخصية مع مجموعة من الأفراد، سواء المقاتلين أو الجهاديين أو غيرهم من الذين يرتبطون بشكل رسمي أو غير رسمي بالنشاط الجهادي في الأراضي السورية.

ويوضح ستار أنه قد تم التأكد من انضمام 163 من الأتراك إلى تنظيم "داعش"، وفقاً لما أكدته الأخبار الصادرة عن الصحف التركية خلال العام الجاري 2014. كما ذكر تقرير آخر صادر عن المركز الدولي لدراسة التطرف على تزايد هذا الرقم ليتراوح ما بين 600 إلى 700 مقاتل تركي في سوريا، وأشار التقرير إلى أن التقديرات الأخيرة حول المجموع الكلي لمساهمة المقاتلين الأجانب في القتال ضد الحكومة السورية بلغت 11 ألف مقاتل.

ووفقاً لما قدمه ستيفن في متن تحليله حول هذا الموضوع، تتضح أهمية وخطورة بعض المدن التركية التي تعد معقلاً للجماعات المتشددة ومنبعاً رئيسياً يغذي سوريا بدفعات المقاتلين المتطوعين الأتراك، حيث تمثل مدينة اسطنبول إحدى أهم مراكز انتقال المقاتلين واجتماع المتشددين من الأصوليين والمتعصبين الإسلاميين مع المقاتلين المتطوعين الذين يعتزمون السفر إلى سوريا والعراق لممارسة نشاطهم الجهادي باسم الحرب الإسلامية العادلة. كما يتواجد عدد من المراكز في جنوب شرق تركيا لتجنيد المتطوعين للقتال في سوريا.

ويُعتقد حسب زعم بعض الشهود أن هذه المراكز قامت بتجنيد أكثر من 200 مواطن محلي في مدينة أديامان التركية، وهي واحدة من أكبر المدن التركية، وتمثل مصدراً هاماً ومورداً رئيسياً للمقاتلين الجهاديين الأتراك إلى سوريا، وتبعد أديامان 130 ميل عن مدينة كيليس التي لا تقل خطورة عن الأولى في كونها مورداً رئيسياً لعبور الأتراك الجهاديين إلى الحدود السورية.

وعلاوة على ذلك، تعد كل من ديار بكر وغازي عنتاب مقرين رئيسيين لاجتماعات المقاتلين بالجماعات المحرضة، وتشمل لائحة المدن التركية المزودة بالمقاتلين الأتراك مدينة أنطاكيا عاصمة مقاطعة هاتاي، وهي مقر لتدريب المقاتلين من قبل جماعة النصرة، حيث تقوم الجماعة بتدريب المقاتلين المتطوعين لمدة ستة أشهر قبل عبورهم إلى الحدود السورية.

دوافع المقاتلين الأتراك في سوريا

يقدم ستفين ستار تفسيراً حول دوافع المقاتلين الأتراك في حربهم ضد الحكومة السورية، والتي تدور غالبيتها حول الدوافع الإنسانية بالمقام الأول، واستمالة هؤلاء المقاتلين عاطفياً لدفعهم إلى الحرب ضد الحكومتين السورية العراقية عبر ترسيخ منظومة المعتقدات الراديكالية المتطرفة في أذهان وعقول هؤلاء المقاتلين، لاسيما فئة صغار السن من الشباب التركي، والذين هم أكثر الفئات استهدافاً للتجنيد والتلقين الجهادي.

وقد اعتمد الكاتب في تحليله لهذا الموضوع على مجموعة من المقابلات مع مجوعة من المقاتلين الأتراك الذين شاركوا في القتال المحتدم في سوريا ضد نظام الأسد، وتبين من خلال هذه المقابلات أن جملة الدوافع المحركة للسلوك "الجهادي" لهؤلاء المقاتلين ترتكز بالأساس على المحركات الذاتية المعنوية، والشعور بأن الحرب ضد الحكومة السورية هي بمثابة مسؤولية إنسانية تجاه إخوانهم السوريين. ومن وجهة نظر البعض، فإن المشاركة في حرب سوريا هي خطوة نحو تعزيز وتحقيق حلم الخلافة الإسلامية، وأن خطوة القتال في سوريا تعد بمثابة خطوة استباقية وتمهيدية، يعقبها خطوات أخرى نحو لبنان والأردن.

وقد ترسخت هذه الفكرة في نفوس بعض المقاتلين بشكل أكبر بعد الاجتياح الداعشي لسوريا والعراق في يونيو 2014، حتى إن كثيراً من المتطوعين الأتراك كانوا قد انضموا إلى "داعش" وتحولوا عن جبهة النصرة؛ حيث كان هناك 500 تركي تقريباً يقاتلون مع جماعة النصرة لكنهم انتقلوا إلى تنظيم "داعش" عقب استيلائه على أراضِ بالعراق، وذلك وفق ما أكد عليه ستار في أحد مقابلاته مع أحد الأفراد الأتراك، والذي أدلى بمعلومات حول انضمام بعض المقاتلين الأتراك إلى الحرب السورية. وبحسب زعم بعض الشهود، فإن تنظيم "داعش" يقوم باستغلال هؤلاء المتطوعين مقابل مردود مادي يتراوح ما بين 100-200 دولار شهرياً للقتال في سوريا كما يقول ستار في تحليله لفكرة دوافع المقاتلين الأتراك، بيد أن هذا الدعم لا يقف عند دعم "داعش" وحده، لكنه يشمل أيضاً دعم بعض أصحاب المتاجر الأتراك الذي يقومون بتمويل الشباب المقاتل في سوريا.

ويُضاف إلى لائحة الدوافع السابقة، اقتناع فئة الشباب المتطوعين بما جاء به التاريخ حول مشاركة تركيا مع بلاد المسلمين وفقًا للتاريخ الإسلامي، وأن الدول الاسلامية كلها يجب أن تتكاتف مع بعضها البعض. ويرجع ترسخ هذا الاعتقاد عند بعض الشباب التركي إلى اهتزاز ثقتهم بالمؤسسات العلمانية التي قامت بتدريس التاريخ في تركيا؛ حيث يجزم أحدهم بأن هذه المؤسسات العلمانية قد أعطت صورة خاطئة عن البلدان العربية، فضلا عن إلقائهم وابلاً من الاتهامات على دور وسائل الإعلام التركي وموقفها من القضية السورية.

وبناءً على ما يراه ستيفن ستار حول دوافع المقاتلين الأتراك للحرب في سوريا، يمكن القول إن النزعة المذهبية والأيديولوجية لدى هؤلاء المقاتلين تعتبر ركناً جوهرياً ضمن مجموعة من الدوافع التي ظهرت على سلوكهم القتالي في مشاركتهم الحرب ضد الحكومات السورية والعراقية، وإن هذا العامل يعد من أخطر العوامل التي تؤثر بشكل بالغ على دوافع الجهاديين وتعبئتهم في الحروب بشكل عام.

موقف الحكومة التركية

يؤكد ستيفن ستار على أن القرارات التي تتخذها الحكومة التركية بشأن عبور المقاتلين الأجانب والأتراك نحو ساحة القتال في سوريا هي قرارات غير كافية للحد من هذه الظاهرة، إذ يقتصر الأمر على قرارات تهدف إلى منع دخول اللاجئين الذين يثبت تورطهم أو انتهاجهم أساليب عنيفة في سوريا.

ويرجع الكاتب أسباب تدفق المقاتلين الأجانب إلى تركيا وسهولة عبورهم إلى سوريا، إلى قصور دور الأجهزة الأمنية التركية خاصة على الحدود التركية في مدينة كيليس. ففي مقابلات أجراها ستار مع أحد الأفراد الأتراك، والذي لديه خلفية معلوماتية قوية حول بعض الجهاديين الأتراك، يقر بأن درجة تجاهل الشرطة التركية قد وصلت إلى مستوى عال تجاه نشاط المقاتلين الأتراك المتطرفين بسبب خضوعهم لأوامر القيادات العليا وانخفاض مستوى إلزامهم باتخاذ إجراءات رادعة تجاه هذه المجموعات.

ومن الأحداث الدالة على تورط أنقرة في دعم هذه الجماعات، والتي ساقها ستيفن في دراسته، تجاهل الشرطة التركية لتفتيش شاحنة كان يُشتبه في أنها تحمل أسلحة إلى سوريا نتيجةً لإلزام حاكم مقاطعة هاتاي الشرطة التركية بعدم تفتيش الشاحنة في نوفمبر 2013؛ الأمر الذي أثار مزيداً من الجدل حول تورط تركيا في دعم هذه الجماعات.

لكن في مقابل هذه الاتهامات التي وًجهت لتركيا، ظهرت مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات التركية حيال تلك الظاهرة الخطيرة داخلياً وخارجيا، والتي كان منها قيام السلطات التركية ببناء جدار قريب من مدينة ريحانلي التركية لوقف العبور غير القانوني عبر الحدود في إبريل 2014، واتخاذ إجراء يقضي بإدراج جهاد آل النصرة تحت قائمة المنظمات الإرهابية.

خلاصة القول، تعتبر تركيا منبعاً خطيراً لتوليد وتدفق المقاتلين الأجانب إلى ميادين القتال الجهادي في كل من سوريا والعراق، وهو ما قد ينتج عنه مزيداً من تصاعد أعداد الجهاديين الأتراك المتطرفين في سوريا، خصوصاً وأن تركيا تشارك كل من العراق وسوريا في حدود تبلغ 650 ميل. ولذا من المرجح أن ترتكز اهتمامات الأمن القومي التركي على الحدود الجنوبية خلال الفترة المقبلة.

ويبقى من الضروري أن تنتبه الحكومة التركية بشكل أكبر إلى مقاومة تجنيد الشباب من قبل الجماعات المتطرفة التي تستهدف هذا الشباب "الثائر" المتحمس لتحقيق أهدافها، مستغلى الانقسام المذهبي الذي يهدد كيان الشرق الأوسط في الوقت الراهن.

عرض موجز لدراسة نشرت تحت عنوان: "نظرة أعمق إلى أنشطة "الجهاديين" الأتراك في سوريا"، مركز مكافحة الارهاب، الولايات المتحدة الأمريكية، أكاديمية ويست بوينت ، 27 أغسطس ، 2014 .

Stephen Starr , A Deeper Look At Syria – Related Jehadist Activity In Turkey , The Combating Terrorism Centre , West Point Academy , 27- Aug – 2014 .