أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

توترات مكتومة:

تحولات الداخل الإيراني في عام 2018

27 ديسمبر، 2017


فرضت التطورات التي طرأت على الساحة الخارجية خلال عام 2017 ضغوطًا لا تبدو هينة على حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني وتيار المعتدلين الذي يضم الجناح الموالي لولاية الفقيه من تيار الإصلاحيين والجناح التقليدي من تيار المحافظين، بشكل دفع الأولى إلى اتخاذ خطوات من شأنها تقليص حدة التوتر في علاقاتها مع المتشددين من تيار المحافظين الأصوليين والمؤسسات الراديكالية النافذة في النظام، على غرار الحرس الثوري، ومجلس صيانة الدستور، والسلطة القضائية.

وانعكس ذلك في مؤشرين رئيسيين، يتمثل أولهما في: حرص الحكومة على رفع المخصصات المالية للحرس الثوري في الميزانية الجديدة التي عرضتها على مجلس الشورى لتصل إلى نحو 7.6 مليارات دولار، بشكل يُشير إلى أن الأركان الرئيسية في النظام، لا سيما المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، بدأت في محاولة دفع الحكومة إلى التراجع عن جهودها السابقة التي هدفت من خلالها إلى تقليص أدوار الحرس، وتدخله في الشئون السياسية، داخليًّا وخارجيًّا. 

اتجاه الحكومة خلال الفترة الماضية إلى تفعيل تلك الجهود كان الهدف منها هو تعزيز سيطرتها على إدارة الشئون الاقتصادية للدولة، خاصة أن "الباسدران" يمتلك نفوذًا قويًّا على الصعيد الاقتصادي، بشكل كان من الممكن أن يساعدها في تنفيذ برامجها الاقتصادية التي كانت أحد المحاور التي مكّنت الرئيس روحاني من الفوز في الانتخابات الرئاسية في دورتيها الأخيرتين.

وينصرف ثانيهما إلى حرص الرئيس روحاني وغيره من مسئولي الحكومة على تصعيد حدة مواقفهم تجاه التطورات الطارئة على الساحة الخارجية. إذ تعمّد روحاني، على سبيل المثال، الدفاع عن موقف ميليشيا الحوثيين في إطلاقها صواريخ باليستية على السعودية، مستندًا إلى بعض المبررات التي لا تتسامح مع المعطيات الموجودة على الأرض، وتتجاهل ما يقوم به الحوثيون من نشر الفوضى وعدم الاستقرار ودعم التنظيمات الإرهابية في اليمن.

كما بدا لافتًا أيضًا أن روحاني حرص على المشاركة في الحملة الدعائية التي قام الحرس الثوري بتدشينها من أجل الترويج للدور المزعوم الذي قام به في الانتصار على تنظيم "داعش" داخل كل من العراق وسوريا، موجهًا -في الوقت نفسه- انتقادات قوية إلى جامعة الدول العربية، خاصة بعد الدعم الذي قدمته للسعودية ضد كلٍّ من إيران وحزب الله خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عقد بناء على طلب السعودية في 19 نوفمبر 2017، والذين أكدوا رفضهم لانتهاكات وتدخلات إيران ودعمها للميليشيات التي تقوم بأعمال ضد بعض الدول العربية.

اعتباران أساسيان:

حرص الحكومة، ومن خلفها المعتدلون، على التهدئة مع الحرس والمحافظين الأصوليين يمكن تفسيره في إطار اعتبارين أساسيين، الأول: أن العام القادم لن يشهد استحقاقات سياسية هامة، حيث أجريت الانتخابات الأكثر تأثيرًا في عامي 2016 و2017، على غرار انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، ومجلس خبراء القيادة (الذي يتولى تعيين وعزل المرشد ومراقبة أدائه السياسي)، ورئاسة الجمهورية، وكلها حقق فيها المعتدلون نتائج بارزة مكّنتهم من تفعيل عودتهم إلى السلطة من جديد بعد فترة غياب امتدت منذ عام 2005 الذي شهد فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد على مرشحهم رئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي توفي في 8 يناير 2017.

والثاني: أن المعطيات التي تفرضها التطورات الخارجية لا تمنح الحكومة والمعتدلين هامشًا واسعًا من الخيارات أو حرية الحركة والمناورة السياسية. فبعد أن حاول المعتدلون استثمار الوصول للصفقة النووية مع مجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015، والمرونة التي أبدتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تجاه إيران، من أجل إضفاء وجاهة خاصة على الدعوة إلى تحسين العلاقات مع الغرب، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، والترويج إلى أن مصطلح "الشيطان الأكبر" لم يعد يتوافق مع الظروف والتحولات الجديدة التي فرضتها تلك الصفقة؛ جاءت الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب لتقلص من أهمية وزخم تلك السياسة على الساحة الداخلية الإيرانية.

إذ تراجعت دعوات تحسين العلاقات مع واشنطن، وعادت مرة أخرى الاتهامات الموجهة لبعض كوادر تيار المعتدلين بـ"العمالة" و"الخيانة"، ووجد المحافظون الأصوليون الفرصة سانحة لإعادة مهاجمة الاتفاق النووي، وفرض ضغوط غير مسبوقة على حكومة روحاني من خلال اتهامها بالتعويل على الصفقة النووية في حل مشاكل الدولة دون أن يكون لذلك سند حقيقي، في ظل تدني العوائد الاقتصادية التي حصلت عليها إيران بمقتضى تلك الصفقة.

متغيرات محتملة:

مع ذلك، فإن هذا الهدوء السياسي المحتمل يمكن أن يتعرض لتحولات قد تحدث خلال العام المقبل. فرغم عدم وجود استحقاقات سياسية بارزة في 2018؛ إلا أن المفاجآت قد يكون لها دور في تغيير هذا المسار السياسي داخل إيران، خاصة في حالة ما إذا وقعت أحداث لم تعد مستبعدة على غرار غياب المرشد الأعلى للجمهورية عن المشهد السياسي.

إذ إن هذا المتغير المحتمل قد يلقي حجرًا في المياه الراكدة، بسبب أهمية المنصب ودوره في ضبط التفاعلات السياسية داخل النظام، ووضع حدود لمستوى الاستقرار داخل الدولة. وهنا، فإن كل القوى السياسية سوف تتطلع لأن يكون لها دور في اختيار خليفة خامنئي، بما فيها تيار المعتدلين الذي يمكن أن يستند -في هذا السياق- إلى نفوذه السياسي في رئاسة الجمهورية ومجلس الخبراء والشورى.

لكن ذلك أيضًا يمكن ألّا يحدث، لا سيما في حالة ما إذا كان هناك استعداد مسبق للتعامل مع هذا المتغير المحتمل في حالة حدوثه، أو ما إذا أدت توازنات القوى إلى حسم الموقف لصالح تيار سياسي واحد، خاصة في حالة ما إذا كانت القوة العسكرية إلى جانب هذا التيار، حيث يتوقع أن يكون للحرس الثوري دور رئيسي في هذا الصدد، بسبب ارتباط نفوذه السياسي والاقتصادي بهوية صاحب الكلمة الفصل والرجل الأول داخل النظام.

فضلًا عن ذلك، فإن بعض القضايا الخلافية التي بدأت تتصاعد على الساحة السياسية في الفترة الأخيرة يمكن أن تُمثِّل متغيرًا آخر قد يساهم في تغيير النمط المتوقع من التفاعلات السياسية خلال العام المقبل. إذ بدأت قضايا الفساد تكتسب حيزًا واسعًا من الجدل العام الذي تشهده الساحة الإيرانية في الفترة الأخيرة، ويُتوقع أن يمتد إلى عام 2018.

وهنا، فإن حالة الشد والجذب التي يتسع نطاقها في الفترة الحالية بين الرئيس السابق أحمدي نجاد ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، والتي تعود إلى الفترة الرئاسية الثانية لأحمدي نجاد الذي تتسم علاقاته مع عائلة لاريجاني بالتوتر المستمر بشكل عام، يمكن أن تتحول إلى أزمة سياسية حادة داخل النظام، في حالة ما إذا أدت إلى الكشف عن قضايا فساد كبرى داخل أروقة المؤسسات الرئيسية في الدولة.

ورغم أن حكومة روحاني حرصت في الفترة الأخيرة على استغلال هذا الملف أيضًا، بسبب سعيها إلى تقليص حدة الضغوط التي تتعرض لها في ظل استمرار المشكلات الاقتصادية التي تُعاني منها إيران، من خلال التركيز على الفساد الذي كشف عنه الزلزال الأخير الذي تسبب في انهيار كثير من المباني السكنية في المحافظات الغربية التي وقع فيها، والتي تم إنشاؤها في عهد حكومة أحمدي نجاد؛ إلا أن المسألة قد تتحول إلى سيف ذي حدين، خاصة أن ثمة قضايا فساد عديدة تطال مسئولين بارزين في الحكومة، على غرار حسين فريدون شقيق الرئيس روحاني ومساعده الخاص للشئون التنفيذية الذي تم اعتقاله في 15 يوليو 2017، بسبب اتهامه بارتكاب تجاوزات مالية، قبل أن يتم الإفراج عنه بكفالة. 

خلافات مكتومة واحتمالات قائمة كلها تعني أن الهدوء السياسي المتوقع في عام 2018 ربما لا يكون سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة، خاصة في ظل الترابط الشديد بين ما يحدث في الخارج من تطورات وما يجري في الداخل من تفاعلات.