يأتي هذا الكتاب في ظل تغيرات متعددة وخطرة يمر بها العالم، غيرت التركيبة الجيوستراتيجية جوهرياً، وجعلت المجتمع الدولي يتحدث عن عالم متعدد الأقطاب والنزاعات والتحديات، متجاوزاً في ذلك فكرة استبدال روسيا والصين كقطب رئيسي آخر مع الولايات المتحدة، وتصورنا عالماً يحكمه العديد من الأقطاب، بما فيها بعض الدول المتوسطة، ويشارك في تشكيله حتى المؤسسات أو المنظمات غير الوطنية والخاصة.
ويتكون الكتاب من خمسة فصول، يتناول أولها الصراع بين القوى الكبرى على إعادة تشكيل النظام الدولي؛ إذ تتمسك واشنطن بهيمنتها على النظام الدولي منذ انتهاء الحرب الباردة، بينما تدفع روسيا والصين نحو تشكيل نظام متعدد الأقطاب، كما يتناول الحرب الروسية الأوكرانية باعتبارها أحد أشكال هذا الصراع، ونتائجها ستحدد شكل النظام الدولي، ويستعرض الفصل أيضاً ملامح النظام الدولي قيد التشكُّل.
ويستعرض الفصل الثاني مظاهر التنافس الدولي على منطقة الشرق الأوسط؛ من حيث تحولات الدور الأمريكي وتصاعد أدوار روسيا والصين بالمنطقة في محاولة لملء الفراغ الأمريكي، وتفاعل دول الشرق الأوسط مع هذا التنافس.
ثم يأتي الفصل الثالث ليستكشف التحولات في خريطة التفاعلات بين دول منطقة الشرق الأوسط، والتي ترسم ملامح النظام الشرق أوسطي الجديد، في انعكاس للتحول في قطبية النظام الدولي، ويسعى الفصل لتحديد موقع العرب في النظام الشرق أوسطي الجديد، وما يجب على الدول العربية ومؤسساتها الجماعية، وعلى رأسها الجامعة العربية، القيام به لتأمين مصالحها الوطنية والإقليمية.
فيما يتناول الفصل الرابع مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي وتأثيراتها في منطقة الشرق الأوسط، بدءاً باستعراض محاولات إيجاد حل للقضية الفلسطينية في السنوات الأخيرة ومواقف الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منها؛ وصولاً إلى تفجر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عقب عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، ورد الأخيرة بعملية عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة، ويُقدم الفصل توصيات للفلسطينيين والعرب بشأن كيفية التعاطي مع التصعيد الإسرائيلي غير المسبوق في غزة.
وأخيراً، يطرح الفصل الخامس رؤية لنظام دولي أكثر عدالة وديمقراطية؛ يضمن حقوقاً متساوية لكافة الدول بما يحقق الصالح العام الجماعي، ويقترح خطوات لجعل منطقة الشرق الأوسط والعالم خالياً من الأسلحة النووية، كما يُقدم الفصل توصيات لصانع القرار العربي بشأن كيفية تعزيز دور الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط، التي تشهد تغييرات مستمرة، بما يمكنها من تأمين مصالحها.
وقد خلص فهمي في كتابه إلى أن النظام الدولي يمر "بعاصفة مكتملة وعاتية"، وأن الشرق الأوسط "يعاد تشكيله"، وهذه التطورات مستمرة وممتدة ولم تتضح بعد معالمها الجديدة. ويرى فهمي أنه "ليس من المبالغة القول إننا الآن على حافة الهاوية في الحالتين، بين الإفاقة الدولية الصعبة والعاصفة بغية العودة إلى الرشد والحكمة بتبني مفاهيم تعاونية لنظام دولي يجمع الكل وينبني على توازن واقعي في المصالح، وأوضاع إقليمية شرق أوسطية بالغة الحساسية والخطورة تحتم تبني سياسات توافقية مع الحسم في ترجيح قوة القانون على قانون القوة والحق على الباطل".