أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

"لجنة 6 يناير":

مساعي الديمقراطيين لإقصاء ترامب من الانتخابات الأمريكية القادمة

24 يونيو، 2022


أعلنت لجنة التحقيق في مجلس النواب الأمريكي، والمعروفة باسم "لجنة 6 يناير"، في 9 يونيو الجاري أولى الخلاصات حول أحداث اقتحام مبنى الكابيتول هيل، في 6 يناير2021؛ حيث أشارت إلى أن هذا الحادث شكل ذروة محاولة انقلابية كان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب هو المسؤول عنها، مؤكدة أن الحادث "مؤامرة" شكلت تهديداً غير مسبوق على الديمقراطية الأمريكية.

نتائج مناهضة لترامب:

يلاحظ أن لجنة 6 يناير، ليست محكمة قانونية، ولكنها لجنة برلمانية تكونت منذ عام، وضمت تسعة نوّاب، سبعة ديمقراطيين وجمهوريين، وتهدف إلى عقد جلسات استماع للتحقيق في الهجوم الذي وقع في 6 يناير 2021، على مبنى الكابيتول هيل. وأجرت اللجنة ألف مقابلة، وجمعت 140 ألف وثيقة خلال التحقيق الذي استغرق قرابة العام. وتمثل أبرز ما توصلت إليه اللجنة، بعد بدء انعقاد أولى جلساتها العلنية في 9 يونيو، والتي من المتوقع أن تستمر حتى 23 يونيو الجاري، في التالي:

1- خطة غير دستورية: وصفت اللجنة هجوم الكابيتول هيل بأنه خطة ترامب "غير القانونية" و"غير الدستورية" لعرقلة نقل السلطة بطريقة سلمية؛ واستشهدت اللجنة، في ذلك، بتهم التآمر والتحريض التي تم رفعها ضد بعض المهاجمين، ويبدو أن هدف اللجنة هو محاولة توفير أدلة لإدانة ترامب، بصورة تسمح للمدعى العام، ميريك جارلاند، لتحقيق هدفهم الأساسي، وهو محاكمة ترامب، ومن ثم إبعاد أحد مصادر التهديد المحتمل أمام المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية القادمة. 

2- هجوم مدبر: أوضحت اللجنة أن الهجوم كان محاولة انقلاب مخطط لها ونتيجة مباشرة لجهود الرئيس المهزوم لإلغاء نتيجة انتخابات 2020، فبينما أخبره مستشاروه بأنه قد خسر الانتخابات، فإنه ظل يدعي بأنها سرقت منه، محاولاً الضغط على مسؤولي الولايات والمسؤولين الفيدراليين وأعضاء الكونجرس وحتى نائبه لتجاهل فرز الأصوات في الولايات الرئيسة، وعندما فشل في ذلك، شجع العصابات التي تقودها الجماعات المتطرفة، مثل "برود بويز" (Proud Boys) لاقتحام مبنى الكابيتول لمنع الكونجرس من إعلان فوز خصمه الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة.

3- اتهامات جنائية محتملة: لا تعد جلسة الاستماع في الكونجرس محكمة قانونية، نظراً لأنه لم يكن هناك من يدافع عن ترامب، غير أن بعض الشهادات التي وردت فيها تُعد بمنزلة لائحة اتهامات جنائية ضد الرئيس السابق؛ ويمكن لوزارة العدل أن تستخدمها إذا أرادت محاكمة ترامب بتهم التحريض على الفتنة، وتقويض المؤسسات الدستورية والديمقراطية. 

ومع ذلك، لا تزال آراء اللجنة غير واضحة بشأن التساؤل الذي يثير الرأي العام الأمريكي وهو: هل تنبغي محاكمة ترامب جنائياً، أم أنه من الصعب بناء قضية جنائية ضده؟، خاصة أن مثل هذه المحاكمة سوف تكون غير مسبوقة، كما أنها تحمل شبهات سياسية، خاصة أنها تجيء في وقت تتراجع فيه شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن في الشارع الأمريكي، فضلاً عن مخاوف الديمقراطيين من فوز ترامب بترشيح الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.

ولذلك انتقد ترامب اللجنة مؤكداً أنها تحاول منعه عبر أنشطتها من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2024، وواصفاً إياها خلال مشاركته في مؤتمر في ناشفيل بولاية تينيسي بأنها "عملية احتيال كاملة"، كما أكد أن مثل هذه الجلسات هي "مجرد محاولة لمنع رجل يتقدم بفارق كبير في جميع استطلاعات الرأي على كل من الجمهوريين والديمقراطيين من الترشح للرئاسة مرة أخرى". 

4- محاولة إعاقة التصديق على فوز بايدن: كشفت جلسة الاستماع الثالثة عن أن ترامب مارس ضغوطاً غير قانونية على نائبه مايك بنس لإلغاء نتائج الانتخابات؛ حيث حاول منعه من الذهاب إلى الكونجرس للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية. 

وتناولت اللجنة دلالات ضغط ترامب على بنس، حيث قال أحد مساعدي "ترامب" خلال جلسات الاستماع إنه سمع أن الرئيس اشتبك في مكالمة ساخنة مع بنس في صباح أعمال الشغب، وقال آخر إنه سمع ترامب يطلق عليه اسم الجبان، بينما قال آخر إنه سمع ترامب يخبر بنس بأنه اتخذ الخيار الخاطئ، وبالإضافة إلى ذلك، غرد ترامب قائلاً بنس لم يكن لديه الشجاعة للتدخل، حتى بعد أن عرف أن مثيري الشغب قد اقتحموا الكابيتول.

فرص ولاية أخرى لترامب:

لا يمكن التوصل إلى برهان قاطع لتحديد ما إذا كان "ترامب" سيصل إلى انتخابات 2024 أم لا، ومع ذلك، يمكن الإشارة إلى عدد من المؤشرات في هذا الإطار، وهي كالتالي: 

1- تنامي شعبية ترامب: كشف استطلاع رأي أجرته كلية إمرسون نهاية مايو الماضي، أن ترامب قد يهزم بايدن في انتخابات عام 2024، إذ أشار الاستطلاع إلأى أن 44% سيصوتون لصالح ترامب، مقابل 42% سيدعمون بايدن إذا كانا هما المرشحان. 

وتتوقع صحيفة ذا هيل الأمريكية أن ترامب سيتصدر استطلاعات الرأي المبكرة لعام 2024 بهامش كبير، لكن ليس هناك ما يضمن دخوله السباق الانتخابي من الأساس، كما أنه من جهة ثانية، لا يعرف هوية مرشح الحزب الديمقراطي، وهل سيكون بايدن نفسه، أم يتم طرح شخصية أخرى، وهي أمور كلها سوف تؤثر بالطبع على مدى قدرة ترامب، في حالة ترشحه، على هزيمة مرشح الحزب الديمقراطي، إذ إنه يتوقع أن يستطيع ترامب حسم السباق لصالحه في مواجهة بايدن، مقارنة بما إذا اختار الحزب الديمقراطي مرشحاً آخر يتمتع بشعبية وكاريزمية وتوجهات غير مثيرة للانقسامات. 

2- سوء إدارة الديمقراطيين: يعاني المجتمع الأمريكي ارتفاع معدلات التضخم بصورة قياسية، وزيادة جرائم إطلاق النار في الشوارع والمدارس وسط فوضى غير مسبوقة لعنف السلاح، إلى جانب أزمة لبن الأطفال، وأخيراً فشل قمة الأمريكيتين بمقاطعة المكسيك وعدد من الدول لحضور القمة، فضلاً عن رفض البرازيل الامتثال لأي عقوبات أمريكية ضد روسيا، وهو ما اعتبره البعض انتكاسة للنفوذ الأمريكي العالمي. 

ولا شك أن استمرار هذه الأزمات وتكرارها يعكسان أمرين؛ الأول هو عدم قدرة الديمقراطيين بقيادة الرئيس جو بايدن على التغلب على مثل هذه التحديات الداخلية والخارجية، والثاني، هو قدرة ترامب على استغلال هذه العثرات لتعزيز شعبيته. 

3- تداعيات عكسية للجنة: ينتقد الجمهوريون أعمال لجنة 6 يناير، إذ يعتقد طيف كبير منهم أن الهدف من وراء تكوينها وعملها هو تشويه سمعة ترامب، والتأثير على حظوظ الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل، خاصة أن هناك توقعات بخسارة الديمقراطيين لهذه الانتخابات بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع مستويات التضخم لمعدلات قياسية.

وعلى الرغم من أن جلسات استماع الكونجرس تهدف إلى إقناع الرأي العام والناخب الأمريكي بضرورة إبعاد ترامب عن المشهد السياسي برمته ومحاكمته، غير أنها كذلك قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ قد يتعاطف بعض قطاعات الرأي العام الأمريكي، خاصة من الجمهوريين، مع "ترامب"، وينظر إلى اللجنة باعتبارها خطة ديمقراطية لتشويه صورة الجمهوريين بشكل عام.

عقبات قائمة:

على الرغم من حفاظ ترامب على شعبيته لدى قطاعات من الشعب الأمريكي، فإنه من الملحوظ أن طريقه إلى انتخابات 2024، لن يكون سهلاً، إذ لايزال يواجه بتحديين رئيسيين وهما: 

1- اتجاه الجمهوريين للاعتدال: يُطرح حالياً بشدة اسم "مايك بنس" كمرشح محتمل للحزب الجمهوري في الانتخابات المرتقبة؛ حيث يعتقد بعض الجمهوريين أن راديكالية "ترامب" كانت السبب المحوري في خسارة انتخابات 2020، ومن ثم يلجأ المعسكر الجمهوري خلال الفترة المقبلة إلى اختيار مرشح معتدل يؤمن بقيم الحزب المحافظة والتقليدية، ويستطيع إنهاء حالة الاستقطاب المتجذرة داخل المجتمع الأمريكي. 

وعلى هذا النحو، يُلاحظ أن بنس قد يكون مناسباً لتحقيق هذه المعادلة، إذ يمكن أن يقوم بتحقيق توازن يتمثل في النأي بنفسه عن دونالد ترامب، وهو ما تبرهن في خلافهما بشأن رفض بنس عرقلة المصادقة على فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية السابقة، غير أنه، في المقابل، ليس من الواضح شعبية بنس مقارنة بترامب لدى الجمهوريين، كما أنه نظراً لحالة الاستقطاب الحاد التي يمر بها المجتمع الأمريكي، فإن فرص فوز ترامب بترشيح الجمهوريين قد تفوق بنس نفسه. 

2- تأييد محاكمة ترامب: أفاد استطلاع شبكة "إيه بي سي نيوز" التليفزيونية بالاشتراك مع شركة إسبوس للأبحاث، والذي جرى يومي 17 و18 يونيو الجاري أن 58% ممن شملهم الاستطلاع يرون أن الرئيس السابق يجب اتهامه جنائياً لدوره في أعمال الشغب، كما أكد الاستطلاع السابق أيضاً أن 60% من الأمريكيين يرون أن لجنة 6 يناير تجري التحقيق بشكل محايد ونزيه وغير متحيز.

وفي المقابل، فإن استطلاعاً آخر للرأي أجرته شبكة "إن بي سي نيوز" بالتزامن مع بدء الجلسات العلنية لاقتحام الكونجرس، تبين أن 55% ممن شملهم استطلاع يعتقدون أن الرئيس السابق غير مسؤول عن أحداث الكابيتول، بينما يرى 45% فقط أنه المسؤول عن أعمال الشغب. ويكشف الاستطلاعان عن استمرار وجود تضارب في توجهات الرأي العام الأمريكي، وهو أمر لن يتم حسمه إلا مع نهاية هذه الجلسات، فضلاً عن عدم حدوث تطور بارز آخر يجذب انتباه الناخبين نحو قضايا أخرى.   

وفي الختام، يمكن القول إن الرئيس السابق "دونالد ترامب" هو السياسي الأقل توقعاً. ولكن المؤكد هو أن المشهد السياسي الأمريكي سيشهد معركة سياسية حادة بين الديمقراطيين والجمهوريين، ولعل أبرز مقدمتها علانية جلسات استماع الكونجرس، والتي قد تسعى لاستقطاب اهتمامات الناخب الأمريكي بعيداً عن تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتراجع القيادة الأمريكية في الخارج، لصالح التركيز على قضية أخرى، وهي محاكمة "ترامب"، وذلك للحفاظ على حظوظ الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي بعد أقل من ثلاث أشهر من الآن.