أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

رهان التكلفة:

هل يساهم الهيدروجين الأخضر في تحول الطاقة عالمياً؟

18 فبراير، 2021


يحظى الهيدروجين الأخضر (أو المتجدد) باهتمام عالمي متزايد في الفترة الأخيرة، باعتبار أنه وقود نظيف ويمكن أن يساند الجهود العالمية المبذولة حاليًا لتخفيف الانبعاثات الكربونية العالمية، والتعامل مع قضية التغير المناخي. وجرى تنفيذ عدد من المشاريع التجريبية لإنتاج الهيدروجين مؤخرًا في أنحاء مختلفة من العالم، والتي من المحتمل أن تكون نواة للتوسع التجاري في استخدامه في العديد من التطبيقات في مجالات الصناعة والنقل والإسكان وغيرها. ويقتضي تحول الهيدروجين الأخضر لعنصر رئيسي في مزيج الطاقة العالمي مستقبلًا عدة متطلبات، يأتي في صدارتها استمرار الحكومات في دعم جهود البحث العلمي والتطوير لخفض كُلفة إنتاج الهيدروجين، وتقديم حزم من الحوافز المالية والتنظيمية لمشاريع إنتاج الهيدروجين الناشئة، لكي يصبح أكثر جاذبية من الناحية اللوجستية والتسعير بالنسبة للمستخدمين النهائيين.

لمحة سريعة:

يُعد الهيدروجين ناقلًا كيميائيًا للطاقة قابلًا للنقل والتخزين، ويمكن إنتاجه عن طريق وسيلتين رئيسيتين هما: إما إجراء عملية تبخير لمصادر الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي، أو من خلال عملية التحليل الكهربائي للماء المعروفة بــــElectrolysis، وعلى نحو يسمح بالحصول على جزيئات الهيدروجين بعد فصلها عن الأكسجين، وهي أكثر الطرق شائعة الاستخدام حتى الآن. 

وبالإمكان خلط الهيدروجين بعناصر كيميائية منفصلة ليمكننا الحصول على منتجات أخرى، على غرار الميثان الصناعي، والأمونيا، والوقود السائل الصناعي، والميثانول، وغيرها، فيما يشار إليه بــ"الوقود المعتمد على الهيدروجين"، والذي يمكن استخدامه لاحقًا كمادة وسيطة في العديد من الصناعات، مثل التكرير والبتروكيماويات والأسمدة وغيرها.

وهناك ثلاثة أنواع رئيسية للهيدروجين، طبقًا لمدى خلوه من الكربون وهي الآتي: (1) الهيدروجين الأخضر: ويتم إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي، باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. (2) الهيدروجين الأزرق: وينتج عن طريق إعادة تشكيل غاز الميثان، المكون الرئيسي لخام الغاز الطبيعي، بالتبخير مع إزالة الكربون أثناء المعالجة. (3) الهيدروجين الرمادي: يتم إنتاجه عن طريق إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، دون إزالة الكربون.

وحاليًا، يستحوذ الهيدروجين الرمادي، المُنتج من مصادر الوقود الأحفوري، على حصة 95% من الإمدادات العالمية الإجمالية للهيدروجين، بينما النسبة المتبقية عن طريق التحليل الكهربائي، وهما يلبيان معًا نحو 4% من الاستهلاك النهائي للطاقة وفق الوكالة الدولية للطاقة. وفي عام 2019، بلغ إجمالي الطلب العالمي على الهيدروجين نحو 120 مليون طن متري (60% للهيدروجين النقي، و40% للوقود القائم على الهيدروجين)، وبقيمة اقتصادية قُدرت بنحو 135.5 مليار دولار.

التحول إلى الهيدروجين النظيف:

منذ أكثر من عقدين تصاعد الاهتمام العالمي بالتحول نحو استخدام مصادر الطاقة النظيفة بما في ذلك الطاقة الشمسية والرياح إلى جانب المصادر الأخرى، وذلك من أجل معالجة مشكلة الانبعاثات الكربونية العالمية التي تفرض تغيرات مناخية عديدة ذات تبعات اقتصادية وسلبية جسيمة. ولكي يحافظ العالم على الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية عند أقل من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ينبغي خفض صافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 45% بحلول عام 2030 من مستويات عام 2010، على أن تصل إلى صفر بحلول عام 2050. 

ويعتبر التحول نحو استخدام الهيدروجين الأخضر أو المتجدد ضمن الحلول الرئيسية التي طُرحت مؤخرًا من جهة العديد من الحكومات العالمية من أجل مساندة الجهود العالمية الرامية لخفض الانبعاثات الكربونية. وبإمكانه أن يلعب دورًا حيويًا في تعزيز الانتقال نحو استخدام الطاقة النظيفة نظرًا لما يتمتع به من الوفرة في الطبيعة، وإمكانية تخزينه ونقله لمسافات طويلة، وذلك دون إطلاق ثاني أكسيد الكربون.

وفي هذا الإطار، اكتسبت برامج إنتاج الهيدروجين الأخضر زخمًا قويًا في أوروبا بجانب الصين واليابان والإمارات وفي أنحاء أخرى من العالم، وتتطلع هذه الدول للتوسع في استخدامه بقطاعات متنوعة بما في ذلك الصناعة والنقل والإسكان. وكآلية للتحرك الجماعي، أصدرت المفوضية الأوروبية، وهي من أبرز الداعمين العالميين للطاقة النظيفة، في يوليو 2020، استراتيجية لتوسيع استخدام الهيدروجين الأخضر عبر القطاعات الملوثة مثل البتروكيماويات والصلب.

وبموجب الاستراتيجية الأوروبية، سيتم تدشين منشآت محللات كهربائية للهيدروجين بقدرة 6 جيجاوات لإنتاج ما يصل إلى مليون طن من الهيدروجين الأخضر في المرحلة الأولى (2020-2024)، على أن يتم زيادة الطاقة الإنتاجية بالمرحلة الثانية (2025-2030) بما قدره 40 جيجاوات لإنتاج ما يصل إلى عشرة ملايين طن من الهيدروجين الأخضر، وسوف يخصص الاتحاد الأوروبي أموالًا تتراوح بين 180 مليار و470 مليار يورو من أجل تحفيز التوسع في استخدام الهيدروجين الأخضر حتى 2050. 

وعلى جانب موازٍ، تُحضر كثير من شركات الطاقة الكبرى، على غرار "ريبسول" الإسبانية "وسيمنز إنرجي" الألمانية و"بي بي" البريطانية، لتعديل نموذج أعمالها، والتحول نحو استثمارات الطاقة النظيفة بما في ذلك "الهيدروجين الأخضر". بينما تعمل بدورها العديد من شركات السيارات العالمية الكبرى على تطوير مركبات تعمل بخلايا الهيدروجين قادرة على منافسة المركبات الكهربائية، وتلك المعتمدة على محركات الاحتراق الداخلي.

وحاليًا، يوجد بالعالم نحو 11.200 ألف سيارة تعمل بالطاقة الهيدروجينية، وهذه الأعداد مرشحة للزيادة في العقود المقبلة. ووفق تقرير سابق لشركة "شل"، فمن المرجح أن تعمل نحو 113 مليون مركبة بخلايا الوقود في عدة أماكن بالعالم، ولا سيما في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بحلول 2050. وتتطلب هذه الزيادة بلا شك تطوير بنية تحتية قوية لمحطات الهيدروجين، فضلًا عن تعزيز كفاءة تشغيل البطاريات وخفض كُلفتها مستقبلًا، لكي تجذب المستخدمين. 

وبالإضافة للسابق، تُجري عدد من الشركات الصناعية الدولية التجارب الأولية للتوسع في استخدام الهيدروجين في عملية إنتاج الحديد والصلب والتكرير، وهي خطوة من شأنها أن تُساهم في خفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن أنشطتها. كما تتحول حاليًا بعض من شركات إدارة المرافق في العالم نحو تزويد القطاع المنزلي بالكهرباء عبر وحدات خلايا الهيدروحين. وحاليًا، هناك ما يقارب 225 ألف وحدة هيدروجين تزود المنازل بالكهرباء في أنحاء مختلفة حول العالم حتى نهاية عام 2018، ويتواجد غالبيتها العظمى في اليابان. 

آفاق مستقبلية:

تدور النقاشات العالمية بالوقت الراهن على أن هناك تحديات لا تزال تواجه الطموح العالمي لزيادة تمثيل الهيدروجين الأخضر في مزيج الطاقة العالمي في المستقبل، ولعل أبرزها يتمثل في تكاليف إنتاجه المرتفعة التي تعتمد بنهاية المطاف على أسعار توليد الكهرباء عن طريق مصادر الطاقة المتجددة، علاوةً على التكلفة الاستثمارية للمحلل الكهربائي، وهي حاليًا أعلى مرتين أو ثلاث من تكلفة الوقود الرمادي، مما يجعل الأخير أكثر جاذبية للمستخدمين حتى الآن.

وطبقًا للوكالة الدولية للطاقة، فإن تكلفة إنتاج كيلوجرام واحد حاليًا من الهيدروجين الأخضر (ما يعادل حوالي 33.3 كيلو وات في الساعة) تتراوح بين 3.50 يورو إلى 5 يورو، أي ما بين 0.10 يورو/ كيلو وات ساعة و0.15/ كيلووات ساعة، بينما تكلفة الهيدروجين الرمادي عند مستوى 1.5 يورو للكيلو جرام الواحد (أو 0.045 يورو/ كيلووات في الساعة).

وإضافة للسابق، إذا كان من المتوقع أن يلبي الهيدروجين النظيف ما نسبته 22% من الاحتياجات العالمية للطاقة بحلول عام 2050 طبقًا لـ"بنك أوف أمريكا سيكيورتيز" BofA Securities، فهذا سيتطلب بلا شك توليد كميات هائلة من توليد الكهرباء المتجددة الإضافية. وسيتطلب إنتاج ما يكفي من الهيدروجين الأخضر لتلبية ربع الاحتياجات العالمية من الطاقة، كهرباء أكثر مما يولده العالم حاليًا من جميع المصادر مجتمعة، ومجموع استثمارات قدرها 11 تريليون دولار في مجالات البنية التحتية للإنتاج والتخزين والنقل وغيرها طبقًا لـ"بلومبرج إن إي إف" (BloombergNEF).

وفي ضوء المعطيات السابقة، يمكن القول إن الرهان على تعزيز الجدوى الاقتصادية لاستخدام الهيدروجين الأخضر عالميًا، يتوقف على مساندة منظومة الابتكار العالمية الداعمة لخفض التكلفة الاستثمارية والتشغيلية لإنتاج ذلك الوقود النظيف، وعلى نحو يجعله مستقبلًا أكثر جاذبية بالنسبة للمستخدمين النهائيين في مختلف الأنشطة الاقتصادية.