أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

معضلات عديدة:

هل يعد الزرفي الخيار الأخير لرئاسة الحكومة العراقية؟

26 مارس، 2020


أعاد "الفيتو" الذي يفرضه تحالف "الفتح"، أكبر الكتل البرلمانية في العراق، المخاوف من انهيار عملية تشكيل الحكومة "الانتقالية" التي كُلِّف بها مؤخراً عدنان الزرفي من جانب رئيس الجمهورية برهم صالح. إذ يصر التحالف على أن اعتراضه يعود إلى الآلية التي تمت بها عملية الاختيار وفقاً لرئيسه محمد الغبان، معتبراً إياها "غير دستورية"، في مؤشر على أن مفاوضات اختيار رئيس الوزراء لم تنته بعد، بما يعني أن عملية التكليف لا تزال غير نهائية وتواجه تحديات قد تضعها على المسار نفسه الذي سبق أن انتهى إليه المرشح السابق محمد توفيق علاوي، الذي لم يتمكن من تشكيل الحكومة بعد تكليفه. 

وعلى الرغم من أن كتلة "الفتح" تستند في موقفها إلى "آلية التكليف"، إلا أن مراقبين يرون أن المعطيات السياسية الموضوعية تعكس التوجه الرافض للزرفي شخصياً، الذي لم يحظ برضا قوى سياسية مثل "دولة القانون" بزعامة نورى المالكى، أو فصائل من "الحشد الشعبي"، وتركز بعض التقديرات على أن إيران لا تفضل الزرفي الحاصل على الجنسية الأمريكية، وبالتالي يظل "الدافع الإيراني" أبرز معوقات التوافق عليه. 

وبات المشهد السياسي حالياً منقسماً بين سيناريوهين: الأول، إفشال مساعي الزرفي لتشكيل الحكومة ودفعه في الأخير إلى الاستقالة، كما حدث مع سلفه توفيق علاوي، لاسيما وأن أكثر من نصف عدد نواب البرلمان – 170 عضواً تقريباً – أكدوا رفضهم له بحجة الآلية، كما أن هناك تقارير إعلامية محلية تشير إلى أن الاجتماعات بين القوى الشيعية لا تزال جارية بعد تكليفه، ولم تنته، وأن "الفتح" يعتبر الموقف بالنسبة له تحدياً لـ"الكتلة الأكبر"، وأنه لن يرضى بتمرير الحكومة ويبدو أن لديه شخصية أخرى سيتم طرحها، لكنه سيحتاج إلى دعم من "سائرون" في هذا الاتجاه. 

والثاني، الوصول إلى تسوية ضمن مساعي رأب الصدع داخل "البيت الشيعي"، بمقتضى تفاهمات حول الزرفي، لاسيما في ظل بروز اتجاه في هذا السياق. لكن حتى هذا السيناريو قد لا يشكل جواز العبور لحكومته في النهاية، بسبب التجربة السياسية العراقية التقليدية، التي تشير إلى مسلسل من المعضلات، فبعد تسوية معضلة المحاصصة الطائفية واختيار رئيس الوزراء، هناك معضلة المحاصصة الحزبية داخل التيارات السياسية نفسها.    

الإشكاليات الخمس: 

تتمثل الإشكاليات الخمس التي تواجه عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة في:

1- انقسام "البيت الشيعي": عكست جولات الحوار والمفاوضات التي تجري بين القوى الشيعية خلال الأشهر الثلاثة الماضية تصاعد الخلافات داخل "البيت الشيعي"، أو ما يعرف بحالة "التصدع الشيعي" حالياً، والتي يتفق أغلب المراقبين على أنها ليست دليل صحة سياسية، وإنما هى إشكالية جوهرية من أكثر من بعد، منها بُعد المحاصصة الطائفية الذي ينظر إليه من جانب تلك القوى على أنه مكسب تاريخي وهناك مقاومة لتغييره، وبُعد حسابات الأوزان السياسية، حيث يعتبر "الفتح" نفسه "الكتلة الأكبر" في المرحلة الحالية التي تؤهله سياسياً وقانونياً لأن يكون التحالف الحاسم في الترشيح، وبُعد العلاقة مع طهران، والذي يؤثر بشكل كبير على التفاعلات بين تلك القوى.  

2- تنامي التشابكات: يبدو الظرف السياسي مختلفاً من حيث التفاعلات والتشابكات بين أكثر من مسار واتجاه، فهناك حكومة قدمت استقالتها تحت ضغط الحراك الشبابي، وعلى الرغم من تراجع هذا العامل في الوقت الراهن مع تعليق الحراك بسبب المخاوف من انتشار فيروس "كورونا"، إلا أنه سيظل في الحسابات. كذلك "المتغير الإيراني"، كما سبقت الإشارة، سيظل عاملاً حاسماً، حيث الجانب السياسي للتصعيد الإيراني– الأمريكي، لاسيما في مرحلة ما بعد مقتل قاسم سليماني. ويؤكد على هذا الدافع تركيبة القوى التي تضع "فيتو" على الزرفي والتي يشكلها تحالف "الفتح" برئاسة هادي العامري وائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي و"عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي.

3- طبيعة المرحلة: لا تعتبر الحكومة التي يجري العمل على تشكيلها تقليدية، وإنما هى حكومة "انتقالية" لديها مهام معينة، وهو ما يعكس التشدد في المواقف من جانب كافة القوى والتحالفات السياسية، ولاسيما الشيعية، في عملية الاختيار والتشكيل. إذ أن مخرجات عمل هذه الحكومة هى ما سيحدد طبيعة العملية السياسية والمرحلة القادمة، وبالتالي فالصراع يتركز حول هذه النقطة بالأساس، وماذا إذا كان بمقدر حكومة تغيير التقاليد السياسية التي استقرت عبر عقدين بعد سقوط النظام السابق، وكذلك الخريطة السياسية التي يمكن أن تفرزها المرحلة التالية ما بعد الانتقالية.  

4- موقف المرجعية: كان هناك جدل في هذا السياق في بدابة الأمر حول موقف المرجعية في النجف من ترشيح الزرفي، مع إشارة بعض السياسيين إلى رفض المرجعية دعم "السفارة الأمريكية" لمرشح وفقاً لتقارير محلية، لكن مصادر أخرى قالت لاحقاً أن المرجعية تنأى بنفسها عن عملية الاختيار وترفض الزج باسمها في الأمر، وهو ما يعتبر، وفقاً لاتجاهات عديدة، إحدى المعضلات الراهنة، فلا شك أن المرجعية كانت على مقربة من المشهد السياسي، وكان لها تأثيرها وثقلها في دعم أغلب مواقف الحراك السياسي. كما أنه في الحالتين- الرفض أو النأى بالنفس- لم تصدر مواقف رسمية وعلنية حاسمة.

5-  المشروعية القانونية: وسط حالة الشد والجذب الراهنة، يظل هناك جدل قانوني عميق في المشهد السياسي العراقي، يمثل إحدى المعضلات الضاغطة حالياً ومستقبلاً، ويتعلق بدور رئيس الجمهورية في عملية التكليف وموقف "الفتح" منها وتلويحه بالطعن أمام المحكمة الاتحادية. 

إجمالاً، من المتصور أن عملية اختيار رئيس الوزراء العراقي لم تحسم بعد، وأنه لا تزال هناك فصول تالية في ظل الجدل حول الزرفي و"الفيتو" الذي تفرضه "الكتلة الشيعية الأكبر"، وقد يستمر هذا الجدل لفترة تالية في ظل صعوبات التوافق على شخصية واحدة داخل "البيت الشيعي"، ولكن تظل هناك احتمالات لسيناريوهات غير متوقعة في المستقبل ستكون، على الأرجح، رهناً بمسارات التصعيد الأمريكي– الإيراني في العراق بشكل عام.