أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الإطار الاستراتيجي:

إعادة تفعيل التعاون الأمني الأمريكي في العراق

24 مارس، 2015


إعداد: أحمد عبد العليم


تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في إعادة تشكيل الجيش العراقي منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، فقد حاولت بعدها واشنطن تدريب وتجهيز قوات أمن جديدة حتى تمّ سحب القوات العسكرية الأمريكية من العراق في ديسمبر 2011. وقد أدَّى خروج القوات الأمريكية من بغداد إلى انخفاض مستوى التعاون الأمني بين البلدين بشكل كبير، وباتت القوات العراقية الجديدة غير قادرة على احتواء الأزمات المتصاعدة، وكذلك العنف المنتشر في أنحاء متفرقة من البلاد.

وكان أحد نتائج هذا الخلل الأمني صعود الجماعات الإرهابية، مما مهّد لظهور تنظيم "داعش"، وقد استدعى ذلك تزايد الاهتمام الأمريكي بالعراق من جديد من أجل الحفاظ على مصالح واشنطن الاستراتيجية ليس في العراق فقط، بل في منطقة الشرق الأوسط بالكامل.

في هذا الإطار، تأتي هذه الدراسة حول "إعادة تفعيل التعاون الأمني الأمريكي في العراق" للباحث "مايكل نايتس Michael Knights"، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية بالعراق وإيران ودول الخليج العربي.

يتناول "نايتس" في هذه الدراسة دوافع الولايات المتحدة للاهتمام الأمني المتصاعد في العراق، مروراً بتسليط الضوء على وضع القوات الأمنية العراقية بعد انسحاب نظيرتها الأمريكية في عام 2011، وأسباب انهيار القوات العراقية في مواجهة "داعش"، مع توضيح التداخل بين كل من السنة والشيعة والأكراد في ظل الوضع الأمني المتأزم، وصولاً إلى تناول استراتيجية أمريكية شاملة تحاول مساعدة العراق في الخروج من أزماته المتلاحقة.

مرتكزات الاهتمام الأمريكي بالعراق

ينبع الاهتمام الحيوي الأمريكي بالعراق من كونها دولة محورية بالشرق الأوسط، كما أنها تجاور دولاً مهمة من الناحية الاستراتيجية، وتحمل هذه الدول ملفات شائكة للغاية. فمن ناحية الشمال العراقي يوجد الأكراد، وهم متجاورون مع الأكراد في كل من سوريا وتركيا وإيران، ويطالبون بمزيد من الحكم الذاتي، بل والاستقلال في دولة كردية موحدة.

أما في الشرق، فتوجد إيران التي تحاول جاهدة الهيمنة على العراق وفرض نفسها كقوة إقليمية كبرى، وهي تؤجج الشيعة في كل من لبنان وسوريا والعراق والبحرين. أما في جنوب العراق، توجد دول الخليج العربي التي تتمتع بأهمية كبرى من الناحية الاقتصادية بسبب تأثيرها في أسواق الطاقة العالمية. كما توجد الأردن وسوريا ولبنان، وهي دول مهددة من صعود "داعش"، لما لهذا التنظيم الإرهابي من مخاطر خاصة بتفتيت دول المنطقة.

ويرى الكاتب أن تلك الأهمية الحيوية للعراق لتداخلها مع كل تلك الدول، يجعل الفشل في الحفاظ على استقرار العراق بمثابة خطر داهم يحمل عواقب وخيمة ليس للمنطقة وحدها، بل للعالم أجمع.

على جانب آخر، فإن صادرات النفط العراقية تمثل مرتكزاً آخراً مهماً للمصالح الاستراتيجية الأمريكية في العراق، إذ من المتوقع أن يصبح العراق مصدر النمو الأسرع في إنتاج النفط في العالم خلال العقد المقبل، خاصة مع توقع صندوق النقد الدولي (IMF) أن تصل الصادرات العراقية إلى (4.6) مليون برميل يومياً بحلول عام 2019.

انهيار قوات الأمن العراقية أمام "داعش"

يشير الكاتب إلى أن ثمة نظرة خاطئة لوضع قوات الأمن العراقية قبل ظهور "داعش"، وهذه النظرة الخاطئة تدّعي أن قوات الأمن الداخلي في العراق كانت متماسكة وقوية إلى حد كبير قبل استيلاء تنظيم "داعش" على الموصل عام 2014، وأن قوات الأمن العراقية قد دُمرت بالكامل خلال الأسابيع التالية لذلك، وهي نظرة مغلوطة، نظراً لأن قوات الأمن العراقية كانت تعاني منذ انسحاب القوات الأمريكية من قلة التدريب والتمويل، بالإضافة إلى الآثار السلبية للتعيينات "المُسيسة" في المراكز القيادية.

وخلال عام 2013 تَّم إعادة نشر القوات الأمنية بشكل أكبر في الجنوب، وبالتحديد في محافظتي الأنبار ونينوى، للتعويض عن الضعف في الوحدات الفردية. وفي أبريل من نفس العام عانت قوات الأمن العراقية انهياراً كبيراً في كركوك وشمال صلاح الدين في أعقاب انتقاضة سنية متمردة على إثر مقتل أكثر من خمسين متظاهراً على أيدي قوات الأمن.

كما شهد عام 2013 دوراً متصاعداً للميلشيات الشيعية في بغداد وسامراء بدعم إيراني كبير، وهو ما كان له أثر سلبي كبير على الوضع الأمني في العراق، عبر قيام ميليشيات تدعهما إيران بنشر مقاتلين تمَّ سحبهم من سوريا.

وقد سرَّعت تلك الأمور من سقوط الموصل في يونيو عام 2014، وهو ما أدى إلى انهيار نحو ربع ما تبقى من قوات الأمن العراقية، ولكن يظل الانهيار الأكبر لتلك القوات - قبل سقوط الموصل - عبر سنوات سابقة متعاقبة، حيث إنه قبل سقوط الموصل في يد "داعش" كانت قوات الأمن لاتزال مكونة من حوالي مائة لواء، علماً بأن كل لواء كان يعمل بنصف قوته، أي حوالي ألفي جندي فقط وليس أربعة آلاف بسبب التغيب.

وبالتالي، فإن عملية انهيار قوات الأمن العراقية دامت عدة سنوات، وأدى ذلك الانهيار إلى تفكك (19) لواءً من الجيش العراقي، وستة ألوية من الشرطة الاتحادية. وشملت هذه الخسائر قوات في الموصل ونينوى، وغالبية الفرقة الرابعة من الجيش العراقي في صلاح الدين، وكذلك الفرقة الثانية عشرة من الجيش العراقي والتي مقرها كركوك، بالإضافة إلى خمسة ألوية على الأقل من الجيش العراقي في الجنوب.

ويشير الكاتب إلى أنه رغم تلك الخسائر الكبيرة، فقد صمد قسم كبير من القوات العراقية. وفي ظل نية الولايات المتحدة تدريب وتجهيز ألوية جديدة، فإن القوات العراقية قد تقترب مما كانت عليه في عام 2009، حيث كانت تُقدر حينها بحوالي (400) ألف جندي في قمة الجاهزية. وتظل المعضلة الأكبر في عدم وجود قوات عراقية كافية في ظل انخفاض الروح المعنوية بين القوات الموجودة، مما مكَّن تنظيم "داعش" من تحطيم القوات العراقية في يونيو 2014.

التعبئة الشيعية والسنية ضد "داعش" بالعراق

يشير الكاتب إلى أنه في ظل ظهور تنظيم "داعش"، والكارثة التي تعرضت لها القوات العراقية، وحالة الذعر المنتشرة في البلاد، فقد أصدرت الحكومة العراقية والمؤسسة الدينية الشيعية معاً نداءً لكافة العراقيين القادرين على حمل السلاح من أجل توحيد الجهود العسكرية لهزيمة داعش.

وقد أسفرت دعوة آية الله السيستاني للجهاد، عن إيفاد عدد كبير من الشيعة، وهنا ظهرت القوات المعروفة بـ"الحشد الشعبي"؛ وهي قوات شبه عسكرية تنتمي إلى المكون الشيعي وتُقدَّر بعشرات الآلاف. وقد أصدرت الحكومة العراقية مرسوماً بامتيازات ومخصصات هائلة لقوات "الحشد الشعبي" باعتبارها جزءاً من المنظومة العسكرية العراقية الرسمية. وفي المقابل، فإن منظمة العفو الدولية اتهمت تلك القوات بقتل عشرات المدنيين السنة، والقيام بإعدامات عشوائية بما يعتبر بمثابة عمليات تطهير طائفي.

على جانب آخر، يرى الكاتب أن التعبئة السنية ضد "داعش" قد مثلت إشكالية كبيرة للقيادات الشيعية والكردية بالعراق، حيث يرون أن المدنيين السنة يرحبون في بعض الأحيان بعمليات "داعش" ضد غير السنة وغير العرب، وبالتالي فإن ثمة عدم ثقة بين الأطراف العراقية.

كما أن الشيعة والأكراد لا يريدون بالضرورة الموت من أجل تحرير المدن السنية، وبالتالي توجد نظرة طائفية في التعامل مع المخاطر المتصاعدة لتنظيم "داعش" في العراق، فكل فصيل - سواء كان سنياً أو شيعياً أو كردياً - يحاول الدفاع عن جماعته وليس عن الدولة بمفهومها الواسع وفصائلها المتباينة، كذلك فإن السنة يتعاملون بتوجس مع الحكومة العراقية التي تدعم بشكل غير مباشر عمليات قوات "الحشد الشيعية" ضد السنة في بعض الأوقات.

ولذلك، فإن الحكومة العراقية تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد والعمل الجاد من أجل بناء الثقة مع العشائر السنية من جانب، وعليها لم الشمل العراقي من أجل تنحية الخلافات الطائفية من أجل مواجهة تنظيم "داعش" الذي يهدد كيان الدولة العراقية من جانب آخر.

الاهتمام الأمني الأمريكي الحالي بالعراق

يشير الكاتب إلى أن واشنطن سعت إلى الحفاظ على الدفاع الجوي في العراق، ومكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات الاستخبارتية منذ انسحاب قواتها من العراق. كما زادت المساعدات العسكرية الأمريكية للعراق في عام 2014، وقامت واشنطن بإنشاء مركز للعمليات المشتركة في بغداد وأربيل، ونشرت ثماني طائرات "أباتشي" في مطار بغداد لحماية المرافق العامة، وقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بضربات متتالية انتقائية لتنظيم "داعش" بالعراق.

ختاماً، يشير الكاتب إلى أن ثمة اهتماماً أمريكياً متصاعداً بالوضع الأمني في العراق، وأن ذلك الاهتمام يجب أن يكون مستمراً وطموحاً ومتكاملاً، وذلك من أجل الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط، ولمواجهة النفوذ الإيراني المتزايد، حيث إن الولايات المتحدة عليها أن تتبع نهجاً متكاملاً يفهم التنوع الطائفي، كذلك فإنه لابد أن يكون هناك تعاون أمني متعدد الأوجه يشمل تدريب وتجهيز وتقديم المشورة لقوات الأمن المحلية.

ويجب على الولايات المتحدة أن تبني التعاون الأمني على أساس المصالح المشتركة والمخاوف المتبادلة. وتظل هزيمة "داعش" هي البداية المُثلى من أجل بناء الثقة من جديد، ويكون ذلك بالبدء في استعادة السيطرة على المدن الهامة مثل الموصل وتكريت والفلوجة وتلعفر، يليها طرد قوات "داعش" من هذه المناطق، ثم استكمال الجهود من أجل مطاردة المسلحين الباقيين. ويتطلب ذلك من الحكومة العراقية بالتوازي إعادة بناء الثقة مع السنة العراقيين.

وينصح الكاتب بضرورة استمرار الولايات المتحدة بالتزاماتها في إطار اتفاقية الإطار الاستراتيجي (SFA) الموقعة في نوفمبر 2008، والتي أنشأت "لجنة تنسيق عليا" من أجل تفعيل التعاون الأمريكي - العراقي القائم على المنفعة المتبادلة، وتهدف هذه اللجنة إلى ما يلي:

- دعم المؤسسات الديمقراطية في العراق، ودعم الولايات المتحدة للانتخابات العراقية من أجل الحفاظ على الداخل العراقي.

- تعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية بين البلدين، من خلال المساعدة في مجال الاستخبارات ومكافحة الإرهاب وكذلك بيع الأسلحة للجيش العراقي وتدريبه.

- تعزيز التعاون في قطاع الاقتصاد والطاقة الكهربائية، بما يخدم مصالح الولايات المتحدة بضمان ما يصل إليها من صادرات النفط العراقي.

- تعزيز روح القانون والتعاون القضائي عن طريق تطوير النظام القضائي الجنائي الحالي، وتعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد.

- التعاون الثقافي والتعليمي والحفاظ على تراث العراق.

- التعاون التكنولوجي والبيئي، وكذلك في مجال النقل، من أجل تعزيز قدرات البنية التحتية العراقية، وتقديم الخدمات بشكل أفضل للمواطنين، والاهتمام بالصحة والزراعة والصرف الصحي ومياه الشرب، بالإضافة إلى التغلب على مشكلة البطالة وخلق فرص عمل جديدة.

* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان:" على المدى الطويل: إعادة تفعيل التعاون الأمني الأمريكي في العراق"، والصادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يناير 2015.

المصدر:

Michael Knights, The Long Haul: Rebooting U.S. Security Cooperation in Iraq (Washington, The Washington Institute for Near East Policy, January 2015).