أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

حسابات معقدة:

فرص ومعوقات التدخل العسكري في سوريا

23 أبريل، 2015


أعلنت دول التحالف المشاركة في "عاصفة الحزم" باليمن إنهاء العملية العسكرية الموسعة يوم 21 أبريل الجاري، أي بعد نحو 27 يوماً من انطلاقها في 26 مارس الماضي، وبدء عملية جديدة أسمتها "إعادة الأمل"، والتي تشتمل على ثلاثة أبعاد: أحدها عسكري، والآخر سياسي، والثالث إغاثي.

وأعقب ذلك الإعلان في اليوم التالي مباشرة (22 أبريل)، وقوع مشادة كلامية في إحدى جلسات مجلس الأمن الدولي بين مندوب سوريا في الأمم المتحدة "بشار الجعفري" ومندوب السعودية السفير عبدالله المعلمي، بعد حديث المعلمي عن "حزم" المملكة وإمكانية تدخلها لنصرة السوريين، في تلميح واضح لاحتمالية أن تنفذ السعودية في المستقبل "عاصفة حزم" في سوريا؛ وهو ما اعتبره المندوب السوري تصريحات تحريضية تندرج تحت بند التدخل في الشؤون السورية الداخلية.

هكذا، طرحت هذه المواجهة السعودية – السورية في جلسة مجلس الأمن الأسبوع الماضي، العديد من التكهنات والتساؤلات حول ما إذا كانت المملكة تفكر في عملية عسكرية أخرى في سوريا على غرار "عاصفة الحزم" التي نفذتها باليمن، وهل يمكن أن تتدخل دول إقليمية مثل تركيا لقيادة أو على الأقل المشاركة في مثل هذه العملية بهدف نزع الشرعية عن نظام الأسد؟ وما موقف الأطراف الإقيلمية الأخرى الفاعلة في المشهد السوري، وفي مقدمتها إيران؟ وكذلك القوى الدولية الحاضرة في المنطقة وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا؟

دوافع القيام بعملية عسكرية في سوريا

لاشك أن أخذ المملكة العربية السعودية زمام المبادرة بقيادة تحالف عربي وإقليمي ضد الانقلاب الحوثي في اليمن، رفع كثيراً من سقوف طموحات الشعوب العربية في إمكانية القيام بعمليات عسكرية مشروعة ومشابهة لإنقاذ أقطار عربية أخرى (في مقدمتها سوريا) تتعرض لأبشع أنواع الانتهاكات، سواء على يد أنظمتها الحاكمة قسراً أو الميليشيات المسلحة.

ورغم الاعتراف بالتحديات التي تواجه تشكيل تحالف مماثل لـ"عاصفة الحزم"، تكون مهمته مساعدة المعارضة السورية على إسقاط نظام "بشار الأسد"، فإن ثمة أحاديث جدية إقليمياً عن ضرورة القيام بعمل ما لإنهاء الأزمة السورية المرشحة لأن تطول لعدة سنوات.

وهناك اعتبارات عدة تدفع نحو تحفيز التدخل العربي والإقليمي في سوريا، على غرار ما حدث في اليمن، ومنها ما يلي:

1- ضعف المعارضة السورية وتفتتها، وهو ما يعني أن الحسم العسكري من قِبل قوى المعارضة لإسقاط نظام الأسد بات أمراً صعباً، خاصةً في ظل التدخل الإيراني المستمر واستمرار الدعم الروسي للنظام الحالي في دمشق.

2- إفشال نظام "بشار الأسد" لكل محاولات الحل السياسي، ومنها عدم إنجاح اجتماعات جنيف، وكذلك فشل محاولات مبعوثي الأمم المتحدة في تحقيق أي إنجاز؛ فالأسد ليس لديه نية للدخول في أي تفاهمات أو تسويات سياسية، فهو يسير بمنطق "إما قاتل أو مقتول"، وهذا قد يدفع نحو توجه عسكري لإجبار نظامه على ترك السلطة.

3- فقدان الثقة في قدرة المجتمع الدولي - وتحديداً الولايات المتحدة وأوروبا والصين- على اتخاذ مواقف فعَّالة وحاسمة ضد انتهاكات "بشار الأسد"، وذلك في ظل تباين مصالح هذه القوى الدولية في المنطقة، واختلاف أجندة أولوياتها في الوقت الراهن، والتي قد تجعلها تغض الطرف عن ممارسات نظام "الأسد"، وهو الأمر الذي أصاب الشعب السوري بالإحباط تجاه الغرب، وجعل رهانه مرتكزاً على الدعم العربي الذي أثبت فعاليته إلى حد كبير في اليمن.

4- انتشار التنظيمات الإرهابية والمسلحة في سوريا، وهو ما يجعل الخطر غير مقتصر على الداخل السوري فقط، بل يمتد إلى دوار الجوار الإقليمي ومنطقة الشرق الأوسط كلها، ومناطق أخرى في العالم، في ظل انضمام متطوعين من دول عديدة بهدف القتال إلى جانب تلك الميليشيات الإرهابية الناشطة في سوريا. ويعني هذا أن الأوضاع الكارثية في سوريا باتت تهدد الأمن والسلم على المستويين الإقليمي والدولي، كونها أصبحت ملاذاً للتنظيمات الإرهابية.

5- تفاقم معاناة الشعب السوري يوماً بعد الآخر، فوفقاً لإحصائيات "المرصد السوري لحقوق الإنسان" فإن نحو ربع مليون شخص سوري قُتلوا، فضلاً عن إصابة مئات الآلاف، ونزوح الملايين من السوريين وتشريدهم. وعلى الرغم من حملات الدعم الإنساني الواسعة التي تنظمها الأمم المتحدة، فإن معالجة الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب السوري وإعادة إعمار البلاد، لن تتم إلا بإسقاط نظام "الأسد" وبعودة النازحين إلى ديارهم.

مؤشرات احتمالية "عاصفة حزم" سورية

لم تكن التصريحات المنسوبة مؤخراً لمندوب السعودية في مجلس الأمن، والتي ألمح فيها إلى إمكانية التدخل العسكري في سوريا على غرار اليمن، هي الأولى من نوعها في هذا الصدد لمسؤولين عرب أو غربيين؛ إذ تم رصد بعض التصريحات والمواقف الصادرة عن بعض العواصم العربية والغربية، سواء قبل بدء "عاصفة الحزم" باليمن أو بعدها، والتي تصب في اتجاه لا يستبعد هبوب رياح تلك العاصفة نحو سوريا. ومن أبرز المؤشرات في هذا الشأن ما يلي:

1 ـ وجود ضوء أخضر أمريكي للدول العربية من أجل التدخل في سوريا: ففي 16 أبريل الجاري، ذكر الرئيس "باراك أوباما" في معرض حديثه للكاتب الأمريكي البارز "توماس فريدمان"، أنه "عند التفكير بما يحدث في سوريا هناك رغبة كبيرة لدخول الولايات المتحدة هناك، والقيام بشيء، لماذا لا نرى عرباً يحاربون الانتهاكات الفظيعة ضد حقوق الإنسان، أو يقاتلون ضد ما يفعله بشار الأسد؟"، وهو ما فُسر على أنه تشجيع من الرئيس الأمريكي على تدخل عربي في سوريا.

2 ـ صدور تلميحات من مسؤولين خليجيين بعدم استبعاد التدخل العسكري في سوريا: ففي نهاية مارس 2015، برز تصريح لوزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة رداً على سؤال عن احتمالية توجه "عاصفة الحزم" نحو سوريا؛ إذ قال إن "كل الدول التي تعاني من التدخلات والاحتلال والسيطرة عليها وانتقاص سيادتها هي بالنسبة لنا على الطاولة".

وتزامنت هذه التصريحات مع تلميحات سعودية مشابهة بأن إرسال "عاصفة الحزم" باتجاه دمشق خيار مطروح لو توافرت له الظروف المناسبة، فالأمير سعود الفيصل ربط في بيانه الذي ألقاه أمام مجلس الشورى السعودي بين الميدانين اليمني والسوري، حين دعا إلى السعي لتحقيق التوازن العسكري على الأرض لإرغام "سفاح دمشق للاستجابة للحل السلمي".

3 ـ تداول أنباء عن وجود محادثات مكثفة بين السعودية وتركيا لبحث حل في سوريا قد يتضمن شن عمليات عسكرية: فقد شهدت العلاقات السعودية – التركية تقارباً بدا ملحوظاً بعد وصول الملك سالمان بن عبدالعزيز إلى الحكم، وكان أحد أسباب هذا التقارب رغبته في الاستفادة من الدور التركي في الأزمة السورية. وفي هذا السياق، نقلت صحيفة "هافينغتون بوست" الأمريكية عن مصادر أن ثمة محادثات مكثفة بين الرياض وأنقرة بوساطة الدوحة، بشأن عمليات عسكرية لدعم الثوار في سوريا ضد قوات نظام "الأسد"، بحيث تقدم تركيا قوات برية، في الوقت الذي تغطي فيه السعودية العمليات جواً. وجدير بالذكر، أن ولي ولي العهد السعودي "محمد بن نايف" قد قام بزيارة مفاجئة لتركيا يوم 6 أبريل الجاري، قُبيل زيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لطهران، وتحدثت مصادر إعلامية عن أن زيارة "بن نايف" جاءت لبحث الملفين اليمني والسوري.

4 ـ مطالبة المعارضة السورية بـ"عاصفة حزم" ضد نظام "الأسد": إذ أعلن الائتلاف السوري لقوى المعارضة، وكذلك "حركة أحرار الشام" و"جيش الإسلام" و"فيلق الشام"، تأييدهم لعملية "عاصفة الحزم" باليمن، وطالبوا بتشكيل تحالف مشابه للتدخل في سوريا، لتخليصهم من نظام "بشار الأسد".

عقبات أمام "عاصفة حزم" في سوريا

ثمة معوقات قد تحول دون تشكيل تحالف عسكري ضد النظام السوري، على غرار ما حدث ضد الحوثيين باليمن، نظراً لوجود حسابات استراتيجية معقدة في الملف السوري، ومن أبرزها الآتي:

1 ـ اختلاف وجهات النظر بين دول التحالف العربي إزاء كيفية معاجلة الأزمة السورية: فقد تردد أن ثمة خلافاً في الرأي بين القاهرة والرياض في هذا الملف، فبينما تؤمن المملكة بعدم جدوى الحل السياسي مع نظام "بشار الأسد"، ولجأت إلى تدريب عناصر من فصائل المعارضة السورية بالتعاون مع واشنطن، يرى النظام المصري الحالي أن حل الأزمة السورية لن يتأتى إلا عبر بوابة الانتقال السلمي، بل إنه رفض منح المعارضة مقعد سوريا في الجامعة العربية.

2 ـ حسابات تتعلق بالموقف التركي: فالحزب الحاكم في أنقرة بقيادة "رجب طيب أردوغان" على أبواب انتخابات برلمانية هامة في يونيو القادم، ربما تحدد مصير تطلعات "أردوغان" إلى حكم رئاسي يجمع بين يديه كامل السلطات. ولذا يتجنب أردوغان في فترات الانتخابات إدخال تركيا في أي توتر خارجي، وبالتالي لن يكون سهلاً أن يقنع "أردوغان" قادة الجيش بخوض مغامرة عسكرية في سوريا على الأقل في الفترة الحالية.

وفي هذا الصدد، لا يمكن أيضاً إنكار تأثير العلاقات التركية – الإيرانية على استبعاد الخيار العسكري في سوريا، فزيارة "أردوغان" إلى طهران مؤخراً لا توحي برغبة تركية في التدخل العسكري في سوريا. وعلى رغم الخلاف الحاد بين سياستي تركيا وإيران في سوريا وغيرها من الملفات في المنطقة، تبدو طهران وأنقرة أقرب إلى التنافس الاقليمي السلمي منهما إلى الصراع العنيف.

3 ـ تزايد الأهمية الاستراتيجية لسوريا بالنسبة لحلفاء "الأسد" في إيران وروسيا مقارنةً بالملف اليمني: فإيران لن تتخلى عن سوريا بسهولة حتى لو تطلب الأمر دخولها في مواجهة عسكرية مع الآخرين، لأن خسارة إيران لنفوذها في سوريا تحديداً يؤثر على طموحاتها الإقليمية التي خططت لها طيلة السنوات الأخيرة.

من ناحية أخرى، فإن التعاطي الروسي إزاء الملف السوري سوف يختلف كليةً عن الأزمة اليمنية. فبينما حظيت "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين بغطاء أممي رسَّخه امتناع روسي عن التصويت في مجلس الأمن، فإن الموقف الروسي المساند لنظام "الأسد" - مثلما سبق وأجهض مع بكين كل محاولة لاستصدار قرار دولي يدين جرائم "بشار الأسد" ويفتح المجال لإسقاط نظامه بالقوة، - سوف يبقى كما هو مستقبلاً من أجل حماية "الأسد".

4- مخاوف من زيادة نفوذ تنظيم "داعش" في سوريا: فذلك التنظيم المتطرف قد يكون هو الأقدر من حيث العدة والعتاد على السيطرة على الأرض السورية إذا ما سقط نظام "الأسد"، خاصةً مع تراجع نفوذ الفصائل الأخرى وتشرذمها، ودخولها في صراعات جانبية خدمت النظام والتنظيمات المتطرفة.

5- عدم تسوية الملف اليمني بصفة نهائية: فمن المستحيل أن تتدخل دول التحالف العربي بقيادة السعودية في عدة جبهات إقليمية باليمن وسوريا في آن واحد، وهو ما يعني استبعاد شن "عاصفة حزم" في سوريا طالما استمر التحالف في عملياته ضد الحوثيين باليمن. وفي هذا الشأن، قد تضغط إيران في سبيل إطالة أمد الأزمة اليمنية تخفيفاً من الضغط على حليفها الأهم في دمشق، وتفادي سيناريو تشكيل تحالف عسكري مشابه يطيح بنظام "الأسد".

ختاماً، لاشك أن عملية "عاصفة الحزم" في اليمن قد عززت المطالبات بتدخل عسكري مُماثل للإطاحة بنظام "بشار الأسد" وإنقاذ الشعب السوري من الجرائم المرتبكة من قِبل هذا النظام. ورغم وجود دوافع ومعطيات هامة تدفع نحو هذه العملية العسكرية، غير أن الحسابات الاستراتيجية على أرض الواقع تفرض تحديات جمة قد تحول في مجملها دون أن تتجه رياح "العاصفة" نحو سوريا على الأقل خلال الفترة الحالية.