تستعد بعض الحكومات حول العالم لدمج خدمات التاكسي الطائر ضمن منظومة النقل الحضري لديها في غضون السنوات القليلة الماضية. ويعود نشأة فكرة خدمات التاكسي الطائر لخمسينيات وستينيات القرن الماضي، حينما كان يتم استخدام طائرات الهليكوبتر كوسيلة لتنقل الأثرياء بعدد من المدن الأمريكية والأوروبية. ويمكن أن تساهم خدمات التاكسي الطائر في خلق عدد من المنافع الاقتصادية والبيئية بالمدن ذات الكثافة السكانية العالية، ويشمل ذلك تخفيف حدة الازدحام المروري وتقليل أوقات السفر، بالإضافة إلى تعزيز الاستدامة البيئية. وعلى الأرجح أن يحقق سوق خدمات التاكسي الطائر انتشاراً عالمياً أكثر فأكثر قريباً، خاصة مع تعدد مقدمي الخدمات بالصناعة وانخفاض رسوم الخدمات.
اعتبارات مختلفة:
لعبت مجموعة من الاعتبارات في طرح نشر خدمات التاكسي الطائر (خاصة الكهربائية) بالمدن الحضرية، يتمثل أولها في تخفيف الازدحام ومشاكل المرور، لاسيما في المدن الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية؛ مما يزيد الحاجة إلى حلول نقل فعالة تقلل أوقات السفر، وهو ما يمكن أن تقدمه خدمات التاكسي الطائر من خلال السفر السريع من نقطة إلى نقطة، وتجنب حركة المرور المزدحمة على الأرض. فيما ثاني الاعتبارات تنصرف إلى أن خدمات التاكسي الطائر (الكهربائية) أنظف وأكثر استدامة، حيث تساهم التطورات المستمرة في تقنيات الدفع الكهربائي الصديقة للبيئة في تقليل الانبعاثات الكربونية، مقارنة بالعديد من وسائل النقل الأخرى. وإلى جانب خدمات نقل الأفراد، يمكن استخدام خدمات التاكسي الطائر في تطبيقات أوسع مثل الإسعاف، وخدمات تسليم البضائع، والتي قد تتم باستخدام المركبات الجوية بدون طيار.
ثالث الاعتبارات يتمثل في الدعم الحكومي والحوافز المشجعة لإطلاق خدمات التاكسي الطائر، والتي حفزت العديد من الشركات بما في ذلك شركات الطيران العملاقة والشركات الناشئة على ضخ استثمارات بمجال تكنولوجيا خدمات التاكسي الطائر مؤخراً، ومن المتوقع أن يسهم ذلك في خلق مكاسب اقتصادية متعددة بما في ذلك توفير فرص عمل وتعزيز النمو الاقتصادي.
استعداد مطلوب:
يلقى نشر خدمات التاكسي الطائر دعماً قوياً من حكومات عديدة حول العالم مثل الإمارات العربية المتحدة والصين والولايات المتحدة وغيرها، وهي جميعاً بصدد تطوير البنية التحتية وأنظمة إدارة الحركة الجوية الداعمة لنشرها. وقد حفز ذلك وجود عدد كبير من الشركات والمصنعين الطامحين لاستغلال الفرص الاستثمارية والتجارية الكامنة من ظهور هذا القطاع الناشئ، ومن أبرزهم شركات "إيرباص" الفرنسية و"بوينغ" الأمريكية و"فولوكوبتر" الألمانية و"جوبي للطيران" الأمريكية وغيرها.
يمكن أن يساعد الدعم الحكومي في نشر سوق سيارات الأجرة الطائرة بالمدن الحضرية، وذلك من خلال الإجراءات اللازمة لتحقيق الآتي: تعزيز درجة القبول العام، من خلال توعية الجمهور العام بمنافع خدمات التاكسي الطائر سواء من الناحية الاقتصادية أو البيئية. يتوازى ذلك مع أهمية جذب مزيد اللاعبين للعمل في السوق، ومن ثم إمكانية تقديم خدمات بأسعار تتناسب مع مختلف فئات الدخل.
ثاني الإجراءات يتعلق بـ تعزيز البنية التحتية اللازمة لنشر خدمات التاكسي الطائر مثل مطارات الركوب ومحطات الشحن ومرافق الصيانة. فيما ثالث الإجراءات ينصرف إلى وضع لوائح السلامة وأنظمة إدارة الحركة الجوية للتاكسي الطائر، وهي تمثل من الأهمية لضمان قدرتها على العمل بأمان جنبًا إلى جنب مع الحركة الجوية الحالية. يجدر الإشارة أن الطائرات العمودية الكهربائية تواجه تحديات جمة تتعلق بالسلامة، نظراً للوزن الزائد لبطاريات الطائرات الكهربائية العمودية الذي يزيد من تعقيد تيسير الرحلات، وقد يقلل من عدد راكبي التاكسي الطائر.
نماذج دولية:
تنخرط بعض الاقتصادات المتقدمة بقوة في نشر خدمات التاكسي الطائر في السنوات القليلة المقبلة. ومن أبرز تلك الدول الولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأت في تبني الأطر التنظيمية لدمج خدمات التاكسي الطائر ضمن شبكات النقل القائمة، ومنحت إدارة الطيران الفيدرالية شركة "جوبي للطيران" (Joby Aviation) تراخيص الطيران، التي تسمح لها بالعمل في المجال الجوي الأمريكي. ومن المتوقع أن تبدأ الشركة في إطلاق خدمات التاكسي الطائر في مدينة نيويورك بحلول عام 2025. ويرجح البعض أن تكون دورة الألعاب الأولمبية 2028 في لوس أنجلوس فرصة ذهبية لاستعراض تطور خدمات التاكسي الطائر بالسوق الأمريكي.
في أوروبا، فقد نشأت شراكات واسعة بين بعض شركات الطيران ومصنعي المركبات الكهربائية لتعزيز حلول التنقل الجوي الحضري. من بين أبرز الدول الأوروبية التي تخطط لإطلاق خدمات التاكسي الطائر كل من فرنسا وبريطانيا وذلك بمساعدة "شركة فولو كوبتر" الألمانية (Volocopter GmbH) بالأولى وشركة (Vertical Aerospace) البريطانية بالثانية.
بينما على صعيد منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تعتبر الصين أحد اللاعبين الواعدين في مجال خدمات التاكسي الطائر، وقد حصلت شركة (EHang) في الصين على أول تراخيص لخدمات التاكسي الطائر بمركبة ذاتية القيادة، مما يقربها من إطلاق الرحلات الجوية للجمهور في المستقبل. وفي الهند، أبرمت شركة (InterGlobe Enterprises)، شراكة مع شركة "آرتشر للطيران" الأمريكية، لإطلاق خدمة التاكسي الجوي الكهربائي في الهند بحلول عام 2026.
على جانب منطقة الشرق الأوسط، تأتي الإمارات على رأس دول المنطقة التي تخطط لإطلاق خدمات التاكسي الطائر قريباً، حيث تتعاون الهيئات الحكومية في إمارة أبوظبي مع شركتي "جوبي للطيران" و" "آرتشر للطيران" لنشر نطاق خدمات التاكسي بالإمارة في المستقبل.
بينما من المتوقع إطلاق خدمات التاكسي الطائر في إمارة دبي بحلول أوائل عام 2026، وذلك في إطار التعاون المشترك بين هيئة الطرق والمواصلات بدبي وشركة "جوبي للطيران". كما في السعودية، تخطط الحكومة السعودية تقديم خدمات التاكسي الكهربائي الطائر في مدينة نيوم وذلك بالتعاون مع شركة "فولوكوبتر" الألمانية بما سيسهل الربط بين مناطق المدينة المزمع إنشائها.
تقييم عام:
رغم الآفاق الإيجابية المستقبلية لخدمات التاكسي الطائر، يبدو أن عدد قليل من الدول لديها الإمكانات المالية والتكنولوجية في الوقت الحاضر لدمجها ضمن منظومة شبكات النقل الحضري. ومع ذلك وتشير تقديرات بعض الخبراء إلى إمكانية اتساع نطاق السوق في المستقبل، وسيتوقف ذلك من بين عوامل أخرى على ارتفاع القبول العام لها، الذي لن يتحقق دون انخفاض تكاليف الخدمات.
كما هو الحال في معظم الأسواق، يمكن أن تحقق خدمات التاكسي الطائر اختراقاً محدوداً بالأسواق، نظراً لارتفاع أسعارها في الوقت الحاضر. لكن مع دخول مزيد من الشركات إلى السوق، وانخفاض تكلفة تصنيع الطائرات المستخدمة، يمكن أن تصبح خدمات التاكسي الطائر وسيلة نقل أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية والتجارية.
ووفقاً لتقديرات شركة ماكينزي الاستشارية، فإن خفض سعر الرحلة بمقدار عشرة أضعاف من المرجح أن يؤدي إلى زيادة حجم السوق بمقدار خمسة أضعاف. على هذا الأساس، يمكن أن يتوسع حجم سوق خدمات التاكسي الطائر بشكل قوي في المستقبل. من المتوقع أن يصل حجم سوق خدمات التاكسي الطائر نحو 37.2 مليار دولار بحلول عام 2032، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 28.9% من عام 2023 إلى عام 2032، وفقاً لــ (precedence research).
وختاماً، يمكن القول إن التوقعات الأساسية متفائلة للغاية بشأن انتشار سوق التاكسي الطائر في العالم، لكن يبقى ذلك رهناً إلى جانب تعزيز القبول العام لتلك الخدمات الناشئة، بعوامل أخرى مثل التطوير المستمر لأنظمة السلامة الجوية، وتحسين قدرات الاستجابة لحالات الطوارئ، وإحراز تقدم في تكنولوجيا البطاريات، فضلًا عن تقديم حوافز للشركات العاملة في هذا القطاع.