أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

إقليم ملتهب:

كيف تدير سلطنة عُمَان سياساتها الإقليمية؟

28 يونيو، 2014


على عكس ما يظن كثيرون بأن حالة العزلة والانغلاق من قبل سلطنة عُمَان عن العالم الخارجي هي سمة مميزة للسلطنة منذ تأسيس كيانها السياسي الحديث في عام 1970، وهي حالة ربما استمرت حتى وقت قريب عززت الانطباع بتلك الخصوصية العُمَانية، فاللافت للنظر أن عُمَان لها سياساتها الإقليمية المتميزة النابعة من مجمل مواقفها وعلاقاتها ورؤيتها من قضايا ودول الإقليم الرئيسية.

ومع أن دراسة سياسة عُمَان الخارجية تبدو أكثر صعوبة مقارنة بدول الإقليم الأخرى، خصوصاً شقيقاتها الخليجية، بالنظر إلى مواقفها المتمايزة أحياناً، وهي سمة تطبع العلاقات الخارجية لأية دولة تنتمي لكيان إقليمي ما؛ فإن ثمة مواقف واضحة وسياسات متوازنة تتبعها السلطنة، لاسيما مع بروز اسمها في سماء الوساطة السياسية مؤخراً بين الغرب وإيران، في وقت خفت فيه نجم وساطة قطر في تسويات المشهد الإقليمي.

ويمكن القول إن الموقف الوسطي الذي أظهرته السلطنة على الدوام، والذي هو أقرب لما يشبه سياسة الحياد، كان مؤهلاً رئيسياً لأن تكون عُمَان وسيطاً احتضنت أراضيه العديد من اللقاءات السرية بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا (المعروفة 5+1) وبين إيران للتوصل لتفاهمات حول أزمة الملف النووي الإيراني، تُوجَت فيما بعد بتوقيع اتفاقية جنيف بين الطرفين في نوفمبر 2013، وذلك في الوقت الذي التزمت فيه الحكومة العُمَانية بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفرض عقوبات على إيران، ولكن هذا الالتزام لم يكن يعني العداء مع طهران، فالسلطان قابوس بن سعيد كان أول زعيم يحل ضيفاً على إيران بعد أن تولي الرئيس حسن روحاني منصبه الرئاسي في يونيو 2013.

الحسابات الإقليمية العُمَانية

إن هذا الموقف العُمَاني السابق بشأن الالتزام بتنفيذ العقوبات ضد إيران والقيام بجهود الوساطة بينها وبين الغرب لهو نموذج على نمط تنتهجه السلطنة في إدارة علاقاتها الإقليمية، فهو لا يشير إلى تناقض بشأن القضية الواحدة، لكنه مع ذلك يفتح الحديث حول مواقف عُمَان المتمايزة بشأن الوحدة الخليجية على سبيل المثال، فالخصوصية العُمَانية التي تعود لظروف داخلية واعتبارات إقليمية هي ما جعلت أرض عُمَان مكاناً جيداً للوساطة التي بدأت تعطي دفعة طمأنينة بشأن ملف إيران النووي، وهي ربما ذات الخصوصية التي تميز موقف عُمَان الرافض للوحدة الخليجية، إلى درجة حديث وزير الدولة للشؤون الخارجية العُمَاني مطلع شهر ديسمبر الماضي، حينما ذكر في منتدى الأمن الإقليمي بالبحرين أن "بلاده ستنسحب من منظومة العمل الخليجي المشترك حال قيام الاتحاد الخليجي"، مضيفاً "نحن لسنا مع الاتحاد إطلاقاً"، هذا علاوة على أن مسقط لا تؤيد توحيد العملة الخليجية، وربما إن حدث ذلك فهي لن تنضم لهذه العملة؛ وهو ما يعزى إلى وجهة نظر عُمَانية تتفهمها بقية دول الخليج العربية ترى ضرورة وجود نوع من الاستقرار الاقتصادي الشامل قبل الحديث عن عملة خليجية موحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي.

هنا يجوز القول إن المواقف البرجماتية، والوسطية في آن واحد، التي ميزت مواقف عُمَان الأخيرة، سواءً فيما يخص علاقاتها بإيران أو رؤيتها للاتحاد الخليجي، تكمل مساراً واضحاً فيما يتعلق برؤية عُمَان لمنطقة الخليج، فالسلطنة اتخذت موقفاً وسطياً وإيجابياً فيما يتعلق بسحب سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، حيث أكد المسؤولون العمانيون أن تأثير ذلك على كيان مجلس التعاون الخليجي قليل وبسيط، وأن هذا الخلاف خلاف أشقاء يمكن حله خلال فترة زمنية محددة". ويعني ذلك أن عُمَان، وإن مثلت جزءاً أساسياً من كينونة مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها تتعامل وفق منطق جميع الدول من مواقف وسياسات تعود للخصوصية الداخلية وللبعد التاريخي لوضع السلطنة في الخريطة الخليجية.

سياسات الترقب والحذر

أما فيما يتعلق بالموقف العُمَاني من "الثورات العربية"، فكانت السمة الأبرز هي الترقب والحذر، واعتماد سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، خاصة أن عُمَان شهدت بعض الأحداث والمسيرات الاحتجاجية مع تفجر موجة "الثورات" العربية مطلع عام 2011، لكن السلطان قابوس استطاع امتصاص الغضب في الشارع العُمَاني وقدم حزمة من الإصلاحات مكنته من تلافي التوتر في الداخل. ولهذا فقد قامت السياسة العُمَانية تجاه مشكلات مملكة البحرين باتخاذ نهج اعتمد على ضرورة عدم تدخل أي طرف دولي أو إقليمي في شؤون البحرين الداخلية.

وفيما يتعلق بالتعامل مع الصراع الدائر في سوريا، لزم المسؤولون العُمَانيون في البداية الصمت المعهود تجاه ما يجري، لكن بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية العُمانية صرح لصحيفة الحياة اللندنية بداية شهر أكتوبر 2012 بانه أبلغ كلاً من وزير الخارجية السوري "وليد المعلم" وأعضاء المجلس الوطني السوري المعارض بأن "عليهم إعادة التفكير في آرائهم، لأنه لا يجوز القتل والتدمير والتشريد في حق المدنيين السوريين"، مشدداً على أن "الشعب السوري هو من يقرر في شأن مستقبل النظام وتنحية الرئيس بشار الأسد" وذكر ابن علوي "أن سياسة سلطنة عُمَان هي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، مشيراً إلى أن السلطنة تقدم المساعدات الإنسانية الى الشعب السوري، خصوصاً اللاجئين منهم.

وعلى ذات النهج يمضي النهج العُمَاني تجاه أحداث مصر، فعلاقات السلطنة مع مصر كانت تبدو دائماً طبيعية، لكنها كانت منزوية فيما يتعلق بإسقاط حكم الإخوان المسلمين. وبالرغم من ذلك فإن السلطنة بالتأكيد تنظر لما يجري في مصر الآن على أنه يصب في صالحها وصالح المنطقة، ومن المؤكد أن مشاركة عُمَان في حفل تنصيب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بوفد رفيع المستوى جاء ليثبت ذلك؛ حيث مثل الوفد العُمَاني "أسعد بن طارق بن تيمور آل سعيد"، مندوب السلطان قابوس بن سعيد، إذ تعي عُمَان جيداً أن استقرار الحالة المصرية وثباتها داخلياً يعني استقرار المنطقة العربية التي باتت تغلي بالأحداث والصراعات الطائفية.

مواقف إقليمية ودولية

تتسم سياسات الدولة العُمَانية فيما يتعلق ببقية الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة بمنطقة الشرق الأوسط بأنها تعتمد على قدر من التوازن، فثمة تقارب مع تركيا على سبيل المثال، لكنه تقارب لا يتصف بالاندفاعة كما لا يمكن وصفه بالركود. ولعل زيارة وزير الخارجية التركي لمسقط في 23 أكتوبر 2013 بمناسبة مرور 40 عاماً على العلاقات التركية العُمانية، وازدياد عدد الشركات التركية العاملة في مسقط، والسماح للعُمَانيين بدخول تركيا بدون تأشيرة مسبقة، كلها مؤشرات تدل على تطوّر العلاقة بين الجانبين خصوصاً مع بوادر توتر العلاقات التركية ببعض دول الخليج بسبب الأحداث في مصر. ولربما يكون لعُمَان دور مهم في الوساطة بين دول الخليج العربية من جانب، وإيران والعراق وتركيا من جانب آخر للعودة بالعلاقات إلى سالف عهدها قبل تأثيرات رياح الانتفاضات العربية.

وعلى المستوى الدولي نجد أن العلاقات العُمَانية ـ الأمريكية ممتدة منذ العام 1833م، وتشهد هذه الفترة أوج بريقها، فقد باتت سلطنة عُمَان الأقرب للولايات المتحدة الأمريكية في محيطها، وبات الأمريكيون يعتمدون على إمكانيات الحليف العُمَاني الصامت والمنزوي عن الآخرين. ومما لا شك فيه أن وجود قاعدة أمريكية لوجستية كبيرة على الأراضي العُمَانية من أكبر عوامل تعزيز العلاقات البينية بين الدولتين، وبالمثل هناك تعاون أمريكي عُمَاني بشأن تقديم تسهيلات للقوات الأمريكية أثناء تنفيذ التدريبات العسكرية الدورية بالمنطقة. أضف إلى ذلك أن عُمَان كانت قد مهدت من خلال وساطتها بين طهران وعواصم أوروبية الأرضية لإطلاق سراح عدد من المواطنين المعتقلين للطرفين خلال الأعوام الأخيرة. كما أن السلطنة جزء من الحملة العالمية ضد الإرهاب، وتقدم تسهيلات للقوات الأمريكية والبريطانية من على أراضيها وفي أجوائها، في إطار خطط الحرب على الإرهاب.

إن قدرة النظام العماني على التمسك بشعرة معاوية في التعامل مع الخارج الإقليمي الملتهب لهو أمر محسوم، فالدولة العُمانية بهذه السياسات المتنوعة تؤكد أن الخصوصية الداخلية والتاريخية تؤثر على نمط التعامل مع الخارج، ولأن عُمَان هي الدولة التي يظن كثيرون أنها منعزلة ربما تكون من أكثر الدول التي تمنحها هذه الانعزالية فرصة لأن تكون معبراً للخروج من دائرة اللوم العربي إلى دائرة تكون فيها طرفاً مناسباً كبوابة لإمكانية التلاقي العربي والإقليمي والدولي لحل قضايا شائكة في بعض الأحيان.

ويبقى القول إنه من المؤكد أن دور الوساطة العُمَاني وميل مسقط إلى البعد عن الضجة الإعلامية خارجياً مهم لتحقيق عملية التوازن المطلوبة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بشكل خاص وللمنطقة بشكل عام؛ وهو ما جعل عُمَان تحصل مراراً على مراكز متقدمة في مؤشر السلام العالمي ربما بسبب الاتصالات العربية والعالمية السياسية والاقتصادية المكثفة التي تقوم بها لدعم التعاون المشترك.