أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

رؤية مغايرة لمخرجات قمة العشرين في نيودلهي

13 سبتمبر، 2023


استضافت العاصمة الهندية نيودلهي، يومي 9 و10 سبتمبر 2023، اجتماعات القمة الثامنة عشرة لمجموعة العشرين، والتي شهدت مناقشات مستفيضة حول طيف واسع من القضايا الاقتصادية والتجارية والمالية والتكنولوجية والمناخية والهجرة وما يتفرع عنها من قضايا كثيرة. كما لم تغب بعض القضايا الأمنية والسياسية، والتي كانت مثار جدل كبير، وما يتفرع عنها من تداعيات على صعيد الأمن الغذائي وأمن الطاقة وغيرها، والقضية المعنية هنا هي الحرب في أوكرانيا. كذلك كانت مسألة مستوى التمثيل في القمة من قِبل بعض الأعضاء محل تساؤلات، ولم تخلُ قائمة الدول المدعوة للحضور من دلالات، علاوة عما شهدته القمة من انضمام الاتحاد الإفريقي كعضو جديد إليها، وما أُعلن على هامشها من مشروع الممر الاقتصادي الهادف للربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط.

وبالتالي في أي سياق يمكن فهم كل ما جرى في قمة العشرين بنيودلهي؟ وما الذي اختلف فيها عن القمة الماضية في مدينة بالي الإندونيسية؟ وهل يمكن أن يختلف الوضع أيضاً في القمة القادمة في البرازيل عام 2024؟

من قمة بالي إلى نيودلهي:

بفارق أقل من عشرة أشهر بين قمة بالي وقمة نيودلهي، حيث عُقدت الأولى في 15 و16 نوفمبر 2022، شهد العالم استمراراً لبعض التوجهات الحاكمة على الصعيد الدولي. وعلى رأس هذه العوامل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وتعقد أبعادها، وتفاقم تداعياتها، خاصة بعدما توقف العمل باتفاق تصدير الحبوب أو ما يُعرف بمبادرة البحر الأسود بعد أن اعتبرت روسيا أن شقاً واحداً فقط هو الذي يُنفذ من هذا الاتفاق وهو الخاص بالحبوب الأوكرانية، وأن الشق الخاص بصادراتها من الحبوب والأسمدة لم يُنفذ. وأدى ذلك إلى ارتفاع في أسعار الحبوب، ومخاوف من تفاقم الأوضاع في دول كثيرة تعاني حتى في ظل استقرار أسعار الحبوب.

وقبل قمة بالي في العام الماضي، كانت الأحاديث تدور حول استبعاد حضور روسيا، في ظل توجه أمريكي لعزلها في التجمعات والمنتديات الدولية، حيث تم بالفعل تعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في إبريل 2022. وكانت الدعوات قد وصلت إلى حد حرمان موسكو من عضوية مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، علماً أن هذا شبه مستحيل؛ ببساطة لأنه يتطلب موافقة روسيا ذاتها، وكما هو معلوم فإن مجلس الأمن لم يستطع إصدار أي قرار بخصوص الحرب الأوكرانية في ظل معارضة روسيا. ومثل هذه الأحاديث لم تعد مُثارة بالنسبة لقمة نيودلهي، ولهذا أسباب من بينها طبيعة العلاقات الهندية الروسية، فضلاً عن الموقف الصيني، إضافة إلى تراجع زخم إدانة موسكو حتى في الأمم المتحدة، حيث لم تعد القرارات تصدر كما كان في بداية الحرب الجارية. وفي ذلك جزء من تفسير لماذا اختلفت صيغة تناول قمة نيودلهي للحرب في أوكرانيا عن صيغة قمة بالي في العام الماضي، إذ رفض بيان نيودلهي "استخدام القوة" في أوكرانيا لتحقيق مكاسب ميدانية، لكن من دون ذكر روسيا تحديداً. وفي هذا الإطار، قال المسؤول الهندي، أميتاب كانت، الذي يعد من أبرز منظمي قمة نيودلهي، إن النص التوافقي بشأن أوكرانيا في الإعلان الختامي تطلب "أكثر من 200 ساعة من المفاوضات المتواصلة، و300 اجتماع ثنائي و15 مشروع نص".

والتوجه الثاني الذي ازداد شراسة هو المتعلق بالتغيرات المناخية، والتي طالت تداعياتها الكثير من دول العالم، بما فيها أعضاء مجموعة العشرين، حيث تحدثت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن ارتفاع غير مسبوق في درجة حرارة صيف 2023. وأضرت الفيضانات والأعاصير وما يصاحبها من أمطار غزيرة وانزلاقات في التربة بعشرات الملايين في شتى أرجاء العالم. وفي بعض الحالات، تسببت الحرائق في كوارث غير مسبوقة، كما حدث في الولايات المتحدة. وامتدت آثار الحرائق إلى خارج حدود الدول، كما حدث بالنسبة لحرائق الغابات في كندا، والتي أثرت في أجزاء من الولايات المتحدة. ومع ذلك، اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن النتائج المتعلقة بالمناخ التي توصلت إليها قمة مجموعة العشرين كانت "غير كافية".

وثمة توجه ثالث أخذ منحى تصاعدياً أيضاً؛ ويتمثل في الخلافات التجارية بمستوياتها المختلفة، ومنها فرض عقوبات على التجارة والاستثمار. وإذا ما تمت تنحية العقوبات على روسيا بحكم خصوصية هذه الحالة، يُلاحظ تبادل فرض العقوبات من جانب كل من الولايات المتحدة والصين؛ وهما الاقتصادان الأكبر في العالم.

ولا يمكن فصل هذا التوجه عن استمرار التوتر في العلاقات الأمريكية الصينية، على خلفية قضايا كثيرة. ولكن المستوى الذي وصلت إليه العلاقات بين القوتين الدوليتين قد يحمل تفسيراً لغياب الرئيس الصيني، شي جين بينغ، عن قمة نيودلهي، حتى لا يلتقي نظيره الأمريكي، جو بايدن. وقد يُضاف إلى ذلك، توجيه شي رسالة للهند في ظل الخلافات والتوترات بين البلدين، فضلاً عن التنامي في العلاقات بين نيودلهي وواشنطن. لكن لا ينبغي إعطاء غياب الرئيس الصيني أكبر من حجمه، فهو يأتي في إطار الرسائل الرمزية الوقتية، حيث إن من غاب هو الرئيس شي، وليس الصين التي كانت ممثلة في القمة بمستوى رفيع أيضاً، وهو رئيس مجلس الدولة (رئيس الوزراء)، لي تشيانغ. فبكين حريصة على علاقاتها بكل من واشنطن ونيودلهي وغيرهما من الدول الكبرى، لكن بما لا يأتي على حساب مصالحها، وخاصة الحيوية منها.

ولم يكن الرئيس شي وحده الغائب عن القمة، وإنما غاب كذلك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وفي هذا استمرار لنمط عدم حضوره معظم القمم كما حدث في قمة "بريكس" في جنوب إفريقيا خلال شهر أغسطس الماضي، حيث شارك فيها عبر تقنية "الفيديو كونفرنس". 

ويُلاحظ على قائمة المدعوين أيضاً لحضور قمة نيودلهي، أن الهند قد دعت الدول التي ترتبط معها بعلاقات وثيقة، واثنتان منها من الدول التي ستلتحق بعضوية "بريكس" في مطلع عام 2024 وهما مصر والإمارات. كما كان من المدعوين رئيس الاتحاد الإفريقي، غزالي عثماني، والذي أعلن عن انضمام الاتحاد رسمياً إلى مجموعة العشرين، لتصير المجموعة بذلك تضم اتحادين إقليميين هما الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي. 

توافق رغم الاختلافات:

مخطئ من يظن أن الاختلافات بين دول مجموعة العشرين فقط حول الحرب في أوكرانيا. فإذا كانت هذه القضية قد نالت النصيب الأكبر من الاهتمام الإعلامي، فإن معظم القضايا الأخرى هي موضع خلاف أيضاً، وأحياناً تصل الخلافات فيها إلى حد التناقض. وإن كان التهديد بعدم صدور بيان ختامي عن قمة نيودلهي في حال أصرت على نفس الصيغة التي تناولت بها قمة بالي قضية الحرب، كان من بين عوامل صدور البيان بتلك الصيغة التي خلت من ذكر روسيا، وإنما جاءت في سياق عام من تأكيد سيادة الدول وعدم استخدام القوة. ولعل هذا ما جعل موسكو تعلن رضاها عن بيان القمة، بينما غضبت أوكرانيا منه، وهذا على عكس ما حدث في قمة بالي.

وبعيداً عن أزمة الحرب في أوكرانيا، فإن بيان القمة الأخيرة أسهب في الحديث عن النمو الاقتصادي وصفاته من حيث الاستدامة والقوة والتوازن والشمول، والوضع الاقتصادي العالمي، وتسهيل التجارة من أجل النمو، وتعزيز الشمول المالي، ومكافحة الفساد. كما أن أهداف التنمية المستدامة نالت نصيباً وافراً من الاهتمام من حيث أهمية المسارعة بتحقيقها، مع التركيز على القضاء على الجوع وسوء التغذية. وتم تناول الآثار الاقتصادية لانعدام الأمن الغذائي وأمن الطاقة، وتقديم تعليم عالي الجودة، والثقافة كمتغير تحويلي بالنسبة لأهداف التنمية المستدامة. كما لم تغب القضايا الصحية.

ولا يخفى على أحد، بما في ذلك مجموعة العشرين، ما يواجهه تحقق أهداف التنمية المستدامة من صعاب، كما لا يخفى التفاوت الكبير بين الدول في مؤشرات التنمية، فضلاً عن وجود دول تعاني أكثر من غيرها من قبيل الدول الحبيسة والدول الجزرية الصغيرة. ولكن هل يكفي ما أُشير إليه في بيان قمة نيودلهي من أنه لن يُترك أحد خلف الركب، أو القول إن هذه الشريحة من الدول ستُراعى وجهات نظرها، أو أنها ستشارك في صنع القرار العالمي؟ إذ يصير السؤال الأساسي كيف سيحدث ذلك في ظل عالم تحكمه معادلات القوة من ناحية، ويتجه أكثر نحو زيادة النفقات العسكرية من ناحية أخرى؟ وهنا فإن ما طالبت به القمة من الانتقال من فئة المليارات إلى فئة التريليونات في إطار تمويل القضايا المُلحة، ومنها القضايا المناخية، وكذلك المطالبة بضرورة وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها على صعيد مساعدات التنمية؛ يبقى محل تساؤلات كثيرة.

ويمكن الحديث عن أمثلة أخرى كثيرة، من بينها المطالبة بنظام تجاري عادل وبعيد عن التمييز ومنفتح ومتعدد الأطراف ومستدام وشفاف أساسه منظمة التجارة العالمية. فكيف يمكن الوصول إلى ذلك بينما تسير سياسات بعض دول مجموعة العشرين ذاتها عكس ذلك؟ ومن ثم كيف تكون سياسات التجارة والبيئة كلاهما داعماً للآخر؟ وفي نفس السياق إذا كانت مجموعة العشرين تقر بضرورة إصلاح المؤسسات المالية الدولية، فماذا تنتظر؟

على هامش القمة:

بعيداً عن المسألة التي تخص محاولة الهند الترويج لمسعى تغيير اسمها إلى بهارات، فإن أهم ما أعُلن عنه على هامش قمة مجموعة العشرين هو إنشاء ممر اقتصادي للربط بين الهند وأوروبا مروراً بالشرق الأوسط، وهذا لا يمكن التعامل معه بعيداً عن اعتبارين مهمين، وإعلان مشابه حدث في قمة بالي.

أما الاعتباران فإن أولهما يتمثل في علاقة ذلك الإعلان بمبادرة مجموعة السبع بخصوص الاستثمار في البنية الأساسية. والاعتبار الثاني يتعلق بمدى تنافسية أو تكامل مبادرة مجموعة السبع مع مبادرة الحزام والطريق الصينية والتي مر على إطلاقها نحو عشر سنوات. فلا يخفى أن الكثير من المحللين يذهبون إلى أن مبادرة مجموعة السبع قد جاءت لسحب البساط من المبادرة الصينية، التي تُوجه لها الكثير من الانتقادات الأمريكية، ولا تشارك فيها من ضمن مجموعة السبع إلا إيطاليا، والتي تتعرض بدورها لضغوط للانسحاب منها.

أما الإعلان المُشابه الذي وقّع في العام الماضي فقد كان بين إندونيسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بخصوص البنية التحتية العالمية والاستثمار. وللعلم فإن إندونيسيا منخرطة بقوة في مبادرة الحزام والطريق، تماماً كما أن الإمارات والسعودية منخرطتان في هذه المبادرة أيضاً. وهذا يطرح فكرة إمكانية الاستفادة من كل المبادرات المطروحة، بل وإمكان وجود تنسيق فيما بينها، لكن لا يمكن إغفال الخلافات بين أصحاب تلك المبادرات، ومن ثم الاختلافات حول تقييمات كل منها للآخر.

ولعل من التصريحات اللافتة على هامش قمة العشرين، تلك التي نُسبت إلى الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، عندما أشار إلى أنه سيقوم بدعوة الرئيس بوتين لحضور القمة القادمة التي من المُقرر أن تُعقد في بلاده في نوفمبر 2024، خاصة أنه سيكون قد زار روسيا لحضور قمة "بريكس" قبلها. لكن تراجع الرئيس البرازيلي، يوم 11 سبتمبر الجاري، عن ضمان عدم توقيف بوتين في حال حضر قمة ريو دي جانيرو العام المقبل، مؤكداً أن القرار بذلك يعود للقضاء وليس للحكومة. وبطبيعة الحال، ما زال الوقت مُبكراً للحكم عما إذا كان بوتين سيذهب لحضور قمة العشرين القادمة، وما إذا كانت ذات الظروف الراهنة ستبقى قائمة في العام المقبل.

ختاماً، وكما قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، في كلمته الافتتاحية في قمة العشرين، فإن العالم يعاني من أزمة ثقة هائلة لا تخطئها عين، وتحتاج إلى جهود مضنية، خاصة أنه يشهد توترات كثيرة في مناطق واسعة، بعضها مشتعل والآخر مكتوم ويمكن أن ينفجر في أي وقت حتى ولو من باب سوء التقدير أو الحسابات الخاطئة. ومثل هذه التوترات في حال لم تُخفض، وإذا استمرت أزمة الثقة هذه في التصاعد، يمكن أن تعصف بالكثير مما تأمل دول العالم تحقيقه، والذي ذُكر الكثير منه في بيان قمة نيودلهي.