أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

نُذر أزمة:

تصاعد الخلافات بين القوى السياسية العراقية الكردية والشيعية

26 ديسمبر، 2022


أعلن الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة، بافل طالباني، تعليق حضور وزرائه اجتماعات مجلس وزراء إقليم كردستان العراق حتى إشعار آخر، باستثناء حضور وزيرين، بهدف نقل اعتراضات الحزب إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يقود حكومة الإقليم. يأتي هذا بالتوازي مع تهديد زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، لرئيس الحكومة العراقية، محمد شيّاع السوداني، بسحب وزرائه من الحكومة، بسبب ما وصفه بتدخلات وضغوط تقوم بها عصائب أهل الحق بقيادة قيس الخزعلي، الأمر يؤشر إلى وجود انقسامات داخل الإطار التنسيقي الشيعي.

دوافع الخلافات الكردية: 

يشهد إقليم كردستان العراق تصعيداً جديداً على خلفية اتساع مساحات الخلاف بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم خلال الفترة الماضية، ويمكن الإشارة إلى أهم أسباب ذلك الخلاف على النحو التالي:

1- تصاعد الاتهامات المتبادلة: وجه الديمقراطي الكردستاني اتهاماً للاتحاد الوطني بالوقوف وراء عملية اغتيال العقيد في جهاز مكافحة الإرهاب، هاوكار الجاف، في أربيل مطلع أكتوبر 2022. وقدم الديمقراطي عدداً من الأدلة على تورط عدد من القادة الأمنيين التابعين للاتحاد الوطني في عملية الاغتيال، غير أن الأخير نفى هذه الاتهامات. كما أسفر ذلك الحادث عن مصادرة الاتحاد الوطني ممتلكات الرئيس السابق لجهاز المعلومات التابع له "زانياري"، أجي أمين، الذي انضم مؤخراً إلى مجلس أمن الإقليم الذي يديره الديمقراطي الكردستاني، وهو ما يؤشر إلى تصاعد الخلافات بين الحزبين خلال الفترة القادمة، حال عدم التوصل لحلول توافقية بينهما.

2- الهيمنة على السلطة والموارد: وجه نائب رئيس إقليم كردستان العراق والقيادي في الاتحاد الوطني، جعفر شيخ مصطفى، اتهامات للديمقراطي الكردستاني بالتحكم في إيرادات الإقليم من النفط والمعابر، بالإضافة إلى احتكار الديمقراطي للقرار السياسي في الإقليم، لاسيما فيما يتعلق بالملفين الأمني والنفطي، فضلاً عن اتهامات أخرى تتعلق بحرمان محافظة السليمانية، مركز ثقل الاتحاد الوطني، من المشاريع الخدمية والموازنة المالية. 

ويضاف إلى ما سبق، مطالبة الاتحاد الوطني بتعديل القانون الانتخابي وتغيير مفوضية الانتخابات، في الوقت الذي يرفض فيه الديمقراطي الكردستاني تلك المطالب خشية أن يقود ذلك إلى فقدان أغلبيته في برلمان الإقليم. ودفع ذلك الخلاف إلى تأجيل الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر إجراؤها في أكتوبر 2022، والاتفاق على تمديد البرلمان الحالي للإقليم لعام إضافي.

3- تعليق جلسات حكومة الإقليم: امتنع نائب رئيس حكومة إقليم كردستان، قوباد طالباني، منذ شهرين، عن حضور جلسات مجلس الوزراء في الإقليم، احتجاجاً على ما اعتبره تهميشاً وإقصاءً للاتحاد الوطني من جانب الحزب الديمقراطي، على الرغم من أن الحزبين شريكين رئيسيين في الحكم بموجب اتفاقية توحيد إدارتي الإقليم المبرمة عام 2006. 

ومع تزايد الخلافات بين الحزبين، أعلن الفريق الوزاري للاتحاد الوطني تعليق حضوره جلسات مجلس وزراء الإقليم في 11 ديسمبر 2022. وإلى جانب ذلك، أعلن الاتحاد الوطني عدم المشاركة في الوفد الحكومي الذي توجه إلى بغداد للعمل على حلحلة الخلافات مع الحكومة الاتحادية، ووصل الأمر إلى درجة التلويح بإمكانية الانسحاب من حكومة الإقليم.

4- تأسيس الوطني تحالفاً مناوئاً: سعى التحالف الوطني إلى التقارب مع بعض الأحزاب الأخرى داخل الإقليم، لتشكيل جبهة مناوئة للحزب الديمقراطي. وكان من بين تلك الأحزاب الاتحاد الإسلامي الكردستاني، حيث قام وفد من الديمقراطي بزيارة، في منتصف ديسمبر 2022، إلى الاتحاد الإسلامي، وذلك لاستيعاب القضايا الخلافية بينهما، وتوحيد سياساتهما إزاء توجهات الديمقراطي الكردستاني للسيطرة على إقليم كردستان العراق. 

خلافات الإطار التنسيقي:

امتدت الخلافات السياسية على الساحة العراقية، لتشمل الإطار التنسيقي، الذي يضم القوى والكتل الموالية لإيران في العراق، ويمكن الإشارة إلى أبرز مؤشرات ذلك الخلاف على النحو التالي:

1- التباين حول العلاقة مع الصدر: اتسعت مساحة الخلاف داخل أجنحة الإطار التنسيقي حول كيفية التعامل مع التيار الصدري، حيث انقسمت كتل الإطار إلى فريقين: الأول يضم رئيس ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، والأمين العام لميليشيا عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وزعيم تيار الحكمة، عمار الحكيم، بينما يضم الفريق الثاني رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وزعيم تحالف الفتح هادي العامري، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض. 

ويتبنى الفريق الأول وجهة نظر قائمة على ضرورة إقصاء وتهميش الصدريين، إذ أبدى هذا الفريق اعتراضاً على تراجع رئيس الحكومة محمد شيّاع السوداني عن إقالة محافظين محسوبين على التيار الصدري، في الوقت الذي ينحاز فيه الفريق الثاني إلى التهدئة مع الأخير وعدم افتعال الأزمات تجنباً للتصعيد وتأجيج الأوضاع الداخلية.

2- الخلاف حول بقاء السوداني: أشارت مصادر إلى تصاعد الخلافات داخل الإطار التنسيقي حول الموقف من بقاء واستمرار السوداني رئيساً للوزراء في العراق، إذ لاقت خطواته، سواء المتعلقة بالموقف من الأوضاع الداخلية أو علاقات العراق الخارجية، اعتراضاً من قبل بعض الأطراف في التنسيقي، والتي اتهمته باتخاذ العديد من القرارات من دون الرجوع إليها. ويقف خلف هذه الاتهامات للسوداني الصراع القائم بين قوى التنسيقي، خاصة تحالف دولة القانون وعصائب أهل الحق للحصول على امتيازات داخل حكومته.

وفي هذا الإطار، تطالب بعض هذه القوى باستبدال السوداني بشخصية أخرى على أساس اتهامه بأنه يتجاوب مع أجندة بعض أطراف التنسيقي على حساب أخرى، ولذلك حذرت هذه القوى من أنه في حالة عدم تراجع السوداني عن هذه السياسات المنحازة، فإنها ستنسحب من الحكومة. وتدخلت إيران وحزب الله اللبناني لاحتواء تلك الخلافات والحفاظ على تماسك التنسيقي تجنباً لانهياره.

3- الاعتراض على التقارب مع واشنطن: أبدت بعض قوى التنسيقي، خاصة من الفصائل المسلحة، تحفظها على الزيارات المتكررة للسفيرة الأمريكية في بغداد، إلينا رومانوسكي، لمكتب السوداني، لاسيما في ضوء إدراك معظم قوى التنسيقي أن التحركات الأمريكية تهدف إلى محاصرة وتحجيم النفوذ الإيراني في العراق، والذي يمثل التنسيقي أهم ذرائعه، إذ أشارت مصادر إلى أن البيت الأبيض سبق وأبلغ رئيس الوزراء العراقي، رفض التعامل مع الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة المنتمين إلى الفصائل المسلحة والتي تصنفها واشنطن إرهابية، الأمر الذي أثار حفيظة قوى التنسيقي. 

تداعيات مُحتملة:

تُشير مجمل التطورات سالفة الذكر إلى أنها ستكون لها انعكاسات مباشرة على الأوضاع السياسية في العراق، وهو ما يمكن تناوله في النقاط التالية:

1- صراعات مستمرة داخل التنسيقي: على الرغم من وجود خلافات داخل التنسيقي، باعتبار أنه يضم قوى وكتلاً ذات رؤى وأهداف ومصالح متباينة، لا يجمعها سوى مواجهة التيار الصدري، فإن ظهورها للعلن، يشي بتصاعد تلك الخلافات، والتي قد تنعكس خلال المرحلة المقبلة على الأداء الحكومي.

ومن جهة أخرى، فإن إيران تواجه ضغوطاً داخلية متزايدة على خلفية الاحتجاجات التي اندلعت منذ منتصف سبتمبر 2022، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع قدرتها على ضبط الصراع بين أطراف التنسيقي. ويستبعد انسحاب قوى من التنسيقي من الحكومة، وذلك تجنباً لمنح الفرصة للتيار الصدري للعودة للمشهد من جديد.

2- محاولة استيعاب الخلافات الكردية: من المرجح أن تستمر الخلافات بين الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق من دون حسم، ولكن من دون أن تخرج الأوضاع عن السيطرة، وذلك في ضوء الوساطات الدولية لاحتواء الأزمة، إذ قام مجموعة من السفراء، ومنهم سفيرا الولايات المتحدة، ألينا رومانوسكي، وبريطانيا، ستيفن هيكي، بزيارة رئيس حكومة الإقليم مسرور البارزاني ونائبه قوباد الطالباني في أربيل، بهدف تقريب وجهات النظر بين الحزبين، وإنهاء حالة التوتر.

ومن جهة أخرى، تهدد الأطراف الغربية، بعدم تقديم الدعم والعون المالي لحكومة الإقليم، ما لم يتم حل المشاكل العالقة بينهما، فضلاً عن إدراك الحزبين أن هذا الخلاف يضعف الموقف الكردي في مفاوضاته مع الحكومة الاتحادية، خاصة أن سياسات السوداني لم تطرح حلولاً جدية للخلافات العالقة بين أربيل وبغداد.

وفي التقدير، يمكن القول إن الخلافات التي كانت قائمة، في السابق، بين القوى السياسية الكردية والشيعية، على حد سواء، قد عادت للظهور مجدداً، وذلك ارتباطاً بعوامل مختلفة، والتي تتمثل، بالنسبة للقوى الكردية في مقاومة الاتحاد الوطني لمحاولات الديمقراطي الكردستاني للهيمنة على إقليم كردستان العراق. أما بالنسبة للقوى الشيعية، فإن غياب التهديد الرئيسي للإطار التنسيقي الموالي لإيران، ممثلاً في التيار الصدري، دفع القوى المتنافسة المنضوية تحته إلى التفرغ لصراعاتها البينية، كما في الصراع الدائر بين المالكي والخزعلي.