أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مأزق إسرائيل في سوريا.. استرضاء موسكو أم واشنطن؟

24 مايو، 2022


في نهاية شهر أبريل 2022، وصل رئيس المكتب السياسي - الأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية، العميد درور شالوم، إلى قاعدة رامشتين الألمانية الجوية للقاء مسؤولين أمريكيين لبحث آخر التطورات في الحرب الأوكرانية. وقالوا إنهم يتفهمون العلاقة الحساسة التي تربط بلاده بروسيا، ولكنهم يتمنون عليه تقديم المزيد من الدعم العسكري لأوكرانيا. وقد وصلت الرسالة نفسها خلال اجتماع عُقد يوم 26 أبريل الماضي في واشنطن بين مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، ونظيره الإسرائيلي، إيال هولاتا. 

ولم تخف هذه الاجتماعات طبعاً عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي وجه رسالة استباقية إلى إسرائيل يوم 13 مايو 2022، عبر ردّ منظومة دفاعه الشهيرة "إس – 300" S-300 على عملية عسكرية إسرائيلية في محيط مدينة مصياف السورية. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ سبتمبر 2015؛ تاريخ دخول الجيش الروسي المعارك السورية، التي يتم فيها الرد على هجوم إسرائيلي بهذا الشكل المُعلن. 

وكان الرد الروسي مدروساً ومحدوداً، حيث لم يُوقع أضراراً مادية أو جسدية بين صفوف الإسرائيليين، وكان عبارة عن تهديد "ناعم" مُوجه إلى صانعي القرار في تل أبيب بأن يفكروا ملياً قبل الرضوخ للمطالب الأمريكية. وكان جزء من الرد الروسي مُوجهاً إلى المجتمع الدولي، لتذكير العالم بأن روسيا الاتحادية لا تزال فعالة وصاحبة قرار في سوريا، على الرغم من انشغالها الكبير بحرب أوكرانيا.  

تأثير حرب أوكرانيا:

في بداية الحرب الأوكرانية، كان الموقف الإسرائيلي مُعتدلاً، وأقرب إلى المحايد. فقد رفضت حكومة تل أبيب تقديم سلاح متطور لكييف، ومنه منظومة "القبة الحديدية" الشهيرة لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف، كما حاولت التوسط بين الرئيس بوتين ونظيرة الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي. ولكن شيئاً بدأ يتغير في شهر أبريل الماضي، عندما وافقت إسرائيل على تقديم خوذات وسترات واقية من الرصاص لأوكرانيا، وأرسلت وزير الصحة، نيتسان هورويتز، إلى كييف لإنشاء مستشفى ميداني، حيث هاجم روسيا واتهمها بارتكاب "جرائم حرب". واليوم تقول تل أبيب إن مزيداً من المساعدات في طريقها إلى كييف، كما أن وتيرة التظاهرات المؤيدة لأوكرانيا قد اشتدّت داخل المدن الإسرائيلية، وتم استقبال أكثر من 23 لاجئاً أوكراني، معظمهم من أصول يهودية. 

وكانت الطامة الكبرى بالنسبة لإسرائيل قد جاءت على لسان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في مطلع مايو الجاري، عند اتهامه الرئيس زيلينسكي بأنه "يهودي" و"نازي" في الوقت ذاته، ما أثار موجه احتجاجات داخل إسرائيل. ولهذه الأسباب مُجتمعة، جاء التصعيد الأخير في أجواء مدينة مصياف السورية، فاتحاً المجال أمام الكثير من التكهنات حول مستقبل العلاقة الثنائية بين إسرائيل وروسيا، ومدى انعكاس ذلك على الأوضاع في سوريا.

تداعيات أحداث القدس:

تُدرك إسرائيل جيداً أن الوقت غير مناسب لفتح جبهة جديدة على الساحتين الدولية والإقليمية، بعد التصعيد الأخير الذي شهدته الأراضي الفلسطينية في القدس وجنين، وبعد تهديدات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، بإطلاق آلاف الصواريخ على مواقع إسرائيلية، يوم 30 أبريل 2022. فالأمور داخل فلسطين متجهة نحو مزيد من التصعيد، والدليل كان اغتيال ثلاثة عناصر من "الجهاد الإسلامي" في جنين، واستقالة إحدى أبرز مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، احتجاجاً على عدة أمور، منها دخوله في مواجهة مفتوحة مع الفلسطينيين. وبالتالي فأولوية إسرائيل اليوم هي داخل الأراضي الفلسطينية، وليس في أوكرانيا أو سوريا. 

وفي المقابل، لا تريد روسيا أي تصعيد إضافي في المنطقة ولا خسائر عسكرية وبشرية في سوريا، فهي حكماً لن تدخل في مواجهة أوسع مع إسرائيل. ومن ثم، هناك قرار مشترك وغير مُعلن بالتهدئة على الرغم من كل الضغوطات الأمريكية. ولكن نفتالي بينيت بأشد الحاجة اليوم للحليف الأمريكي، خوفاً من تنفيذ السنوار لتهديداته في ظلّ اقتراب الوصول إلى اتفاق في فيينا حول ملف إيران النووي، ما يُقلق تل أبيب كثيراً. ويبقى بوتين حليفاً استراتيجياً بالنسبة لإسرائيل، ولكن تاريخه يؤكد أنه لن يقف مع تل أبيب ولن يدعمها سياسياً وعسكرياً في حال اندلاع "انتفاضة فلسطينية ثالثة"، كما أنه لن يستخدم حق النقض (الفيتو) لإجهاض أي قرار إدانة بحقها قد يُعرض أمام مجلس الأمن الدولي. كذلك يُدرك بينيت أيضاً أن مصير الجنوب السوري يبقى خاضعاً لمشيئة الرئيس بوتين، فهو المسؤول عن تنفيذ قرارات العام 2018، التي وعدت إسرائيل بتأمين المنطقة الحدودية وإبعاد حزب الله عن الأراضي الإسرائيلية. 

مخاوف إسرائيلية:

يدل تاريخ بوتين في سوريا أنه يفي بالتزاماته تجاه حلفائه، إسرائيليين كانوا أم أتراكاً أو عرباً. ودعمه المُطلق لدمشق لم ينقطع منذ عام 2015، على عكس الأمريكيين الذين خذلوا حلفائهم في أفغانستان وسلّموا هذا البلد لحركة طالبان في صيف العام الماضي. ويعد تاريخ التخلي الأمريكي عن الحلفاء طويلاً ومقلقاً، فهو يعود إلى تخليهم عن شاه إيران محمد رضا بهلوي في عام 1979، وعن الأنظمة الحليفة لهم في بعض الدول العربية بعد اندلاع ثورات فيها منذ عام 2011. كما هدد الأمريكيون مراراً بتخليهم عن الأكراد السوريين عبر انسحابهم من سوريا خلال ولاية الرئيس السابق، دونالد ترامب. 

ولا شك أن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط يقلق إسرائيل، ولكن الأخيرة تبقى غير قادرة على مواجهة الولايات المتحدة أو الابتعاد عن سياساتها الدولية، ولا على فتح علاقة مستقلة مع روسيا؛ خوفاً من غضب إدارة الرئيس بايدن. وفي المقابل، فإن إسرائيل لا تريد مواجهة روسيا بطريقة ترضي الأمريكيين، وهي أيضاً غير قادرة على ذلك؛ حرصاً على استقرار حدودها مع سوريا. وفي جعبة الرئيس بوتين الكثير للرد على أي دعم إسرائيلي إضافي قد يصل إلى أوكرانيا، ومنه طبعاً إشعال الجنوب السوري والسماح لحزب الله اللبناني باستعادة نفوذه السابق في المنطقة الحدودية. 

وهنا يجب الإشارة إلى تدهور العلاقات الثنائية بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد إغلاق الأخير أجواء بلاده أمام الطيران الحربي الروسي، وتزويد أوكرانيا بطائرات الدرونز المعروفة باسم "البيرقدار". وقد غضب بوتين من هذا الانقلاب في الموقف التركي، وجاء الرد سريعاً في منطقة خفض التصعيد في سوريا، حيث أغارت الطائرات الروسية على مناطق قريبة من مقاتلين سوريين محسوبين على الجيش التركي، كما شجعت الأكراد السوريين على قصف مواقع حدودية، وصلت نيرانها إلى محيط مدينة غازي عنتاب داخل الأراضي التركية.    

وبالتالي، لا يُريد بينيت في إسرائيل أي تصعيد مشابه لذلك الذي حصل هذا الشهر بين روسيا وتركيا، وهو حالياً أمام خيارات صعبة، جميعها مرّ بالنسبة له. فإما أن يكسب ود روسيا لكي يبقى آمناً داخل حدوده مع سوريا، أو أن يُرضي الولايات المتحدة الأمريكية في أوكرانيا، على حساب بوتين، فيكسب دعماً أمريكياً لحرب مُحتملة داخل الأراضي الفلسطينية، في الضفة والقطاع، ويخسر حينها الدعم الروسي على الحدود السورية.