وصل وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في 23 مارس الجاري، إلى العاصمة السورية دمشق، حيث كان في استقباله نظيره السوري فيصل المقداد، والذي أشار إلى أن الزيارة تشكل فرصة أخرى للتشاور حول الأمور التي تهم البلدين والتطورات في المنطقة. وأشار عبد اللهيان إلى أن سوريا وإيران في خندق واحد، وأن طهران تدعم سوريا قيادة وحكومةً وشعباً، والعلاقات الثنائية بين الجانبين تمر بأفضل الظروف.
سياقات متزامنة:
ترافقت زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق مع عدد من التطورات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية، والتي يمكن استعراضها كالآتي:
1- التقارب العربي نحو سوريا: جاءت زيارة عبد اللهيان إلى دمشق، في الوقت الذي تتزايد فيه المحاولات العربية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، إذ أتت تلك الزيارة بعد خمسة أيام من زيارة قام بها الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى دولة الإمارات، حيث التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، في زيارة حملت رمزية كبيرة، إذ إنها تُعد الأولى للأسد إلى دولة عربية منذ اندلاع الأزمة في سوريا في مارس 2011، إلى جانب محاولات دول عربية أخرى، مثل الأردن والجزائر والعراق وغيرها، الأمر الذي يعزز من فرص مشاركة سوريا في القمة العربية القادمة المزمع عقدها في الجزائر في نوفمبر المقبل.
وعلى الرغم من ترحيب وزير الخارجية الإيراني بانفتاح الدول العربية على سوريا، فإن الأوساط الإيرانية تنظر إلى تلك التحركات بقلق شديد، إذ تعتبرها خصماً من النفوذ الإيراني في سوريا، والتي تمثل أحد محاور ارتكاز النفوذ الإقليمي الإيراني، فضلاً عما تتيحه سوريا من فرص اقتصادية لها.
وكانت المحاولات الإيرانية لتعزيز نفوذها الاقتصادي في سوريا تواجه بتحدٍ من جانب روسيا، على مدار السنوات السابقة، غير أن انفتاح الدول العربية على دمشق اقتصادياً قد ينعكس سلباً على فرص إيران هناك، وفقاً للرؤية الإيرانية.
2- التصعيد الإسرائيلي ضد إيران: تأتي تلك الزيارة في وقت يتزايد فيه التوتر بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي، حيث قامت تل أبيب، قبل أسبوعين من تلك الزيارة، باستهداف مواقع في محيط العاصمة السورية دمشق، أسفر عن مقتل ضابطين كبيرين في الحرس الثوري الإيراني، أعقبه إطلاق الأخير تهديداً لإسرائيل بالانتقام الفوري، وهو ما تمت ترجمته من خلال قصف صاروخي على مدينة أربيل العراقية تبناه الحرس الثوري بشكل علني.
وزعم الحرس أنه استهدف مركزاً استراتيجياً تابعاً للموساد الإسرائيلي في إقليم كردستان العراق المجاور لإيران، وقد أعقبه تسريب وسائل إعلام إسرائيلية، أن تل أبيب قامت بشن هجوم جوي في إيران، في فبراير الماضي، ألحق أضراراً جسيمة لشبكة طائرات مسيّرة تابعة للحرس الثوري تقع في محافظة كرمنشاه غرب إيران.
وتهدف هذه الهجمات الإيرانية إلى الضغط على الولايات المتحدة، نظراً لأنها وقعت بالقرب من مبني القنصلية الأمريكي الجديد في أربيل، إذ يبدو أن إيران تهدف من ذلك للضغط على واشنطن لوقف الضربات الإسرائيلية ضدها، خاصة في سوريا. كما قد تسعى إيران للتنسيق مع الجانب السوري في محاولة لتفادي تلك الهجمات، وتهيئة الأجواء لإمكانية الرد عليها من داخل سوريا، وإن كان من المستبعد أن تستجيب دمشق لذلك.
3- تعقد مسار المفاوضات في فيينا: تترافق الزيارة مع وصول المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى في فيينا إلى مرحلة فارقة، فرغم تأكيد وزير الخارجية الإيراني، على هامش زيارته لدمشق، أن بلاده باتت أقرب للعودة إلى الاتفاق النووي من أي وقت مضي، فإن المعطيات تُشير إلى غير ذلك، إذ غادر كبير المفاوضين الإيرانيين في فيينا فجأة إلى طهران، في إشارة فيما يبدو إلى رفض واشنطن مطالب إيرانية في المفاوضات.
كما تصاعد الحديث مؤخراً عن اشتراط واشنطن تعهد طهران علنياً بخفض التصعيد في المنطقة، مقابل الموافقة على مطلبها الخاص برفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب، وهو ما لاقى اعتراضاً من جانب إيران.
وفي السياق نفسه، صرّح المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أنّه بعد نحو سنة من المفاوضات في فيينا، فإن المسؤولية تقع على طهران لاتخاذ قرارات قد تعتبرها صعبة، مضيفاً أن "اتفاقاً من هذا النوع ليس وشيكاً ولا مؤكداً، ولهذا السبب بالتحديد نحن نتحضّر خلال العام لأيّ احتمال طارئ"، في مؤشر إلى مدى تعقد مسار المفاوضات واستعداد واشنطن لاتخاذ خيارات بديلة مع إيران قد تقتضي فرض مزيد من العقوبات.
كما توظف إيران تلك الزيارة للتأكيد على نفوذها الإقليمي، الذي تستخدمه في تعزيز موقفها في المفاوضات ومواجهة الضغوط الغربية، باستخدام المجموعات التابعة لها في توجيه التهديدات لواشنطن وإسرائيل، من خلال البوابة السورية التي تمثل الخط الواصل بين نفوذها في العراق حتى سواحل البحر المتوسط.
4- تداعيات الأزمة الأوكرانية: تتزامن زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى دمشق مع استمرار اندلاع الأزمة بين روسيا وأوكرانيا، على خلفية التدخل العسكري الروسي منذ 24 فبراير الماضي. وعلى الرغم من التأييد الإيراني لروسيا في تلك العمليات، فإن ذلك لا يخفي تعقد العلاقات بين موسكو وطهران لاسيما فيما يتعلق بالملف السوري، خاصة في ظل محاولات روسيا إبعاد إيران عن الساحة السورية عبر السماح لإسرائيل بتوجيه ضربات متتالية ضد التواجد الإيراني.
كما تتخوف طهران من أن يؤدي انتصار موسكو في معركتها في أوكرانيا من دون رد فعل قوي من جانب الغرب، إلى زيادة قبضة موسكو على الملفات الإقليمية وعلى رأسها سوريا، ما يعني خصماً من نفوذ إيران في الساحة السورية.
ومن جانب ثالث، فإن إيران تطمع في أن تؤدي تلك الأزمة إلى إضعاف الاستثمارات الروسية في سوريا، في ضوء العقوبات المفروضة على موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية، وهو ما يعزز من فرص كون طهران طرفاً أساسياً في جهود إعادة الإعمار في سوريا، وقد اصطحب عبد اللهيان خلال زيارته إلى دمشق وفداً يضم مسؤولين اقتصاديين وتجاريين، لتعزيز علاقات بلاده الاقتصادية بسوريا، إلا أن هذا الأمر محل شك، في ضوء عدد من العراقيل على رأسها العقوبات الأمريكية المفروضة على الجانبين الإيراني والسوري.
رسائل متعددة:
تسعى إيران من وراء هذه الزيارة إلى إيصال عدد من الرسائل، والتي يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:
1- الرد على التكتل الإقليمي المناوئ لإيران: أتت تلك الزيارة في اليوم التالي لاجتماع ثلاثي عُقد بمدينة شرم الشيخ المصرية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، في قمة ثلاثية هي الأولى من نوعها، فيما يبدو أنها تسعى لتشكيل ما يمكن اعتباره "حلف إقليمي" لمواجهة التهديدات الإيرانية.
وأشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن القمة تناولت بحث التعاون لإيجاد منظومة دفاع جوي ضد تهديدات المسيّرات والصواريخ الباليستية الإيرانية، بما في ذلك منظومة ليرز تطورها إسرائيل، بجانب تبادل مشاركة المعلومات الاستخبارية، بما يُسهم في عمليات الإنذار المُبكر بشأن إطلاق الصواريخ من جانب إيران ووكلائها في اليمن والعراق وسوريا. وتسعى إيران إلى الرد على تلك محاولات التي ترى أنها موجهة ضدها بالأساس.
2- تأكيد النفوذ في سوريا: تحاول إيران التأكيد على أن التحالف مع سوريا لا يمكن إضعافه، في ضوء المحاولات العربية للانفتاح على دمشق، فضلاً عن رغبتها في إعادة التموضع في سوريا بعد محاولات روسيا تقليص نفوذها على الساحة السورية، وفي ظل استغلال إيران للانشغال الروسي الحالي بالأزمة الأوكرانية.
ولعل تعدد الزيارات بين الجانبين الإيراني والسوري مؤخراً يؤكد هذا المعنى، إذ قام رئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا علي مملوك، بزيارة إلى طهران في 28 فبراير الماضي، وتلتها زيارة لكبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي، في الأول من مارس الجاري، وقد سبقها زيارة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى طهران، في 5 ديسمبر الماضي، في دلالة على حرص إيران على الحفاظ على العلاقات مع سوريا على المستويات العسكرية والاقتصادية كافة.
3- إيصال رسائل تهديد إلى إسرائيل: تعد تلك الزيارة رسالة من إيران إلى إسرائيل، بأن الأولى ماضية في ترسيخ وجودها في كل من سوريا ولبنان، والتي كانت المحطة الثانية لوزير الخارجية الإيراني بعد سوريا، باعتبارهما جبهتين متقدمتين لها ضد إسرائيل، لاسيما في الوقت الذي تتزايد فيه الضربات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية في سوريا.
وفي الختام، يمكن القول إن تعدد الزيارات بين إيران وسوريا يكشف عن تمسك طهران بدمشق باعتبارها حليف رئيسي لها في المنطقة، في ضوء سيولة إقليمية ترتبط بالانفتاح العربي على سوريا، قد يدفع الأخيرة إلى مزيد من التقارب مع محيطها العربي، وهو ما يحمل ضمناً التهدئة مع إسرائيل، مدفوعاً بحاجة دمشق إلى ضخ مزيد من الاستثمارات العربية تنعش اقتصادها، وهو ما قد يأتي على حساب إيران.