أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

التضليل القاتل:

تقييم سياسات مواقع التواصل الاجتماعي إزاء "أكاذيب" كورونا

28 أكتوبر، 2021


تعد وسائل التواصل الاجتماعي، على اختلافها، طرفاً أصيلاً في مكافحة فيروس كورونا، وذلك بالنظر إلى حجم مستخدميها، وكم الأخبار والمعلومات المتداولة على منصاتها، وقدرتها على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي المستحدثة لتتبع المعلومات المغلوطة، ورغبتها في دعم المؤسسات الصحية العالمية عبر الترويج لسياساتها وأهدافها. وقد دأبت شبكات التواصل الاجتماعي على تحديث سياساتها الرامية إلى مكافحة الأخبار المغلوطة والمضللة بشأن جائحة كورونا، لتوظف في ذلك عدداً من الأدوات والآليات التي تراوحت بين الحظر والمنع والتقييد، وسط تساؤلات عن ماهية وجدوى تلك السياسات وأبرز دلالاتها. 

سياسات المكافحة:

تبنّت وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديداً "فيس بوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، مجموعة من السياسات لمكافحة انتشار الأكاذيب والأخبار المضللة ذات الصلة بجائحة كورونا، وهي السياسات التي يمكن إجمالها فيما يلي:

1- حذف المعلومات والفيديوهات المضللة: أعلنت شركة "فيس بوك"، في 18 أغسطس 2021، حذف 20 مليون منشور من شبكتها، وكذلك من تطبيق مشاركة الصور "انستجرام"؛ بسبب انتهاك القواعد الخاصة بفيروس كورونا منذ بدء تفشيه. كما أضافت معلومات لأكثر من 190 مليون منشور مرتبط بالجائحة على "فيس بوك"، صنّفها شركاء من طرف ثالث يقومون بالتثبت من الحقائق على أنها خاطئة أو غير مكتملة. وكشفت الشركة، في 19 سبتمبر الماضي، عن تبني استراتيجية جديدة للحد من الحسابات الحقيقية التي تنشر محتويات قد تسبب أضراراً رقمية، وذلك من خلال تقليل وصول المحتوى من هذه الحسابات إلى مستخدمين آخرين عبر إلغائها. 

وعلى صعيد متصل، أعلن موقع "يوتيوب"، في أواخر سبتمبر الماضي، أنه سيزيل المحتوى الذي يروج لخطورة اللقاحات المعتمدة أو يشكك في تداعياتها الصحية أو جدواها، وذلك في توسعة واضحة لجهوده ضد المعلومات المضللة بشأن اللقاحات، بما في ذلك بعض مقاطع الفيديو التي ربطت بين اللقاحات بشكل عام من ناحية، والتوحد والسرطان والعقم وغير ذلك من ناحية ثانية. 

2- حظر الهاشتاجات المضادة: على الرغم من تعرضها لانتقادات من قِبل البيت الأبيض بسبب دورها في نشر المعلومات الخاطئة المضادة للقاحات، لم تتجه شركة "فيس بوك" إلى حظر علامة تصنيف "اللقاحات تقتل" (#VaccinesKill) - التي ادعت أن اللقاحات تأكل أدمغة الناس وأن هناك قوى غامضة تطلق خطة للحد من عدد السكان- إلا بعد ساعات من توجيه (CNN) سؤالاً على منصة "فيسبوك" عن سبب سهولة العثور على الصفحة المليئة بأكاذيب مناهضة للتطعيم، في شهر يوليو الماضي. وعليه، حُظر ما سُمي "دزينة المعلومات المضللة" التي انتقدها الرئيس جو بايدن، والتي حددها التقرير الصادر عن مركز مكافحة الكراهية الرقمية على أنها ناشر فائق للدعاية المضادة للقاحات على منصات "فيس بوك".

3- حجب قنوات على "يوتيوب": حجب موقع "يوتيوب"، في أواخر سبتمبر 2021، عدة قنوات نشرت معلومات مضللة عن اللقاحات، مثل قنوات الفيديو المرتبطة ببعض المناهضين لها، بما في ذلك "جوزيف ميركولا" و"روبرت إف كينيدي جونيور" اللذين يقول الخبراء إنهما مسؤولان عن إبطاء معدلات التطعيم. كما حذف "يوتيوب" 15 مقطع فيديو من قناة الرئيس البرازيلي "جايير بولسونارو" في يوليو 2021؛ بسبب أخبار كاذبة شككت في وباء كورونا واقترحت استخدام أدوية ذات فعالية غير مثبتة علمياً، وذلك على نحو يتماشى مع إرشادات السلطات الصحية المحلية والعالمية. 

وحذف موقع "يوتيوب"، في 28 سبتمبر الماضي، قناتي RT، وDFP الناطقتين باللغة الألمانية، التابعتين لشبكة قنوات RT الروسية، دون الحق في الاستعادة؛ وذلك بداعي انتهاكهما لقواعد النشر. وعلى أثر ذلك، قالت وزارة الخارجية الروسية على "تويتر" إن هذا الإجراء يمثل رقابة صارخة وقمعاً لحرية التعبير، وإن موسكو تبحث اتخاذ تدابير انتقامية وصولاً إلى التهديد بحظر موقع "يوتيوب". كما اتهمت "وكالة الرقابة الإعلامية الروسية"، في بيان لها، "يوتيوب" بممارسة الرقابة، مطالبة بإعادة القنوات. فيما دعت روسيا "اليونسكو" للرد الفوري على إجراءات "يوتيوب"، وجاء ذلك في بيان نشرته البعثة الدائمة لروسيا لدى المنظمة الدولية عبر "تويتر". وأشارت البعثة إلى أنها تدين بحزم "العدوان المعلوماتي"، وتحتفظ بالحق في طرح هذا الموضوع في اجتماع اللجنة التنفيذية لليونيسكو.

كما علق "يوتيوب"، في أغسطس الماضي، قناة "سكاي نيوز أستراليا" من منصته لمدة أسبوع؛ بسبب نشرها معلومات مضللة عن فيروس كورونا. وجاء ذلك بعد تحليل مقاطع فيديو حمّلتها القناة التلفزيونية التي يملكها "روبرت مردوخ"، ويتابعها محافظون خارج أستراليا، ويبلغ عدد مشتركيها 1.86 مليون شخص، وتنتشر منشوراتها - التي يشكك بعضها في وجود الجائحة وفعالية اللقاحات- على نطاق واسع عبر العالم أجمع. 

4- تعزيز النقاش العلني: أكد موقع "يوتيوب" أنه سيواصل السماح بمقاطع الفيديو ذات الصلة بلقاحات فيروس كورونا وتجاربها الجديدة ونجاحاتها وإخفاقاتها التاريخية بشكل عام، فضلاً عن الشهادات الشخصية المتعلقة بها، بهدف تعزيز المناقشة العامة. وهذا يشمل، الشهادات التي قد يُدلي بها البعض في أعقاب الحصول على أي من اللقاحات، وسياساتها المعتمدة، وسجلاتها التاريخية، وغير ذلك من مضامين لا تتضمن معلومات خاطئة أو تشكك في جدوى اللقاحات.

5- مراجعة وتنقيح المضامين: دافع موقع "يوتيوب"، في أغسطس 2021، عن التقنيات التي يعتمدها لاحتواء المضامين، مشدداً على أن الأولوية تُعطى للمصادر المعروفة والموثوق بها مثل منظمة الصحة العالمية. فيما جادل كثيرون بأن "يوتيوب" يترك المعلومات المغلوطة تنتشر، لأنه يستفيد منها مالياً؛ كونها جاذبة لاهتمام المستخدمين. وفي المقابل، أكد مسؤولو "يوتيوب" أن رصد المحتويات المضلّلة ليس دوماً بالمهمة السهلة، قائلين "فيما يخص كوفيد-19، نستند إلى آراء خبراء المنظمات الصحية، لكن في الحالات الأخرى يكون الكشف عن الأخبار الزائفة أصعب بكثير".

6- التصدي للحملات الممنهجة: وضعت شركة "فيس بوك"، في أغسطس الماضي، حداً لعملية "تضليل إعلامي" سعت لنشر معلومات مغلوطة حول اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، عبر خداع أشخاص مؤثرين على المنصات في كل من الهند وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة لدفعهم إلى تأييد مزاعم كاذبة أدارتها شركة التسويق البريطانية "فازي" انطلاقاً من روسيا. وقد وصفت شركة "فيس بوك" هذه العملية بأنها "غسل لمعلومات مضللة" سعت إلى إضفاء طابع الصحة على مزاعم خاطئة من خلال نشرها بواسطة "شخصيات طيبة السمعة". وفي هذا السياق، قال "بين نيمو"، رئيس قسم تقصي التهديدات العالمية في "فيس بوك"، في مؤتمر صحفي: "كونوا حذرين عندما يحاول أحدهم تلقينكم قصة ما.. قوموا بإجراء بحثكم الخاص". كما قالت الشركة إنها حذفت 65 حساباً في "فيس بوك" و243 حساباً على منصة "انستجرام" على صلة بتلك الحملة، ناهيك عن حظر التعامل مع شركة "فازي" في شهر يوليو الماضي.


دلالات مُعبرة:

تثير سياسات وسائل التواصل الاجتماعي في مواجهة الأخبار الكاذبة والمغلوطة ذات الصلة بفيروس كورونا، العديد من الدلالات التي يمكن الوقوف عليها تفصيلاً في النقاط التالية:

1- الرد على الاتهامات: تأتي إجراءات "يوتيوب" في وقت تواجه فيه منصات التواصل الاجتماعي اتهامات بالتساهل مع مروجي المعلومات المضللة حول فيروس كورونا. وكان الرئيس بايدن قد قال إن المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي حول كوفيد-19 والتطعيم، تؤدي إلى قتل الناس في وقت يؤدي "متحور دلتا" إلى ارتفاع في عدد الإصابات، مطالباً هذه الوسائل بأن تبذل جهداً إضافياً لمكافحة المعلومات المضللة. كما تأتى تلك الجهود بالتزامن مع تحذير ماريا فان كيركوف، المسؤولة التقنية في منظمة الصحة العالمية، يوم 6 أكتوبر 2021، من أن العالم لم يتخط مرحلة الخطر في التصدي للجائحة، على الرغم من اعتقاد كثر أن الأمر شارف على الانتهاء، منتقدة المعلومات المغلوطة والمضلّلة حول كوفيد-19 التي يتم تداولها على شبكة الإنترنت. وقالت إن "هذه المعلومات تؤدي إلى وفيات.. لا مجال لتنميق الأمر". فيما أكد مات هالبرين، الرئيس العالمي للثقة والأمان في موقع "يوتيوب"، أن المعلومات الخاطئة عن اللقاح كانت مشكلة عالمية، وساهمت في انتشار الأكاذيب حول اللقاحات. وتابع "المعلومات الخاطئة عن اللقاحات تظهر على مستوى العالم، وتظهر في جميع البلدان والثقافات".

2- "كبش فداء": دأبت وسائل التواصل الاجتماعي على التأكيد على حذف المعلومات المغلوطة بشأن فيروس كورونا، بما في ذلك تلك المتعلقة بأصل الفيروس، ووسائل الوقاية المزيفة، وجدوى اللقاحات، وغيرها. وعلى الرغم من ذلك، ظلت شركة "فيس بوك" في مرمى الاتهامات الأمريكية إلى حد اتهامها بالضلوع في قتل المواطنين بما تروجه من أكاذيب وأخبار مغلوطة. وقد أرجع البعض السبب في هذا إلى تراجع شعبية بايدن منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بالتوازي مع تدهور الأوضاع الاقتصادية في الداخل الأمريكي، وتزايد أعداد الأمريكيين المصابين بفيروس كورونا؛ وذلك على نحو دفع بايدن إلى تحويل شبكات التواصل الاجتماعي إلى "كبش فداء" يبرر من خلالها تراجع شعبيته وتزايد معدلات الإصابة بالوباء.

3- مواجهة الضغوط: تواجه شركات التواصل الاجتماعي ضغوطاً كبيرة لإزالة المحتوى المناهض للتطعيم ضد فيروس كورونا. إذ اكتست مسألة المعلومات المضللة بشأن اللقاحات زخماً كبيراً إلى الحد الذي دفع منصتي "فيس بوك" و"تويتر" لتوسعة سياساتهما لمكافحة المعلومات الخاطئة حول اللقاحات في الأشهر الماضية، بحيث تتجاوز لقاحات كورونا لتطال اللقاحات أجمع. ولكن على عكس "فيس بوك" التي أعلنت عن خطط للحد من المعلومات الخاطئة حول جميع اللقاحات، فإن سياسات "يوتيوب" لا تتناول سوى مجموعة فرعية محددة من الادعاءات حول لقاحات كورونا والتي تتعارض مع الإرشادات الرسمية من منظمة الصحة العالمية والسلطات الأخرى. 

4- فعالية منقوصة: أعلن موقع "يوتيوب"، في أغسطس الماضي، أنه حذف أكثر من مليون فيديو تضمنت معلومات مضللة وخطيرة عن فيروس كورونا منذ فبراير 2020، وكثّف مساعيه الرامية إلى حذف هذه الفيديوهات، في ظل الاتهامات التي وُجّهت إلى شبكات التواصل الاجتماعي بالمساهمة في انتشار أفكار مضللة حول فيروس كورونا ولقاحاته. وعلى الرغم من ذلك، سهلت المنصة انتشار قدر كبير من الأكاذيب حول الجائحة، وكان أبرزها في مايو الماضي حين نُشر مقطع فيديو مثير للجدل ضد التلقيح بعنوان "Plandemic" وشوهد أكثر من 7 ملايين مرة قبل إزالته.

5- صدام قائم: تسببت سياسات موقع "يوتيوب" في صدام حتمي مع روسيا؛ حيث كشفت رئيسة تحرير شبكة "روسيا اليوم"، مارغاريتا سيمونيان، في 29 سبتمبر الماضي، عن المواد التي صنفها "يوتيوب" بأنها كاذبة، وهي 4 فيديوهات تضمنت دعوات إلى مزيد من العقلانية في محاربة فيروس كورونا، وانتقادات لطرق استخدام الكمامات الواقية، وإشارات للعزوف عن اللقاحات بسبب سلامتها الجينية، وانتقادات لسياسات ألمانيا في مكافحة الفيروس. وهذا يعني أن سياسات مواقع التواصل الاجتماعي في مواجهة الأكاذيب والأخبار المضللة، لا تلقى بالضرورة ترحيباً دولياً؛ تذرعاً بحرية التعبير، وضرورة طرح وجهات نظر متعددة حول الموضوع الواحد، وعدم مسؤولية القنوات عن المزاعم التي يروجها بعض المتحدثين. وبالتالي كانت المحصلة هي تهديدات روسية بحظر "يوتيوب".

ختاماً، يمكن القول إن استمرار وسائل التواصل الاجتماعي في نشر معلومات مضللة يُسهم في نشر "ثقافة المؤامرة"، ويروج لوجهات النظر المتطرفة، ويبث معلومات مغلوطة. وتكمن الإشكالية الكبرى في أن شبكات التواصل الاجتماعي، بحكم طبيعتها، لا تملك الكثير للحيلولة دون نشر الأكاذيب والمحتوى الضار. وهذا يعني تداول تلك الأكاذيب والأخبار المغلوطة لآلاف بل وملايين المرات قبل حظرها، ما يعكس تراجع فعالية جهود المكافحة التي لا تقتصر بطبيعة الحال على "أكاذيب كورونا".