أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

دور مركزي:

هل تنجح التحركات الروسية في تسوية الصراع السوري؟

22 سبتمبر، 2021



تثار الأسئلة حول فرص تسوية الصراع السوري، في ضوء تمكن النظام السوري من إحكام السيطرة على جنوب البلاد بدعم روسي، ودون ممانعة أمريكية، فضلاً عن مشاركة دمشق في إمداد لبنان بحاجتها من الطاقة والكهرباء عبر خط الغاز العربي بدعم من واشنطن. 

تطورات إيجابية لدمشق

شهد الصراع السوري في الآونة الأخيرة عدداً من التطورات الإيجابية التي تصب في صالح الحكومة السورية، والتي تتمثل في التالي: 

1- غياب المعارضة المسلحة المعتدلة: لم تعد قضية المعارضة وتمكينها لها الأولوية، فلا توجد معارضة مسلحة معتدلة في سوريا، وإنما توجد تنظيمات مصنفة إرهابية من جانب الأمم المتحدة، على رأسها تنظيم فتح الشام، الموالي للقاعدة.

وبالتالي لا يتصور أن أي حل للصراع السوري، أو وضع دستور جديد سوف يتضمن مشاركة هذا الفصيل في الحكومة القادمة أو في المؤسسات العسكرية والأمنية السورية، وهو ما يسمح للحكومة السورية باتخاذ مواقف مبررة على هذا المستوى برفض تقديم تنازلات لهذه المجموعات.

2- إعطاء واشنطن الأولوية لمواجهة داعش: تركز الولايات المتحدة والدول الغربية جهودها في الفترة الحالية على مواجهة تنظيم "داعش"، وهو ما كشف عنه تصريح مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، أفريل هاينز، والتي أكدت في منتصف سبتمبر بأن "الخطر من تنظيم داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى يأتي من سوريا والعراق وليبيا واليمن"، أي أن الخطر من سوريا سوف يبقى قائماً فيما يتعلق بتهديدات الأمن القومي الأمريكي، وبالتالي يعتبر ملف مواجهة داعش عاملاً أساسياً في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، وقضية أمنية استراتيجية.

وعليه، فإذا كانت هناك نية لسحب القوات الأمريكية، أو تخفيفها في سوريا، فمن الضروري أن تلعب قوى أخرى دوراً في مواجهة داعش. وتبدي روسيا استعداداً لمحاربة التنظيم بالتعاون مع الحكومة السورية، وهو ما يحسن من صورة الحكومة السورية في النهاية، ويكون مبرراً لتجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها أو تخفيفها، حتى ولو تحت دعاوى إنسانية.

3- تفاوض موسكو مع أكراد سوريا: أعلنت الولايات المتحدة أنها لن تنسحب من سوريا، غير أن هناك قلقاً من أن تتجه واشنطن للانسحاب من هناك، خاصة مع تصاعد تركيزها على مواجهة الخطر الصيني، وقيامها بصياغة تحالفات دولية لمواجهة بكين، على غرار تحالف أوكوس مع أستراليا وبريطانيا.

وتستعد روسيا للتعامل مع هذا المتغير من خلال الحوار المكثف مع الأكراد؛ للتقريب بينهم وبين الحكومة السورية، والحفاظ على علاقات تعاونية بينهما، فضلاً عن توفير غطاء للأكراد في حالة انسحاب الجيش الأمريكي من مناطق سيطرتهم، وحمايتهم من المحاولات التركية للسيطرة على مناطق نفوذهم عسكرياً.

وبطبيعة الحال، فإن واشنطن لم تعد تمتلك الكثير من أوراق الضغط على سوريا. ومن غير المتوقع أن تتنازل عن الورقة الكردية ما لم تكن هناك تفاهمات أوسع مع دمشق تقوم في حدها الأدنى على الاتفاق على تحجيم الدور الإيراني في سوريا والقيام ببعض الإصلاحات السياسية. 

4- محاولة روسيا حل معضلة إدلب: سوف يحظى اللقاء القادم بين الرئيسين الروسي والتركي في أواخر سبتمبر بأهمية كبيرة، إذ سوف تطرح خلاله ملفات محددة حول الدعم التركي لهيئة تحرير الشام الإرهابية، وفرض سلطة الحكومة السورية على المناطق المتنازع عليها في إدلب وشمال حلب؛ ولا شك أن الأتراك سوف يسعون للمماطلة، وعدم تنفيذ تعهداتها السابقة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في مارس 2020، والتي كانت تقوم، في إحدى جوانبها، على فصل هيئة تحرير الشام الإرهابية عن فصائل المعارضة المعتدلة، وهو ما قد يدفع موسكو إلى طرح الخيار العسكري مجدداً للتعامل مع المحافظة.

ولاشك أن الحل العسكري يجد دعماً من دمشق، والتي تراه السبيل الوحيد لحل معضلة إدلب، وإن كان يلاقي معارضة أمريكية – أوروبية، لأسباب ظاهرية تتعلق بمنع مفاقمة الأوضاع الإنسانية المتردية في المحافظة، وأسباب فعلية ترتبط بالخوف من أن يتسبب العمل العسكري في نزوح اللاجئين والإرهابيين باتجاه تركيا، ومنها إلى الدول الأوروبية. 

وفي المقابل، فإن الطرح الروسي لتحقيق التفاهم بين الأكراد والحكومة السورية يمكن أن يجد قبولاً تركياً، خاصة إذا اتجهت الحكومة السورية للانتشار عسكرياً في مناطق نفوذ أكراد سوريا، بعد الانسحاب الأمريكي في حالة تحققه، وقدمت دمشق ضمانات لأنقرة بعدم السماح لحزب العمال الكردستاني، والذي تصنفه تركيا منظمة إرهابية، باستخدام أراض سوريا كقاعدة انطلاق لاستهداف الأراضي التركية.  

التفاهمات الروسية – الأمريكية 

يشير لقاء مبعوث الرئيس الأمريكي ومبعوث الرئيس الروسي، في 16 سبتمبر في جنيف، أن التحركات الروسية – الأمريكية تستهدف حلحلة الأزمة السورية، حيث بدأت تتبلور مؤشرات حول إمكانية توصل البلدين لتوافق حول هذا الملف، خاصة بعدما اتفقا، في السابق، على السماح بدخول المساعدات الإنسانية من مناطق سيطرة النظام إلى مناطق سيطرة المعارضة المسلحة، وهو ما يعد تنازلاً أمريكياً، واعترافاً ضمنياً بالحكومة السورية. وتدور المفاوضات الروسية – الأمريكية على ملفين أساسيين وهما:  

1- ضبط الوجود الإيراني في سوريا: تبلورت تفاهمات خلال زيارة الرئيس السوري إلى موسكو الأسبوع الماضي على ضرورة ضبط الموقف الإيراني في المنطقة، وبصورة أساسية في سوريا. ويعتقد أن حواراً مكثفاً سوف يجري بين قيادات عسكرية وسياسية روسية وسورية وإيرانية خلال الفترة القادمة، لضمان عدم انتشار قوات تابعة لإيران والفصائل التابعة لها بالقرب من هضبة الجولان السورية المحتلة، بالإضافة إلى وقف التمدد العسكري الإيراني داخل سوريا، ومنع إيران من الاستفادة من المواقع والمؤسسات العسكرية السورية في عمليات تركيب وتجهيز صواريخ وتطويرها، أو تصنيع طائرات من دون طيار، ...وغيرها.

ولاشك أن هذا الأمر يحقق المصلحة الأمريكية، والتي ترغب في تحجيم الوجود الإيراني، كما يتوقع أن يكون هذا الملف ضمن الملفات التي تم تناولها في اجتماع اللجنة المشتركة الروسية – الأمريكية في 15 و16 سبتمبر في جنيف، والتي ضمت نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين والممثل الخاص لبوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف، ومن الجانب الأمريكي، منسق سياسة الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، بريت ماكغورك. 

وترى روسيا أن عقوبات قيصر تحد من قدرة الاستثمارات العربية على التدفق إلى دمشق، في الوقت الذي تسعى فيه إيران لتوسيع استثماراتها في سوريا. ولذا، فإن توصل الجانبين الأمريكي والروسي إلى تفاهم يقضي بتحجيم الوجود الإيراني العسكري في سوريا مقابل تخفيف العقوبات عن دمشق قد لا يكون أمراً مستبعداً تماماً في الفترة المقبلة. كما أن مثل هذا التفاهم سوف يساعد على حلحلة الصراع السوري دون انخراط كبير من واشنطن، أو بصورة تؤثر سلبياً على الاهتمام الأمريكي بمناطق أخرى.

2- تقديم دمشق تنازلات للمعارضة السياسية: استقبلت دمشق مبعوث الأمم المتحدة لسوريا، جير بيدرسون، بضغط روسي، والذي رفضت استقباله لنحو شهرين، يأتي في ذات السياق، ويؤكد أنه منذ لقاء بايدن – بوتين، فإن هناك أدواراً تلعب لتحريك الأزمة السورية والمسار السياسي، تدور حول تخفيف العقوبات الاقتصادية على دمشق، والوصول لصيغة تكفل التفاهم بين الحكومة السورية والمعارضة، وانعقاد اللجنة الدستورية. 

وتميل عدة مصادر روسية وغربية للاعتقاد بأن الفترة القادمة ستشهد انعقاد اللجنة الخاصة بالحوار ما بين الرئيس المشارك للجنة عن المعارضة السورية، هادي البحرة، وممثل النظام السوري، أحمد الكزبري، والدخول في حديث حول آلية وضع الدستور، بما يمهد لانعقاد مؤتمر جنيف، والذي سيكون مبرر الولايات المتحدة والدول الغربية للانتقال بالأزمة السورية إلى مرحلة تالية، وتخفيف العقوبات الاقتصادية عنها، بل وتقديم حوافز اقتصادية لدمشق تحت مظلة الدعم الإنساني في البداية.

وفي الختام، يمكن القول إن هناك أطرافاً متعددة، كالولايات المتحدة وإسرائيل والأردن، تلتقي مصالحها في إبعاد الوجود العسكري الإيراني، للحرس الثوري أو الفصائل المرتبطة بها من المنطقة الممتدة من جنوب دمشق وحتى الحدود مع الأردن. وتسعى روسيا للتجاوب مع واشنطن حول هذه النقطة من خلال ضبط الوجود الإيراني بالتفاهم مع دمشق، ومحاولة الضغط على الحكومة السورية لتقديم تنازلات للمعارضة في جنيف. وستظل المعضلة الأساسية هي في التنظيمات الإرهابية الموجودة في شمال سوريا، والدعم التركي لها.