أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

حسابات الردع:

الضربات الإسرائيلية على البنية العسكرية الإيرانية في سوريا

17 مارس، 2021


أعلنت وسائل الإعلام السورية عن تعرض منطقة جنوب العاصمة دمشق لقصف إسرائيلي مجدداً في 16 مارس الجاري، مشيرة إلى أن الدفاعات الجوية تمكنت من اعتراض الضربات قبل وصولها إلى أهدافها دون الإشارة إلى تلك الأهداف. ولكن تقارير محلية أشارت إلى استهدف منطقتى الكسوة والقنيطرة وموقع للاتصالات العسكرية، بينما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تلك الضربات استهدفت مستودعين لأسلحة داخل مواقع عسكرية تابعة للمليشيات الإيرانية وقوات النظام السوري على بعد مسافة قصيرة من مطار دمشق الدولي. وبمعدل زمني متقارب، تتعرض البنية العسكرية الإيرانية في محيط العاصمة لضربات متتالية كل أسبوعين تقريباً، وعلى فترات متباعدة تستهدف مواقع أخرى لعل أبرزها مناطق الحدود السورية- العراقية لعرقلة عمليات شحن قوافل تسلح نوعية إيرانية تمر عبر تلك الحدود. 

خريطة الانتشار:

لا توجد تقديرات تفصيلية حول طبيعة القدرات العسكرية الإيرانية في سوريا، لكن أحدث تقارير الانتشار العسكري الدولية تشير إلى أن إيران وحزب الله اللبناني يتصدران قائمة القوات الأجنبية في سوريا، بواقع 131 موقعاً عسكرياً إيرانياً في سوريا بين قاعدة ونقطة تواجد، في 10 محافظات: 38 في درعا، و27 في دمشق وريفها، و15 في حلب، و13 في دير الزور، و12 في حمص، و6 في حماة، و6 في اللاذقية، و5 في السويداء، و5 في القنيطرة، و4 في إدلب. بينما يمتلك حزب الله 116 موقعاً عسكرياً على شكل نقاط مستقلة أو مشتركة أو شبه مشتركة مع المليشيات الإيرانية في 9 محافظات: 38 في حلب، و13 في إدلب، و11 في حمص، و12 في دمشق وريفها، و21 في درعا، و7 في دير الزور، و7 في القنيطرة، و3 في السويداء، و4 في حماة. ووفقاً لمؤشر الانتشار، فإن وجود حزب الله في حلب يبلغ ضِعف حجم الوجود الإيراني، وضِعفى الوجود في إدلب، كذلك هناك نسبة زيادة في السويداء تكاد تقترب من الضِعف، بينما يقل حجم الوجود في باقي المناطق إلى النصف أو أقل، في حين لا توجد تمركزات له في منطقة اللاذقية التي تنتشر المليشيات الإيرانية في 6 نقاط منها. 

هجمات متكررة:

يكشف تحليل مواقع الضربات الإسرائيلية أن الضربات في محيط العاصمة غالباً ما تستهدف مواقع عسكرية مشتركة لكلا الطرفين (إيران وحزب الله)، إلا أن تكرر استهداف المواقع نفسها يوحي بأن إيران لديها القدرة على إعادة توجيه شحنات عسكرية إلى هذه المناطق مع نقلها إلى مواقع أخرى، بينما تلاحق الضربات تلك المواقع مرة أخرى. ففي 28 فبراير الفائت، استهدفت الضربات موقع تحزين أسلحة في منطقة السيده زينب، ونقلت تقارير إعلامية محلية أن إيران قامت بنقل العناصر إلى موقع آخر داخل العاصمة باتجاه مطار دمشق الدولي، وبالتالي يرجح أن إسرائيل تتبعت عملية الانتقال من الموقع السابق إلى الموقع الجديد. 

الدور الروسي: 

سياسياً، ربط مراقبون بين زيارتين متزامنتين إلى روسيا: الأولى يقوم بها وفد من حزب الله اللبناني برئاسة محمد رعد زعيم كتلة الحزب البرلمانية والذي التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ثم توجه إلى السفارة الإيرانية في موسكو. والثانية يقوم بها وزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكنازي. وعلى الرغم من أن بيانات الخارجية الروسية أشارت، تعقيباً على زيارة حزب الله، إلى الاهتمام بالشأن السياسي الداخلي اللبناني، إلا أنها أكدت في الوقت ذاته تناول تطورات الأوضاع في سوريا. كذلك بالنسبة لزيارة اشكنازي، حيث أكد بيان الخارجية الروسية أنه سيشارك في إزاحة الستار عن نصب تذكاري لضحايا الهولوكوست، لكن التقارير الإعلامية الإسرائيلية أشارت إلى أن طبيعة وجود إيران وحزب الله في سوريا سيحتل اهتمامات الجانبين. 

اللافت أن الزيارتين كانتا لممثلين سياسيين ودبلوماسيين من الجانبين، إلا أن قضية التصعيد العسكري كانت حاضرة في جدول الأعمال بصورة واضحة، كما أن روسيا غالباً ما عملت على احتواء التصعيد على الجانبين أكثر من مرة خاصة بعد تبني إسرائيل الإعلان عن تلك الهجمات بشكل رسمي على عكس تجاهلها التعليق عليها في السابق. وبالتالي يظل الرهان على الجانبين في استمرار سياسة الاحتواء الروسية لمنع خروج الوضع عن السيطرة، في الوقت ذاته يبدو أن روسيا لا تولي أولوية لتحصين مواقع البنية العسكرية لإيران وحزب الله دفاعياً، بمنظومات أكثر فاعلية، يمكنها التصدي للهجمات الإسرائيلية، على نحو ما تفعل بشكل دائم في مواقع انتشارها، وبالتالي تبتعد عن حسابات الاشتباك علي الجانبين. 

السيناريو الإسرائيلي:

استراتيجياً، أولت إسرائيل اهتماماً خلال الفترة الأخيرة بالجبهة الشمالية لاعتبارات تتعلق بما يشكله تنامي وجود إيران وحزب الله في سوريا، وعززت من بنيتها العسكرية في الجولان لاستهداف التمركزات العسكرية للطرفين في محيط دمشق. ووفقاً لتقدير حديث صادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فإن إسرائيل لا تسعى إلى زيادة سقف التصعيد العسكري في سوريا، لكن الأمور قد تنزلق إلى الحرب التي لا تريدها تل أبيب في المستقبل بالنظر إلى تداعياتها الصعبة خاصة في ظل وجود مخزون صاروخي هائل في سوريا، وخلص إلى أن السيناريو القادم أسوأ على الجانبين في ظل معادلة الاشتباك الراهنة، حيث تسعى إيران وحزب الله إلى تعزيز القدرات العسكرية في سوريا بشكل دائم، بهدف تحييد إسرائيل فى المقام الأول، بينما تحاول إسرائيل كسب جولات متتالية بإهدار الفرص عليهما لتحييدها وبناء قدرات عسكرية تمنحهما تفوقاً في ميزان الردع.  

في السياق ذاته، وفي إطار تلك الاستعدادات، يعكس تحليل ميزانية الدفاع الإسرائيلية توفير مليار دولار إضافي لوزارة الدفاع لتمويل خطة السنوات الخمس (خطة تنوفا) التي تركز على الجبهة الشمالية، وهى زيادة لافتة بالنظر إلى أن الاتجاه السابق كان قائماً على عدم زيادة الميزانية وتثبيتها في إطار تلك الخطة. وبالتزامن مع تلك الخطوة، تم الإعلان عن نجاح المرحلة الثالثة من اختبارات منظومة "القبة الحديدية" متعددة الطبقات والتي تتولاها شركة رفاييل لأنظمة الدفاع المشتركة. ووفقاً لـ"Israel defense"، فإن الاختبار الأخير ينطوي على التعامل مع سيناريوهات أكثر تعقيداً عن ذي قبل من حيث اعتراض وتدمير أهداف تحاكي التهديدات الحالية والناشئة، منها الاعتراض المتزامن لطائرات بدون طيار متعددة، وأيضاً اعتراض الإطلاق الكثيف للصواريخ.

ويمكن القول في الأخير، أن معادلة الاشتباك العسكري على الجانبين لا تزال في الحدود الطبيعية رغم التقارب الزمني لمستوى الضربات، لاسيما في ظل مؤشر عدم توسيع نظاق تلك الضربات بشكل لافت على نحو ما جرى في نوفمبر 2019 عندما استهدفت إسرائيل عشرات المواقع الإيرانية وتمركزات مليشيا حزب الله، وبالتالي لا يزال سيناريو الحرب غير وارد في المدى القصير والمتوسط، ولأسباب سياسية تتعلق بالأوضاع السياسية في لبنان بالإضافة إلى حسابات إيران الخاصة باحتمالات عودة واشنطن إلى الملف النووي والتي تقتضي الاستمرار في تسخين الجبهات المتعددة في سوريا والعراق واليمن دون الانزلاق في الحرب. وفي المقابل، فإن حسابات السياسة تلعب هى الأخرى دوراً بالنسبة لإسرائيل المقبلة على انتخابات رابعة خلال عامين قد لا تحسم الأزمة السياسية، لكنها لن تسقط من حساباتها الاستعداد لحرب على جبهات متعددة لن تقتصر على الجبهة السورية فقط وإنما تمتد إلى لبنان والعراق أيضاً، ما قد يكون أسوأ سيناريو تشهده المنطقة منذ عقود.