تصاعدت الأبعاد السياسية والعلمية لقضايا منح أو سحب الجنسية، سواء الأصلية أو المكتسبة، في عدد من دول الإقليم، خلال الفترة الماضية، وهو ما يرتبط بجملة من الدوافع تتمثل في تعزيز المكانة العالمية للدولة على نحو ما عكسته الحالة الإماراتية بمنح الجنسية للكفاءات النادرة من العلماء والأطباء والمثقفين والمتخصصين والموهوبين، وتشجيع تدفق الاستثمار إلى البلاد وهو ما حاولت أن تنتهجه الحكومة الأردنية لتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية، والحد من الإضرار بالمصالح الوطنية للدولة مثلما بررته الحكومة الجزائرية لمواجهة الانخراط في العمليات الإرهابية والهجرة غير النظامية التي سببت توتراً مستداماً في العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي، وتجاوز تركة النظم السياسية السابقة على نحو ما جرى بالنسبة للنظام الانتقالي السوداني الجديد عبر سحب الجنسية السودانية بالتجنس وخاصة من السوريين، إذ حصلوا عليها عبر إجراءات مخالفة للقواعد القانونية. وكذلك زيادة البنية الديموغرافية للدولة بشكل ينطبق على إسرائيل بعد إقرار قانون العودة في مارس الجاري.
تفسيرات متعددة:
هناك مجموعة من العوامل المفسرة لتزايد تسييس قضايا الجنسية في دول الشرق الأوسط، يمكن تناولها على النحو التالي:
1- تعزيز المكانة العالمية للدولة: وهو ما ينطبق جلياً على الإمارات، حيث اعتمد مجلس الوزراء، في 30 يناير 2021، تعديل بعض الأحكام المرتبطة باللائحة التنفيذية للقانون الاتحادي في شأن الجنسية وجوازات السفر، يجيز من خلالها منح الجنسية للمستثمرين وأصحاب المهن التخصصية وأصحاب المواهب وعائلاتهم، وذلك استناداً لعدد من الضوابط والشروط، وتهدف تعديلات القانون إلى تقدير الكفاءات واستقطاب العقول والكفاءات النادرة من دول العالم بما يعزز مسيرة التنمية داخل الإمارات، فيما يطلق عليه "الهجرة العكسية".
وتشمل الفئات المستهدفة من القرار: المستثمرين وأصحاب المهن التخصصية كالأطباء والعلماء، وأصحاب المواهب مثل المخترعين والمثقفين والفنانين، كما يجيز القانون منح الجنسية أيضاً لأفراد أسر هذه الفئات، مع الاحتفاظ بالجنسية الحالية لحاملها. وقد حددت التعديلات في اللائحة عدداً من الاشتراطات والضوابط لمنح كل فئة الجنسية، ففي فئة المستثمر يشترط امتلاكه لعقار في الإمارات، كما يشترط لمنح الجنسية للأطباء والمتخصصين توافر عدد من الشروط، منها أن يكون متخصصاً في مجال علمي فريد أو مجالات علمية مطلوبة وذات أهمية للدولة.
يضاف إلى ذلك أن تكون له إسهامات في مجال إجراء دراسات وبحوث ذات قيمة علمية في مجال تخصصه، ولا تقل خبرته العملية عن عشر سنوات. إلى جانب حصوله على عضوية منظمة مرموقة في مجال تخصصه. وكذلك الحال بالنسبة لفئة العلماء، بأن تكون لدى العالم إسهامات في المجال العلمي كالفوز بجائزة علمية مرموقة، أو تأمين تمويل كبير لبحثه خلال عشر سنوات سابقة، وحصوله على رسالة توصية من مؤسسات علمية في الإمارات.
وفي فئة أصحاب المواهب، يشترط للحصول على الجنسية للمخترعين الحصول على براءة اختراع أو أكثر معتمدة من وزارة الاقتصاد أو من أية جهة عالمية تمثل قيمة مضافة لاقتصاد الدولة، وكذلك بالنسبة لمنح الجنسية للموهوبين والمثقفين والفنانين يشترط أن يكونوا من "الرواد" في مجالات ذات أولوية بالنسبة للإمارات، وأن يكون حاصلاً على جائزة علمية في مجال تخصصه أو أكثر ورسالة توصية من الجهات الحكومية المختصة في هذه المجالات بالإمارات. ولعل هذا النهج يفيد في بناء قدرات الدولة التي تستعد من الآن فصاعداً لمئوية التأسيس بما يضمن تبني العقول ودعم المواهب وصقل الخبرات.
2- تشجيع تدفق الاستثمار إلى البلاد: قررت الحكومة الأردنية، في 20 فبراير 2018، منح الجنسية أو الإقامة الدائمة لنحو 500 مستثمر سنوياً بهدف تشجيع حركة الاستثمار داخل البلاد. ويشترط ذلك إيداع المستثمر 1.5 مليون دولار في البنك المركزي دون فائدة ولمدة خمس سنوات، وشرائه لسندات خزينة بمبلغ 1.5 مليون دولار لمدة عشر سنوات وبفائدة يحددها البنك المركزي الأردني. ومن بين الخيارات شراء المستثمر أسهماً في الشركات الأردنية بمبلغ 1.5 مليون دولار، واستثماره في الشركات الصغيرة والمتوسطة مبلغ مليون دولار ولمدة لا تقل عن خمس سنوات.
كما أن هناك شروطاً أخرى بديلة ومنها إنشاء أو تسجيل أي مشروع استثماري برأس مال لا يقل عن 1.5 مليون دولار خارج العاصمة وبرأسمال لا يقل عن 2 مليون دولار في العاصمة، وقد يمنح المستثمر الجنسية أيضاً في حال التزامه ببعض الشروط التي تتضمن توفير ما لا يقل عن 20 فرصة عمل للأردنيين. ومقابل شراء عقار جديد بـ282 ألف دولار والاحتفاظ به لمدة لا تقل عن 10 سنوات، يحصل المستثمر على إقامة دائمة في البلاد. وهكذا تراهن الأردن على تحفيز منح الجنسية كمدخل لإنعاش الاقتصاد الوطني الذي عانى مشكلات هيكلية.
3- الحد من الإضرار بالمصالح الوطنية للدولة: أعلنت رئاسة الوزراء الجزائرية، خلال الاجتماع الأسبوعي برئاسة عبدالعزيز جراد في 3 مارس الجاري، أنها بصدد إعداد مشروع قانون يتضمن سحب الجنسية من الجزائريين في الخارج "المتورطين في أعمال تلحق ضرراً بمصالح الدولة". ووفقاً لما أعلنه وزير الاتصال المتحدث باسم الحكومة عمار بلحيمر فإن "هذا القانون سيطبق على الجزائري الذي يقيم خارج التراب الوطني المتورط بأفعال تلحق عمداً ضرراً جسيماً بمصالح الدولة، أو تمس الوحدة الوطنية".
وأضاف بلحيمر أن النص القانوني يستهدف "كل من يقوم بنشاط أو انخراط في الخارج، في جماعة أو منظمة إرهابية أو تخريبية، أو يقوم بتمويلها أو بالدعاية لصالحها، كما يتعلق الأمر بكل شخص تعامل مع دولة معادية للدولة الجزائرية". وتابع أن "كل هذه الإجراءات تستجيب لما تسمح به الاتفاقيات الدولية، واستنفاذ إجراءات الطعن". وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن هناك اعتبارات دفعت الحكومة الجزائرية للتفكير في هذا المشروع أبرزها تنفيذ استراتيجية "الضربات الاستباقية" لمواجهة العمليات الإرهابية قبل وقوعها.
يضاف إلى ذلك أن هناك تفسيرات أخرى تتعلق بردع المهاجرين أو اللاجئين من الانضمام للتنظيمات الإرهابية التي تستقطب الشباب الجزائري المهاجر إلى الدول الأوروبية ولاسيما المهاجرين بطرق غير نظامية، الأمر الذي سبب قلقاً مزدوجاً لدولة الإرسال (الجزائر) ودول الاستقبال (الدول الأوروبية)، وهو ما سيلقى تأييداً أوروبياً. علاوة على تحييد قدرات التنظيمات الإرهابية في الخارج على تنفيذ عمليات إرهابية عبر التواصل مع عناصر الإخوان المسلمين بالداخل، إذ أن عناصر منتمية للجبهة الإسلامية للإنقاذ يقيمون في دول أوروبية، وتوجد شكوك حول أدوارهم.
وقد أثارت قضايا الجنسية جدلاً واسعاً داخل الجزائر، فعلى الرغم من وجود آراء داعمة لما اتخذته الحكومة الجزائرية بشأن مشروع سحب الجنسية من الجزائري في الخارج في حال تورطه في أفعال إرهابية، فإن هناك قطاعات أخرى، وخاصة في أوساط الحراك الجزائري، ترفض مشروع سحب الجنسية ويتم الاستناد إلى أنه مهما بلغت خطورة الجرائم التي يرتكبها حامل الجنسية، لا يمكن سحب الجنسية منه التي ناضل واستشهد من أجلها آباؤه وأجداده. كما يرى الرأي المخالف لذلك أن مشروع قانون تجريد الجزائريين في الخارج من الجنسية مخالف للدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.
4- تجاوز تركة النظم السياسية السابقة: بدأت الحكومة الانتقالية في السودان، في أكتوبر 2020، في اتخاذ إجراءات عملية لنزع الجنسية السودانية من الأجانب، ومنهم عشرة آلاف سوري، الذين حصلوا عليها في عهد الرئيس المعزول عمر البشير. وقد حدث ذلك بعد إمهال وزارة الداخلية السودانية، جميع الحاصلين على الجنسية السودانية بالتجنس في الفترة من 2014 إلى 2019، مدة أسبوعين، لمراجعة دائرة الهوية والهجرة، حيث توجد شبهة مخالفات واضحة في منح الجنسية السودانية للسوريين بمبالغ مالية عن طريق بعض الشخصيات المحيطة برموز النظام السابق.
وأحدث هذا القرار جدلاً واسعاً في الداخل السوداني، حيث بدأت مجموعة من المواطنين السوريين باتخاذ إجراءات قانونية للطعن عليه. واستند هؤلاء إلى تضررهم من صدور هذا القانون لأن بعضهم مستثمرون في مجالات مختلفة، وعلى نحو يكبدهم خسائر مالية كبيرة. ولعل ذلك يفسر إجراءات سابقة منها إيقاف السودان، في 26 يوليو 2020، تجديد جوازات سفر السودانيين من أصول أجنبية الحاصلين على الجنسية بالتجنس في الفترة من يناير 2014 وحتى أبريل 2019، كما قرر رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، في 9 ديسمبر 2020، سحب الجنسية السودانية وإلغاء توجيهات صدرت في عام 2014، بمنح الجنسية السودانية بالتجنس.
5- زيادة البنية الديموغرافية للدولة: وهو ما ينطبق على إسرائيل بعد إقرار قانون العودة في بداية مارس الجاري، حيث أصدرت المحكمة العليا حكمها الرامي إلى السماح لمعتنقي اليهودية من غير الأرثوذكس بالهجرة إلى إسرائيل والحصول على الجنسية، الأمر الذي يضع حداً لمعركة قانونية استمرت عقداً ونصف. غير أن هذه ليست نهاية المعركة، إذ يمكن للكنيست في أي وقت وضع ترتيب مختلف للقانون.
حالات مختلفة:
تشير الحالات السابق ذكرها إلى أن هناك تبايناً في المداخل التي اتبعتها الحكومات في دول الإقليم إزاء منح أو سحب الجنسية لفئات مجتمعية مختلفة، منها استمرار وتطوير مسيرة بناء قدرات الدولة، وتشجيع قدوم المستثمرين، ومكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي وحصار "إرهاب الإخوان"، وتعزيز الشرعية لنظم الحكم الانتقالية بالتخلص من ممارسات النظم السابقة، وزيادة التركيبة السكانية للدولة. هذا بخلاف تطبيق بعض الدول قوانين صارمة مع مزدوجي الجنسية.