أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تلافي الضغوط:

كيف توظف إيران وكوبا لقاح كورونا ضد واشنطن؟

12 يناير، 2021


في التاسع من يناير الجاري، أعلنت إيران عن توقيعها اتفاقًا مع كوبا للتعاون في إنتاج لقاح للوقاية من (كوفيد-19)، وبموجب هذا الاتفاق سوف يتم إجراء المرحلة الثالثة من التجارب السريرية داخل إيران على لقاح "Sovereign 2A" الذي طوره علماء كوبيون. وسبق أن أشرف معهد "باستور" الإيراني على تنفيذ المرحلة الثانية من التجارب السريرية على اللقاح داخل كوبا، التي انتهت من تنفيذ المرحلة الأولى من التجارب تحت إشراف معهد فينلاي للقاحات الكوبي.  وأدى الإعلان عن هذا الاتفاق إلى إعادة طرح الجدل الدائر منذ فترة على الساحة العالمية، حول مسألة تسييس لقاحات (كوفيد-19)، والاعتبارات والدوافع المتعلقة بتفضيل الدول استخدام لقاحات معينة، وعلاقة ذلك بمسألة الصراع والتنافس الدولي.

التوظيف السياسي:

يكشف الإعلان عن الاتفاق الإيراني الكوبي على إنتاج لقاح مضاد لـ(كوفيد-19)، عن حالة واضحة من التوظيف السياسي لهذا الاتفاق، من جانب إيران على وجه التحديد، وهو ما اتضح في صور عدة، من أهمها:

1-  مواجهة العقوبات الأمريكية: مع دخول كوبا في شراكة مع إيران لإنتاج لقاح مضاد لـ(كوفيد-19)، يسعى البلدان إلى الترويج لهذه الشراكة باعتبارها أحدث مثال على كيفية بناء علاقات أوثق بين الدولتين في مواجهة العقوبات الأمريكية. وتحاول إيران وكوبا من خلال هذه الشراكة توصيل رسالة إلى واشنطن مفادها أن العقوبات التي فرضتها عليهما لن تثنيهما عن المضيّ قدمًا في شراكتهما الجيواستراتيجية والاستمرار في تضامنهما المتبادل، والذي تطور على مدار السنوات الأخيرة، في ظل تبني البلدين سياسات مناهضة للهيمنة الأمريكية على العالم. ويُشير هذا التعاون أيضًا إلى رغبة البلدين في تبني نهج مستقل في إنتاج اللقاح بمعزل عن الشركات الغربية.

2- توظيف نظرية المؤامرة: من أبرز المؤشرات الدالة على التوظيف السياسي الإيراني لمسألة إنتاج اللقاح بالتعاون مع كوبا، تصريحات المرشد الإيراني "علي خامنئي"، قبيل الإعلان عن الاتفاق، والتي أكد فيها على حظر استيراد اللقاحات الأمريكية والبريطانية، مشيرًا إلى أنه "لا ثقة بها.. ربما يريدون تجربة اللقاح على دول أخرى". وهو ما يعني حظر استيراد لقاحات فايزر-بايونتيك، وموديرنا، وأسترازينيكا-أكسفورد.

وقال "خامنئي" في كلمة متلفزة يوم 8 يناير الجاري: "لو كان الأمريكيون قد تمكّنوا من إنتاج لقاح، فما كان للمأساة الناجمة عن فيروس كورونا أن تقع، حيث قضى نحو أربعة آلاف شخص مصاب في يوم واحد"، في إشارة إلى عدد الوفيات المرتبطة بـ(كوفيد-19) في الولايات المتحدة خلال يوم واحد.

وكرر الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، ما قاله "خامنئي"، حيث أكد: "لن نسمح بأن يُستخدم شعبنا أداة لتجارب اللقاحات". كما زعم "روحاني" أن "الشركات الأجنبية أرادت إعطاء إيران لقاحات لفحصها على الإيرانيين، فمنعت وزارة الصحة استيرادها". وصرّح الهلال الأحمر الإيراني بأن حظر "خامنئي" يعني أن 150 ألف جرعة من لقاح فايزر التي تبرع بها إيرانيون في الخارج لن تدخل البلاد بعد الآن.

وردًّا على موقف المرشد الأعلى الإيراني من اللقاحات الغربية، دعا مدير برنامج الطوارئ في منظمة الصحة العالمية "مايكل راين"، طهرانَ إلى "عدم تسييس اللقاح". وانتقدت منظمة العفو الدولية الحظرَ الذي تفرضه السلطات الإيرانية على اللقاحات الغربية، ووصفته بأنه "طائش"، و"يتماشى مع ازدراء السلطات منذ عقود لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والصحة".

3- مخاطبة الداخل الإيراني: لا يمكن فهم طريقة تعامل كبار المسؤولين الإيرانيين مع الاتفاق مع كوبا بمعزل عن تطورات الأوضاع الداخلية في إيران، التي تنتظر إجراء انتخابات رئاسية في يونيو 2021. وهنا تسعى القيادة العليا الإيرانية إلى حشد دعم المتشددين لتوجهات النظام الحاكم ومواقفه، وتوحيد الجبهة الداخلية؛ خاصة أن تصريحات "خامنئي" تعكس العلاقات المتوترة بين إيران والغرب، والتي لم تنحسر خلال الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

ويعارض المتشددون في إيران استخدام اللقاحات الغربية، لا سيما أمريكية الصنع. ففي ديسمبر الماضي، رفض الحرس الثوري استخدام اللقاحات الأجنبية ضد كورونا بالكامل. وقال مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء "محمد رضا نقدي"، إن الحرس الثوري "لا يوصي بحقن أي لقاح أجنبي". ومع ذلك، فإن طهران تُجري مشاورات مع كل من الهند، وروسيا، والصين، بشأن شراء لقاحات ضد (كوفيد-19).

وبالرغم من أن تصريحات "خامنئي" بشأن حظر اللقاحات الغربية قد حظيت بتأييد المتشددين الإيرانيين، فقد تسببت في صدمة كبيرة داخل الأوساط الطبية الإيرانية؛ إذ يأتي حظر استيراد اللقاحات الأمريكية والبريطانية في الوقت الذي تُعتبر فيه إيران هي الدولة الأكثر تضررًا من الوباء في الشرق الأوسط، مع تسجيلها أكثر من 56 ألف وفاة و1.2 مليون إصابة، وفقًا للأرقام الرسمية. وهو الأمر الذي دفع عددًا من الأطباء والمسؤولين في القطاع الطبي الإيراني إلى بعث رسالة للرئيس "حسن روحاني" يطالبونه فيها بعدم تسييس مسألة شراء اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، معربين عن بالغ قلقهم من تأخر سلطات بلادهم في البدء في عملية تطعيم المواطنين باللقاحات. وشدد الأطباء على أن "شراء اللقاح المضاد لكورونا يجب أن يكون وفق نظرة علمية تضمن المصالح القومية لمواطنينا، دون أي تسييس لهذا الأمر".

اعتبارات عملية:

على الرغم من غلبة الأبعاد الجيوسياسية على التعاطي الإيراني -وبدرجة أقل الكوبي- مع مسألة إنتاج لقاح مشترك؛ فإن ذلك لا ينفي وجود دوافع عملية وبراجماتية، أدت إلى تلاقي رغبة البلدين في الدخول في شراكة وتعاون ثنائي، ومن بين هذه الدوافع:

1- التغلب على القيود المالية والبشرية: تُعاني إيران وكوبا من العقوبات الأمريكية المفروضة عليهما منذ عدة سنوات، مما أدى إلى محدودية فرص تطوير اللقاح والحصول عليه. وفي هذا الإطار، تسعى إيران إلى إلقاء المسؤولية على العقوبات الأمريكية في عرقلة وصول اللقاحات إليها، لأن هذه العقوبات -وفقًا لطهران- تُجمد عملية إرسال الأموال وقت الدفع.

وبالرغم من أن العقوبات الأمريكية الصارمة التي يخضع لها البلدان تستثني الأدوية، فمع ذلك تفضل العديد من شركات الأدوية الأجنبية تجنب التكاليف القانونية لممارسة الأعمال التجارية معهما. وهو ما يبرر سعي البلدين إلى الاعتماد على الذات‭‭‭ ‬‬‬في ظل معاناة مشتركة من نقص السيولة، وصعوبة في الوصول إلى التمويل الدولي. لذلك فإن هذا التعاون المشترك ربما سيمكنهما من التقدم بسرعة أكبر فيما يتعلق بتطعيم سكانهما ضد (كوفيد-19).

في السياق ذاته، تسعى كوبا إلى التغلب على القيود البشرية المتعلقة بإجراء التجارب السريرية للقاح "Sovereign 2A"؛ حيث أعلنت الدولة الشيوعية الوحيدة في الأمريكتين أنها تريد تحصين سكانها بالكامل باللقاحات المحلية بحلول النصف الأول من هذا العام. وتجد كوبا صعوبة في إجراء التجارب السريرية للمرحلة الثالثة في كوبا، لأن تفشي المرض لم يكن خطيرًا كما هو الحال في العديد من دول العالم. وقد بلغت حالات الإصابة بـ(كوفيد-19) بين سكان كوبا 14 ألف حالة إصابة و148 حالة وفاة، وفقًا للبيانات الرسمية.

2- تحقيق مكاسب اقتصادية: يرتبط هذا الدافع -بشكل كبير- بسابقه؛ ففي ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة على كوبا فإنها تعمل على تنويع مصادر دخلها القومي للتغلب على مسألة نقص التمويل، وذلك من خلال الترويج لفكرة بيع اللقاح في حال نجاحه. ووفقًا للسلطات الكوبية، يُمكن البدء في تحصين السكان في النصف الأول من عام 2021، مما يعني بدء جزء من عملية الإنتاج قبل نهاية التجارب، وإمكانية بيع اللقاح في الخارج بعد الانتهاء من تطعيم جميع سكانها البالغ عددهم 11 مليون نسمة. ويأتي ذلك في ظل إعلان كوبا عن أن عدة دول عبرت عن اهتمامها باللقاحات التي تطورها للوقاية من فيروس (كوفيد-19).

ويُشكّل تصدير اللقاحات والأدوية المصنعة محليًا مصدرًا مهمًا للدخل القومي لكوبا، وفي بداية الوباء روجت السلطات لبيع الأنترفيرون المنتج محليًا، وهو بروتين ينتجه الجسم بشكل طبيعي استجابة للفيروس. وبلغت قيمة صادرات كوبا من المنتجات الطبية والصيدلانية 38.5 مليون دولار أمريكي في ديسمبر 2019، و49.2 مليون دولار عام 2018.

ويأتي ذلك في ظل تمتع كوبا، على الرغم من كونها دولة نامية، بقاعدة علمية قوية وحديثة من المختبرات، وخبرات متميزة في مجال التكنولوجيا الحيوية؛ حيث تنفق الدولة ما يقرب من %1.2 من ناتجها المحلي الإجمالي على صناعة العلوم والتكنولوجيا. وقد وصف أحد إصدارات منظمة الصحة العالمية، النظامَ الصحي الكوبي بأنه "واحد من أكثر أنظمة العالم فعاليةً وتفردًا من نوعه". ووصفه الأمين العام السابق للأمم المتحدة "بان كي مون" بأنه "نموذج" للدول الأخرى حول العالم.

يُضاف إلى ذلك أن لدى كوبا أعلى نسبة من الأطباء في العالم، بواقع 8.4 لكل ألف شخص، وفقًا للبنك الدولي، والعلماء الكوبيون لديهم خبرة كبيرة في تطوير وتصنيع اللقاحات، ويُعد معهد فينلاي، الذي تأسس في أوائل التسعينيات، من المعاهد الحكومية الرائدة في مجال التكنولوجيا الصحية وتطوير البحوث واللقاحات في كوبا. وتنتج كوبا نحو 80% من اللقاحات التي تُستخدم في إطار برنامج التحصين الوطني، الذي يحتوي على 11 لقاحًا لتحصين الأطفال ضد 13 مرضًا، ثمانية منها يتم تصنيعها داخل البلاد.

3- نقل التكنولوجيا والمعارف: تسعى طهران إلى الاستفادة من التجربة الكوبية، والتعاون في مجال نقل التكنولوجيا والمعارف، المتعلقة بأكثر لقاحات كوبا تقدمًا، وإجراء المرحلة الأخيرة من التجارب السريرية للقاح على البشر داخل إيران. وكان وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف"، قد أعرب خلال زيارته لهافانا ضمن جولة بأمريكا اللاتينية في نوفمبر الماضي، عن إعجابه بإنجازات التكنولوجيا الحيوية لكوبا في مواجهة (كوفيد-19).

وكشف المتحدث باسم وزارة الصحة الإيراني "كيانوش جهانبور"، عن أن 50 ألف متطوع سيشاركون في إجراء المرحلة الثالثة من التجارب السريرية. مؤكدًا أن نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك شرطان أساسيان للسماح بإجراء الاختبارات على البشر في البلاد.

وتأتي أهمية ذلك بالنظر إلى توافر قدرات عالية لإنتاج اللقاحات في كوبا، مما يجعل منها شريكًا جذابًا للمشروعات الطبية المشتركة. ومن المُرجح أن تعمل طهران على الاستفادة منها، خاصة أنها تعكف على تطوير لقاح محلي خاص بها. وقد سبق أن أعلنت السلطات الإيرانية في نهاية ديسمبر الماضي، إطلاق "المرحلة الأولى" من التجارب السريرية على اللقاح. وطهران تشارك أيضًا في مبادرة "كوفاكس"، التي تقودها منظمة الصحة العالمية لضمان وصول الدول الأقل نموًا للقاح فعّال للوقاية من (كوفيد-19). في حين أن لدى كوبا حاليًا أربعة لقاحات محتملة في طور التجارب، منها لقاح "Sovereign 2A" الأكثر تقدمًا في مراحله التجريبية؛ إذ يُظهر "استجابة مناعية مبكرة (في 14 يومًا). وتُراهن كوبا على التطوير المحلي للقاحات، لكنها لم تعلن بعد عن موقفها من الانضمام إلى مبادرة كوفاكس.

4- تعزيز الدبلوماسية الصحية: يُمثل التعاون الكوبي مع إيران في إنتاج لقاح (كوفيد-19)، واستمرار هافانا في تطوير لقاحاتها المحلية؛ جزءًا لا يتجزأ من الدبلوماسية الصحية التي تروج لها هافانا منذ عدة عقود، والتي برزت بشكل واضح خلال أزمة (كوفيد-19). ولا تتعلق الدبلوماسية الصحية لكوبا بتطوير وتصنيع اللقاحات فحسب؛ بل ترتبط أيضًا بقيامها بإرسال أطقمها الطبية إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقيا. وتُشير بعض التقديرات إلى أن كوبا أرسلت أكثر من 400 ألف متخصص في مجال الطب للعمل في ما يزيد على 160 دولة على مدار العقود الستة الماضية.

ومع نجاح كوبا في التصدي لوباء كورونا، قامت بإرسال أطقمها الطبية إلى حوالي عشرين دولة حول العالم، بما في ذلك جنوب إفريقيا، والمكسيك، وموزمبيق، وفنزويلا، ونيكاراغوا، وسورينام، وجامايكا، وغرينادا، إلى جانب كندا، وإيطاليا التي كانت إحدى أكثر الدول تضررًا في أوروبا.

وبالرغم من أن الدبلوماسية الصحية النشطة لكوبا قد أكسبتها الثناء والتقدير على المستوى الدولي، فهي أيضًا مصدر دخل للبلاد. ووفقًا لمجلة "الإيكونوميست"، شكّلت الخدمات الطبية لكوبا في الخارج 46% من صادرات البلاد عام 2019 و6% من الناتج المحلي الإجمالي.

ومن جملة ما سبق، يمكن القول إن التعاون الإيراني الكوبي في مجال إنتاج لقاح مضاد لـ(كوفيد-19) ليس مفاجئًا بالنظر إلى سعي البلدين لمواجهة العقوبات الأمريكية المفروضة عليهما. ولكن -في الوقت نفسه- شكلت مجموعة من الاعتبارات الموضوعية أساسًا قويًا لهذا التعاون، الذي ربما يواجه بعض القيود المتعلقة بتوافر الموارد المالية اللازمة لتصنيع اللقاح في حال ثبتت فعاليته، في ظل السوابق الخاصة بفشل التعاون الروسي الكوبي في إنتاج لقاح "سبوتنيك V"، والذي كان من المخطط أن تبدأ كوبا في إنتاجه في نوفمبر من العام الماضي، لكن هذه الخطط تعثرت بسبب القيود المالية التي أدت إلى تعليق العديد من المشاريع المشتركة بين البلدين.