يبدو من خلال مراجعة مجمل المواقف السابقة للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن أن السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري لن تتغير كثيراً عن خطوطها العريضة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها ربما تكون أكثر اتساقاً في تفاصيلها، حيث يُتوقع أن لا تشهد تلك السياسة قرارات أو مواقف متضاربة على غرار ما حدث، في بعض الأحيان، خلال الأعوام الأربعة الماضية.
خطوط عريضة:
يمكن القول إن ثمة محددات أساسية تفرض تأثيرها على السياسة الأمريكية في سوريا وتتمثل في:
1- مواصلة التعاون مع الأكراد: سوف تضع إدارة بايدن على قمة أولوياتها ضمان البقاء في شمال شرق سوريا، وذلك عن طريق التنسيق مع الدول الأوروبية التي تمتلك نفوذاً في تلك المنطقة، وفي مقدمتها فرنسا. وستسعى الإدارة الجديدة إلى مواصلة التعاون مع الأكراد، باعتبارهم حليفاً رئيسياً لواشنطن في مواجهة تنظيم "داعش"، على نحو يمكن أن يؤدي إلى تصعيد حدة التوتر مع تركيا، على عكس إدارة ترامب التي حاولت، في بعض الأحيان، الوصول إلى توافقات مع الأخيرة، حتى لو كانت على حساب تعاونها المستمر مع الأكراد.
2- استمرار الانخراط العسكري الأمريكي: يتضمن هذا المحور بعض الإجراءات التنفيذية المتوقعة مثل استمرار دعم الحملة الإسرائيلية على المواقع التابعة لإيران وحزب الله في سوريا من أجل دفعهما للالتزام بما يسمى "الخطوط الحمراء" في سوريا، والحرص على ضمان الالتزام باتفاق منع الصدام بين الجيشين الأمريكي والروسي في الأجواء السورية. وبالتالي، من غير الوارد أن تتجه الإدارة إلى سحب القوات الأمريكية الموجودة في سوريا بعد فوز بايدن، مثلما حاول ترامب من قبل وتراجع بعدها، إلا في حالة التوصل لحل سياسي مُرضٍ لواشنطن.
3- السعى لمنع استعادة النظام السوري للشرعية الدولية: من المتوقع أن تحرص إدارة بايدن على منع استعادة النظام السوري للشرعية الدولية من جديد. ومن المحتمل أن يتم ذلك من خلال ممارسة ضغوط على الدول التي قد تحاول اتخاذ إجراءات في هذا السياق، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
4- الإبقاء على عقوبات "قيصر": ربما تتجه الإدارة الديمقراطية إلى التنسيق مع الدول الأوروبية في فرض عقوبات اقتصادية جديدة على الحكومة السورية ومؤسساتها والشخصيات المقربة منها، في إطار ما يُعرف بقانون "قيصر"، خاصة أن الحزب الديمقراطي كان قد توافق مع الحزب الجمهوري في الكونجرس على فرض هذه العقوبات.
ويتوازى ذلك مع عزوف واشنطن عن المساهمة في تمويل عمليات إعادة الإعمار في سوريا في ضوء عدم توافر البيئة السياسية والأمنية الملائمة لذلك، في رؤيتها، وفرض عقوبات على رجال الأعمال السوريين المنخرطين في مشاريع الإعمار كما حدث من قبل، بجانب الضغط على الدول لعدم التعاون مع الجهود الروسية الحالية لتنظيم مؤتمر لدعم اللاجئين في دمشق، قبل توفر شروط عودتهم.
اعتبارات عديدة:
تستند الاتجاهات التي ترجح اتجاه إدارة بايدن إلى الإبقاء على حضور عسكري وسياسي في الساحة السورية، إلى اعتبارات عديدة هى:
1- التصريحات الإعلامية لمسئولي حملة بايدن: أشارت تقارير عديدة، في أول نوفمبر الجاري، إلى أن أحد مستشاري حملة بايدن التقى ببعض أعضاء الجالية السورية في الولايات المتحدة، وأكد خلال اللقاء على أن بايدن، بعد وصوله للرئاسة، سيوضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه "لا إعمار في سوريا من دون إصلاح سياسي". وبحسب تلك التقارير، أكد هذا المسئول على ضرورة الإفراج عن المعتقلين لدى النظام، وأن بلاده لن ترفع العمل بالعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، موضحاً أن واشنطن ستواصل تحركاتها الدبلوماسية في عواصم دول العالم والمحافل الدولية لمواجهة الدعاية الروسية التي تساهم في تحسين صورة الأسد.
2- مزاحمة طهران: على الرغم من أن معظم التحليلات ترجح أن تتبنى إدارة بايدن سياسة أكثر مرونة من إدارة ترامب في التعامل مع إيران خاصة فيما يتعلق بدورها في بعض دول الأزمات، وعلى رأسها سوريا، إلا أنه من غير المتوقع أن يتخذ بايدن قراراً بالخروج من المشهد السوري وتهيئة المجال أمام توسع نفوذ طهران، لاسيما في ظل إدراكه لمدى أهمية هذا الملف بالنسبة لحلفاء واشنطن في المنطقة.
3- المخاوف من عودة تنظيم "داعش": شهدت الفترة الأخيرة تنامياً واضحاً في قوة خلايا تنظيم "داعش" في سوريا، وتجلى ذلك في التحذيرات الأممية المكثفة من تصاعد قوة التنظيم على الساحتين السورية والعراقية، وهو ما يتوازى مع اتخاذ الأكراد خطوات إجرائية تدريجية لتفكيك مخيم الهول في شمال شرق سوريا، والذي يضم عوائل تنظيم "داعش"، وهو ما سيفرض على الإدارة الأمريكية الإبقاء على الحضور العسكري الأمريكي في سوريا للتصدي للتنظيم.
4- توجيه رسائل للحلفاء: ربما تسعى الإدارة الديمقراطية إلى توجيه رسائل لحلفاء واشنطن تفيد عدم التراجع عن الثوابت التي تفرضها العلاقات الاستراتيجية معهم، خاصة أن إدارة ترامب واجهت بعد العمليات العسكرية التركية في مناطق الأكراد بشمال سوريا في أكتوبر 2019، انتقادات قوية بسبب دورها السلبي وعجزها عن منع تلك العمليات.
ختاماً، تدرك القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية أنها ربما تتجه إلى مراحلها الأخيرة، وأن معركة إدلب، التي يحاول الجيش الروسي حالياً مساعدة الجيش السوري لحسمها، قد تكون آخر معركة كبرى تجري على الأرض السورية، وهو ما يبدو أنه سيدفع إدارة بايدن إلى السعى لاتخاذ خطوات يُمكن من خلالها الحفاظ على دورها في عملية إعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية التي ربما تشهدها سوريا خلال المرحلة القادمة.