لا يبدو أن التداعيات التي سيفرضها انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس الجاري، سوف تقتصر على لبنان فقط، وإنما ستمتد أيضاً إلى سوريا. والجدير بالذكر أن الانعكاسات المباشرة لتدمير مرفأ بيروت على سوريا تمثلت حتى الآن في مقتل 43 سورياً في الحادث، وذلك بحسب ما أعلنت السفارة السورية في بيروت في 8 من الشهر نفسه، وذلك ضمن حصيلة غير نهائية بسبب البحث المتواصل عن مفقودين.
تأثيرات مختلفة:
يمكن تناول التداعيات الفعلية والمحتملة على المشهد السوري جراء انفجار مرفأ بيروت، وذلك على النحو التالي:
1- التضرر الحتمي للاقتصاد السوري المحاصر بالعقوبات: توقع خبراء ومسئولون سوريون أن يكون الضرر الاقتصادي الذي سوف تتعرض له سوريا نتيجة انهيار مرفأ بيروت بالغاً. فعلي سبيل المثال، قالت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي، في 8 أغسطس الجاري: "الاقتصاد السوري حتماً سيتأثر بشكل مضاعف لأنه يخضع سلفاً لحصار جائر وعقوبات اقتصادية آخرها قانون قيصر، الذي يفرض عقوبات على الشركات الأجنبية التي تتعاون مع سوريا، ومن خلال هذا المرفأ الحيوي كان يمكن استيراد البضائع إلى لبنان وإعادة تصديرها براً إلى سوريا، فكان بمثابة الرئة في ظل حصار خانق".
كما قدَّر خبراء اقتصاديون سوريون خسائر التجار السوريين في انفجار مرفأ بيروت بأكثر من مليار دولار أمريكي جراء تضرر بضائعهم التي كانت موجودة على أرض المرفأ بسبب عدم استكمال إخراجها من الميناء نتيجة الأزمة المالية في بيروت ومشكلة تحويل الأموال من مكان إلى آخر.
2- تراجع الدور العسكري لحزب الله: من المتوقع أن يؤثر تدمير مرفأ بيروت على الدور الذي يقوم به حزب الله على الساحة السورية، وذلك في ضوء الضغوط المتعددة التي يتعرض لها الحزب في الوقت الراهن، خاصةً مع وجود اتهامات له من جانب البعض بتحمل مسئولية ما حدث وتوارد الحديث عن أنه كان يستعمل المرفأ في تخزين أسلحة لنقلها إلى سوريا.
كما أنه من الطبيعي أن ينشغل الحزب في الفترة المقبلة بتطورات الأزمة الداخلية المركبة في لبنان، والتي يتوقع أن تتصاعد حدتها بعد استقالة حكومة حسان دياب، حيث بدأت مؤشرات الخلاف حول تشكيل الحكومة الجديدة تظهر تدريجياً على الساحة، لاسيما في ظل انخراط بعض القوى الدولية فيها.
3- تصاعد الضربات الإسرائيلية ضد إيران وحزب الله في سوريا: سوف تسعى إسرائيل إلى استغلال حادث مرفأ بيروت وتبعاته على النشاط العسكري لحزب الله اللبناني في الساحة السورية، من أجل فرض ضغوط إضافية علي إيران والحزب في سوريا خلال الفترة المقبلة. وتشير تحليلات عديدة إلى أن إسرائيل قد تُوظِّف المعادلة الجديدة في لبنان بعد كارثة مرفأ بيروت لزيادة ضرباتها ضد حضور إيران وحزب الله في سوريا، بشكل يخدم استراتيجيتها وأهدافها في الملف السوري.
4- تراجع المساعدات الأممية: قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية، في 7 أغسطس الجاري، أن المنظمة تبحث الآن عن طرق جديدة لإيصال المساعدات إلى سوريا ولبنان بعد دمار مرفأ بيروت الذي كانت تُعوِّل عليه في هذه المهمة، وأضاف: "ستتم على الأرجح إعادة توجيه المساعدات الإنسانية إلى ميناء طرابلس، ولكن قدرته أقل، ما قد تكون له آثار على بعض الشحنات".
جدير بالذكر أن المساعدات المقدمة إلى سوريا تأتي في الوقت الحالي عبر منفذين: الأول، هو منفذ باب الهوى على حدود تركيا، حيث بات المعبر الوحيد لنقل المساعدات عبر الحدود بعد ضغوط روسيا في مجلس الأمن لإغلاق بوابات أخرى مع الأردن والعراق وتركيا.
والثاني، هو مرفأ بيروت، حيث كانت تصل إليه المساعدات قبل نقلها براً إلى دمشق. وفي سياق متصل، أشارت تقارير عديدة إلى وجود مساعي روسية وسورية للدفع نحو اختيار مرفأ اللاذقية ليكون بوابة لإيصال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية إلى سوريا ولبنان بدلاً من مرفأ بيروت.
5- التلويح بملف اللاجئين السوريين: عاد ملف اللاجئين السوريين في لبنان إلى الواجهة من جديد بشكل لافت في أعقاب تدمير مرفأ بيروت، وسعت أطراف لبنانية، على ما يبدو، إلى استغلاله في إدارة علاقاتها مع الدول الأوروبية عبر التهديد الصريح بقدرة لبنان على فتح الباب أمام اللاجئين السوريين للجوء إلى أوروبا في حال تأزم المشهد اللبناني بشكل أكبر في المرحلة المقبلة، وذلك في خطوة شبيهة بالنهج التركي المعهود في هذا الصدد.
ولعل أبرز دليل على ذلك هو استغلال وزير خارجية لبنان الأسبق جبران باسيل لكارثة انفجار المرفأ وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت للتركيز على قضية اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان، حيث تناقلت وسائل إعلام لبنانية قول باسيل لماكرون خلال لقائهما في 6 أغسطس الجاري: "لا نغفل واقع وجود مليونى لاجئ ونازح على أرضنا نتيجة للحروب غير العادلة. هؤلاء الذين نرحب بهم بسخاء، قد يسلكون طريق الهروب نحوكم في حال تفتت لبنان".
الخاسر الأكبر:
من الواضح إذن أن سوريا ستكون المتضرر الإقليمي الأكبر من جراء كارثة مرفأ بيروت، ويتنوع الضرر الواقع عليها ليشمل تبعات اقتصادية سلبية، خاصةً مع التأثير السلبي الحتمي المتوقع للاقتصاد السوري المحاصر بالعقوبات. يُضاف إلى ذلك التصاعد المرتقب للضربات الإسرائيلية على سوريا جراء استغلال تل أبيب للضغوط المفروضة على حزب الله اللبناني والتي ستجعله ينكفئ على الداخل اللبناني في الفترة المقبلة. كما ستتقلص المساعدات الإنسانية الأممية المقدمة لسوريا، وسيشكل ملف اللاجئين السوريين تحدياً أكبر.